علي علاوي.. وزير عراقي استقال رافضا "الفساد" فأصبح متهما بـ"سرقة القرن"

يوسف العلي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

عاد وزير المالية العراقي السابق، علي علاوي، إلى الأضواء مجددا بعد إصدار السلطات القضائية في 4 مارس/آذار 2023، أمرا بالقبض عليه بتهمة التورط في "تسهيل" الاستيلاء على 2.5 مليار دولار من الأمانات الضريبية، المعروفة إعلاميا بقضية "سرقة القرن".

ويعد علاوي أعلى مسؤول عراقي يُتهم بالتورط في القضية، التي كشف عنها في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2022.

إذ جرت عملية الاستحواذ على المبلغ من حساب تابع لدائرة الضرائب بتعاون 5 شركات وهمية مع فاسدين معنيين بملف الأموال المودعة طيلة 11 شهرا بدءا من سبتمبر/أيلول 2021.

استهداف سياسي

فجّر اتهام علاوي مع ثلاثة من مسؤولي حكومة رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي، غضب الأخير، الذي أصدر بيانا في اليوم نفسه للتعليق على الأمر.

وأكد الكاظمي أنه هو من كان وراء "الكشف عن ملفات الأمانات الضريبية" منذ الأسابيع الأولى لتوليه السلطة في 19 أغسطس/آب 2020.

وشملت مذكرة القبض، إضافة إلى وزير المالية السابق علي علاوي، كل من: "رائد جوحي مدير مكتب الكاظمي، ومشرق عباس المستشار السياسي للأخير، وأحمد نجاتي السكرتير الشخصي لرئيس الوزراء السابق".

وقال الكاظمي في بيانه إنه بعد إجراءات تحقيقية، كشفت حكومته في 27 سبتمبر 2022 ملابسات هذا الملف، وأحالت المتهمين بعد اعتقالهم إلى القضاء، ووضعت كل التفاصيل أمام الرأي العام بشجاعة وشفافية، واصفا إصدار مذكرات القبض بأنها تمت وفق اتهامات "انتقائية"، بعيدا عن مجريات التحقيق.

ولفت إلى أنه "جرى تحميل المسؤولية إلى شخصيات أدت دورها القانوني بشكل كامل، أو لم تكن على علاقة بملف الضرائب من الأساس، ما يشكل دليلا إضافيا على وجود دوافع سياسية واضحة تقف خلف هذا الإجراء وتدعمه وتسوّق له".

وأشار إلى أن "هذا الكيد والاتهام يكشف محاولات التستر المستمرة على المجرمين الفعليين، وهروب إلى الأمام واستهداف خصوم سياسيين".

فما جرى ليس سوى استحضار عرض إعلامي وسياسي، ومحاولة خلط للأوراق للتستر على السرّاق الحقيقيين، بدلا من السعي الجاد لإحقاق العدالة وكشف الحقيقة التي تعد تكليفا أساسيا لكل صاحب قرار مسؤول أمام الله وأمام الشعب، وفق الكاظمي.

وتساءل قائلا: "كيف يُحاسب من كشف السرقة ويكافأ من سرق؟" مطالبا بإسناد "سرقة القرن" إلى تحقيق دولي شفاف وعادل يشمل كل القضية وشخوصها، بما يضع الجميع أمام مسؤوليته ويوقف التلاعب والانتقائية والانتقام السياسي وانعدام الشفافية، ومحاسبة المجرمين ومن يقف خلفهم، ليعرف العراقيون من يسرق أموالهم فعلا.

وقبل ذلك، قال المحلل السياسي العراقي، محمد نعناع، خلال مقابلة تلفزيونية في فبراير/شباط 2023 إن "قضية سرقة القرن حُرّفت عن المتهمين الأساسيين فيها، لأن من كشفها هو إحسان عبد الجبار (وزير المالية وكالة في حكومة مصطفى الكاظمي)".

وأوضح نعناع أن "سرقة القرن فيها ثلاثة متهمين حقيقيين، وهم رؤوس كبيرة بينهم معممون معروفون، وأن وثائق القضية باسمهم. في الأيام المقبلة ستصدر مذكرة قبض بحق إحسان عبد الجبار، وعلي علاوي ورائد جوحي".

واستدرك المتحدث، قائلا: "لكن قضية إحسان عبد الجبار تدخلت فيها النجف (في إشارة إلى تدخل المرجعية الشيعية) باتصال وجرى إيقافها، لكن ستصدر مذكرات القبض بحق علي علاوي، ورائد جوحي، وذلك للمزيد من التغطية على المتورطين الحقيقيين في سرقة القرن".

