ربع قرن على معاهدة وادي عربة بين إسرائيل والأردن.. هذا ما بقي منها

محمد سراج الدين | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في السادس والعشرين من شهر أكتوبر/ تشرين الأول عام 1994، وقع الأردن وإسرائيل، اتفاقية السلام بينهما التي عرفت وقتها باتفاقية وادي عربة، ليكون الأردن ثاني دولة عربية تلحق بركب التطبيع مع إسرائيل، بعد اتفاقية كامب ديفيد بين مصر والكيان.

ورغم أن اتفاقية وادي عربة، جاءت بعد كامب ديفيد بما يقرب من 15 عاما، إلا أنها جعلت من الأردن دولة محورية في الشرق الأوسط، أو بمعنى آخر كانت بوابة التطبيع الخلفية مع دول الخليج العربي.

وبحلول يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، فإن الاتفاقية يمر على وجودها ربع قرن، شهدت فيها الكثير من التجاذبات والتفاهمات، والأزمات، فما الذي جناه الأردن من هذا التطبيع، وكيف استطاع الأردنيون أن يحاصروا التطبيع داخل القصور الملكية، وهل قرار الأردن بعدم تجديد البروتوكول الخاص مع إسرائيل، لتأجير أراضي منطقتي الباقورة والغُمر، يعد إعلانا صريحا بالموت الإكلينيكي لاتفاقية ملأت الدنيا ضجيجا؟

الباقورة والغُمر

مثّل قرار العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، بإنهاء العمل بالملحقين الخاصين بتأجير أراضي الباقورة والغُمر لإسرائيل، والذي تم التوقيع عليها كأحد ملاحق اتفاقية وادي عربة لمدة 25 عاما، صدمة داخل الأوساط الإسرائيلية الرسمية والحزبية.

إذ اعتبروا القرار تخفيضا لمستوى العلاقات الثنائية بشكل لم يحدث من قبل، وهو ما كان سببا في إطلاق تهديدات رسمية مباشرة من وزراء بالحكومة الإسرائيلية بأن الرد على إنهاء العمل بالملحقين، سيكون بقطع المياه القادمة من إسرائيل للأردن وفق ما نصت عليه الاتفاقية نفسها.

وتشير دراسة للمركز العربي للبحوث والدراسات، إلى أن منطقتي الباقورة والغمر، أراضي صالحة للزراعة فضلا عن امتيازاتها السياحية، فهي تحتوي على أحواض مائية غنية بالمياه التي تعتمد عليها مزارع المنطقتين، والتي تبلغ مساحتهما حوالي 380 كيلو متر مربع، وهي مناطق حدودية أردنية تقع شرق نهر الأردن،.

واحتلت إسرائيل الباقورة عام 1950، واستعادتها الأردن بموجب اتفاقية وادي عربة، أما الغُمر فقد احتلتها إسرائيل خلال حرب يونيو/حزيران 1967.

وتخضع المنطقتان شكليا للقوانين الأردنية بغض النظر عن جنسية المالكين أو العاملين. واستفادت الحكومة الإسرائيلية من المنطقتين وفق اتفاق خاص ملحق باتفاقية وادي عربة، والذي نص أيضا على حق الحكومة الأردنية إنهاء العمل بهما وفق مصالحه بعد مرور 25 عاما من توقيت العمل بالاتفاقية.

على الجانب الإسرائيلي انتقد رئيس المجلس الإقليمي لغور الأردن "عيدان غرينباوم" عدم اهتمام حكومته بتجديد استئجار الأراضي في الباقورة والغمر، تاركة المزارعين في أزمة خطيرة. وكشف أن العاهل الأردني لم يرد على مذكرة أرسلها له قبل شهر طالبا اللقاء معه متوسلا له تمديد اتفاق الاستئجار.

ووصفت صحيفة "هآرتس" العبرية العلاقات بين إسرائيل والمملكة الأردنية بالفاترة، مشيرة إلى أن الحكومة الإسرائيلية لن تحتفل بمرور 25 عاما على توقيع الاتفاقية، نتيجة التوتر بين الطرفين بسبب استعادة الأردن لأراضي منطقتي الباقورة والغمر.

وقالت الصحيفة: إن عمان تنتظر منذ 25 عاما أن تفي إسرائيل بوعودها ببناء مطار ومشاريع بنى تحتية كـ ”قناة البحرين” بين البحرين الأحمر والميت، والذي كان الأردن يعتبرها بوابته لبناء منطقة صناعية مشتركة.

