كيف يخطط "معهد دراسات الأمن القومي" لمستقبل إسرائيل؟

12

طباعة

مشاركة

تعتمد الحكومة الإسرائيلية في أهم دراساتها في المجالات الأمنية والإستراتيجية، على معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، وهو معهد أبحاث تابع لجامعة تل أبيب، ويعتبر واحدا من أهم مراكز الدراسات الأمنية التي في إسرائيل.  

على موقعه الرسمي يعرّف معهد "إي إن أس أس" دوره بـ"تعزيز الأمن القومي لإسرائيل والمساعدة في ضمان مستقبلها كدولة يهودية ديمقراطية". وأفاد أنه صُنّف كمركز التفكير الرائد في إسرائيل وواحد من 50 معهدا رائدا في العالم مختص في الدراسات الأمنية والشؤون الدولية. 

ويدير المعهد مجموعة تفكير مستقلة وغير تابعة، يتعامل من خلالها مع القضايا الإستراتيجية الرئيسية في أجندة الأمن القومي لإسرائيل.

مؤسسات الدولة

وقال الموقع الرسمي: إن "المعهد يهدف إلى التثقيف والتأثير والعمل كصوت مستقل وواضح لصناع القرار على أعلى المستويات في إسرائيل وخارجها". وخلال مشاركته العميقة في الخطاب العام وبحوثه الموجّهة نحو السياسات، يسعى المعهد إلى تحديد الفرص السياسية وتقديم حلول مبتكرة لتحديات الأمن القومي التي تواجه إسرائيل، بحسب المصدر ذاته.

ومن خلال الباحثين في المعهد، الذين حصّلوا خبرتهم من الأوساط الأكاديمية والجيش والوظائف الحكومية، يقول "إي إن أس أس"، إنه يسعى إلى المساهمة في الخطاب العام ومناقشة الحكومة للقضايا الإستراتيجية الرئيسية واقتراح توصيات سياسية لصناع القرار وقادة الرأي العام في إسرائيل.

ويقدم المعهد خدماته إلى الهيئات العسكرية والحكومية العليا والخبراء الإستراتيجيين المستقلين في إطار جلسات مغلقة، تقدم فيها الرسوم التوضيحية والمشورة. ويجتمع رئيس المعهد بانتظام مع رئيس الوزراء، ورئيس الدولة، ووزير الدفاع، ورئيس الأركان العامة، وغيرهم. 

وتشمل أنشطة المعهد، المنتديات العامة والمؤتمرات والندوات وورقات السياسة العامة وتمثيل ومحاكاة حالات الحرب، بالإضافة إلى الحوارات الإستراتيجية والتوجيهات الحكومية والإحاطات الإعلامية لوسائل الإعلام والموظفين الدبلوماسيين. 

ويعد المعهد مصدرا رئيسيا للمعرفة للمنظمات السياسية اليهودية في جميع أنحاء العالم، ويساعد على تشكيل الرأي العام الدولي تجاه إسرائيل، الذي له تأثير إيجابي على صانعي القرار في الساحة الدولية.

بالإضافة إلى التعامل مع القضايا التقليدية مثل الدفاع والعقيدة الأمنية والسياسة، وسّع المعهد مجالات نشاطه لتشمل عناصر "لينة" من الأمن القومي، مثل: الرأي العام، والعلاقات بين المجتمع والجيش، والعلاقات العسكرية والمدنية.

حرب "يوم الغفران"

تعاقب على رئاسة المعهد للدرسات الأمن القومي:

  • أهرون ياريف: 1977 - 1994
  • زئيف ماعوز: 1995 - 1997
  • شاي فيلدمان: 1997 - 2005
  • تسفي شتاوبر: 2005 - 2008
  • عودد عِران: 2008 - 2011
  • عاموس يلدين: 2011 - حتى الآن.

تأسس معهد دراسات الأمن القومي في أكتوبر/ تشرين الأول 2006 ويضم مركز "يافا للدراسات الإستراتيجية"، الذي أسس وأُنشئ في جامعة تل أبيب عام 1977 من قبل أهرون ياريف، بمبادرة من الجامعة. وشغل المركز دورا رائدا في إسرائيل من خلال تحديد مجال الدراسات الأمنية وبالتالي تأسيس قضية الدفاع والأمن القومي كمجالات بحثية.

