واقع صعب.. ما فرص نجاح وساطة السعودية ومصر للصلح بين المغرب والجزائر؟

عالي عبداتي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

تمهيدا للقمة العربية المقرر عقدها بالعاصمة الرياض في 19 مايو/أيار 2023، تداولت وسائل إعلام تسريبات تتعلق بوساطة سعودية مصرية للمصالحة بين المغرب والجزائر، تعزيزا لفرص نجاح القمة.

المؤشرات تفيد بأن المفاوضات جارية لجلوس الجارين على طاولة الحوار لمناقشة القضايا العالقة وإيجاد حلول تناسب الطرفين، بعيدا عن "التعنت والعداء"، مع الآمال بحضور العاهل المغربي محمد السادس والرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، معا، للقمة العربية المقبلة.

وزن أكبر

وأوضح موقع "الصحيفة" المغربي، في 6 أبريل/نيسان 2023، أن عودة الحديث عن الوساطة السعودية المصرية بين المغرب والجزائر بغية إنهاء القطيعة الدبلوماسية بين البلدين، يتزامن مع استعداد الرياض للقمة العربية.

وأشار الموقع إلى أن "هذا التطور يأتي في وقت تُصر فيه الجزائر على أنها مستمرة في سياسة القطيعة مع المغرب، إثر قول تبون في حوار مع قناة (الجزيرة) في 22 مارس/ آذار 2023، إن العلاقات بين الجزائر والمغرب وصلت إلى نقطة اللاعودة".

بدوره، قال موقع "مدار21" المغربي في 7 أبريل 2023، إن "المؤشرات تقود إلى أن المفاوضات جارية من أجل أنهاء الأزمة بين البلدين الجارين، عبر الجلوس إلى طاولة الحوار لحل مختلف الإشكالات العالقة، لا سيما في ظل سياسة اليد الممدودة من طرف المغرب".

ورأى الخبير في العلاقات الدولية، أحمد نور الدين، لموقع "مدار21"، أن الوساطة المصرية السعودية بين المغرب والجزائر "تبقى غير مستبعدة، بالنظر إلى سوابق السعودية التي حاولت مرارا وتكرارا، وإلى وقت قريب، الوساطة بين البلدين".

وبخصوص جديد وجود وساطة مصرية سعودية، قال نور الدين: "ربما يكون لها وزن أكبر، ومثل هذه الوساطات أمر طبيعي في الظروف العادية للجامعة العربية التي الأصل فيها أن تلعب دورا في حل الخلافات بين البلدان العربية".

وحول شروط نجاح الوساطة، أورد الخبير نور الدين أن "يكون الطرفان المعنيان بالنزاع قابلين للوساطة، وهذا الشرط للأسف تتوفر 50 بالمئة منه فقط، فمن الجانب المغربي، لا أحد على المستوى العربي أو الدولي سيشكك في رغبة المملكة بحل النزاع مع الجزائر بأي وسيلة، فيما الأخيرة ترفض الوساطة بالمطلق".

وأكد أنه بالنسبة للمغرب "ليس هناك مرجعية أكبر من الخطابات الملكية التي أكدت في أكثر من مناسبة مد اليد للجزائر، والاستعداد لحل الأزمة بأي طريقة لمناقشة المشاكل دون طابوهات أو أي سقف".

كما أن "الحوار يمكن أن يفتح على صعيد جميع المستويات، سواء بين الرئيس الجزائري والملك المغربي، أو بين رئيس الحكومة المغربية ورئيس الوزراء الجزائري، أو بين وزيري خارجية البلدين، أو مشاورات موسعة"، وفق نور الدين.

وضمن ما يعيق هذه الوساطة، حسب الخبير في العلاقات الدولية "خطابات رسمية للرئيس تبون على التلفزيون الرسمي يقول فيها أنه يرفض أي وساطات مع المغرب، وهناك بيان للخارجية الجزائرية تم تعميمه يرفض أي وساطة".

وبناء على هذا الوضع، أشار نور الدين إلى أن "شروط نجاح الوساطة منتفية منذ البداية، ما دامت الجزائر ترفضها من الأساس، لكن ربما ما تملكه السعودية ومصر، من خلال وزنيهما على صعيد الجامعة العربية والمنظومة العربية، بإمكانهما الضغط على الجزائر لقبول الوساطة".

