بعد فتور طويل.. هل يعود شهر العسل بين حماس وإيران؟

مهدي محمد | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

على مدار عقود عرفت العلاقات الجدلية بين إيران وحركة المقاومة الإسلامية حماس في فلسطين، موجات من المد والجزر بين التقارب والتباعد والانسجام والتوتر، ويبدو أن الطرفين يحاولان الآن إعادتها إلى مسار طال انتظاره منذ اندلاع الثورة السورية في 2011.

ولعل زيارة وفد رفيع المستوى من الحركة إلى طهران تكتسب أهميتها انطلاقا من أبعاد كثيرة، يلعب فيها التوقيت المتزامن مع التوتر في المنطقة من ناحية واتساع نطاق التطبيع العربي مع الاحتلال الإسرائيلي من ناحية أخرى، دور البطولة.

زيارة نادرة

العاصمة الإيرانية طهران، شهدت الاثنين الماضي، زيارة وفد من قادة المكتب السياسي لحركة حماس، ولقاء هو الأول من نوعه منذ عام 2012، جمع الوفد بالمرشد الإيراني علي خامنئي، جدد فيه الطرفان حرصهما على استعادة حيوية العلاقات الثنائية بعد فتور دام لسنوات.

وكالة "فارس" الإيرانية، شبه الرسمية، نقلت عن خامنئي قوله: إن "قضية فلسطين هي الأولى والأهم في العالم الإسلامي"، وإشادته "بصمود الشعب والفصائل الفلسطينية، بما فيها حماس، ومقاومتها الباهرة".

وتابع: "إن أحد أهم الأسباب للعداء الموجّه ضد إيران، يتمثل في قضية فلسطين، إلا أن هذه الضغوط لن تؤدي إلى التنازل عن موقفنا، فدعم فلسطين قضية دينية عقيدية"، مشددا على أن بلاده "لا تحابي أي دولة بشأن القضية الفلسطينية ونحن جادون تماما تجاه قضية فلسطين".

تطرق خامنئي، خلال اللقاء إلى صفقة القرن، التي وصفها بـ "المخطط الخياني الهادف للقضاء على الهوية الفلسطينية"، لافتا إلى ضرورة التصدي لها وعدم السماح بتدمير الهوية من خلال المال.

من جانبه، قال صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ورئيس الوفد: "إن الحركة تقف في الخط الأمامي للدفاع عن الأمة الإسلامية في مواجهة المشروع الصهيوني التوسعي، الذي يهدف إلى ضرب وحدتها وتقدمها".

وحول قدرات المقاومة، أكد العاروري أن التقدم الذي أحرزته حماس وفصائل المقاومة في هذا المجال "لا يمكن مقارنته بأي حال من الأحوال بالسنوات السابقة"، كاشفا عن أن المقاومة تستطيع ضرب أي نقطة في الأراضي الفلسطينية المحتلة وجميع المراكز الإسرائيلية الرئيسية والحساسة".

وضمّ الوفد إلى جانب "العاروري"، موسى أبو مرزوق، وماهر صلاح، وعزت الرشق، وزاهر جبارين، وحسام بدران، وأسامة حمدان، وإسماعيل رضوان، وخالد القدومي، بحسب بيان صدر عن الحركة.

توقيت حساس

من المعروف والمعلن لدى كل الأطراف، أن إيران هي الداعم الأول والرئيسي لحركة حماس وكتائب القسام جناحها المسلح، رغم التوتر الذي ساد العلاقات في أعقاب دعم الحركة للثورة السورية ضد نظام بشار الأسد.

ولعل التعبير عن متانة العلاقات بين طهران وحماس يمكن أن تلخصه مشاهد عدة، أحدثها في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عندما أدانت الحركة في بيان رسمي العقوبات الأمريكية التي أعادت واشنطن فرضها على إيران.

وفي أغسطس/آب 2017، أكد رئيس المكتب السياسي للحركة في قطاع غزة يحيى السنوار، أن إيران هي "الداعم الأكبر للسلاح والمال والتدريب لكتائب القسام".

وقال في تصريح صحفي: إن "الدعم الإيراني العسكري لحماس والقسّام إستراتيجي، والعلاقة مع إيران أصبحت ممتازة جدا وترجع لسابق عهدها - بعدما اعتراها تأزم - خصوصا بعد الزيارة الأخيرة لوفد من حماس إلى إيران".

قبلها بنحو 3 أشهر، هنّأ الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني إسماعيل هنية بمناسبة انتخابه رئيسا للمكتب السياسي للحركة، قائلا: "نتطلع إلى جهودكم لتجذير المقاومة امتدادا للخط الجهادي لحركة حماس".

زيارة وفد حماس مع الاستعداد الذي يؤكده الطرفان لعودة الدفء في العلاقات بينهما، يشيران إلى أن العودة إلى ما قبل 2011 والتي رآها كثيرون مستحيلة، باتت اليوم ممكنة، مدفوعة بمجموعة من العوامل المتزامنة.

