انتخابات أم تلميع صورة الضباط.. ماذا وراء حملة اعتقال صناع المحتوى بالعراق؟

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

مع إطلاق السلطات العراقية حملة أمنية نالت العديد من مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان "محاربة المحتوى الهابط"، برزت الكثير من التساؤلات بخصوص توقيتها والأبعاد الخفية وراء تنفيذها، وذلك بعيدا عن التباين المجتمعي بشأنها بين مؤيد ورافض لها.

الحملة بدأت بعد إطلاق وزارة الداخلية في 10 يناير/ كانون الثاني 2023 منصة إلكترونية للإبلاغ عن "المحتويات التي تتضمن إساءة للذوق العام، وتحمل رسائل سلبية تخدش الحياء وتزعزع الاستقرار المجتمعي"، والتي وصلت إلى 50 ألف بلاغ حتى 7 فبراير/ شباط.

نقطة تحول

على الصعيد الحكومي، فإن وزارة الداخلية أعلنت خلال بيان في 10 فبراير/ شباط 2023، أن "حملة (بلغ) التي نظمتها للإبلاغ عن المحتوى الهابط لاقت ترحيبا واسعا من قبل المواطنين".

وقالت الوزارة إن "قسم محاربة الشائعات التابع لدائرة العلاقات والإعلام في الداخلية، أجرى حملة توعوية في جانبي الكرخ والرصافة ببغداد، للحد من انتشار المقاطع ذات المحتوى الهابط والمسيئة للذوق العام لتحجيم الحالات والظواهر السلبية في المجتمع".

من جهته، رأى مسؤول الإعلام في وزارة الداخلية، اللواء سعد معن، أن "ما جرى هو نقطة تحول حقيقية في الوضع العام لوسائل التواصل الاجتماعي في العراق، والأمر لاقى قبول واستحسان الجمهور بمختلف شرائحه".

وأضاف معن، خلال مقابلة تلفزيونية في 9 فبراير 2023، أن "الحملة هي ليست للانتقام بقدر ما هي إجراءات للإصلاح والردع لإعطاء الصورة الحقيقية للمجتمع، لأن ما يظهر في الواقع الافتراضي ليس الشخصية العراقية، ولا تمثل النساء والشباب، لأن البعض من هؤلاء ضعيفي النفوس قد رسموا صورة ذهنية مغايرة لواقع البلاد".

وشدد على أن "واقع الشعب يمتاز بالكرم والغيرة والشرف، وأن هؤلاء قد تمادوا في الموضوع وخلطوا بين الحرية الشخصية وحرية الآخرين، وبالتالي كان لزاما أن يكون هناك موقف للشعب وللحكومة تجاه هؤلاء".

وتستند الحكومة في حملتها على أحكام القانون رقم (111) لسنة 1969، والتي تشير إلى القضايا التي تتعلق بكل ما يخدش الحياء والإخلال بالآداب العامة للمجتمع.

وتنص المادة القانونية على أنه "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سنتين وبغرامة لا تقل عن 200 دينار (0.14 دولار) أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من صنع أو استورد أو صدر أو حاز أو أحرز أو نقل بقصد الاستغلال أو التوزيع كتابا أو مطبوعات أو كتابات أخرى أو رسوما أو صورا أو أفلاما أو رموزا أو غير ذلك من الأشياء إذا كانت مخلة بالحياء أو الآداب العامة".

وكذلك يعاقب بالعقوبة ذاتها "كل من أعلن عن شيء من ذلك أو عرضه على أنظار الجمهور أو باعه أو أجّره أو عرضه للبيع أو الإيجار ولو في غير علانية، وكل من وزعه أو سلمه للتوزيع بأية وسيلة كانت. ويعد ظرفا مشددا إذا ارتُكِبت الجريمة بقصد إفساد الأخلاق".

