معركتها الأهم.. لماذا تحارب تركيا لإرساء منطقة آمنة شمالي سوريا؟

"تركيا هي الدولة الأنسب صاحبة القوة القادرة على ضبط المنطقة الآمنة في سوريا"، تصريح لوزير الدفاع التركي خلوصي أكار، لخّص إستراتيجية أنقرة وعزمها إحلال منطقة وممر آمن شمالي سوريا، في ظل حملة أمنية شرسة من قبل قوات نظام بشار الأسد المدعوم من روسيا وإيران، بالتوازي مع مناوشات التنظيمات المصنفة "إرهابية" من قبل أنقرة ممثلين في "بي. كا. كا" و"ي. ب. ك".
يظل الوضع شمالي سوريا مبهما، فلا موسكو تريد خسارة أنقرة بشكلٍ كامل في إدلب نتيجة دورها المحوري، ولا تركيا تريد الانسحاب الكامل من إدلب مخافة حدوث موجة نزوح لا يمكن التحكم بها، وقد تكون آثارها كارثية على الوضع الداخلي التركي، بالإضافة إلى التأثير على التموضع التركي بمنطقة عفرين ودرع الفرات.
يمثل الشمال السوري أهمية كبيرة لتركيا لأسباب جغرافية وديموغرافية وسياسية وعسكرية كونها منطقة حدودية واسعة، وفي ذات الوقت تحاول تركيا تجاوز التعقيدات الكبيرة للحسابات في اتفاقياتها المنفصلة مع الخصمين التقليديين الولايات المتحدة وروسيا، دون أن تخسرهما.
"حزام إرهابي"
في 29 يوليو/ تموز 2019، في بيان لوزارة الدفاع التركية، قال خلوصي أكار وزير الدفاع التركي: "إن بلاده ستضطر لإنشاء منطقة آمنة في سوريا بمفردها، حال عدم التوصل لتفاهم مشترك مع الولايات المتحدة".
وحسب وكالة الأناضول التركية الرسمية، فإن البيان جاء في إطار اتصال هاتفي بين أكار، ونظيره الأمريكي مارك إسبر". وشدد أن تركيا هي الدولة الأنسب وصاحبة القوة القادرة على ضبط المنطقة الآمنة في سوريا.
كما أكد البيان على ضرورة مصادرة جميع الأسلحة التي بحوزة تتنظيم "ي ب ك/ بي كا كا" الإرهابي، وإخراجه من المنطقة الآمنة بشكل كامل.
وذكر أن "عمق المنطقة الآمنة يجب أن يمتد إلى 30 أو 40 كم من الحدود التركية داخل الأراضي السورية، وضرورة سيطرة تركيا عليها بالتنسيق مع الولايات المتحدة".
وأضاف "كما أسلف رئيس بلادنا رجب طيب أردوغان بقوله إن لم نصل لتفاهم مع الولايات المتحدة حيال المنطقة الآمنة ستضطر تركيا أن تشكل المنطقة في سوريا بمفردها".
وأوضح بيان وزارة الدفاع التركية، أن "أكار أكد لنظيره الأمريكي ضرورة وقف الولايات المتحدة دعمها لتنظيم (ي ب ك/ بي كا كا) الإرهابي بالكامل.
وأضاف أن تركيا لن تسمح بتشكيل حزام إرهابي على حدودها الجنوبية، مبينا أن بلاده لا تهدف إلى حماية أمنها وأمن مواطنيها فحسب، بل إلى حماية الأكراد والعرب والآشوريين والمسيحيين والإيزيديين وبقية الإثنيات والطوائف الأخرى في المنطقة.
وكشف وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو عن الوعد الذي قطعه ترامب بأن يكون عمق المنطقة 20 ميلا (نحو 32 كيلومترا) فمن المقرر أن يكون طريق حلب الحسكة (رودكو) هو الخط الفاصل لحدود المنطقة الآمنة التي ستشارك تركيا السيطرة والإشراف عليها مع القوات الأمريكية.
تشكيك في النوايا
في 26 أغسطس/ آب الجاري، ترجمت صحيفة الاستقلال عن صحيفة "ميلي غازيت" التركية، مقالة سلطت الضوء على المنطقة الآمنة في شمال سوريا، والتي اتفقت واشنطن وأنقرة على إنشائها. مشيرة إلى أن هذا المصطلح كان أول من تحدث به هو عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني (بي كا كا) المصنف إرهابيا في أنقرة.
وفي مقال نشرته الصحيفة للكاتب شاكر تاريم، قال: "أكثر الآراء تفاؤلا يؤكد أن الأولى (واشنطن) لن تعمل على الوصول لنتيجة مرضية مع أنقرة بخصوص إنشاء منطقة آمنة شمال سوريا وفق الرؤية التركية، والحل يمكن بدول المنطقة لا بغيرهم".
