أوكرانيا في 2023.. تصعيد عسكري وسباق تسلح قد يقود إلى أوضاع خطيرة

إسماعيل يوسف | a year ago

12

طباعة

مشاركة

بات مصير الحرب في أوكرانيا غامضا أكثر من أي وقت مضى، بعد أن كانت توقعات المراقبين تشير إلى أنها قد تضع أوزارها نهاية عام 2022.

وخلال ديسمبر/كانون الأول 2022، زار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الولايات المتحدة، وتعهدت واشنطن بتقديم حزمة مساعدات عسكرية أبرزها صواريخ باتريوت لكسر آلة موسكو العسكرية.

جاء ذلك بعد ساعات من زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حليفته بيلاروسيا، والحديث عن فتح جبهة جديدة على أوكرانيا من هناك، لتطرح تساؤلات عن مدى استمرار الحرب خلال عام 2023.

تلك التحركات المفاجئة تعطي مؤشرات غير جيدة بالنسبة للحرب في أوكرانيا، خاصة أن بوتين عاد ليلعب بالورقة النووية والتصريح بها من جديد.

لكن تلافي المخاطر التي واكبت الحرب، مثل الانزلاق لحرب عالمية ثالثة نووية بعد تسريبات تفجير "قنبلة إشعاعية روسية قذرة" أكتوبر/تشرين الأول 2022 في أوكرانيا، وسقوط صاروخ بالخطأ في بولندا يوسع دائرة الحرب، طرح رؤية أخرى حول تهدئة نهائية قادمة.

وبعد 10 أشهر تقريبا على غزو موسكو لجارتها أوكرانيا المؤيدة للغرب في 24 فبراير/شباط 2021، بدأت القوات الأوكرانية تستعيد توازنها بدعم قوي من الغرب وألحقت بالكرملين سلسلة من الهزائم سمحت بتحرير أجزاء كبيرة من البلاد. 

ووفرت دول حلف شمال الأطلسي "الناتو" وعلى رأسها الولايات المتحدة لأوكرانيا أسلحة بمليارات الدولارات ساعدتها في الصمود في وجه القوات الروسية.

وعقب الانتكاسات التي منيت بها على ساحة المعركة، باشرت موسكو سلسلة من ضربات الصواريخ والقصف بمسيرات استهدفت منشآت طاقة مدنية.

وأحدث غزو بوتين لأوكرانيا صدمة في الدول الغربية واضطر الناتو للاتجاه إلى أكبر عملية تكيف منذ الحرب الباردة من خلال تعزيز جناحه الشرقي. ودفع الوضع فنلندا والسويد إلى الإسراع في طلب الانضمام إلى الحلف.

التصعيد الأميركي

طرحت زيارة زيلينسكي المفاجئة إلى أميركا، تساؤلات من قبيل: هل تؤشر لقرب التوصل إلى اتفاق سلام يُنهي تلك الحرب الكارثية، بالنسبة لطرفيها ولأوروبا والعالم أجمع؟ أم لمزيد من التسلح استعدادا للعام الثاني من الحرب؟

ويرى مراقبون أن التصعيد قد يكون لغة تهديد أكثر منه استعدادات لاستمرار الحرب عاما ثانيا. وبينوا أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن فتحت خط اتصال مباشر مع الكرملين للمرة الأولى، لألا يقع صدام مباشر بين القوتين النوويتين الأكبر في العالم.

ومن ثم بدأ الحديث عن احتمال التوصل لتسوية سلمية توقف الحرب في واشنطن وفي الغرب وفي روسيا أيضا.

ساعد على قبول هذا الخيار السلمي، دخول فصل الشتاء والجليد القارس في أوروبا، وأزمة طاقة خانقة، والتضخم في أميركا وإشارة صحف غربية لبدء ضغوط على زيلينسكي كي يتفاوض مع روسيا، كما أشارت مجلة فورين بوليسي الأميركية في 19 ديسمبر 2022.

