انتهاكات بحق المعتقلين.. هل تعود سجون المغرب إلى عهد "تزمامارت"؟

12

طباعة

مشاركة

تقارير حقوقية أفادت أن التعذيب مستمر منذ أشهر في حق معتقلي حراك الريف (منطقة في الشمال) بالمغرب، المحتجزين بتهمة "المطالبة بالانفصال" وصلت عقوبتها في حق بعضهم إلى 20 سنة سجنا، بعد الخروج في حراك شعبي واسع مطالب بالتنمية والعدالة الاجتماعية. 

التقارير ذهبت إلى حد وصف الوضع بـ"العودة الى سنوات الرصاص"، وهي سنوات امتدت من عام 1956 إلى عام 1999 عرفت انتهاكات جسيمة في مجال حقوق الإنسان مارسها النظام السابق.

البعض شبه السجون المغربية بـ"معتقل تزمامارت" الذي بناه الاستعمار الفرنسي واستخدمه الملك السابق الحسن الثاني لاعتقال معارضيه العسكريين والسياسيين خصوصا ممن خططوا للانقلاب عليه، ومورست فيه أشد أنواع التعذيب.

جمعيات حقوقية بالمغرب تهتم بملف حراك الريف، كشفت أن أنواع التعذيب وصل إلى درجة الاغتصاب في حق ناصر الزفزافي قائد الحراك واسمه البارز، وهو ما أثبته الزفزافي في تسجيل من مكالمة هاتفية مع أسرته من داخل السجن، أسمتها المندوبية العامة لإدارة السجون- مؤسسة حكومية لتدبير وإدارة سجون المملكة - بالتسريبات حتى تعطيها طابعا إجراميا يخول لها ممارسة "العقاب" في حق معتقلي الملف.

فهل يعود المغرب بهذه الممارسات إلى سنوات الرصاص؟ وهل تحولت السجون إلى معتقل تزمامارت من جديد، بعد المصالحة الوطنية التي عقدها النظام الجديد مع ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان؟

ما بعد المصالحة

في أول سنة من اعتلائه العرش عام 1999، أوصى ملك المغرب محمد السادس بإنشاء هيئة التحكيم المستقلة (غير قضائية) لتصفية ملفات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي مارسها والده الحسن الثاني الذي توفي في نفس السنة، وذلك لتحقيق انفراجة سياسية داخل البلد وتحسين صورته وسط المجتمع الدولي.

خرجت الهيئة بقرار استخراج تعويضات مالية للضحايا وأسرهم، وفي عام 2004 عين الملك أعضاء هيئة الإنصاف والمصالحة للتحري حول الانتهاكات التي ارتكبت فيما سمي بسنوات الرصاص.

قدمت الهيئة تقريرها في 2005 إلى الملك الذي أوكل إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي يعتبر لسانا للدولة، متابعة تنفيذ توصيات الهيئة.

حددت الحالات التي مورست في حقها الانتهاكات بالمئات بين إخفاء قسري واعتقالات وأشد أنواع التعذيب، بل تحدث البعض عن مقابر جماعية لم تعترف بها الهيئة، إلا أن الدولة لم تصدر اعتذارا رسميا عن هذه الانتهاكات واعتبرت أنها طوت صفحة الماضي عبر التسوية غير القضائية.

رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان (غير حكومية) عزيز غالي، قال لـ"الاستقلال": "المغرب لم يخرج من سنوات الرصاص أصلا حتى يعود إليها. مذكرا بمحطات الحقيقة والإنصاف التي بدأت عام  2006، حيث اشتغل المغرب خلالها على مجموعة من الآليات منها العدالة الانتقالية وهيئة الحقيقة والإنصاف ومخرجاتها ثم ختم بدستور 2011".

أوضح الحقوقي أن "كل هذا كان يجري بشكل سلس لأنه لم تكن هناك محطة بمثابة محك لتجربة هل ذلك حقيقي أم لا إلى أن جاء حراك الريف الذي يعتبر أول محطة تجريبية لهذه الآليات ومدى جديتها بما فيها المجلس الوطني لحقوق الإنسان والاتفاقيات ومخرجات هيئة الإنصاف والمصالحة وهل هي بالفعل تطبق أم لا".

وقال المتحدث جازما: "وجدنا أن كلها ادعاءات فيما الحقيقة بعيدة. فقد أصبح السجناء يعانون التعذيب والاغتصاب وهناك انتهاكات كبيرة في مجال حقوق الإنسان، منها المحاكمات الغير عادلة ورجوع ظاهرة المنافي إذ يهاجر الكثيرون كطالبي لجوء سياسي". 

عودة تزمامارت

قالت جمعية "ثافرا للوفاء والتضامن مع عائلة معتقلي حراك الريف": إن "المندوبية العام لإدارة السجون (حكومية) ارتدت إلى ما هو أبشع من سنوات الرصاص، إذ قررت أن تجهز على المكاسب البسيطة التي ضحى من أجلها معتقلو الحراك بحياتهم وسلامتهم البدنية والنفسية، بدل الاستجابة لمطالبهم الملحة والبسيطة".