وحتى 5 مارس 2023 لم يصدر أي تعليق من وزير المالية العراقي السابق علي علاوي، بخصوص إصدار مذكرة قبض بحقه لاتهامه بالتورط في قضية أموال الضرائب "سرقة القرن".

وزير مستقيل

علي عبد الأمير علاوي المولود في بغداد عام 1947، هو نائب رئيس الوزراء ووزير المالية في حكومة الكاظمي حتى منذ 7 مايو/أيار 2020 إلى 16 أغسطس 2022 حين قدم استقالته احتجاجا على عمليات فساد مالية ضخمة، وإحباطه من عدم قدرته على فعل شيء.

وقدّم علاوي مطالعة مكتوبة من 9 صفحات خلال اجتماع مجلس الوزراء تضمن شرحا عن إدارته الوزارة خلال الفترة الماضية، وأبرز ما تحقق فيها، قبل أن يطرح موضوع استقالته والتي وافق عليها الكاظمي، وعين مكانه وزير النفط إحسان عبد الجبار لإدارة وزارة المالية وكالة.

وقال علاوي خلال استقالته بأنه "محبط للغاية" لكونه غير قادر على عمل ما يجب القيام به "بسبب افتقار الحكومة للوضع القانوني والصلاحيات الكاملة"، واصفا الوضع بأنه "غير معقول ولا مقبول".

وبعد إجراء الانتخابات النيابية العراقية في 10 أكتوبر 2021، تحولت الحكومة العراقية رسميا إلى تصريف الأعمال بصلاحيات إدارية محدودة تقتصر على تمشية الأمور اليومية.

وفي خطاب استقالته، ذكر علاوي أنه "تعرف على مدى تدهور الدولة والاستيلاء على الدولة فعليا من الأحزاب وجماعة المصالح الخاصة"، وتطرق في نص استقالته إلى "قضايا فساد في الدفع الإلكتروني بقيمة 600 مليون دولار"، مطالبا باستكمال التحقيق فيها.

وبعد الكشف عن "سرقة القرن" أصدر علاوي بيانا توضيحيا في 20 أكتوبر 2022، وصف فيه القضية بأنها "أكبر الفضائح المالية في العصر الحديث".

وقال علاوي في بيان، إنه أوضح حين قدم استقالته من الحكومة العراقية، ما وصفه بـ"اضمحلال المؤسسات وتدهورها، وخاصة في القطاع المالي والمصرفي، وانتشار التدخلات من خارج الوزارة غير المشروعة في إدارة الدولة".

وأضاف: "الضجة من الرأي العام الغاضب كانت صحيحة تماما لأنه من غير المعقول أن يتم سرقة هذا الكم الهائل من الأموال بوقاحة مع الإفلات التام من الرقابة والمحاسبة والعقاب".

واستدرك: "لكن النطاق الهائل للفضيحة يوفّر أيضا فرصا لتقديم مزاعم غير مسؤولة واستخلاص النتائج من دون أي مبرر جاد. ولهذا الغرض وجد من الضروري أن يوضح بالتفصيل موقف وزارة المالية من منظور وزيرها حتى يكون الجمهور على دراية بحقائق الأمر".

وكشف علاوي أنه "بتاريخ 13 يوليو/تموز 2021 ورد كتاب اللجنة المالية بالبرلمان السابق يطلب حصر التدقيق على الأمانات الضريبية والجمركية من الهيئة العامة للضرائب دون المرور بديوان الرقابة المالية، ويسند بذلك الطلب إلى ورود شكاوى للجنة بخصوص عمليات التأخير وغيرها من الأسباب الواردة في الكتاب".

ولفت إلى أن "ورود كتاب آخر من رئيس اللجنة المالية السابق (هيثم الجبوري) في 3 أغسطس 2021 إلى وزير المالية يؤكد الطلب السابق ويشير إلى موافقة مكتب رئيس الوزراء وديوان الرقابة المالية في ضوء مراسلاتهم بخصوص موضوع الأمانات الضريبية".

وأكد علاوي أنه "ورد كتاب إلى وزير المالية من الهيئة العامة للضرائب في 10 أغسطس 2021 يشير فيها إلى الكتب والموافقات أعلاه ويُطلب منه العمل بھا".

وأشار إلى أن "موافقة وزير المالية في 26 أغسطس 2021 تمت وفق ما جاء أعلاه حيث استندت إلى طلب الجهة التشريعية المتمثلة باللجنة المالية للبرلمان السابق".

وكذلك استندت إلى موافقة كل من ديوان الرقابة المالية ومكتب رئيس الوزراء وكذلك طلب الجهة المسؤولة عن العملية، وهي الهيئة العامة للضرائب والتي يتيح لها الطلب بذلك طبيعة هيكل العمل في الوزارة، وفق قوله.