لذا يفسر هذا الفريق وصول زيلينسكي بشكل مفاجئ إلى واشنطن في هذا التوقيت على أنها الخطوة الأخيرة قبل الإعلان عن التوصل لاتفاق ينهي الحرب، لأن الصراع في جوهره جيوسياسي بين موسكو وواشنطن بالأساس.

وجاء تأكيد البيت الأبيض 22 ديسمبر 2022 أن بايدن سيكون مستعدا للقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين في حال أبدت روسيا استعدادا جادا للتفاوض، ليؤكد هذه الفرضية حول سعي الجميع للخروج من الأزمة.

وقال جون كيربي منسق الاتصالات الإستراتيجية في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض: "سمعت الرئيس نفسه يقول في اجتماع مع الرئيس (الفرنسي إيمانويل) ماكرون إنه إذا أظهر بوتين استعدادا جادا، فسيكون بالتأكيد مستعدا للقائه".

لكن فريقا آخر من المراقبين، يرجح دخول الحرب عاما ثانيا، يرى أن التصريحات والتصرفات الصادرة من واشنطن تشير إلى الاتجاه المعاكس تماماً، خصوصا بعد حزمة المساعدات الإضافية لأوكرانيا بقيمة 1.8 مليار دولار.

فقد استقبلت واشنطن الرئيس الأوكراني 21 ديسمبر استقبال الفاتحين، وأعلنت إدارة الرئيس بايدن عن حزمة مساعدات نوعية لأوكرانيا بقيمة 1.8 مليار دولار، تتضمن صواريخ باتريوت، بحسب ما نشرت شبكة سي إن إن في 20 ديسمبر.

وجاءت الصفقة الأميركية بالتزامن مع تأكيد الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ في 16 ديسمبر، أن روسيا تستعد لحرب طويلة في أوكرانيا، وتحشد مزيدا من القوات وهي مستعدة لتكبد خسائر كبيرة.

وطالب ستولتنبرغ "حلفاء الناتو" أن يواصلوا مد أوكرانيا بأسلحة، حتى يدرك الرئيس الروسي أنه عاجز عن "الفوز في ساحة المعركة". لكنه اعترف بالقول "ما من مؤشر إلى أن بوتين تخلى عن هدفه بالسيطرة على أوكرانيا".

وقالت شبكة سي إن إن في 21 ديسمبر إن بايدن يريد من بوتين ألا يسمع شيئاً سوى الأرقام الرئيسية بمليارات الدولارات من الأسلحة الأميركية لأوكرانيا لاستنزاف العزيمة الروسية للحرب.

أوضحت أن هناك حزمة مساعدات أميركية ضخمة أخرى بقيمة 45 مليار دولار قيد التنفيذ. ورغم أنها ليست كلها عسكرية، فإنها جزء من إيقاع ثابت لدى إدارة بايدن لتوصيل رسالة أن أوكرانيا ستظل تتلقى المساعدة حتى توقف روسيا الحرب.

الخلاصة هنا هي أن زيارة زيلينسكي المفاجئة إلى واشنطن، والتحركات العسكرية المكثفة في بيلاروسيا، قد تكون مؤشرات على الاستعداد لجولة جديدة من الحرب في أوكرانيا.

وقد تكون أيضاً استعراضا للقوة من الجانبين في إطار مفاوضات تجرى بعيدا عن الإعلام، والأيام القليلة المقبلة ستكشف ما ينتظر العالم في العام الجديد. 

بوتين في بيلاروسيا

على الجانب الآخر، جاءت زيارة بوتين إلى بيلاروسيا لتثير تكهنات وجود مؤشرات متزايدة على احتمالية فتح جبهة جديدة منها على أوكرانيا قد تغيير الوضع قريبا، بحسب تقرير لمجلة فورين بوليسي في  19 ديسمبر.