فالتوتر بالخليج العربي ومضيق هرمز على أشده بين إيران والولايات المتحدة، وانضمت إليها بريطانيا مؤخرا بعد احتجاز طهران لناقلة نفط ترفع علمها، فضلا عما يمثله تشكيل قوة أوروبية لحماية حركة الملاحة بالمنطقة من إذكاء لهذا التوتر.

وترافق الحديث عن قرب إنجاز التفاوض بشأن الشق السياسي لصفقة القرن الأمريكية الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية، مع خطوات غير مسبوقة للاحتلال في هدم منازل المقدسيين، والتوسع الاستيطاني.

واتسعت بشدة موجات التطبيع العربي مع الاحتلال الإسرائيلي، خاصة لدى دول الخليج التي تجاور إيران، بالتزامن مع حالة شيطنة مستعرة لحركة حماس في دوائر السياسة والإعلام بالدول العربية.

إذًا فالتوقيت الحساس لهذه الزيارة أضاف دلالة أخرى غير استعادة دفء العلاقات بين الطرفين، وهو إدراك كليهما أن المنطقة تموج بالمتغيرات والتجاذبات الإقليمية والدولية، وأن ذلك يحتم عليهما أن يعيدا ودهما ربما أقوى مما كان.

العاروري وطرفي المقص

وكما أن للزيارة أهدافها ودلالاتها، فإن رئاسة العاروري لوفد الحركة لا يخلو أيضا من الدلالات المهمة، ومن ذلك تحليل نشرته وسائل إعلام إيرانية، رأى أن العاروري بات الرجل الأقوى في الحركة التي تعيد صياغة تحالفاتها من جديد على قواعد سياسية قديمة جديدة, وأن زيارته لإيران على رأس وفد رفيع المستوى هو تتويج لهذه الصياغة.

وأضاف، أن العلاقة بين إيران وحماس لم تكن يوما علاقة تابع مع سيد، وإنما علاقة تحالفية تقتضي من كل طرف فهم احتياجات ومحاذير الطرف الآخر، لتصبح العلاقة أشبه بطرفي المقص.

إيران قدّمت لحركة حماس على مدار أكثر من 30 عاما دعما لا محدودا سياسيا وعسكريا، وشكّلت للحركة حصنا فولاذيا منيعا في وجه الاحتلال وقت أن كان العرب والمسلمون يديرون ظهورهم لها.

على الجهة المقابلة، وفي ظل محاولات بعض الدول العربية حرف بوصلة الصراع وتحويله إلى صراع سني شيعي، وتحويل كيان الاحتلال إلى حليف، فإن حركة حماس بما تملكه من ثقل في الشارع الفلسطيني ومن تأييد في الشارع العربي، هي الأقدر على إعادة توجيه البوصلة وإثبات أن الصراع المركزي هو القضية الفلسطينية.

ثمة بعد آخر مشترك في العلاقة بين الطرفين وهو الأزمة السورية، حيث سبق وفقا للتحليل، أن تعهدت إيران للعاروري باستعادة الدعم للمقاومة كما كان أو أفضل، توازيا مع جهود مشتركة بين إيران و"حزب الله" لإذابة جبل الجليد بين النظام السوري وحماس.

إيران التي تواجه وضعا داخليا وإقليميا ودوليا متعسرا مع قوى كبرى، بحاجة إلى تقوية تحالفاتها وإعادة ترميم ما نتج عن الأزمة السورية، وما لحقها من اتهامات ثابتة بالأدلة بالتورط في مجازر ضد المدنيين السوريين.

طهران تريد أشياء أخرى من حماس، أولها أن تواجه موجات التطبيع العربية مع الاحتلال، وتستخدم ثقلها في التأثير بالرأي العام الفلسطيني والعربي، لنفي صفة العداوة عن إيران، وتثبيت صورتها كحليف وداعم للمقاومة.

القسّام لا حماس

بالعودة إلى مسألة رئاسة العاروري لوفد حماس، فإنها أعادت جدلا سبق إثارته، على خلفية ما يقال بشأن الرجل وعلاقته الوثيقة بإيران، وما يشكل ذلك من ارتفاع حظوظه في تبؤ القيادة الفعلية للحركة.

لكن الحقيقة أن هذا الجدل أثير على نحو أوسع قبل ذلك، وتحديدا عند انتخاب يحيى السنوار رئيسا للحركة داخل قطاع غزة في فبراير/تشرين الأول 2017، وهو القائد العسكري الخارج من رحم كتائب القسام، والموصوف بأنه أحد أبرز تيار التقارب مع إيران داخل حماس.

ما يقال عن العاروري والسنوار، أشعل الحديث عن العلاقة بين حماس ككيان سياسي وكتائب القسام كجناح مسلح، وحقيقة الانفصال أو التباعد بينهما، وكذلك التعامل الإيراني مع أحدهما دون الآخر.

وبالرجوع إلى الوراء قليلا، وتحديدا في ديسمبر/كانون الثاني 2014، عندما كانت العلاقة بين حماس وإيران في أشد لحظاتها فتورا وأكثرها تباعدا، لم يكن الأمر كذلك بالنسبة للجناح العسكري كتائب القسام، التي أعلنت تمسكها بعلاقتها مع إيران كداعم رئيس بالمال والسلاح والخبرات.

