أنظمة التجسس.. كيف حولتها إسرائيل إلى تجارة رائجة في المنطقة؟

12

طباعة

مشاركة

برنامج "بيجاسوس" التابع لمجموعة "إن إس أو" الإسرائيلية هو آخر أنظمة التجسس الذي ثبت أن إسرائيل باعته لـ 45 دولة حول العالم، بينهم 16 دولة عربية.

تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية وتقارير إعلامية غربية رسمت صورة قاتمة عن هذه الدول وربطت بين سجلها القمعي وانتهاكات حقوق الإنسان خلال عامي 2017 و2018 وبين الانتشار العالمي لبرامج التجسس الإسرائيلية.

من بين الدول العربية جاء اسم السعودية التي دفعت مبلغ 55 مليون دولار،  مقابل برنامج اختراق الهواتف الذي وصفته مجلة فوربس الأمريكية بأنه "أكثر برنامج تجسس على الهواتف المحمولة انتهاكا للخصوصية".

يتزايد طلب الأنظمة المستبدة على هذه البرامج حيث تستخدمها في ضرب وإسكات المعارضين بالداخل من المواطنين وناشطي حقوق الإنسان. وبالمقابل تطور إسرائيل صناعة البرمجيات العدوانية حتى أصبح المجال يطغى على التجارة في المعدات العسكرية.

فئران تجارب

خرج مؤسسو شركة "إن إس أو" من تحت جناح وحدة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية وبدأت الشركة بالتجسس على الفلسطينيين، بحثا عن فضائح جنسية أو مشاكل صحية أو صعوبات مالية بغرض ابتزازهم للتعاون مع إسرائيل. 

"تحول العالم كله إلى فلسطينيين تدريجيا"، حسب المحلل الإسرائيلي جيف هالبر الذي قال: إن إسرائيل حققت دورا محوريا على مستوى العالم في دمج التكنولوجيا الرقمية الجديدة مع صناعة الأمن الداخلي. 

وكان هالبر قد أفاد بأن إسرائيل تعامل ملايين الفلسطينيين مثل فئران التجارب في مختبرات مفتوحة، جُرب عليهم تطوير منظومات الأسلحة، والآن برامج المراقبة والتحكم.

وحسب تقرير نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، تعد عملية المراقبة الإسرائيلية للفلسطينيين من بين الأضخم من نوعها في العالم. وتشمل مراقبة وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي والشعب بأكمله.

وبالحديث عن برنامجها الأخير فقط، كشف تحقيق لشركة "واتساب" أن 1.400 شخص على الأقل من مستخدمي التطبيق حول العالم تعرضوا للاستهداف.

وشملت قائمة المُستهدفين أشخاصا من 20 دولة على الأقل، في 4 قارات. وقال جون سكوت ريلتون، الباحث البارز في"معمل المواطن": إن الكثير من أولئك الأشخاص أظهروا أدلة واضحة على أن محاولة اقتحام خصوصياتهم لا علاقة لها بـ"منع الإرهاب"، وهو ما تدعيه الشركة دائما. 

زبائن عرب

مسح مختبر "سيتيزن لاب" على الإنترنت بحثا عن خوادم مرتبطة بـ"بيجاسوس"، ووجد آثاره في 45 دولة من بينها 16 دولة عربية هي: الجزائر والبحرين ومصر والعراق والأردن والكويت ولبنان وليبيا والمغرب وعمان وفلسطين وقطر والسعودية وتونس والإمارات واليمن. إلى جانب دول مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وفرنسا وإسرائيل وتركيا.

تحقيق لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية كشف أن شركة التجسس الإسرائيلية "إن أس أو" أجرت مفاوضات متقدمة لإبرام صفقة لبيع آليات تكنولوجية ومعدات تجسس للسعودية.

وعرضت الشركة المتخصصة بالحرب الرقمية على عملاء الاستخبارات السعودية نظاما لقرصنة الهواتف المحمولة، وذلك قبل بضعة أشهر من إطلاق ولي العهد السعودي ابن سلمان حملة على معارضيه.

وفي 2017 اقترحت الشركة الإسرائيلية على السعوديين بيعهم برنامج التجسس الإلكتروني بـ208 ملايين دولار، ليستقر مبلغ صفقة بيع "بيجاسوس 3" بعد المفاوضات مع الرياض على 55 مليون دولار.

في نفس السنة كشفت مصادر لدورية "إنتليجنس أونلاين" الاستخباراتية الفرنسية، أن شركة "فيرينت" الإسرائيلية أصبحت الشريك الرئيسي للإمارات في مجال أنظمة الاعتراضات "اعتراض البيانات المرسلة عبر الإنترنت". 