فورين بوليسي، التي اختارت لتقريرها عنوان "بيلاروسيا تقترب من غزو أوكرانيا"، أوضحت أنه تُوجد مؤشرات متزايدة على احتمالية تغيير الوضع لصالح روسيا.

ذكرت أن لقطات الأقمار الصناعية أظهرت طرقات ممهدة حديثاً في الغابات بين بيلاروسيا وأوكرانيا، وتحركات لمعدات عسكرية باتجاه حدود أوكرانيا الشمالية.

ويرى مراقبون أن هذا يعد مؤشراً على أن بيلاروسيا ستكون جبهة جديدة في الهجوم الروسي على أوكرانيا.

أيضا زادت أعداد القطارات التي تنقل الجنود والمعدات من الحدود الروسية إلى بلدة برست في جنوب غرب بيلاروسيا، بالقرب من الحدود بولندا، بررتها وكالة "إنترفاكس" الروسية بأنها استعدادات لمناورات تكتيكية.

لكن مقدما منشقا من العمليات الخاصة البيلاروسية، فر إلى أوروبا، يُدعي "أرتيوم"، قال لمجلة فورين بوليسي إن نشر القوات البيلاروسية في أوكرانيا قد يحدث لأن الرئيس ألكسندر لوكاشينكو تحت رحمة بوتين، رغم تردده في دخول الحرب.

ولأن القوات الروسية والبيلاروسية ستواجه صعوبة في اجتياز المنطقة الحدودية الملغومة بشدة مع أوكرانيا، يزعم البعض أن التعبئة تعد جزءاً من عملية إستراتيجية لتشتيت انتباه كييف بظهور جبهة جديدة، وفق فورين بوليسي.

بجانب أن فتح جبهة جديدة، أقلق أوكرانيا والغرب مجددا، كشف بوتين، عن رفع جاهزية القوات النووية الروسية بأكثر من 90 بالمئة.

بوتين قال في كلمة 21 ديسمبر على هامش اجتماع مع قادة الدفاع الروس، إن حلف شمال الأطلسي يستخدم قدراته بالكامل ضد روسيا.

وأكد أن بلاده ستواصل تطوير قدراتها العسكرية بما في ذلك "الاستعداد القتالي" لقواتها النووية، بحسب ما نشرت وكالة الأنباء الفرنسية 21 ديسمبر.

وكان الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ قال إنه رغم تراجع أخير في تهديدات بوتين النووية، يبقى الحلف "يقظا ويراقب باستمرار ما يقومون به".

وشدد على أن "الخطاب النووي مع إشارات إلى استخدام محتمل للأسلحة النووية أمر غير حكيم وخطر"، لكنه أوضح أن "هدف بوتين هو بطبيعة الحال ردعنا عن مساندة أوكرانيا لكنه لن يتمكن من ذلك".

مع هذا، كان ملفتا قول بوتين إن "روسيا تريد إنهاء الحرب في أوكرانيا وإن ذلك سيتضمن حتما حلا دبلوماسيا".

قال: "هدفنا ليس تحريك دولاب الصراع العسكري بل بالعكس إنهاء هذه الحرب"، و"سنكافح من أجل إنهاء هذا، وكلما كان ذلك عاجلاً كان ذلك أفضل بالطبع".

ورغم حديث روسيا إنها منفتحة على المفاوضات، تشتبه أوكرانيا وحلفاؤها في وجود حيلة لكسب الوقت بعد سلسلة من الهزائم والتراجعات الروسية التي أدت إلى تأرجح زخم الحرب التي استمرت 10 أشهر لصالح كييف، بحسب وكالة رويترز البريطانية.

وأوضح متحدث مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي أن بوتين "لم يظهر أي مؤشر على الإطلاق على استعداده للتفاوض" لإنهاء الحرب، التي بدأت عندما أرسلت موسكو قوات إلى أوكرانيا في 24 فبراير 2021.