في هذا التاريخ خرج المتحدث باسم الكتائب أبو عبيدة شاكرا إيران للمرة الأولى علنا، وقال: "جمهورية إيران الإسلامية أمدتنا بالصواريخ التي دكت المحتل في صولات وجولات مضت، ودعمتنا بالصواريخ النوعية المضادة للدبابات التي حطمت أسطورة الميركافا".

تقارير إعلامية تحدثت في وقت سابق عن وجود خلاف بين قيادة القسام التي تريد البقاء مع الحلف الإيراني، وبين القيادة السياسية التي تريد التقارب مع الدول العربية، وقد أرجعت "وول ستريت جورنال" تخصيص إيران في أبريل/نيسان 2015 ميزانية سنوية لدعم كتائب القسام لهدف تعميق الشرخ الحاصل بين القيادة السياسية والقسام في ظل الدعم الإيراني.

في مايو/أيار 2017، نقلت تقارير إعلامية عن مصدر قوله، إن كتائب القسام تلقت قبل نحو شهرين 27 مليون دولار أمريكي، على هامش "المؤتمر الدولي السادس لدعم الانتفاضة الفلسطينية"، الذي عقد في طهران.

ورغم أن المصدر أشار أنه لا صحة لزيادة طهران المساعدات المالية لحماس، فقد أكد أن هناك التزاما إيرانيا بمساعدات مالية محدودة للقسام بين الفينة والأخرى، تقدمها طهران عبر "حزب الله" الذي يتولى دور الوساطة بينهما.

مراقبون رأوا، أن كتائب القسام انفصلت بشكل ملحوظ عن حماس، وأصبحت لها مصالحها الخاصة بعيدا عن توجهات الحركة منذ عام 2015، كما أن تحركات حماس السياسية خلال الفترة السابقة، والتي تتم بعيدا عن الأجندة الإيرانية، قد دعمت القسام أمام إيران، على حساب الحركة بعيدا عن التفاهمات السياسية التي تجريها سواء مع حركة فتح أو مع الاحتلال برعاية مصرية.

لماذا إيران؟

نشأت العلاقة بين الطرفين خلال مؤتمر أقامته طهران لدعم الانتفاضة الفلسطينية عام 1990، وذلك بعد مضي 3 أعوام على تأسيس حركة حماس، وتطورت العلاقة بينهما عندما افتتحت طهران مكتبا للحركة في العام التالي. وعندما تبنّت حماس المقاومة المسلحة ورفضت الاعتراف بإسرائيل على غرار منظمة التحرير الفلسطينية، بدأت طهران ترى في حماس ممثلا للشعب الفلسطيني، وتطور الأمر تدريجيا حتى صرحت حماس بأنها تعتبر إيران حليفا إستراتيجيا لها.

حقق فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006، خطوة أخرى في تعزيز العلاقات الثنائية، إذ أعلنت طهران عن دعمها المالي للحركة والذي يقدر بمئات ملايين الدولارات، فضلا عن الدعم العسكري الذي مكنها من امتلاك ترسانة عسكرية قادرة على مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.

تراجعت العلاقة بين الطرفين مع اندلاع الثورة السورية 2011، ونقل رئيس المكتب السياسي للحركة آنذاك خالد مشعل مقر إقامته من العاصمة دمشق إلى قطر، مع إعلان الحركة اتخاذها موقفا معارضا للنظام السوري، ما أثار حفيظة طهران الحليف الكبير للنظام في دمشق.

مشعل كشف في مقابلة تليفزيونية عن تراجع الدعم الإيراني للحركة بسبب رفضها تأييد النظام السوري، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن العلاقة لم تصل إلى القطيعة الكاملة، بل بقيت في حالة جمود، يتخللها إرسال الوفود لطهران بين الحين والآخر.

لكن يبدو أن المواقف تبدلت بتغير قيادات حماس، حين قال العاروري في أكتوبر/تشرين الأول 2017، إن علاقة الحركة مع إيران و"حزب الله" ليست مرتبطة بالعلاقة مع سوريا، مؤكدا أن الحركة لم ولن تنحاز إلى أي طرف أثناء الأزمة السورية.

ولعل إيران تشكل لدى حركة حماس أكثر من مجرد داعم مالي أو عسكري، فهي تعتبر الدولة الوحيدة من بين الدول المؤثرة في القضية الفلسطينية التي ترفض الاعتراف بإسرائيل، بل ويدعو خطابها الرسمي، ولو كان مجرد شعار، إلى محوها من الخريطة وإزالتها من الوجود.

العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة ودول كبرى على إيران، وحالة التنافر بينها وبين الغرب تجعل إمكانية ما يمكن أن تقدمه من دعم للقضية الفلسطينية يفوق بكثير دولا أخرى لديها تحفظات أو مصالح معينة تحتم عليها الابتعاد أو الدعم على استحياء.