استبعاد جزائري

من جانبه، نفى الكاتب الجزائري، محمد مسلم، وجود وساطة بين بلاده والمغرب لحل الخلاف بينهما.

ورأى مسلم، في مقال رأي نشره عبر "الشروق" الجزائرية، في 7 أبريل 2023، أن "الإعلام المغربي عادة ما ينشر أخبارا من هذا القبيل، ولا سيما عند اقتراب المواعيد العربية الكبرى، خاصة القمم العربية".

وقال إنه "بقدر ما يؤكد استمرار الرباط في تسريب أخبار الوساطات الوهمية عن وجود رغبة جامحة لدى المغرب في استعادة علاقاتها المقطوعة مع الجزائر، فإن اختيار قرب مواعيد انعقاد القمم العربية لنشرها، يخلق حالة من تسميم الأجواء بين الدول العربية، ما قد يؤدي إلى فشل قمة السعودية".

وأفاد مسلم بأن "إصرار الإعلام المقرب من النظام المغربي على الاستمرار في نشر أخبار الوساطات الوهمية، يكشف أن الرباط لم تعد قادرة على تكبد المزيد من الخسائر بعد ما يقارب السنتين من العقوبات التي فرضت عليها من قبل الجزائر".

ورأى أن "أشد هذه العقوبات إيلاما وقف أنبوب الغاز المغاربي الأوروبي المار عبر التراب المغربي باتجاه إسبانيا، وكذا منع الطائرات المغربية المدنية منها والعسكرية من المرور فوق الأجواء الجزائرية".

بدوره، قال أستاذ العلاقات الدولية المغربي، خالد شيات، إنه "يجب -أولا- التأكيد على أن هذه الوساطات المبذولة ستنطلق مستندة إلى معطيَيْن أساسيين على الخصوص، الأول أن هناك نزاعا بين الدولتين، وهو أمر غير صحيح، لأن الخلاف الثنائي ليس فيه صراعات أو مواضيع خلافية تستحق أن تكون مَحل وساطة بين البلدين".

بينما المعطى الثاني، حسب شيات، في حديث لموقع "هسبريس" المحلي في 11 أبريل 2023، هو "أن هناك طرفا يدعي أنه يتعرض لمضايقات من الطرف الآخر، وليس سوى الطرف الجزائري".

وأورد أن "الجلوس إلى طاولة المفاوضات هو خيار طرَحه الجانب المغربي فعليا"، حيث يعد المغرب الجزائر طرفا في النزاع القائم حول الصحراء، إثر احتضانها وتمويلها لجبهة "البوليساريو"، التي تطالب بانفصال الصحراء عن المغرب، في وقت تقترح فيه الرباط حكما ذاتيا موسعا لساكنة الأقاليم الصحراوية.

وذكر شيات أن "الخلاف يوجد في الذهنية الجزائرية، والذي تفاقم إلى مستوى هذا العداء الذي وصفه الرئيس تبون بأنه وصل إلى (نقطة اللاعودة)".

ويرى أن "النسق الطبيعي هو الذي ينطلق بوساطات ومساع حميدة تهم خلافات يمكن التقريب بين وجهات النظر بشأنها"، مشيرا إلى أن "الوسطاء سيصلون إلى نقطة تعني عدم النزاع بين الطرفين، بل تم افتعاله من طرف واحد".

وخلص شيات إلى أن "المغرب لا يُدخل قضية الصحراء المغربية في أنساق المفاوضات مع الجزائر، لأنها موضوعة تحت اختصاص حصري للأمم المتحدة، بينما الجزائر تمارس شكلا من أشكال الاعتداء ضد المغرب منذ حوالي 50 سنة، عمر النزاع المفتعل".

من جهته، أكد الإعلامي والناشط السياسي الجزائري، وليد كبير، أن الجهود العربية لرأب الصدع بين المغرب والجزائر "لم تتوقف، رغم نفي النظام الحاكم في الجزائر لهذا الأمر".

وقال كبير لـ"الاستقلال"، إنه "في الوقت الحالي هناك وساطة سعودية مصرية، من أجل الضغط على الجزائر لقبول الجلوس إلى طاولة الحوار، بغية أن تكون مناسبة انعقاد القمة العربية في الرياض مناسبة لتحقيق تقدم في هذه الوساطة".

