عبر دعمها للمقاومة.. هل تقود إيران قطاع غزة إلى حرب رابعة؟

مهدي محمد | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

شهدت الأوضاع الميدانية في قطاع غزة خلال الأيام الماضية، توتراً كبيراً، مع قوات الاحتلال الإسرائيلي، بعد قصف "تل أبيب" موقعين للمقاومة الفلسطينية بالقرب من السياج الأمني، ما أنذر بتوسع المواجهة بالتزامن مع انتهاكات إسرائيلية للحدود مع لبنان.

وليلة 6 سبتمبر/ أيلول الحالي، شنَّت طائرات حربية إسرائيلية غارات على قطاع غزة مستهدفة مواقع تدريب تتبع لكتائب "القسام" الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" ونقاط رصد دون وقوع إصابات.

وأعلن الجيش الإسرائيلي، في بيان، أنَّ "طائرات عسكرية ودبابة أغارت على عدد من الأهداف العسكرية التابعة لحماس في شمال قطاع غزة ومن بينها موقع ومراصد عسكرية وذلك رداً على إطلاق قذائف صاروخية من قطاع غزة باتجاه إسرائيل قبل ذلك". ولم تعلن أي جهة فلسطينية مسؤوليتها عن إطلاق القذائف.

ويوم الجمعة 6 سبتمبر/ أيلول، استمرت التوترات بعد أن استشهد فلسطينيان على يد قوات الاحتلال، خلال مشاركتهما في مسيرات العودة الكبرى في قطاع غزة.

نذر الاشتعال

التصعيد في غزة، تزامن مع اشتعال جبهة أخرى مع الاحتلال الإسرائيلي في لبنان، إذ أطلق حزب الله في الأول من سبتمبر/ أيلول الجاري، صواريخ مُضادة للدروع على موقع في شمال الأراضي الفلسطينية المحتلة، وردَّ الجيش الإسرائيلي بقصف مناطق في جنوب لبنان.

التصعيد بدأ قبلها بسبب قصف إسرائيلي لموقع في سوريا أوقع قتيلين لحزب الله. وقال الحزب: إنَّ إسرائيل أرسلت طائرتين مُسيرتين استهدفتا معقل الحزب في الضاحية الجنوبية لبيروت. وحذَّر الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في وقت سابق، من أنَّه سيضرب في عُمق إسرائيل في حال وقوع هجوم إسرائيلي جديد.

وعلى مدار أيام أواخر أغسطس/آب المنصرم، نفَّذت إسرائيل 4 هجمات على مواقع لفصائل "الحشد الشعبي" العراقية والمرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، قالت إنها مخازن للأسلحة ومستودعات لصواريخ باليستية.

وقبل أيام، ذكرت قناة "كان" الإسرائيلية الرسمية أنَّ تل أبيب نقلت رسالة تهديد إلى حركة حماس عبر المخابرات المصرية، مفادها أنَّ إسرائيل لن تتردد في مهاجمة غزة، ولن تُكَبِلَ الأحداث في الجبهة الشمالية مع سوريا ولبنان يدها عن تشديد هجماتها على القطاع.

وتابعت القناة أنَّ "إسرائيل أكَّدت للمخابرات المصرية أنها لن تتوانى عن مهاجمة غزة، سواء بسبب الانتخابات أو غيرها"، وزعمت أنَّ حماس أبلغت مصر بأنَّ إطلاق الصواريخ مخالف لمصلحة الحركة.

وكان لافتاً تزامن كل هذه التطورات الميدانية المشتعلة، ما نقلته تقارير إعلامية من أنَّ مصر حذَّرت حماس من حرب بالوكالة لصالح حزب الله وإيران، وطالبت الحركة بإقرار خطِّيٍّ بالالتزام باتفاقيات التهدئة.