بالتزامن مع ذلك، وجّه رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق، فائق زيدان، بـ"الردع العام" عبر اتخاذ الإجراءات القانونية المشددة ضد كل من ينشر محتوى "يُسيء للذوق العام ويُشكل ممارسات غير أخلاقية، والإساءة للمواطنين"، حسب بيان رسمي صدر عن القضاء في 8 فبراير/ شباط 2023.

سرّ التوقيت

رغم غياب الأرقام الرسمية بخصوص أعداد صانعي المحتوى الذين ألقي القبض عليهم منذ بداية إجراءات وزارة الداخلية ضدهم، إلا أن الحملة طالت العشرات، وذلك بناء على ما يصدر من قرارات قضائية تراوحت فيها أحكام السجن بين 4 أشهر إلى عامين.

ولعل ما أثار التساؤل بخصوص هذه الحملة، هو توقيت إطلاقها، وذلك بعد أعوام على ظهور هذه الشخصيات التي جرى اعتقالها بالمحتوى ذاته، إضافة إلى الحديث الذي كان يجري عن حماية شخصيات نافذة لبعض النساء المشهورات اللائي ظهرن بمقاطع خادشة.

وفي هذا الصدد، قال الباحث في الشأن العراقي، لطيف المهداوي، إن "وزارة الداخلية تريد من وراء الحملة تحسين سمعتها بسبب الاتهامات الكثيرة بالفساد المالي ورعاية النساء المشاهير (المودليز)".

وأفاد المهداوي لـ"الاستقلال" بأن "سمعة ضباط وزارة الداخلية أصبحت أخيرا سيئة، جراء رعاية ملاهي ليلية وشريحة من البنات ذوات السمعة غير الجيدة في المجتمع، واللائي ظهرن في مقاطع فيديو على مواقع التواصل يتوعدن أشخاصا بمصير مجهول عبر الاتصال بقادة سياسيين وضباط في الداخلية والدفاع يرتبطن بعلاقات معهم"، وفق قوله.

ولفت إلى أن "بعض الضباط النافذين في الأجهزة الأمنية كانوا يرعون هذه الفئة من النساء، الأمر الذي زاد من إسفافهن والمقاطع الخادشة للحياء التي يظهرن فيها عبر مواقع التواصل من دون رادع".

وفي السياق ذاته، تساءل الكاتب يحيى الكبيسي: "لماذا لم تتحرك وزارة الداخلية، أو المدعي العام، لتطبيق القانون طوال السنوات الماضية، وتركوا المحتوى غير اللائق يتحول إلى ظاهرة حقيقية، إذا كانوا يعتقدون فعلا أنهم (مكلفون) قانونيا بهذا الواجب، ما داموا لا يريدون الاعتراف أن ثمة فراغا قانونيا في التعامل مع المحتوى في العراق".

وأشار الكبيسي عبر مقال نشرته صحيفة "القدس العربي" في 9 فبراير/ شباط 2023، إلى إنه "بالعودة إلى أصل الحكاية، سنجد أن فضيحة صانعي المحتوى تفجرت أثناء بطولة الخليج العربي التي استضافتها مدينة البصرة في 6- 19 يناير/ كانون الثاني 2023".

وكان محافظ البصرة أسعد العيداني، قد أكد خلال مقابلة تلفزيونية في 24 يناير/كانون الثاني 2023 أن "بعض الشخصيات ممكن يشغلون مناصب أمنية حساسة، كانوا وراء جلب النساء المشهورات إلى مقصورة ملاعب البصرة المخصصة للشخصيات المهمة في بطولة خليجي25"، والتي تسببت بجدل كبير في المجتمع.

وأردف الكبيسي قائلا إن "الحاجة إلى شو إعلامي للتغطية على الطريقة التي أُديرت بها فضيحة (سرقة القرن)، هي وحدها التي تقف وراء هذه الحملة الأخيرة (محاربة المحتوى الهابط)".

وأطلق مصطلح "سرقة القرن" في أكتوبر/ تشرين الأول 2022 بعد الكشف عن عملية احتيال قامت بها مجموعة شركات وهمية في العراق على مصرف "الرافدين" الحكومي، واستطاعت سرقة مبلغ يصل إلى 2.5 مليار دولار من خزينة الدولة تعود إلى الأمانات الضريبية.

