صحيفة تركية تشكك في نوايا واشنطن بإنشاء المنطقة الآمنة السورية

12

طباعة

مشاركة

سلّطت صحيفة "ميلي غازيت" التركية، الضوء على المنطقة الآمنة في شمال سوريا، والتي اتفقت واشنطن وأنقرة على إنشائها، مشيرة إلى أن هذا المصطلح كان أول من تحدث به هو عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني (بي كا كا) المصنف إرهابيا في أنقرة.

وفي مقال نشرته الصحيفة للكاتب شاكر تاريم، قال: إن "أكثر الآراء تفاؤلا يؤكد أن الأولى لن تعمل على الوصول لنتيجة مرضية مع أنقرة بخصوص إنشاء منطقة آمنة شمال سوريا وفق الرؤية التركية، والحل يمكن بدول المنطقة لا بغيرهم".

أمن إسرائيل

وأضاف الكاتب، الذي لا يرى بأي حال من الأحوال، أن واشنطن ستعمل مع تركيا لإنشاء منطقة آمنة شمال سوريا وفق ما ترغب به تركيا، وإن أعلنت واشنطن الاتفاق مع أنقرة على ذلك؛ مستندا إلى تاريخ طويل من العمل المشترك والحنث بالوعود من قبل الولايات المتحدة.

ورأى أن حل الأزمة السورية يقع على عاتق دول المنطقة، وأن واشنطن ومن خلفها الدول الأوروبية تعملان لأمن جهة واحدة فقط وهي "إسرائيل".

ولفت الكاتب إلى أن الأيام الأخيرة شهدت تصاعدا في الحديث حول "منطقة آمنة" يجري الإعداد لها على الحدود السورية التركية، وذلك تزامنا مع تصاعد "الهجمات الإرهابية" في تلك المنطقة التي تقع شمال سوريا على الحدود الجنوبية التركية.

ونوّه إلى أن هذه المنطقة بعد انشائها؛ لم يعرف حتى اللحظة أو لم يحدد بعد من سيكون حاكمًا لها وبيده مقاليد الأمور. وبيّن الكاتب أن هذه "المنطقة الآمنة" ستجلب مزيدا من الأزمات والتوتر بين الطرفين الأمريكي والتركي، خاصة وأن العلاقات بينهما متوترة نظرا للكثير من القضايا التي لا تزال عالقة بينهما.

وذكّر الكاتب، أن مصطلح "المنطقة الآمنة" كان أول من تحدث به هو "عبد الله أوجلان" وهو زعيم منظمة حزب العمال الكردستاني (بي كا كا) المصنفة إرهابيا في أنقرة.

أوجلان وقتها - هو حاليا معتقل في تركيا بعد عملية أمنية معقدة- لم يكن يهدف من تصريحه إنشاء المنطقة الآمنة ما تهدف إليه أنقرة في الوقت الراهن، بحسب الكاتب.

ويشرح شاكر تاريم ذلك بقوله: "إن هدفه كان إنشاء اتحاد/إقليم داعم له في تلك المنطقة" وهي التي تعج حاليا بقوات تابعة لمنظمته "العمال الكردستاني" المنادية بدولة تقوم على العرق الكردي، وحاليا تؤكد التقارير الواردة من هناك أن قيادات "قوات سوريا الديمقراطية" من أكراد العراق القادمين من جبال قنديل شمالي العراق.

من وراء أوجلان؟

وأضاف، أن "المسجون (أوجلان) حين يدلي بتصريح كهذا فهذا يعني بالقطع أنه ليس وحده وأنه تلقى إشارة ما. أي أنه وبعد سنوات طويلة على اعتقال أوجلان، وتطورات المنطقة المتسارعة تخرج فكرة أوجلان إلى الوسط ما يفيد بأن هناك من يفكر عنه ويطالبه فقط بالتصريح الإعلامي كواجهة ليس أكثر".

وتابع الكاتب: "تركيا من أجل انشاء المنطقة الآمنة، عقدت اتفاقيات مع الولايات المتحدة الأمريكية، فالمنطقة الممتدة لنحو 500 كم شمال سوريا، يراد اقتطاع نحو 32 -40 كم منها ومن ثم إعلانها منطقة آمنة، أي يحذر استهدافها من النظام السوري أو مسانديه، ولتركيا والولايات المتحدة حق الرد في حال حدث ذلك؛ وقد صرح الرئيس أردوغان بذلك مؤكدا أنه على تواصل وتنسيق مستمر وخطوات واضحة لإنشاء المنطقة شرقي الفرات".