وفي معرض مقالته أكد الكاتب، أنه "لا يرى بأي حال من الأحوال، أن واشنطن ستعمل مع تركيا لإنشاء منطقة آمنة شمال سوريا وفق ما ترغب به تركيا، وإن أعلنت واشنطن الاتفاق مع أنقرة على ذلك، مستندا إلى تاريخ طويل من العمل المشترك والحنث بالوعود من قبل الولايات المتحدة".
ورأى أن حل الأزمة السورية يقع على عاتق دول المنطقة، وأن واشنطن ومن خلفها الدول الأوروبية تعملان لأمن جهة واحدة فقط وهي "إسرائيل".
في 23 أغسطس/ آب الجاري أكدت مواقع روسية، "سيطرة قوات النظام السوري على قرى في ريف حماة الشمالي بعد أيام من دخول بلدة خان شيخون". وأوضحت أن "النظام دخل إلى قرى كفر زيتا واللطامنة ولطمين وتل فارس، بريف حماة الشمالي".
بينما قالت محطة تلفزيون "الإخبارية السورية" التابعة للنظام، إن "الجيش السوري يفرض طوقا خانقا، على مقاتلي المعارضة في مجموعة من البلدات في ريف حماة الشمالي بشمال غربي البلاد ويتقدم في المنطقة".
وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن جيش النظام واصل التوغل في بلدات ريف حماة الشمالي، وسيطر على تلال شرق النقطة التركية في بلدة مورك، وسط حديث عن حصار النقطة التركية التي لا يزال مصيرها مجهولا".
وبث نشطاء سوريون لقطات قالوا إنها التقطت من داخل نقطة المراقبة التركية، في مورك، وتظهر دبابة وعناصر للنظام السوري يسيرون بالقرب من النقطة. كما بث أحد عناصر النظام صورة التقطها في ريف حماة الشمالي، وهو يقف أمام تحصين نقطة المراقبة التركية.
وفي نفس اليوم، سارع وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، بالتعليق على التطورات الميدانية في سوريا، مؤكدا في تصريحات للصحفيين من العاصمة اللبنانية بيروت، أن جنود بلاده لن يغادروا نقطة المراقبة التاسعة قرب مدينة مورك بريف حماة الشمالي.
وأضاف الوزير التركي: "لسنا هناك لأننا لا نستطيع المغادرة، ولكن لأننا لا نريد المغادرة"، نافيا في الوقت ذاته أن "تكون القوات التركية في مورك معزولة".
من جهته أعلن المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن، أن "بلاده أبلغت الجانب الروسي استياءها من الهجمات على إدلب". مشيرا إلى أن "الرئيس رجب طيب أردوغان سيجري محادثة هاتفية مع بوتين بهذا الخصوص".
وقال كالن في بيانه: "نقطة المراقبة التركية التاسعة في ريف إدلب باقية ولا توجد نية لتغيير مكانها"، داعيا النظام السوري وروسيا التي تدعمه لإنهاء الانتهاكات.
مباحثات الروس
في 23 أغسطس/ آب 2019، عشية تعرض نقطة المراقبة التركية في خان شيخون للخطر، أجرى الرئيس التركي اتصالا هاتفيا مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين وأبلغه بأن هجمات النظام السوري على إدلب "تشكل تهديدا حقيقيا" على الأمن القومي التركي، محذرا من "أزمة إنسانية كبرى" جراء ذلك.
وقال أردوغان: "هجمات النظام السوري وخروقاته لوقف إطلاق النار في إدلب، فتحتا الطريق أمام أزمة إنسانية كبرى، هذه الهجمات تلحق ضررا كبيرا بجهود التوصل إلى حل للأزمة السورية".
وفي الموضوع ذاته، قال الكرملين إن "بوتين وأردوغان أكدا ضرورة تكثيف الجهود لتحييد ما أسماه (الكرملين) التهديد الإرهابي القادم من إدلب".
ونقلت وكالة إنترفاكس الروسية للأنباء عن وزير الخارجية سيرغي لافروف قوله إن "أفرادا من الجيش الروسي متمركزين في محافظة إدلب، وإن موسكو تتابع الوضع عن كثب". وأضاف أنه سيتم التصدي بقوة لأي هجمات تنفذها "جماعات متشددة" في منطقة خفض التصعيد بإدلب.
وتوجد في مورك أكبر نقطة مراقبة للقوات التركية، وهي واحدة من بين 12 نقطة مراقبة نشرتها أنقرة، بموجب اتفاقات مع موسكو وطهران، حليفتي دمشق.