وترى الصحيفة: أنه لم يتبق من اتفاق السلام سوى التنسيق الأمني، الذي يسير بشكل جيد، ولكنه في الفترة الأخيرة، بدا وكأن الأردنيين لا يريدون أن تكون اجتماعاته ولقاءاته بشكل علني، نتيجة غياب أي مؤشر لامتيازات اقتصادية حصل عليها الأردن مقابل التطبيع.

أنقذوا المعاهدة

ويشير مقال نشره وزير الخارجية الأسبق يوسي بيلين بصحيفة "يسرائيل هيوم"، إلى أن: الاتفاق الذي وقعته إسرائيل مع الأردن قبل 25 عاما، معرض للانهيار، داعيا حكومة بلاده للتوقف عن النظر للمملكة على أنها دولة ضعيفة، بزعم أن موقعها الإقليمي في الشرق الأوسط ليس جوهريا.

ويرى بيلين: أن غياب الاحتفالات الخاصة بإحياء ذكرى توقيع الاتفاقية في البلدين، كان طبيعيا بعد مقتل مواطنين أردنيين في حادثة السفارة، وتهريب الحارس إلى إسرائيل وحفاوة الاستقبال التي حظي بها من رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو.

كل ذلك أضر كثيرا بالعلاقة مع المملكة الأردنية، وأسفر عن أزمة عميقة في علاقات الجانبين، وبعد أن وافقت عمان على استقبال سفير إسرائيلي جديد، جاء إعلان نتنياهو بضم غور الأردن في حال انتخابه، ما أثار ردود فعل أردنية غاضبة.

واعتبر بيلين أن استمرار اتفاق السلام الأردني الإسرائيلي يوفر الأمن للجبهة الشرقية لإسرائيل في ظل العلاقات الأمنية والاستخباراتية العميقة بينهما، مقابل معارضة النقابات المهنية الأردنية التي تقاطع إسرائيل: "وسط تصريحات معادية لنا من البرلمان الأردني، ودعوات للحكومة الأردنية لإلغاء اتفاق السلام".

وحسب العديد من الدراسات الأردنية المختصة فإن الملك الحسين بن طلال، عندما وقع الاتفاقية مع إسرائيل بحضور الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، كان متفائلا بانتشال بلاده من الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعاني منها، وأن إسرائيل ستمنح الأردن مفتاحا لكل خزائن الأرض، إلا أن الوضع أصبح مختلفا بعد ربع قرن من الاتفاقية.

وتشير صحيفة "ذي ماركر" الإسرائيلية المختصة بالاقتصاد: إلى أن تطبيع العلاقات الاقتصادية بين الأردن وإسرائيل، كان أحد أهم النقاط الواردة في اتفاقية وادي عربة، وخاصة ما نصت عليه المادة السابعة من الاتفاقية، على ضرورة توسع التطبيع الاقتصادي ليعم ما أسماها "أطرافا ثالثة" غير الأردن وإسرائيل، وهو ما اعتبرته تل أبيب فرصة لاستغلال الأردن كبوابة عبور لباقي الدول العربية الرافضة للتطبيع مع الكيان.

وقد وقع الجانبان أول اتفاقية اقتصادية بينهما بعد احتفالات وادي عربة بـ 6 أشهر فقط لتعزيز التعاون الاقتصادي والعلاقات التجارية المتبادلة وشروطها وتفاصيلها، وتقضي بإنهاء المقاطعة الاقتصادية بين البلدين، وتشجيع رجال الأعمال والهيئات التجارية على التعاون.

وفي 1997، وتحت إشراف وتشجيع أمريكي، وقعت الأردن وإسرائيل، على ثاني اتفاقية اقتصادية بينهما، والمعروفة باتفاقية المنطقة الصناعية المؤهلة (QIZ-Qualified Industrial Zone)، وقد اشترطت الاتفاقية للإعفاء من الجمارك أن تستخدم المصانع في تلك البضائع نسبة محددة من المواد الخام إسرائيلية المنشأ، وكانت أول منطقة صناعية مؤهلة تنطبق عليها شروط الاتفاقية هي منطقة صناعية في إربد، ويصل عدد هذه المناطق اليوم أكثر من عشرة، تحتوي أغلبها مصانع للغزل والنسيج.