استجابة لحرب "يوم الغفران" في عام 1973، قررت جامعة تل أبيب إنشاء مركز للدراسات الأمنية عام 1975. إذ شعر المسؤولون داخل الجامعة وخارجها أن أحد الأسباب المحتملة لمفاجأة إسرائيل إستراتيجيا في 6 أكتوبر/ تشرين الأول 1973، هو عدم قيام أي كيان واحد خارج الموساد الإسرائيلي بفحص التقييمات التي استندت إليها سياسة الحكومة آنذاك - فرضية تستند إلى مفهوم تخطيط وإدارة مؤسسة الدفاع الإسرائيلية. 

لو كان هناك معهد أبحاث درس هذه المفاهيم المسبقة في عام 1973، لكان قد أثار تساؤلات وشكوكا حول الافتراضات التي أدت إلى تقييمات استخباراتية بأن احتمال الحرب كانت بين منخفضة إلى منخفضة جدا.

وبدأت الجهود المبذولة لإنشاء مركز أبحاث يتولى مسؤولية دراسة الآراء المتخذة من طرف الحكومة ومؤسسة الدفاع في نهاية عام 1976، عندما سمع حاييم بن شاحَر، رئيس الجامعة آنذاك وتسفي يافيتس، عميد كلية العلوم الإنسانية، أن اللواء المتقاعد أهارون ياريف قرر التخلي عن حياته المهنية القصيرة في السياسة الإسرائيلية لأنه لم يستطع تحمل مطالب الحياة السياسية. 

أهرون ياريف

اشتهر أهرون ياريف بأنه يجمع بين الخبرة العسكرية وغرائز رجل الدولة، بالإضافة إلى ذلك، كان يتمتع بجاذبية شخصية، ولديه صفات قيادية واضحة، وقد وصفه معارفه على أنه تجسيد لـ "ضابط ورجل نبيل بإخلاص ونزاهة لا مثيل لهما يستحقان الإشارة بشكل خاص"، بحسب موقع جامعة تل أبيب.

عملت مجموعة من الأشخاص من جامعة تل أبيب بجد لإقناع ياريف بالتسجيل والاضطلاع بمهمة دراسة الأمن القومي في إطار معهد للأبحاث يتم إنشاؤه داخل الجامعة. استجابة للعرض، قدم ياريف شرطا أساسيا، أن يكون المعهد الجديد مستقلا تماما في أنشطته ونشر نتائجه وأبحاثه. على هذا الأساس، تم إطلاق مركز الدراسات الإستراتيجية في أوائل عام 1978. 

وفي عام 1983، تلقى المركز تبرعا سخيا، إذ تعهد ملفين يافا من كاليفورنيا بالمساهمة بمبلغ كبير من المال في المركز. تقديرا لهذه المساهمة الهامة، تم تغيير اسم المركز إلى مركز يافا للدراسات الإستراتيجية.

وقال موقع معهد "إي إن أس أس"، إنه تم اتخاذ العديد من القرارات بشأن هيكل المركز عند إقامته؛ أهمها أن المركز لن يتم بناؤه على شكل أقسام وفقا للدول، بل اعتمد هيكلا قائما على القضايا الرئيسية التي سيتعامل معها المركز ويبحث فيها: التوازن العسكري في الشرق الأوسط، والسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، والإرهاب الدولي، والرأي العام والأمن القومي.

بالإضافة إلى ذلك، في السنوات اللاحقة، تم إضافة مشاريع طويلة الأجل مثل الأمن الإقليمي، مراقبة الأسلحة، والاقتصاد والأمن. وكانت طريقة الاعتراف من قبل النظام العسكري والأكاديمي في إسرائيل في مركز يافا صعبة. 

صحيح أن ياريف، مؤسس ورئيس المركز الأول، يتمتع بمكانة شخصية كبيرة، كان لا يزال يتعين على المركز الجديد أن يثبت أن مكانته مُبررة في كل نقاش حول أمن إسرائيل. في غضون بضع سنوات، بدأ المركز في اكتساب سمعة كرائد في منشوراته حول الجوانب الرئيسية للأمن القومي لإسرائيل.