ووفقا للدورية الفرنسية، فازت "فيرينت" بمناقصة كبرى سرية مع الهيئة الإماراتية الوطنية للأمن الإلكتروني (نيسا)، والمؤسسة التابعة لها سيغنال إنتليجانس (سيجنت)، ووكالة المخابرات الإلكترونية. 

وشملت الصفقة، التي بلغت قيمتها 150 مليون دولار، تنفيذ جميع عمليات الاعتراض التي طلبتها الحكومة الإماراتية.

تجارة مربحة

على عكس الأسلحة الأخرى فإن ثمن هذه الأنظمة يعتمد فقط على مدى رغبة العميل في شرائها، وبالتالي على إمكانياتها الاقتصادية الهائلة، ويمكن أن يصل معدل الربح في مثل هذه المعاملات إلى مئات الأضعاف.

كثير من المال والنفوذ تمكنت إسرائيل من كسبهما من وراء هذه الصناعة المظلمة التي طورتها على مدار سنوات حتى أصبحت رائدة على مستوى العالم في سوق البرمجيات العدوانية. 

وهو ما أكده المتخصص في الإعلام الجديد سعد هيثم بقوله: "تاريخيا في الشرق الأوسط يقول بأن دولة الاحتلال هي الأكثر تفوقا تقنيا وتمتلك عددا من الشركات التقنية بشكل كبير جدا وبينهم موظفون متفوقون ولديهم أفكار متقدمة". 

وأضاف لصحيفة "الاستقلال": أن "صناعة البرمجيات هي تجارة رائدة جدا في تل أبيب وتدعمه الحكومة ورجال الأعمال والمطورون بشكل منظم وعالي الجودة وبدأوا بتصدير برامج التجسس للأسواق الخارجية". 

وأشار هيثم إلى أن إسرائيل تقدم خدمة للأنظمة الشرق أوسطية القمعية، وهناك تعاون وتطبيع بشكل كبير على المستوى العربي، إذ تبيع لهم برامج يتجسسون بها على المعارضين وتساعدهم على تجميع بيانات من أشخاص معارضين للحكومة أو النظام.

أنظمة مخترَقة

"المال عند الصهاينة في المركز الأول"، يقول المتحدث للصحيفة: لكن الأمر بالنسبة لهم تجارة وقوة ناعمة يتمكنون عبرها من اختراق كيانات أخرى، ويستفيدون أيضا من تجميع البيانات لنفسهم، فحتى وإن كانوا يبيعون نظام تجسس لمصر مثلا أو السعودية فهم في نفس الوقت يتجسسون به على هذه الدول حتى وإن لم يصرحوا بذلك.

تستخدم الحكومة الإسرائيلية تقنيات التجسس هذه في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث أصبح احتلالها محور خلاف ظاهر في الخطاب السياسي السائد. وبالتالي يحق لإسرائيل أن تزعم أنها سلطة عالمية في هذا المضمار، لكنها كانت حريصة على مسح بصماتها من جزء كبير من تكنولوجيا المراقبة.

ونقل تقرير نشرته صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية عن مسؤولين سابقين، أن واشنطن خلُصت خلال العامين الماضيين، إلى إمكانية أن تكون إسرائيل مسؤولة عن وضع أجهزة تنصت مرتبطة بالهواتف النقالة قرب البيت الأبيض ومواقع أخرى في واشنطن.

لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال: إن معلومات التقرير "كاذبة"، ووقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى جانب نتنياهو، نافيا المعلومات الواردة في التقرير، ومؤكدا أن علاقته بإسرائيل "ممتازة". 

سوق للمنافسة

تدريب عناصر بين الأنظمة المتعاونة مع إسرائيل يمكن أن يكون ضمن الاتفاق، لكن هل ستعطي إسرائيل في هذا التدريب كل الأدوات؟ يتساءل المتخصص في الإعلام الجديد قبل أن يجزم: طبعا، لا. والسبب أنها ليست العقلية التي يفكر بها الصهاينة فهو سيحجب بالتأكيد كثيرا من المعلومات.

لم يستبعد هيثم سعد أن تكون إسرائيل قد استبدلت تجارة السلاح بتجارة برمجيات التجسس التي قد توفر أرباحا أكثر، وتنافسها فيها إيطاليا بعد أن ثبت تورطها في 2017 مع الحكومة المصرية في بيع أنظمة تجسس على المعارضين للنظام المصري.

روسيا أيضا قد تنافس إسرائيل باعتبار سوق البرمجيات صعب احتكاره لأنه يعتمد على عقول تنتج أفكارا، يقول المتخصص مضيفا: "النظام الروسي ينتج برامج التجسس عالية الدقة، أما الصين فهي تتجسس على شعبها وشركات أوروبية وأيضا على أمريكا، ويمكننا القول بأن إسرائيل تأتي في المرتبة الأولى بين هؤلاء".

الكلمات المفتاحية