العلاقات الاقتصادية

وبالعودة لصحيفة "ذي ماركر"، فقد بلغ متوسط عدد الشاحنات التي حملت بضائع من وإلى الأردن عبر ميناء حيفا عام 2011، ما يقارب 292 شاحنة في الشهر، أي حوالي 3500 شاحنة في ذلك العام. ارتفع هذا الرقم في العام 2012 ليصل متوسط عدد تلك الشاحنات شهريا 533 شاحنة، أي ما يقارب 6400 شاحنة في ذلك العام، أما في العام 2013، فقد بلغ متوسط عدد تلك الشاحنات 867 شاحنة، أي أكثر من 10 آلاف شاحنة في العام 2013.

ويشير تقرير صادر عن جهاز الإحصاء المركزي الإسرائيلي في نوفمبر 2015، عن العلاقات الاقتصادية بين الجانبين خلال الفترة من 2008 – 2014، إلى ارتفاع قيمة الصادرات من الأردن باتجاه إسرائيل، من 105.9 مليون دولار إلى 378.1 مليون دولار، بينما انخفضت قيمة الصادرات من إسرائيل باتجاه الأردن من 288.5 مليون دولار إلى 107.8 مليون دولار.

وبحسب التقرير نفسه، فقد انخفض عدد المصدّرين الإسرائيليين الذين تعاملوا مع الأردن من 699 مصدِّرا إلى 373 مصدّرا عام 2014، وهو انخفاض بنسبة 47%. في المقابل، فقد بقي عدد الموردين من الأردن ثابتا بعض الشيء.

ويبدو السؤال عن تأثير هذه العلاقات على النشاط والاستقرار الاقتصادي في الأردن، منطقيا، في ظل أحلام الملك الحسين التي سبق الإشارة إليها.

والإجابة على ما سبق يقدمها التقرير السنوي لوزارة المالية الأردنية عن الدين القومي، حيث بلغ 89.8 مليون دولار، بنهاية 2018، في حين بلغ إجمالي الدين العام قرابة 28.3 مليار دينار (ما يعادل 39.9 مليار دولار).

ويشير معدل الفقر الذي أعلنته الحكومة الأردنية منتصف 2019 إلى أن أكثر من 15% من الأردنيين يعانون من الفقر المطلق، بينما قدرت تقارير أخرى أن خط الفقر بمستوياته المختلفة تجاوز 56% من الأردنيين.

وتؤكد تقارير وزارة الاستثمار الأردنية أن الأعوام الثلاثة الأخيرة شهدت خروج مئات المستثمرين الأجانب والمحليين من السوق الأردني، حيث أغلق 80 مصنعا لمستثمرين عراقيين تقدر قيمة صادراتها السنوية بنحو 600 مليون دولار وتشغل أكثر من 2500 مواطن أردني، إلى جانب نحو 600 مستثمر أردني وعراقي ومن جنسيات أخرى يعملون بتجارة المركبات والمعدات والشاحنات، تقدر استثماراتها بنحو مليار دولار، ويعمل لديهم أكثر 2000 مواطن أردني.

المياه والغاز

تشير معظم الدراسات إلى أن إسرائيل التي وعدت الأردن بإمداده بالمياه، تلاعبت بالمملكة طوال هذه السنوات، ووفقا لدراسة عن المركز العربي للبحوث والدراسات، فإن إسرائيل كانت تمد الأردن بالمياه الملوثة، بينما كانت تسرق المياه الأردنية الموجودة بحوض اليرموك بواقع 13 مليون م3 في الشتاء و 12 مليون م3 في الصيف، كما نصت اتفاقية السلام بين الجانبين.

وتستند الدراسة على تقرير أعده وزير المياه الأردني السابق محمد ظافر العالم، بأن اتفاقية وادي عربة لم تعط الأردن كامل حقوقه المائية، بل إن إسرائيل بعد الاتفاقية زادت في غيها وسرقتها.

ولفت الوزير إلى أن: "تل أبيب" أنشأت 6 سدود بسعة تخزينية تصل إلى 15 مليون م3، على عدد من الأودية التي تصب في وادي الرقاد، وهو أهم رافد لنهر اليرموك، ما يمثل اعتداء على حصة الأردن من مياه نهر اليرموك، لأن حصة إسرائيل بموجب اتفاقية وادي عربة محددة بـ 25 مليون م3 فقط، وما تأخذه من مصادر نهر اليرموك تحصل عليه من حصة الأردن، علما بأن الأردن ملتزم وفقا للاتفاقية بتوفير كمية الـ 25 مليون م3 لإسرائيل سنويا.