وشملت هذه كتاب "أريه شاليف" عن خط الدفاع في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، الذي ركز على البعد الإقليمي للأمن الإسرائيلي؛ كتاب "شاي فيلدمان" عن الردع النووي الإسرائيلي، كتاب "مارك هيلر" عن الدولة الفلسطينية: الآثار المترتبة على إسرائيل، الذي حلل تداعيات قيام دولة فلسطينية مستقلة، وكتاب "تسفي لانير" "المفاجأة الأساسية: الاستخبارات في الأزمة".

التركيز على الأمن القومي

رصد الموقع الرسمي لمعهد الأمن القومي كيف تراجعت تدريجيا معارضة الحكومة لمشاركة المركز في المناقشات المتعلقة بالأمن، حتى أصبح بمرور الوقت "مكانا محايدا" في عيون المؤسسة الأمنية في إسرائيل. خلال التسعينيات من القرن الماضي، تجنّد فريق الأبحاث التابع للمركز في أنشطة وقنوات إضافية: الأولى كانت سلسلة من المحادثات تسمى الطريق الالتفافية، التي توفر القدرة على إجراء مناقشات مستمرة مع زملاء الأبحاث في البلدان المجاورة. 

والثاني عبارة عن سلسلة من الحوارات الإستراتيجية بين المركز والمعاهد الموازية في الدولة المركزية. في نهاية التسعينيات، واصل المعهد أنشطته ونشر الدراسات وتنظيم المؤتمرات في مجالات اهتمامه وأنشطته، وكذلك جلسات العصف الذهني مع منتديات للتحليل والتقييم.

في أبريل/ نيسان 1998، تم إطلاق مجلة باسم تحديث إستراتيجي، مجلة فصلية للمركز. كل هذا ساعد المركز على تحقيق مكانته كأول وأهم معاهد البحث الإسرائيلية في شؤون الأمن القومي.

يبادر معهد دراسات الأمن القومي ويقوم بإجراء البحوث في مجموعة متنوعة من المجالات، مع التركيز على القضايا ذات الصلة بالأمن القومي لإسرائيل. وينشر نتائج أبحاثه من خلال الكتب والمقالات والتقارير الخاصة والمذكرات، التي يتم نشر معظمها باللغتين العبرية والإنجليزية في آن واحد.

تبادل الأفكار

يعمل الباحثون بالمعهد، بحسب موقعه الرسمي، وفقًا لقيمه الأساسية الأربعة: "المهنية، والصلة (الملاءمة)، والاستقلال الفكري، والعمل الجماعي". ويشارك في دراسة القضايا المركزية للأمن القومي في إسرائيل، "مع الالتزام بأعلى معايير البحث والتحليل الأكاديمي، والمساهمة من خلال التفكير المبتكر والإبداعي لواضعي السياسات في هذا المجال". 

وقال المعهد في تعريفه، إن عمل فريقه "يعتمد على النزاهة المهنية والصرامة الفكرية، كجزء من طموحهم لتبادل الأفكار والتعلم مع الحفاظ على مفاهيم وقيم كل باحث".

ويتم نشر الكتب التي كتبها باحثو المعهد في منشورات تجارية في إسرائيل والخارج. وتقدم سلسلة مذكرات المعهد دراسات مكتوبة في معظمها من قبل الباحثين في المركز وتتناول القضايا الحالية التي لها آثار مباشرة على السياسة الإسرائيلية. 

ويتم نشر التحديث الإستراتيجي بصورة فصلية للمعهد باللغتين العبرية والإنجليزية، وكذلك مجلة "السايبر.. المخابرات والأمن" (ثلاث مرات في السنة)، ومنشور "مباط عال" -نظرة على- (منشور أسبوعي). 

ويتم توزيع المجلتين في نسخة مطبوعة على قائمة المشتركين المحددين، الذي يصل عددهم حوالي 7 آلاف و800 مشترك في إسرائيل ومثل هذه العدد في الخارج. ويشير الموقع إلى أن قائمة البريد الإلكتروني للمركز مفتوحة للجميع ويمكن الانضمام إليها عن طريق التسجيل.