وبينما لم تعلق القاهرة، التي تقود جهوداً كبيرة لإقرار التهدئة، على تلك الأنباء، قالت حماس على لسان عضو مكتبها السياسي "سهيل الهندي": إنَّ "هذه الأنباء لا وجود لها ولا أصل لها لا من قريب أو بعيد"، مشيراً إلى أنَّ "مصر كدولة شقيقة لها وزنها وكينونتها ووجودها، أكبر من أن تُهدِد حماس أو تنقل رسائل لها من قبل الاحتلال".

الدعم الإيراني

من المعروف والمعلن لدى كل الأطراف أنَّ إيران هي الداعم الأول والرئيسي لحركة حماس وكتائب القسام جناحها المسلح، رغم التوتر الذي ساد العلاقات في أعقاب دعم الحركة للثورة السورية ضد نظام بشار الأسد.

ولعلَّ التعبير عن استمرار العلاقات بين طهران وحماس يمكِن أن تلَخِّصه عِدَّة مشاهد، أحدثها في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، عندما أدانت الحركة في بيان رسمي العقوبات الأمريكية التي أعادت واشنطن فرضها على إيران.

وقدَّمت إيران صواريخ نوعية مضادة للدبابات "الكورنيت"، استخدمت خلال العدوان على قطاع غزة عام 2012، ويُرجَّح أن تكون هناك أسلحة أخرى قدَّمتها إيران ولم يُعلن عنها، وشكر الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة -في خطاب له- آنذاك إيران لتقديمها الأسلحة التي كان لها دور في جولات سابقة مع الاحتلال الإسرائيلي، في إشارة لحربي 2008 و2012. 

كما خاضت غزة مواجهة ثالثة في عام 2014، لكن لم يُعرف إذا ما استمرَّ الدعم الإيراني للحركة في تلك الفترة من عدمه.

لكن في أغسطس/آب 2017، أكَّد رئيس حركة حماس في قطاع غزة "يحيى السنوار" أنَّ إيران هي "الداعم الأكبر للسلاح والمال والتدريب لكتائب القسام". وقال في تصريح صحفي: "الدعم الإيراني العسكري لحماس والقسام إستراتيجي، والعلاقة مع إيران أصبحت ممتازة جداً وترجِع لسابق عهدها خصوصاً بعد الزيارة الأخيرة لوفد من حماس إلى إيران".

قبلها بنحو 3 أشهر هنّأ الجنرال "قاسم سليماني" قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني إسماعيل هنية بمناسبة انتخابه رئيساً للمكتب السياسي للحركة، قائلاً: "نتطلَّع إلى جهودكم لتجذير المقاومة امتداداً للخط الجهادي لحركة حماس".

طبيعة العلاقات

والحروب التي تخوضها تلك الأطراف بالوكالة عن إيران، واشتعال الجبهات في نفس التوقيت، فتح باباً من الأسئلة بشأن إمكانية أن تدخل حركة حماس معركة مع "إسرائيل"، في خضم الدعم الذي تُقدِّمه إيران، وإلى أيِّ مدى قد تستجيب الفصائل الفلسطينية لمثل هذا الدور؟

وللإجابة عن هذا التساؤل، لا بدَّ من العودة إلى التاريخ قليلاً، إذ حققت العلاقات قفزة نوعية بعد فوز حركة حماس بانتخابات المجلس التشريعي، وتشكيلها للحكومة الفلسطينية، وساهمت طهران بقوة في دعم حكومة إسماعيل هنية في مواجهة الحصار الذي فُرض عليها، وبلغ الدعم ذروته أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة نهاية 2008 ومطلع 2009.

لم تتوافق سياسات الطرفين دائماً خلال الفترة الماضية، إلا أنهما تمكَّنا من إدارة العلاقة بينهما بقدر كبير من النجاح، وتشكَّل بينهما ما يشبه الالتقاء الإستراتيجي؛ غير أنَّ العلاقة تعرَّضت لنوعٍ من البرود والتأزم بسبب تداعيات ما عُرف بـِ"الربيع العربي"، وبسبب الخلاف الكبير تجاه الأزمة السورية؛ لا سيما بعد خروج قيادة حماس من دمشق مطلع 2012.