ورأى الكاتب العراقي أن "هذه الحملة ستقف عند هذا الحد من الشو الإعلامي، ولن يكون هؤلاء الذين حكم عليهم سوى أكباش فداء، لأن كثيرا من صانعات هذا المحتوى يتمتعن بالحصانة نفسها التي يتمتع بها غاسلو الأموال ومهربوها والمستثمرون في المال العام".

أهداف أخرى

وعن الأهداف غير المعلنة من حملة وزارة الداخلية التي طالت صنّاع "المحتوى الهابط"، رأت الباحثة في الشأن السياسي، نوال الموسوي أن "الطبقة السياسية التي تدير المشهد في العراق منذ 20 عاما عودتنا على افتعال الأزمات للتغطية على تمرير مشاريع أخرى".

وقالت الموسوي لموقع "عربي21" في 11 فبراير/ شباط 2023 إنه "قد يكون الغرض من الإجراءات الجديدة التغطية على تمرير قوانين مهمة مثل قانون الانتخابات، وهذا يعطي مساحة من الحرية والوقت للقوى السياسية لجذب اهتمام الشعب بعيدا عن الإجراء الحكومي المؤثر بشكل مباشر على العملية الديمقراطية".

وفي 12 فبراير/ شباط 2023، كشفت اللجنة القانونية في البرلمان، عن وجود توافق نيابي على إجراء انتخابات مجالس المحافظات وفقا للقانون النافذ في عام 2018، وذلك بالاعتماد على الدائرة الواحدة للمحافظة وليس الدوائر المتعددة.

وقال عضو اللجنة، رائد المالكي، إن "انتخابات مجالس المحافظات سيتم إجراؤها وفق القانون النافذ رقم 12 لسنة 2018 الدائرة الواحدة وليس على شكل دوائر متعددة والانتخاب الفردي". كما حصل في انتخابات عام 2021.

ولفت خلال تصريح صحفي في 12 فبراير 2023 إلى أن "هناك توجها لدى القوى السياسية نحو رفع نسبة آلية سانت ليغو باحتساب الأصوات من (1.7) إلى (1.9)".

في المقابل، حذر النائب المستقل في البرلمان، هادي السلامي، من "توجه الأحزاب الكبيرة حاليا لإقصاء الأحزاب الجديدة التي تشكلت بعد انتفاضة تشرين الأول الشعبية في 2019، ومنع صعود الشخصيات الوطنية والمستقلة إلى المناصب".

ولفت السلامي لموقع "العربي الجديد" في 6 ديسمبر 2022 إلى أن "هذا الإقصاء والمنع من خلال إقرار قانون انتخابات يعمل بنظام سانت ليغو الذي لا يخدم المستقلين".

و"نظام سانت ليغو"، يقوم على مبدأ مفاده حصول كل حزب على عدد من المقاعد يتناسب مع عدد الأصوات التي حصل عليها في الانتخابات، لتحقيق مبدأ العدالة الانتخابية.

وأقر البرلمان العراقي عام 2022 هذا النظام بتعديل النسبة من 1.7 إلى 1.9، ما أثار استياء ومخاوف الكتل السياسية الصغيرة من حصولها على عدد مقاعد أقل، على عكس الكتل الكبيرة.

ووفق نظام "سانت ليغو 1.9 المعدل"، سيتم جمع عدد الأصوات التي حصلت عليها كل كتلة سياسية ضمن الدائرة الواحدة (المحافظة)، وترتيب الكتل بحسب عدد الأصوات من الأكثر إلى الأقل.

بعدها يتم تقسيم عدد أصوات الكتل بطريقة متتالية على 1.9، ثم بعدها على أعداد فردية (3، 5، 7، 9...) تماثل عدد المقاعد المخصصة لكل دائرة، ويُحسب بعدها عدد المقاعد لكل كتلة.