ووفقا لنفس التقرير فإنه منذ توقيع اتفاقية وادي عربة، فإن كميات المياه التي التزمت إسرائيل بإرسالها للأردن كانت ملوثة، وفي كل مرة يخسر الأردن كميات ضخمة من المياه عندما يعمل على تفريغ سدوده من المياه التي تلوثها إسرائيل كلما ضخت للأردن حصته من بحيرة طبريا.

ولم تكن معاناة الأردن مع إسرائيل في موضوع المياه فقط، وإنما في الغاز الطبيعي أيضا، وهو ما ترجمه المرسوم الملكي الذي أصدره الملك عبدالله الثاني في أبريل/ نيسان الماضي، بمراجعة بنود اتفاقية الغاز مع الجانب الإسرائيلي من خلال تقرير فني يبحث في المصلحة الوطنية المتأتية من الاستمرار بالعمل بالاتفاقية أو تجميدها.

انتهاكات القدس

وبعيدا عن التداعيات الاقتصادية للاتفاقية على الأردن، فإن الموضوع الأبرز كان المتعلق بالقضية الفلسطينية التي كانت نقطة الارتكاز الأساسية في المفاوضات التي جرت بين العواصم الأمريكية والمصرية والأردنية، قبل التوقيع على الاتفاقية، التي وصفها الموقعون بأنها ستكون مفتاح السلام في المنطقة.

وتعتبر وزارة الأوقاف والمقدسات الإسلامية الأردنية، الجهة المسؤولة عن ملف القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية، ويتمثل الدور الأردني في إدارة المسجد الأقصى ورعايته وإعماره، والمسؤولية عن توثيق وإدارة وصيانة الأوقاف الإسلامية في القدس، والقضاء الشرعي في القدس بأكمله، وتنظيم عمل الكنائس العربية والكنيسة الأرثوذكسية في القدس.

إلا أنه طوال 25 عاما لم تتعامل إسرائيل بأي اهتمام مع مسؤولية الأردن عن القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية وفقا للمادة التاسعة من الاتفاقية، حيث واصلت انتهاكاتها ضد القدس وفيما يلي أبرز هذه الانتهاكات والمحطات المفصلية التي رصدتها مؤسسة القدس الدولية:

قبل مرور عامين على توقيع الاتفاقية شهد المسجد الأقصى محاولة جيش الاحتلال فتح نفق أسفل المسجد الأقصي، ما كان سببا في اندلاع انتفاضة فلسطينية عارمة في 25 سبتمبر/أيلول 1996، استشهد فيها 63 فلسطينيا.

  • مع مرور 4 سنوات على الاتفاقية، اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية في 28 سبتمبر/ أيلول 2000، بعد اقتحام رئيس الوزراء الأسبق أريئيل شارون للمسجد الأقصى.
  • يعتبر عام 2010، المنعطف الأخطر نحو مشروع تهويد مدينة القدس، حيث افتتح في هذا العام “كنيس الخراب” الذي يعد أكبر كنيس في البلدة القديمة ولا يبعد سوى أمتار قليلة عن المسجد الأقصى.
  • في عام 2016، وصل عدد المستوطنين الذين اقتحموا المسجد الأقصى ما يقارب 14 ألف مستوطنا، في حين كانوا في العام 2009 ما يقارب 5600 مستوطنا، أي أنهم ازدادوا خلال 7 أعوام بنسبة 148%.
  • وصل عدد الحفريات في محيط المسجد الأقصى 63 حفرية متوزعة على الجهات الأربعة في محيط الأقصى، من أخطرها النفق الذي افتتح في 2016 بحضور ميري ريجيف وزيرة الثقافة الإسرائيلية ونير بركات رئيس البلدية الإسرائيلية في القدس. وهذا النفق يمتد من عين سلوان جنوبا ويصل إلى الزاوية الجنوبية الغربية من المسجد الأقصى. 
  • إغلاق المسجد ومنع الصلاة فيه، 14 و 15 يوليو 2019، في سابقة هي الأولى من نوعها، بذريعة وقوع عملية إطلاق نار، نفذها 3 فلسطينيين، وأسفرت عن استشهادهم، ومقتل شرطيين إسرائيليين اثنين.