وقال كيربي للصحفيين عبر الإنترنت 3 ديسمبر: "على العكس تماما" "كل ما يفعله (بوتين) على الأرض وفي الجو يشير إلى رجل يريد مواصلة زيارة العنف ضد الشعب الأوكراني وتصعيد الحرب".

لماذا باتريوت؟

جاء تسليم واشنطن بطاريات الصواريخ المضادة الشهيرة "باتريوت" لكييف للمرة الأولى، ليشكل تصعيدا في مواجهة إصرار روسيا على تدمير البنية التحتية لأوكرانيا لتعجيزها عن استكمال الحرب، ومحاولة لصد صواريخها وطائراتها المسيرة.

صواريخ باتريوت هي نظام دفاع جوي متقدم بعيد المدى، فعال للغاية في اعتراض الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز، لذا ستحد من هجمات روسيا على بنية أوكرانيا التحتية التي تستهدفها موسكو لتركيع كييف.

ولا تشارك الولايات المتحدة منظومات باتريوت عادة أو تبيعها لغير حلفائها، وهددت واشنطن في السابق بسحب المنظومات من تركيا، عضو حلف الناتو، في حال اشترت أنقرة منظومات دفاعية روسية.

ووصفت موسكو أي خطط لنشر صواريخ باتريوت في أوكرانيا بأنها عمل "استفزازي" وتوسع في التدخل العسكري الأميركي في البلاد، وقالت إن هذه الصواريخ ستكون "هدفا مشروعاً" لهجماتها الصاروخية.

ووعد بوتين في 22 ديسمبر بأن جيش بلاده سيدمر منظومة الدفاع الجوي الأميركي باتريوت في حالة تسلمتها أوكرانيا.

وقال إن تسليم الولايات المتحدة منظومة باتريوت لأوكرانيا سيؤدي إلى إطالة أمد النزاع. بيد أنه في المقابل قلل من قوة وأهمية تلك المنظومة وقال إنها قديمة ولا تعمل بكفاءة مثل الأنظمة الروسية إس 300.

وكان المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، قد قال في 14 ديسمبر، إنه إذا تم إرسال صواريخ "باتريوت" إلى أوكرانيا، فإنها ستكون "أهدافاً مشروعة" للقوات الروسية.

وتبلغ تكلفة صاروخ الاعتراض الحالي لنظام باتريوت حوالي 4 ملايين دولار لكل جولة، وتكلفة القاذفات حوالي 10 ملايين دولار، حسبما أفاد مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (CSIS)، في تقرير الدفاع الصاروخي الصادر في يوليو/تموز 2022.

لذا لن يكون استخدام صواريخ باتريوت فعالا من حيث التكلفة، ولن يكون الخيار الأمثل لإسقاط "الطائرات الإيرانية دون طيار"، الأصغر والأرخص بكثير والتي كانت روسيا تشتريها وتستخدمها في أوكرانيا، وفقا لما قالت وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية في 20 ديسمبر.

وقال مارك كانسيان، وهو كولونيل احتياطي متقاعد من مشاة البحرية الأميركية ومستشار أول في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، لمجلة "التايم" الأميركية 15 ديسمبر، إن إطلاق صاروخ بقيمة مليون دولار على طائرة مسيرة قيمتها 50 ألف دولار هو "اقتراح خاسر".

وتنقل "التايم" عن مسؤول عسكري كبير سابق مطلع على نظام باتريوت إنه سيكون فعالاً ضد الصواريخ الباليستية قصيرة المدى ويمثل رسالة قوية للدعم الأميركي، لكن بطارية واحدة لن تغير مسار الحرب، ويجب توفير أكثر من واحدة لأوكرانيا.

أوضح أن قدرة باتريوت على استهداف بعض الصواريخ الباليستية والطائرات يمكن أن تحمي كييف إذا استمر بوتين في تهديده المستمر بنشر جهاز نووي تكتيكي.