ومضى علاوي بالقول "ولضمان عدم التلاعب في الأمانات الضريبية أصدر وزير المالية في 5 أغسطس 2021 أمرا وزاريا قرر فيه تشكيل لجنة وزارية برئاسته لغرض التنظيم والإشراف على مهام عمل الضرائب".

ورأى أن "الإجراءات الإدارية والأدوات الرقابية أعلاه، التي أوعز بها وزير المالية أدت إلى استحالة الاستحواذ على الأمانات الضريبية من خلال ترويج معاملات زائفة من المجموعة المتهمة بالسرقة".

وأوضح أنه "أبلغ مكتب رئيس الوزراء عدة مرات عن المخاطر المثيرة لهذا الوضع، وأنه لا يمكنني الاستمرار على هذا النحو عندما أعلم أن الوزارة تلتهم من الداخل ولا يمكنني فعل أي شيء حيال ذلك. كل الدوائر مخترقة من الأحزاب والمتنفذين ولا يوجد أي شخص ذي قدرة وقابلية مستعد أن يعمل في هذه الأجواء".

وخلص علاوي إلى أن "ما جرى هي عملية نفذت داخل أروقة الهيئة العامة للضرائب ومصرف الرافدين، ومن ضمن الصلاحيات المتاحة لهما، دون أن يكون لوزارة المالية أي تدخل في هذه الممارسات الخطيرة".

مسؤول سابق

غادر علاوي العراق عام 1958 مع عائلته بعد ثورة 14 يوليو (الانقلاب على الملكية)، بسبب صلات العائلة بالنظام الملكي، فقد عمل والده عبد الأمير علاوي وزيرا للصحة في عدة وزارات، بينما كان جده عبد الهادي الجلبي رئيسا لمجلس الشيوخ.

التحق علاوي، الذي يمتلك الجنسية البريطانية، بالمدرسة في المملكة المتحدة وتخرج في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بالولايات المتحدة بدرجة البكالوريوس في الهندسة المدنية عام 1968. أكمل ماجستير إدارة الأعمال من كلية هارفارد للأعمال في عام 1971، ودرس في كلية لندن للاقتصاد.

بعد حصوله على ماجستير إدارة الأعمال، عمل في التنمية الدولية للبنك الدولي، ثم شارك في عام 1978 بتأسيس البنك التجاري العربي الدولي للتمويل.

في عام 1992 أسس مجموعة "فيزا" التي تدير صناديق التحوط. وبين عامي 1999 و2002 كان زميلا أول في كلية سانت أنتوني، أكسفورد.

كان علاوي جزءا من مجتمع المعارضة في المنفى أثناء حكم صدام حسين في العراق، ثم تولى مناصب في الحكومة العراقية بعد الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003.

 فقد تقلد منصب وزير الدفاع وكان أول مدني يشغل المنصب، ثم أصبح وزيرا للتجارة، ووزيرا للمالية بالوكالة.

وأعيد تعيين علاوي وزيرا للمالية عام 2020 في حكومة الكاظمي، وأثارت قراراته غير المسبوقة الكثير من الجدل في البلاد، كونه رفع سعر تصريف الدولار بواقع 30 في المئة تقريبا مما أضعف قوة العملة العراقية ورفع الأسعار، لكن هذا أيضا قلل تهريب الدولار من البلاد بشكل كبير.

وفيما يُتهم بأنه تسبب في زيادة الفقر، يجادل علاوي دائما بأن هذه الإجراءات كانت ضرورية لإحياء الاقتصاد، وحققت البلاد فائضا ماليا كبيرا في عهده، وازدادت احتياطيات البنك المركزي العراقي من الدولار إلى نحو 90 مليارا.

له العديد من المؤلفات، منها: "احتلال العراق - كسب الحرب: خسارة السلام" عام 2007، وكتاب آخر بعنوان "أزمة الحضارة الإسلامية" أصدره عام 2009، ونشر له كتابا ثالثا بعنوان: "فيصل الأول ملك العراق" عام 2014.

وفي أكتوبر 2009، أعلن "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" أن كتاب "أزمة الحضارة الإسلامية" مُنح الجائزة الفضية لجائزة الكتاب السنوية، فيما صنّفت مجلة "الإيكونوميست" البريطانية الكتاب ذاته كأحد أفضل الكتب لذلك العام.

كما جرى انتخاب علاوي في تلك الفترة كزميل زائر أول في جامعة برينستون للفترة 2008-2009، وأيضا شغل مناصب أكاديمية عدة منها: باحث زائر، وأستاذ باحث، في جامعة سنغافورة الوطنية.