في 23 أغسطس/ آب الجاري، أعلن "عمر جليك" المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، أنه "يجب أن تكون المنطقة الآمنة تحت سيطرة أنقرة"، وينبغي ألا يتواجد فيها عناصر مسلحة من الأكراد.
وقال جيلك خلال مؤتمر صحفي عقده بالعاصمة أنقرة، إن "المنطقة الآمنة في سوريا ستكون ممرا للسلام، وستساهم في وقف تدفق المهاجرين". مضيفا أنه "يجب ألا يتواجد فيها عناصر تنظيم ي ب ك/ ب ي د الإرهابي".
وذكر مراقبون، حسب وكالة الأناضول، أن هذه التصريحات جاءت وتركيا تتخوف بشدة من "مماطلة" أمريكية في تنفيذ الاتفاق المعلن بينها وبين واشنطن بخصوص إنشاء المنطقة الآمنة شمال شرقي سوريا، التي باتت تعرف بمنطقة شرق الفرات، وتسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية المرفوضة من قبل تركيا، إذ تعتبرها الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني مع اختلاف المسميات والأعلام والأشكال.
ممر سلام
في 10 أغسطس/ آب الجاري، قال ياسين أقطاي، مستشار رئيس الجمهورية التركية: "منذ فترة طويلة والمحادثات قائمة بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا حول تأسيس ممر سلام ضد ممرّ الإرهاب القائم في منطقة شمال شرق سوريا، وخلال الأيام الأخيرة وصلت هذه المحادثات إلى نقطة معلومة عقب زيارة وفد أمريكي إلى أنقرة".
وأضاف أقطاي في مقاله بصحيفة "يني شفق" التركية، "في الحقيقة إن مطالب الدولة التركية، وكذلك نواياها وخططها في هذه المسألة كانت واضحة وصريحة لآخر درجة، إن خطة أنقرة تقوم على عدم الإضرار بأي أحد، ولكنها ضد إعطاء الفرصة لانتشار تنظيم إرهابيّ هناك، وهذا ما تسعى إليه تركيا".
وأردف مستشار الرئيس التركي، أن "السبب وراء المشاكل التي تعقّد التفاهمات وتُزيد من صعوبتها هو أن الولايات المتحدة ليست واضحة وصريحة وشفافة في هذه القضية، حيث لا أحد يفهم ما الذي تريده الولايات المتحدة في سوريا".
وتابع: "الواضح مما يجري أن الولايات المتحدة ذاتها متخبّطة، إن الموقف الصادر عن البنتاغون غير متطابق مما يصدر عن البيت الأبيض حيال هذه القضية، في الوضع الذي نحن أمامه يبدو أن البنتاغون قد نسف خطة ترامب، والخطة القائمة الآن هي الخطة التي طبقتها الولايات المتحدة منذ البداية".
وشدد أقطاي قائلا: "لا يوجد طرف صادق سوى تركيا في مسألة مكافحة داعش. هناك الآلاف من الوثائق التي تثبت أن الميليشيات التي كانت تقاتل مع داعش قد التحقت بصفوف تنظيم بي يي دي، بعد أن حلقت لحاها أو قصّرتها. وإنّ هذا بدوره يُثبت بشكل كافٍ أنه لا توجد معركة حقيقية فيما بين الطرفين. هؤلاء مَن يخدعون في ظنّهم".
واختتم حديثه "تركيا منذ البداية تسعى إلى تأسيس منطقة آمنة في الداخل السوري، وإلى جانب ذلك اقترحت تدابير من شأنها حماية جميع الشعب السوري أمام عمليات التطهير العرقي، وعلى صعيد آخر كانت تفكر في الحفاظ على موجات الهجرة نحوها أن تكون في داخل سوريا، وإن كل ما اقترحته تركيا في سوريا، تم اقتراحه من قبيل التدابير إزاء التطورات التي تتعلق بأمنها بشكل مباشر، وجوهر تلك التدابير يكمن في وحدة التراب السوري، وتحقيق الاستقرار والسلام الداخلي في سوريا".
المصادر
- تركيا تعرض على الولايات المتحدة فرصة العودة عن الإضرار
- أردوغان لبوتين: الهجمات على إدلب تهديد حقيقي للأمن التركي
- النظام يتقدم بريف حماة الشمالي ويحاصر نقطة تركية (شاهد)
- أكار: تركيا ستضطر لإنشاء منطقة آمنة في سوريا بمفردها حال عدم التفاهم مع واشنطن
- إدلب.. معارك بمحيط خان شيخون وتركيا تصرّ على إنشاء نقطتي مراقبة
- استياء تركي من الهجمات على إدلب وقمة ثلاثية الشهر المقبل
- مجلس الأمن القومي التركي: عازمون على إقامة "ممر سلام" في سوريا