تباعد مستمر.. لماذا تدهورت العلاقات بين المغرب وفرنسا في عهد ماكرون؟

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

استعرضت صحيفة مغربية ناطقة باللغة الفرنسية، أسباب تدهور العلاقات بين باريس والرباط، خصوصا في عهد الرئيس الفرنسي الحالي، إيمانويل ماكرون.

وأكدت صحيفة "ماروك إيبدو"  أنه "لم يعد هناك أي شك في أن الحالة الراهنة للعلاقات بين المغرب وفرنسا تُعد حالة سيئة".

واستشهدت الصحيفة على تدهور العلاقات بالتأجيل المتكرر لزيارة ماكرون إلى المملكة، كما أوردت تصريحات مغربية بشأن تدهور العلاقات.

ونقلت مجلة "جون أفريك" الفرنسية عن مسؤول في الحكومة المغربية تشديده على أن العلاقات بين الحكومتين المغربية والفرنسية والقصر الملكي والإليزيه "ليست ودية ولا جيدة".

وجاء هذا التصريح ردا على تأكيد الرئيس الفرنسي أن العلاقات مع العاهل المغربي، محمد السادس "ودية وستبقى كذلك".

تقويض الثقة

وفي فبراير/ شباط 2023، أقر البرلمان الأوروبي توصية تقضي بمنع النواب المغاربة من دخول مقره في بروكسل إلى حين الانتهاء من التحقيق في قضية "فساد" متهم فيها المغرب.

وجاء في القرار الأوروبي: "مصرون على التحقيق الكامل في قضايا الفساد التي تشمل البلدان التي تسعى للتأثير على البرلمان، وسنتخذ الإجراءات اللازمة".

وتعليقا على القرار، قال البرلماني المغربي، لحسن حداد، رئيس اللجنة البرلمانية المشتركة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، إن "البرلمان الأوروبي يتبنى موقفا عدائيا تجاه المغرب".

وزاد حداد: "البرلمان الأوروبي رفض تعديلا تقدم به النواب المحافظون بالبرلمان، يقضي بتأكيد المزاعم ضد المغرب قبل تطبيق هذه الإجراءات".

وتابع: "إنه يصدر أحكاما دون قرائن، أين هي دولة القانون التي ما فتئوا يتبجحون بها؟".

وفي 23 يناير/ كانون الثاني 2023، تبنى البرلمان الأوروبي قرارا ينتقد أوضاع حرية الصحافة والتعبير بالمغرب، حيث دعا السلطات "لإنهاء المتابعة القضائية لعدد من الصحفيين". 

وفي قراره، دعا البرلمان الأوروبي إلى إطلاق سراح الصحفيين المغاربة، عمر الراضي وسليمان الريسوني وتوفيق بوعشرين، ووقف المتابعات القضائية التي طالتهم بتهم "جنسية".

وكان القضاء المغربي قد حكم على "الراضي" بالسجن 6 سنوات لتهمتي الاغتصاب والتخابر، بينما حكم على الريسوني بالسجن 15 سنة بتهم "جرائم جنسية".

وفي معرض رده، قال البرلمان المغربي إن القرار الأوروبي "قوّض أسس الثقة والتعاون" بين الجانبين.

أزمة خطيرة

وفي مقابلة للصحيفة مع الباحث في الاستخبارات الاقتصادية، بيير إيف روجيرون، أكد أن "هناك أزمة دبلوماسية خطيرة" بين البلدين.

وأضاف: "كانت فرنسا والمغرب تبتعدان عن بعضهما البعض منذ أكثر من عقد".

وأكد الباحث أن "ماكرون - الذي يستخدم مقومات الدولة الفرنسية للتلاعب بالرأي العام في بلاده- أجبر الدبلوماسية المغربية على إصدار هذا التصريح".

وأكد الكاتب أن ما ذكره المصدر المغربي من أن علاقات بلاده بفرنسا "ليست ودية ولا جيدة" هو أمر نادر في الممارسات الدبلوماسية بشكل عام.

وأوضح روجيرون أن التصريح المغربي جاء كتتويج لظاهرة بدأها الرئيس الفرنسي الأسبق، نيكولا ساركوزي، ثم تضخمت بفعل شخصية الرئيس ماكرون المضطربة.

وأكد الكاتب أن هناك "عدم الفهم متزايد للنخبة الفرنسية الحالية حيال الدول الحقيقية ذات التقاليد السياسية العريقة كما هو الحال في المغرب".