وقطع خالد مشعل رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس شعرة معاوية في علاقة الحركة مع طهران ودمشق، عندما عبَّر عن موقف حماس مما يجرِي بالقول: "مَن نصرنا في الحق لن ننصره في الباطل".. وبهذا التصريح، بدأ التوافق بين حماس وحلف إيران بالاهتزاز.

وتأسَّست العلاقة بين الطرفين من جهة حماس، اتساقاً مع رؤيتها الثابتة القاضية بالتعاون مع كافة الدول والجهات في المنطقة لخدمة القضية الفلسطينية، على قاعدة التوازن دون الانحياز لأحد الأطراف الإقليمية أو لأيٍّ من المكونات الداخلية لهذه الأطراف، وعلى قاعدة عدم التدخل في الشؤون الداخلية لتلك الدول والجهات.

وبعيداً عن الاختلاف الطائفي، كان للخلفية الإسلامية الحركية للطرفين، ورؤيتهما لوجوب تحرير فلسطين كاملة من نهرها إلى بحرها، وعدم الاعتراف بِـ"إسرائيل"، دورها في تقريب وجهات النظر والتعاون في مسار المقاومة المسلحة، ودعم صمود الشعب الفلسطيني، وقدَّرت إيران وزن حماس الشعبي والسياسي والمقاوم، فاعتبرته من ناحية سياسية مدْخلاً لدعم مصداقيتها الإسلامية، ولوزنها ودورها الإقليمي.

وصرّح عدد من قيادات "حماس" في أكثر من مرة، بقبول الحركة بأيِّ دعم "غير مشروط" يُقدَّم لها أو لجناحها العسكري، وأكَّدت أنها لا تتدخَّل بالشؤون الداخلية للدول الأخرى، ولكنها لا تغفل عن إدانة انتهاكات "إسرائيل" في دول الجوار العربي.

توحيد الجبهات

وبالنسبة لإيران، تبدو مسألة فتح المزيد من الجبهات على العدوِّ المشترك توجُّهاً إيجابياً بالنسبة لها، على الأقل لتشتيته وإفقاده التركيز على الجبهة اللبنانية المُهددة بأن تكون الأكثر اشتعالاً، في حال اندلاع مواجهة عسكرية واسعة.

كما أنَّ طهران تعيش أوقاتاً عصيبة إقليمياً ودولياً، بسبب التوترات في مياه الخليج العربي ومضيق هرمز وسعي القوى الكبرى للوجود عسكرياً لحماية حرية الملاحة، بالإضافة إلى تداعيات استمرارها في خفض التزاماتها بموجب الاتفاق النووي، وما يستتبع ذلك من قلق دولي كبير تجاه تلك الممارسات.

لذلك، تحتاج إيران في أي حرب قادمة إلى تقوية مواقفها، حيث هي مضطرة لاستخدام وتحريك كافة أدواتها وليس حزب الله وحده، بحكم ما فرضه الميزان العسكري بعد الحرب فى سوريا على حلفاء إيران.

ويرى البعض أنَّ فكرة توحيد جبهات القتال تجعل القيادة الإسرائيلية السياسية والعسكرية تعيد حساباتها بشأن شنِّ أي هجوم على غزة أو لبنان، ولم تنضج هذه الخطة بعد رغم الحديث عن مناقشتها مُنذ سنوات، إذ يقول مراقبون إنَّ القطاع المحاصر لا يحتمل حرباً رابعة، في ظل الظروف التي يواجهها سكان غزة من حصار وإغلاق إسرائيلي مُطْبق.

ويدعم هذا الأمر، طلب حركة حماس من مصر تهدئة الأوضاع الميدانية بعد كل موجة تصعيد مع "إسرائيل"، إذ تُركِّز الحركة جهودها حالياً على حل ملفات المصالحة الداخلية وإنهاء أزمتها المالية والتخفيف من حصار القطاع.