وطالبت الجمعية بـ"وقف الإجراءات العقابية وإخراج المعتقلين من الزنازين الانفرادية مقابل وقف الإضراب عن الطعام، والتراجع عن الاستفزازات والتمييز العنصري والتعذيب الجسدي والنفسي الذي تعرضوا له، والزج بهم في زنازين انفرادية ضيقة بدون أفرشة وأغطية تنعدم فيها أبسط شروط الحياة".

ومن جهته اتهم والد ناصر الزفزافي إدارة السجون بأنها "تعيد تكرار ما وقع في الماضي بسجن تزمامارت ومراكز التعذيب، محملا المسؤولية لمندوبية السجون".

وفي تصريحه لـ"الاستقلال" كشف رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن "آخر دراسة أجريت أثبتت وجود حالات اغتصاب بشكل كبير داخل السجون، ذلك بالإضافة إلى حالة الاكتظاظ، وبالتالي فإن الوضعية في السجون غير سليمة وغير مطمئنة".

وفسر عزيز غالي أن "لمعتقلي حراك الريف وضع خاص صنعته الدولة إذ جعلت لهم مجموعة من الامتيازات خلال المحاكمات منحت لهم عن طريق المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي كان يلعب دور الوساطة بين أهالي المعتقلين وادارة السجن، لكن هذه الامتيازات اختفت فور انتهاء المحاكمات وخروج الأحكام النهائية. ليبدأ مسلسل من التراجعات عن المكتسبات التي تعتبر حقا من حقوق المعتقلين السياسيين الذين يختلف وضعهم عن معتقلي الحق العام".

وزاد المتحدث موضحا: أن "المندوبية العامة للسجون دخلت في سلسلة من الافتراءات في حق المعتقلين، تريد الدولة من خلالها أن تثبت أنهم مجرمون وأيضا للتضليل والتشويش على ما يرتكب في حقهم من تعذيب".

"العصا والجزرة"

قبل أسبوعين اثنين، أجرى المجلس الوطني لحقوق الإنسان (تابع للدولة) زيارة إلى السجن للتحقيق في تصريحات عائلات معتقلي الريف والهيئات الحقوقية التي تدافع عن الملف. 

بعد الزيارة خرج المجلس بخلاصة أنه لا وجود لأي تعذيب في حق المعتقلين، ووصف في تقريره ما ارتكب في حق المعتقلين بـ "إجراءات تأديبية"، بعد أن أشار إلى أن الفحص الطبي أظهر وجود كدمات على معتقلين اثنين قال إنها نتيجة "مشادات بينهم وبين حراس السجن".

نفت المندوبية بدورها تعرض المعتقلين لأي تعذيب وتساءل رئيس الجمعية المغربية لحقوق الانسان عزيز غالي، عن "تعريف التعذيب" لافتا إلى التعذيب النفسي الذي يتعرض له المعتقلون.

وكشف المتحدث لـ "الاستقلال" أن سبب هذه السلسلة من الانتهاكات في حق معتقلي حراك الريف هو التسجيل الذي أخرجه الزفزافي، وأسمته المندوبية تسريبا حتى تعطه طابعا إجراميا في حين أن الأمر يتعلق بمكالمة بين المعتقل وأسرته يحكي فيها عن تعرضه للتعذيب والاغتصاب - الذي أثبتت التقارير أنه يتعرض له منذ اعتقاله - داخل أسوار السجن.

يرى غالي أن الدولة تتعامل مع الملف بمنطق "العصا والجزرة" الأخيرة عن طريق المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي يعقد اجتماعات مع أسر المعتقلين ويعدهم بعدة أمور، والأولى عن طريق المندوبية داخل السجون عبر تضييقات لا تمارس حتى في حق معتقلي الحق العام.

احتجاجا على هذه الانتهاكات دخل معتقلو الملف في إضراب عن الطعام منذ أزيد من أسبوع، وأعدوا قائمة مطالب تتضمن حقوقا يكفلها القانون للمعتقلين السياسيين، ومنها عدم التضییق علی الراغبین في الدراسة والسماح بإجراء المکالمات الهاتفیة بدون تضییقات وفتح تحقیق فی التعنیف.

وأعلنت أسر المعتقلين عن تنظيم وقفة احتجاجية الأربعاء 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، أمام المجلس الوطني لحقوق الإنسان، باعتباره مؤسسة وطنية تحتضن الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، بعد أن رفض الحديث عن تعذيب المعتقلين.

وعن ذلك، قال رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان: إن "المجلس كان يجب أن يصدر تقريرا مفصلا حول الوضعية وما دار بينه وبين المعتقلين".  معلقا: "من غير المعقول أن لا يكون الزفزافي تحدث للجنة التي اجتمعت به عن التعذيب". والمطلوب، بحسب غالي، أن يخرج التقرير ويفي بالالتزامات التي أعطاها للمعتقلين وعائلاتهم".

واتهم غالي المجلس الوطني لحقوق الإنسان بـ"ممارسة التسويف والمماطلة"، داعيا أن "يخرج بكل صراحة ويعلن عن موقفه ويجعل المندوبية تتحمل مسؤوليتها عما يحدث داخل السجون".