موقع فرنسي: سيظل ماكرون يُنتقد في إفريقيا حتى يقتنع أن عالم الاستعمار تغير

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

وصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مطلع مارس/ آذار 2023، إلى العاصمة الغابونية ليبرفيل في مستهل جولة إفريقية تستمر 4 أيام، وتشمل أيضا أنغولا، والكونغو، وجمهورية الكونغو الديموقراطية، في وقت تشهد فيه بلاده تراجعا ملحوظا بالقارة.

وأرجع موقع القناة الفرنسية "TV5 Monde" سبب جولة ماكرون الإفريقية إلى الضربات الكبيرة التي يواصل النفوذ الفرنسي تلقيها في إفريقيا، لصالح قوى دولية منافسة مثل الصين وروسيا.

لكن الموقع استبعد أن تتحسن الصورة السلبية لفرنسا ورئيسها في القارة السمراء، أو على الأقل أن تهدأ الانتقادات تجاههما، حتى يدرك صناع القرار في باريس أن عالم الاستعمار والوصاية القديم قد تغير اليوم.

جولة جديدة

وقبل سفره إلى الغابون، أعلن ماكرون في 27 فبراير/ شباط 2023، إستراتيجيته للسنوات الأربع القادمة في إفريقيا، وفق ما نشره قصر الرئاسة الفرنسي "الإليزيه".

بدروها، أوضحت أستاذة العلوم السياسية ورئيسة شبكة قطاع الأمن الإفريقي (ASSN)، نياغالي باغايوكو، أن "التحدي الرسمي يتمثل بشكل خاص في التعامل مع القضايا التي تهم القارة الإفريقية".

وأردفت: "لكن بشكل عام، يتمثل التحدي في إعادة الاتصال بالرأي العام الإفريقي والنجاح في إظهار القيمة المضافة الإيجابية التي يمكن أن تحققها فرنسا في القارة الإفريقية".

"ومنذ بداية ولاية ماكرون الأولى البالغة خمس سنوات، تغيرت الأمور كثيرا ويبدو إعادة الاتصال بالرأي العام الإفريقي أمرا ضروريا"، تضيف باغايوكو.

وأكد الموقع أن فرنسا واجهت  مشاعر متزايدة مناهضة لها، بعد طردها من مالي وبوركينا فاسو مع انتهاء عملية برخان.

وعملية "برخان" هي عملية لمكافحة التمرد في منطقة الساحل الإفريقي بدأت في 1 أغسطس/ آب 2014، وتتألف من 3000 إلى 4500 جندي فرنسي، وانتهت رسميا في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022.

وفي السنوات الأخيرة، حاولت فرنسا التأكيد على مفهوم "فرانس أفريك (Françafrique)" وممارسة شبكات نفوذها الموروثة من الاستعمار في سياق هذا المفهوم.

ويستخدم المصطلح كثيرا الآن كانتقاد للعلاقة الاستعمارية الحديثة بين فرنسا والدول الإفريقية التي احتلتها في السابق.

وأشار الموقع إلى أن ماكرون لا يزال يتعرض لانتقادات؛ بسبب استمرار اجتماعاته مع القادة الأفارقة الذين يُتهمون بالاستبداد.

وأكد الموقع أن هذه المشاعر المعادية لفرنسا تفيد الآن الصين وروسيا، اللتين تبرزان بيادقهما في القارة السمراء.

من جانبه، أوضح الباحث المشارك في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (IFRI)، تييري فيركولون، أنه "في غضون خمس سنوات، ضُربت مصالحنا في إفريقيا". 

"إن وجود الجيش الفرنسي يعتبر الآن غير شرعي من قبل الرأي العام، وانتهت عملية برخان لأن سكان الساحل الإفريقي لم يعودوا يؤيدونها"، يؤكد فيركولون.

وأضاف فيركولون: "سجل الروس نقاطا ضد فرنسا، فالنتيجة الآن 2-0، لصالح روسيا".

وأوضح: "النقطة الأولى لصالح روسيا هي جمهورية إفريقيا الوسطى والثانية هي مالي، ثم ننتظر النقطة الثالثة مع بوركينا فاسو".

وتابع: "من الناحية الرمزية، تتعلق الزيارة الأخيرة بالرغبة الفرنسية في إظهار أن ماكرون لا يزال بإمكانه الذهاب إلى إفريقيا دون تلقي الطماطم على رأسه"، في تلميح إلى مناهضة وجوده في الدول الإفريقية.