 وبيّن شاكر تاريم، أنه وبعد تصريح الرئيس أردوغان، بعد هذا الإعلان، زار وفد عسكري أمريكي هيئة الأركان العامة في أنقرة، ثم قدم الوفد إلى شانلي أورفا وبدأت الاستعدادات للمنطقة الآمنة.

ورأى الكاتب، أن هذا الاتفاق وهذه الخطوات ينقصها تنسيق وتواصل مع حكومة النظام السوري.

ولفت إلى أنه في الوقت الذي يجري فيه وزير الدفاع التركي خلوصي أكار مشاورات مكثفة مع قادة القوات التركية في المنطقة، فإنه أدلى ببعض التصريحات التي من شأنها القضاء على بعض المخاوف التركية ومنها: "قواتنا لديها بعض الأنشطة المنفصلة عن الولايات المتحدة الأمريكية؛ والخطط التركية البديلة جاهزة؛ لقد اتخذنا تدابير لمعالجة المخاوف".

وأكد الكاتب أن "القوات العسكرية المرابطة على الحدود وداخل الأراضي السورية جاهزة لصد أي عدوان أو هجوم إرهابي قد يهدد أمن تركيا". وأضاف: "أننا ممنونون لتركيا وعساكرها، والتاريخ شاهد على أن القوة المعنوية كانت دومًا من أهم أسباب النصر".

واشنطن ليست مخلصة

وأشار إلى أن العمل لإزالة مخاوف تركيا بخصوص القلائل على الحدود السورية أمر جدي، لكن المخيف هو العمل مع واشنطن بهذا الصدد، ولاسيما أن موقف الولايات المتحدة لا يبشر بالثقة من البداية. فمن جهة تعلن واشنطن أنها تتعاون مع تركيا من أجل إقامة المنطقة الآمنة، لكن في الوقت نفسه تواصل تقديم كل سبل الدعم لقوات سوريا الديمقراطية التابعة لمنظمة "بي كا كا"، ولاسيما الأسلحة الأكثر تطورا.

وتساءل الكاتب كيف يمكن الوثوق بدولة تفكيرها استعماري لهذه الدرجة؟

وتابع: واشنطن لا تريد لتركيا السيطرة على المنطقة الآمنة، على الرغم من أن المنطقة الآمنة والسيطرة الآمنة هي حق أصيل لتركيا، وهي المجاورة لسوريا والعراق في حدود تمتد لأكثر من 910 كم.

وذكر الكاتب، أن موقف الجنرال الأمريكي جوزيف فوتيل، والذي كان له موقف مؤيد وواضح وقت انقلاب 15 تموز الفاشل.  وكان الجنرال المتقاعد، الرئيس السابق للقيادة المركزية الأمريكية حتى مارس/آذار الماضي، قد عارض بشكل علني سيطرة تركيا على منطقة كهذه، محذرا في مقالة نشرها موقع "ناشونال إنترست" من أن منطقة آمنة سوريا تسيطر عليها تركيا "ستخلق مشاكل أكثر لكل الأطراف هناك".

واعتبر فوتيل في مقاله، أن "فرض منطقة أمنية بعمق عشرين ميلا (30 كيلومترا) شرق الفرات ستكون له نتائج عكسية، منها على الأرجح التسبب بنزوح 90 بالمئة من السكان الأكراد، ومفاقمة الوضع الإنساني الذي يشكّل حاليا تحديا بالغا، وخلق بيئة لمزيد من النزاعات".

ورأي الكاتب في مقاله، أن إعلان الولايات المتحدة الانسحاب من سورية قبل نحو سنة من الآن، تبعه خطوات لاحقة، ليفهم من ذلك الإعلان على أنه مجرد إعلان تكتيكي إستراتيجي، وما يدلل على ذلك أن القوات العسكرية الأمريكية زادت في المنطقة بل زادت من وتيرة التسليح إضافة إلى الدخول في مشاريع جديدة؛ ما يعني أن هذا الانسحاب بات فكرة من الماضي.