ورأى أن "النظام الجزائري لا يملك النية الصادقة لحلحلة الأمور وعودة العلاقات الدبلوماسية على الأقل إلى وضع طبيعي بين الجزائر والمغرب".

وسبب غياب هذه الإرادة، وفق الناشط السياسي، أن "الجيش في الجزائر يوظف الصراع مع المغرب لإحكام قبضته على الحكم".

وتابع: "لذلك لا يمتلك النظام الجزائري الإرادة لإعادة العلاقات إلى نصابها أو إلى الطريق الصحيح، بفعل نظره للمغرب كعدو، حتى صارت هذه النظرة جزءا من العقيدة العسكرية الجزائرية".

وشدد كبير على أن "النظام الجزائري، وفي ظل عدائه للمغرب، لا يستطيع أن يكون معه في وضع طبيعي مع جاره الغربي، حيث صار هذا العداء قضية وجودية بالنسبة له".

مبادرة محمودة

فيما يرى الكاتب المغربي، إسماعيل الحلوتي، أن المبادرة السعودية المصرية لحل الخلاف بين الجزائر والمغرب "مبادرة محمودة، ولا يمكن لأي مواطن يجري في عروقه دم العروبة والإسلام إلا أن يثمنها، ويتمنى صادقا أن تكلل جهود طرفي هذه الوساطة بالنجاح".

وفي مقال رأي نشره عبر موقع "السفير24" المحلي في 12 أبريل 2023، أعرب الحلوتي عن أمله أن ينتهي "مسلسل الجفاء والعداء وتبادل الاتهامات، ويخدم بالدرجة الأولى مصالح الشعبين الشقيقين، اللذين ظلت الحدود الترابية بين بلديهما مغلقة زهاء ثلاثة عقود".

وقال إن "الوساطة المصرية السعودية لن تجد من الجانب المغربي إلا الترحيب وسعة الصدر، خاصة أن الملك محمد السادس دأب على الالتزام الصادق بنهج سياسة اليد الممدودة تجاه أشقائه في قصر المرادية".

وتابع: "ملك المغرب ظل دائما يبعث له برسائل الاطمئنان للجزائر، ويؤكد أن الشر لن يأتي أبدا للشعب الجزائري من المغرب".

في المقابل، قال الحلوتي: "يبدو من الصعب إقناع النظام الجزائري بالمصالحة، بعد تحويل عدائه للمغرب إلى عقيدة راسخة".

وخلص إلى أن "المحاولة السعودية المصرية لن تحقق مبتغاها، وذلك في ظل تمسك المغرب بوحدته الترابية وتأكيده الدائم على أن مغربية الصحراء أمر غير قابل للتفاوض".

لكن الحلوتي، استدرك قائلا: "باب الأمل يجب أن يبقى مفتوحا لا يغلق، لحل هذه الأزمة والمصالحة بين البلدين".

وعن الشروط الكفيلة بإنجاح محاولات الصلح، قال الناشط السياسي الجزائري، كبير، إن أولها يتمثل في ضرورة حل الأزمة الداخلية السياسية في الجزائر، معتبرا أن "تدخل العسكر في الشأن السياسي يحول دون فتح حوار مع المغرب".

وتابع كبير لـ"الاستقلال"، إذا تم حل المشكلة السياسية في الجزائر وانشغل العسكر بميدانهم، وابتعدوا عن السياسة، فمن الممكن جدا أن نصل إلى حل ينهي الخلاف بين الجارين.

لكن، يستدرك كبير، "ليست قضية الصحراء لوحدها من يعكر صفو هذه العلاقات الثنائية، بل أيضا مشكل الحدود التاريخية للبلدين، والتي يجب أن تحل وإنهاء الخلاف حولها".

وشدد على أنه "يجب امتلاك الشجاعة السياسية والنية الصادقة من أجل الحوار"، منتقدا تصريحات تبون بخصوص قوله بوصول العلاقات بين البلدين إلى نقطة اللاعودة، قائلا إن "هذا التصريح يلعن المستقبل ويقطع الأمل، وهذا أمر غريب أن يصدر عن رئيس دولة".

ورأى كبير أن مرد هذا التصريح، "هو بحث تبون عن دعم الجيش له لولاية ثانية على رأس الجمهورية، لأنه يعي أن وصوله لهذا المبتغى، يشترط المزيد من التقرب من العسكر، ولو عن طريق العداوة مع البلد الجار، مع كامل الأسف".