وفي تعريفه قال المعهد، إنه من أجل الحفاظ على الحرية الفكرية لطاقم الباحثين، امتنع المعهد باستمرار عن اتخاذ أي موقف مؤسسي بشأن قضايا الرأي العام. الآراء المعبر عنها في منشورات المعهد هي آراء المؤلفين وحدهم ولا تعبر عن آراء المعهد أو مجلس المحافظين أو اللجنة التنفيذية أو طاقم البحث أو أي من المنظمات والأفراد الذين يدعمونه.

ويعني نشر العمل من طرف المعهد أنه يستحق للاطلاع عليه من الجمهور، لكن هذا لا يعني موافقة المعهد على استنتاجاته أو توصياته.

العلاقات الإسرائيلية-الفلسطينية

العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين، وهي محور خطاب الأمن القومي لإسرائيل، لها آثار واسعة على أمن إسرائيل. وعلى الرغم من أن هذه ليست حالة كلاسيكية للقوة العسكرية التي تهدد أمن إسرائيل، إلا أنها قضية حساسة تخضع للنقاش المكثف في إسرائيل. 

إن القوة الناعمة غير المباشرة للفلسطينيين والقدرة على تعطيل الديناميات الإقليمية تشكل مصدر قلق عميق لإسرائيل. ويمكن للفلسطينيين تقويض استقرار التوازن السكاني في دولة إسرائيل وتغيير طابعها الوطني. 

إن قرب المناطق العربية المأهولة بالسكان من مراكز السكان الإسرائيليين يمكّنهم من تعطيل روتين الحياة في إسرائيل عن طريق القيام بأعمال إرهابية في مناطقها المأهولة. 

بالإضافة إلى ذلك، فإن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني له تأثير كبير على "الشارع" العربي والإسلامي وعلى موقف العالم العربي والإسلامي تجاه إسرائيل والغرب. لقد جربت إسرائيل وسائل عسكرية وسياسية مختلفة لإدارة هذا الصراع ومحاولة تسويته، مع نجاح محدود حتى الآن.

الهدف الرئيسي لبرنامج العلاقات الإسرائيلية-الفلسطينية هو فحص الصراع وتحليله من أوسع وجهة نظر ممكنة، في محاولة لصياغة توصيات سياسية في المجالين الأمني والسياسي يمكن أن تساعد في معالجة هذه المشكلة الأكثر أهمية وحساسية.

ويساهم البرنامج في النقاش العام حول هذه القضية، مع مراعاة الأهمية الهائلة للرأي العام فيما يتعلق بالموارد والجهود المستثمرة في حل النزاع.

تحسين صورة إسرائيل

على أساس الفهم بأن إسرائيل تواجه حاليا مأزقا سياسيا خطيرا، صاغ معهد دراسات الأمن القومي خطة سياسية أمنية للقضية الفلسطينية، التي لها هدفان: تحسين موقف إسرائيل الإستراتيجي ومنع الانزلاق نحو المنحدر نحو واقع دولة واحدة. 

"ويتمثل الهدف الرئيسي لهذا المخطط في خلق واقع محسّن يمكّن من فتح خيارات في المستقبل لإنهاء سيطرة إسرائيل على الفلسطينيين في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) وضمان أغلبية يهودية قوية في إسرائيل الديمقراطية"، بحسب المصدر ذاته.

ويدعي المعهد أن الهدف من الخطة هو "تهيئة الظروف لواقع الدولتين من أجل الحفاظ على إسرائيل ديمقراطية ويهودية وآمنة وأخلاقية". 

وفي إطار التخطيط الإستراتيجي، الذي تم تنفيذه بعد دراسة طويلة واستنادا إلى الأفكار التي انبثقت عنه، تم فحص البدائل الرئيسية التي تمت مناقشتها في الخطاب العام والمهني، و"البديل الأكثر ثباتا الذي سيمكّن إسرائيل من مواجهة تحديات المستقبل بأفضل طريقة ممكنة والحفاظ على طابعها ومصالحها الأمنية الأساسية، مما يشجع الانفصال السياسي والإقليمي عن الفلسطينيين والسير نحو واقع دولتين لشعبين"، بحسب الموقع الرسمي للمعهد.