وأكمل: "الفكرة في رأيي هي الدفاع عن المواقف الفرنسية، لإقناع الحكومات الإفريقية بالبقاء في الجانب الصحيح عندما يتعلق الأمر بالحرب الروسية الأوكرانية على سبيل المثال".

بدورها، أقرت باغايوكو أن "مستوى الشجب العلني لفرنسا في وسط إفريقيا أقل مما هو عليه في غرب إفريقيا". 

وتابعت: "تظل الحقيقة هي أن فرنسا تظهر كشريك تحيطه الشكوك وتضعف مصداقيته بشكل واضح في وسط إفريقيا، كما هو الحال في أي مكان آخر في القارة، بما في ذلك بعض البلدان الناطقة باللغة الإنجليزية مثل جنوب إفريقيا".

علاقات مغايرة

وفي  الغابون حيث يتمركز جنود فرنسيون، يشارك الرئيس الفرنسي يومي 1 و 2 مارس 2023، في "قمة الغابة الواحدة" المخصصة للحفاظ على غابات حوض نهر الكونغو وتعزيزها.

وأكد الموقع أن خطة ماكرون تجاه الغابون والكونغو -المستعمرتين السابقتين اللتين لم يزرهما ماكرون خلال فترة ولايته الأولى التي دامت خمس سنوات- هو "تصحيح شعور الشعبين بأن فرنسا تخلت عنهم وأهملتهم".

ووفق باغايوكو، فإن "ماكرون قد يواجه موقفا معقدا في الغابون، بسبب أن بعض المراقبين الدوليين وكذلك الطبقة السياسية المحلية وبعض منظمات المجتمع المدني يدينون زيارته".

وأضافت أن ماكرون يُنظر إليه كداعم للرئيس الغابوني، علي بونغو، الذي صعد للحكم بعد وفاة والده، عمر بونغو، عام 2009.

وأكد الموقع أن ماكرون سيسافر بعد ذلك إلى "لواندا" الأنغولية، في 2 مارس/آذار 2023، مشيرا أنه يتوجب عليه إطلاق شراكة إنتاج زراعي فرنسية-أنغولية.

وقالت باغايوكو: "إن زيارة أنغولا هي جزء من إستراتيجية التقارب مع العالم الناطق باللغة البرتغالية".

وتابعت أن "أنغولا هي إحدى الدول التي تسمح لفرنسا بإثبات أنها تريد تجاوز المجال الوحيد الناطق بالفرنسية، لكن ربما يكون هذا هو المكان الذي توجد فيه مشكلات أقل بالنسبة لماكرون".

ثم يواصل ماكرون جولته إلى "برازافيل"، عاصمة الكونغو، في 2 مارس 2023، ثم إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية في 3 و 4 مارس 2023.

وبالنسبة للكونغو، فقد وصفت "باغايوكو" اختيار ماكرون زيارتها بأنها قرار يثير الدهشة على أقل تقدير، مشيرة إلى أنه يشابه زيارة ماكرون الصيف الماضي إلى رئيس الكاميرون، بول بيا، الذي جاوز 40 عاما في السلطة.

وأضاف باغايوكو: "نحن نواجه نظاما يعد من أقدم الأنظمة في القارة، فالكونغو بعيدة كل البعد عن أن تكون ديمقراطية".

وأكدت أن هذا النوع من الشراكات لا يمكن إلا أن يسهم في تشويش صورة السياسة الفرنسية في إفريقيا.

وشددت على أن "فرنسا لم تنجح في موضعة نفسها دبلوماسيا بطريقة واضحة، فهذه المعايير المزدوجة هي بالتأكيد ما يجب لوم ماكرون عليه في نهاية هذه الجولة".

وكانت الرئاسة الفرنسية قد أشارت إلى أن زيارة ماكرون للكونغو ستركز على تعميق العلاقات البينية في مجالات التعليم والصحة والبحث والثقافة والدفاع.

وأشار الموقع الفرنسي أن ماكرون يرغب في تعزيز الشراكة مع جمهورية الكونغو الديمقراطية -وهي مستعمرة بلجيكية سابقة ولكنها أيضا ناطقة بالفرنسية- لأنها تتمتع بإمكانيات اقتصادية، وبها ثروة معدنية كبيرة.