وحول احتمالية أن يكون للجزائر دور في الخلاف الفرنسي-المغربي، باعتبار أن هناك توترا في العلاقات الجزائرية المغربية، أشار روجيرون إلى أن هناك ثلاثة أبعاد يجب مراعاتها.

الأول هو أن عدم الاستقرار السياسي في الجزائر كابوس بالنسبة لباريس، إذ إن الدبلوماسيين الفرنسيين الذين يخشون الانهيار الجزائري - وهو سيناريو معقول للأسف- يحاولون استرضاء الجزائريين، وهو تفسير خاطئ كبير للعقلية الجزائرية.

أما الثاني فهو أن السلطة الجزائرية تنشر مشاعر كراهية ضد فرنسا، حسب زعم التقرير. 

وأخيرا، فإن "هناك افتقارا إلى العقول الكبيرة، إذ لم تعد هناك شخصيات وازنة في حاشية السلطة في فرنسا، وهذا بدوره، يضاعف الفوارق بينها وبين البلدان الإفريقية"، وفق "ماروك إيبدو".

استبداد ماكرون

وزعم الكاتب أن الذي بات يُنتظر فقط، هو التوجيهات التي تأتي من برلين، أو بروكسل، وحتى هذه العواصم لم تعد تفهم السياسات الدقيقة للمنطقة المغاربية، بسبب ضعف ​​أداء دبلوماسييها.

كما أشار التقرير إلى "المنطقة الرمادية" التي تقف فيها فرنسا من مسألة إقليم الصحراء، المتنازع عليه بين المغرب والجزائر.

وفي هذا السياق، أكد روجيرون أن اعتراف فرنسا بمغربية الصحراء "سيكون في نظر الجزائر عملا عدائيا".

وكان رئيس الحكومة المغربية، عزيز أخنوش، قد دعا فرنسا إلى الخروج من المنطقة الرمادية وألا تظل تمارس دور المراقب بشأن قضية الصحراء.

وفي تصريح له في يناير/ كانون الثاني 2023، قال أخنوش إن "هناك تطورات كبيرة في قضية الصحراء في أعقاب اعتراف القوى العظمى بسيادة المغرب على الأقاليم الجنوبية"، مشددا على أن "باريس ينبغي ألّا تكون مجرد مراقب".

وخلال السنوات الأخيرة، شهدت قضية الصحراء تطورات ملفتة مع اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على إقليم الصحراء.

ووفق الخبيرة السياسية المتخصصة بالمنطقة المغاربية، خديجة محسن فينان، فإنه "من المعروف أن فرنسا لا تريد أن تملى عليها سياستها حول الصحراء".

وأضافت: "تنوي فرنسا إظهار أنها تستطيع إقامة علاقات دبلوماسية واقتصادية وتجارية، لكنها تقرر وحدها سياستها بشأن إقليم الصحراء".

ولدى رده على سؤال حول دفع بعض السياسيين الفرنسيين نحو علاقة أفضل مع المغرب، أوضح روجيرون أن "هذا لن يجعل الرئيس ماكرون يتحرك قُدما في هذا الاتجاه".

وأضاف: "مُطْلَقا، لا يهتم ماكرون بردود أفعال الآخرين طالما يعدهم أقل شأنا منه، أما في حالة مواجهة برلين أو واشنطن، نجد ماكرون ينحني".

ومن بين جميع رؤساء الجمهورية الفرنسية، كان ماكرون هو الأقل تفضيلا لتوطيد العلاقات الفرنسية-المغربية، وفق التقرير.

ورأى روجيرون أنه في سبيل استئناف العلاقات التاريخية مع الرباط، يجب تحسين العلاقات مع الجزائر أولا، حتى لا يُعد التقارب مع المغرب تخليا عن حليف مخلص.

من جانبه، ذكر الباحث في العلاقات الدولية، حميد الكفائي، أن "علاقة المغرب بالدول المختلفة، بما فيها فرنسا، هي علاقات متوازنة، مبنية على المصالح".

وشدد الكفائي على أن فرنسا "تهتم بإرضاء الجزائر على الأقل حاليا، لأن الأخيرة تزود أوروبا بالغاز، لكنها في الوقت نفسه عليها أن تحافظ على علاقاتها مع شريك اقتصادي مهم بالمنطقة" أي المغرب.

وختم بالقول: "ليس في صالح باريس اتخاذ موقف محدد، أي أن تغادر المنطقة الرمادية كما طلب منها رئيس الحكومة المغربي".