وأردف: "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، فبعد هذا كله، لا يؤمل من تركيا أن تفعل شيئا جديدا في المنطقة، كيف يمكن أن نثق بدولة احتلت بلدا كالعراق وقتلت 1.5 مليونا من مواطنيه، واغتصبت قواتها آلاف السيدات فيه..  بلد ضيعته بالكامل، هل يرجى منها أي أمل؟"

وشدد على أنه لا يوجد أي سبب للثقة بالولايات المتحدة التي تمارس سياستها القمعية في المنطقة من أجل الحفاظ على مصالحها وحدها، لا يمكن الثقة بمن يبيع الأسلحة في المنطقة التي تشتعل حروبا ودمارا، ولا تمتنع أن تصل هذه الأسلحة للإرهابيين لخدمة أمريكا وأهدافها الخاصة، وفي الأصل.

وزاد الكاتب، فإن الإرهاب صنيعة أمريكية خالصة تستخدمه واشنطن لأغراضها الخاصة. مذكرا بأقوال الشاعر والكاتب التركي محمد عاكف أروي والذي أكد بدوره قبل سنين طويلة خلت بأنه "لا يمكن الثقة بأهل الصليب".

الخطر على الأبواب

وحذر الكاتب قائلا: على تركيا ألا تنسى، أنه لا يمكن إنشاء "منطقة آمنة" حيث توجد الولايات المتحدة؛ وفي الواقع خطوات أمريكا وألاعيبها، في المنطقة واضحة تماما، لكن للأسف تركيا لا تأخذ دروسا من ذلك، أم هل عسانا نسينا تصريحات ترامب والذي قال فيها: "في حال استهدفت تركيا الأكراد، سنقوم على تدمير اقتصادهم".

وهنا يوضح الكاتب، أن ترامب تعمّد استخدام كلمة "الأكراد" وهو أي ترامب لا يقصد حماية العرق الكردي بقدر ما يقصد التغطية على قوات منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية. طالما قال السيناتور الأمريكي ليندسي جراهام أن "المنطقة الآمنة "ستكون حالة مربحة للجميع".

وشدد على أن المنطقة الآمنة بالفعل هي فكرة مربحة للجميع سواء للسوريين أو للأمريكيين وبالطبع للجانب التركي، فمن المميزات المعروفة عن سوريا أنها "بلد خطوط الأنابيب؛ وفي بلد كهذه لا يمكن أن تفرط بها واشنطن بكل بساطة، فهي تنوي السيطرة على خطوط نقل الطاقة في المنطقة عبر سوريا.

ودعا الكاتب إلى ضرورة توضيح تصريح أردوغان والذي قال فيه: "إن شهر "أغسطس/آب" شهد الكثير من الانتصارات في تاريخنا التركي والعثماني، ويجب إضافة نصر جديد في هذا الشهر" ليتساءل الكاتب: هذا النصر ضد من؟

وتابع: من المعروف أن الولايات المتحدة لديها خطط في المنطقة، وهي معدة منذ نحو عقدين من الزمن؛ وكان "أمن إسرائيل" هدفا أسمى عند الدول الغربية ومن بينها واشنطن، وصرّح بذلك الرئيس ترامب غير مرة، وقال إنه يعمل لصالح إسرائيل بشكل واضح وجلي.

وبعد هذا كله، يصل الكاتب لحقيقة مفادها بأن حقيقة حل الأزمة السورية يقع على تركيا ودول المنطقة، ولا يجب ترك ذلك الى الولايات المتحدة والدول الغربية، يجب على العالم الإسلامي والأمة أن تتعلم حل مشاكلها بنفسها، وأن تستثمر حراكات أخرى مشابهة وتعمل على استمراريتها، ومن ذلك حراك أستانا وقمم سوتشي.

وحذّر الكاتب في نهاية مقاله من أنه في حال لم يحدث ذلك ولم تسع دول المنطقة لتدارك المسألة فإن الأزمة السورية ستتسع وتزيد من تأثير القوى الإرهابية في المنطقة، مذكّرا بقول رئيس الوزراء الراحل "نجم الدين أربكان": إنه "وفي حال احتلال سوريا فإن الهدف الرئيسي هو تركيا".