لكن أوضحت دراسة استقصائية أجراها مؤخرا معهد (إيبوتيلي) ومكتب الدراسات والبحوث والاستشارات الدولية (بيرسي)، فإن أقل من 30 بالمئة فقط من الكونغوليين الذين شملهم الاستطلاع لديهم رأي إيجابي عن فرنسا

الأفعال قبل الكلام

وبعد عام من الصراع على الأراضي الأوكرانية، دعا ماكرون إلى إدانة الهجوم الروسي على أوكرانيا، لكن رفض الكثير من الدول الإفريقية، بحجة أن الصراع لا يخصهم.

بدوره، قال فيركولون إن "الحرب في أوكرانيا تعد نقطة سلبية جديدة، حيث بدت بعض الدول بعيدة عن الموقف الفرنسي، وقد لوحظ هذا منذ مارس 2022". 

يذكر أنه في 23 فبراير/ شباط 2023، امتنعت 32 دولة عن التصويت على قرار يدعو إلى "الانسحاب الفوري للقوات الروسية من أوكرانيا".

وكان من بين هذه الدول: الغابون وأنغولا و الكونغو، وهي ثلاث من الدول الأربع المدرجة في جولة ماكرون الإفريقية.

وتابع فيركولون: "قلة من البلدان اختارت علانية الوقوف بجانب روسيا، بينما يفضل الكثير البقاء في موقف محايد بدلا من الانحياز إلى أي من الجانبين.

وأردف: "ومن الواضح أن هدف ماكرون هو إقناعهم بالتخلي عن موقفهم الحيادي والانحياز لأوكرانيا".

ووفق ما نقلته وكالة فرانس برس، عن مستشار في الرئاسة الفرنسية، فإن ماكرون "سيحدد أهداف هذه الزيارة، وعلى نطاق أوسع أولوياته ونهجه في تعميق الشراكة بين فرنسا وأوروبا والقارة الإفريقية".

وسيكون كل من الخطاب والجولة الإفريقية للرئيس الفرنسي فرصة لعرض الملامح الجديدة للوجود العسكري الفرنسي في إفريقيا بعد انتهاء عملية "برخان" وانسحاب الجيش من مالي وبوركينا بناء على طلب المجلسين العسكريين الحاكمين في البلدين.

كما سيتاح لماكرون تقديم شرح أكبر لتطور الوجود العسكري في القارة الإفريقية والذي يتعلق في المقام الأول بغرب إفريقيا ووسطها، وفق المستشار الرئاسي.

ومن جانبه، أكد فيركولون أن ماكرون في موقف سيء، "فقبل خمس سنوات، ألقى ماكرون خطابا حول سياسة جديدة نحو إفريقيا، كما يفعل جميع الرؤساء في أماكن أخرى".

"وبعد مرور  خمس سنوات من هذا الخطاب، يمكننا أن نرى بوضوح أن هذه السياسة الجديدة فاشلة"، يضيف فيركولون.

واتفق المحلل السياسي، تريزور كيبانجولا، مع فيركولون، حول هذه النقطة، قائلا إن "الخطاب الذي ألقاه ماكرون حينها بعث الكثير من الأمل، لكن في النهاية أدت هذه الوعود إلى مزيد من عدم الثقة بفرنسا".

وتوقع فيركولون أن يطرح ماكرون مرة أخرى سلسلة من الوعود، لكنه يشكك في أن تقود تلك الوعود إلى تخفيف التوترات.

"إن الخلاف على الوجود الفرنسي في إفريقيا هو نتيجة التطورات في إفريقيا والتطورات على الساحة الدولية، وفي رأيي فإن هناك صعوبات كبيرة تواجهها فرنسا"، يؤكد فيركولون. 

ومن جانبها، أضافت باغايوكو أن التوقعات قاتمة نسبيا فيما يتعلق بتعزيز نفوذ فرنسا ووجودها في القارة.

ورأت باغايوكو أن فرنسا ستظل تتعرض للانتقادات حتى تقتنع أنها اليوم في عالم متغير، خاصة في قارة اختلفت كثيرا عما كانت عليه قبل 5 سنوات".

وختمت نياغالي: "غالبا ما يتم تقديم الفاعلين الأفارقة على أنهم سلبيون، أما اليوم فهم يختارون تنويع علاقتهم مع العالم غير الإفريقي".