بعد 10 سنوات في مصر.. ما سر توقيت عودة الميرغني إلى السودان؟

داود علي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

بعد 10 سنوات قضاها في منفاه الاختياري مصر، عاد زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي السوداني، مرشد الطريقة الصوفية الختمية، محمد عثمان الميرغني، إلى الخرطوم في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022.

وجاء ذلك بإشراف مباشر من رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، إذ أمر بنقل الزعيم السياسي والديني السوداني على متن طائرة خاصة إلى الخرطوم، وفق قناة القاهرة الإخبارية الحكومية.

ويرجع السبب في ذلك إلى أن الميرغني من أكثر الساسة السودانيين المقربين للنظام العسكري المصري، وحزبه من الحلفاء التاريخيين للقاهرة، إذ دعم عند تأسيسه الحفاظ على الوحدة مع مصر بعد استقلال السودان عام 1956، ومن حينها يرتبط بعلاقات وثيقة بالسلطات المصرية.

وتجمع آلاف الأنصار من الطريقة الختمية في مطار الخرطوم وبعض الشوارع المحيطة، وهم ينشدون الأهازيج الدينية، ويهتفون بحياة زعيمهم الميرغني. 

على الجانب الآخر كان الشارع السوداني مترقبا وصول الميرغني بعد كل هذه السنوات، في ظل وضع متأزم بين قوى العسكر متمثلة في جنرالات المجلس السيادي الانتقالي، والقوى المدنية بقيادة ائتلاف الحرية والتغيير. 

وكثرت التساؤلات عن دوافع عودة الميرغني في هذا التوقيت، وسط أحاديث عن مساع للنظام المصري لإيجاد موطئ قدم له في الجارة الجنوبية، التي تعصف بها الأزمات منذ عزل عمر البشير عام 2019.

ثقل الميرغني

ويتمتع الميرغني (90 عاما) بقوة شعبية وقبلية كبيرة داخل السودان، ويعد واحدا من قدامى السياسيين السودانيين، ويرأس الحزب الاتحادي الديمقراطي منذ عام 1968.

كما أنه زعيم الطريقة الختمية الصوفية المنتشرة في عموم السودان  وبمناطق في مصر، وإريتريا، ووسط إفريقيا.

وفي عام 1986، فاز الحزب الاتحادي بالمركز الثاني في الانتخابات الديمقراطية الثالثة بالسودان، وشكل حكومة ائتلاف مع حزب "الأمة" القومي.

وكان شقيقه أحمد عثمان الميرغني، رئيسا للسودان حتى انقلاب الإنقاذ عام 1989، بقيادة الرئيس السابق عمر البشير. 

وعزلت حكومة الميرغني بأمر البشير عام 1989، بدعم من "الجبهة الإسلامية" بقيادة حسن الترابي.

بعدها، غادر الميرغني السودان، ليقود أكبر تحالف سياسي مسلح ضد نظام البشير، لكن عاد وتصالح في نهاية الأمر. 

وبلغ الوضع بين الميرغني ورئيس السودان السابق بعد المصالحة، أن شغل نجلاه الحسن الميرغني وجعفر الميرغني منصبي مساعدي البشير.

وشارك حزبه داخل الحكومة بداية من عام 2006، حتى سقوط نظام البشير في أبريل/ نيسان 2019.

وشهد عام 2012، مغادرة الميرغني إلى بريطانيا بسبب خلافات داخلية قوية في حزبه، ومن هناك ذهب إلى مصر لكن إقامته طالت، حتى قاربت العشر سنوات.

ظروف العودة 

يعود الميرغني إلى الخرطوم وهو مؤيد لتحالف الكتلة الديمقراطية الذي يضم القوى التي ناصرت انقلاب البرهان الذي أطاح بحكومة الحرية والتغيير في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021.

لكن ذلك التأييد ليس مطلقا، إذ توجد خلافات نشبت بين أبناء الميرغني، وهما الحسن وجعفر، حيال الأزمة السياسية التي يعاني منها السودان.

ودعم الحسن الدستور الانتقالي الذي أعده محامون موالون للحرية والتغيير، بينما تحالف جعفر بأمر من والده مع مجموعة التوافق الوطني المؤيدة لرئيس المجلس السيادي عبدالفتاح البرهان.

وذكرت صحيفة "سودان تربيون" في 21 نوفمبر، أنه "عند وصول طائرة زعيم الحزب لمطار الخرطوم وخروج الحسن لاستقباله تعرضت له ومرافقيه قوة عسكرية ومجموعات تتبع للاستخبارات العسكرية وشرطة الاحتياطي المركزي". 

وأوردت الصحيفة السودانية أنه "تم تطويق الطائرة لمنعه من استقبال والده، وبدت مظاهر من العنف المتعمد والاشتباكات مع مرافقيه حيث تم ركل وضرب بعضهم، وجلهم من كبار خلفاء الطريقة الختمية من ولايات السودان المختلفة".

ويؤكد مراقبون أن وجود قوة عسكرية وعناصر استخبارات وأفراد شرطة لاستقبال الميرغني، ومنع ولده الحسن، المناهض للبرهان، يدلل على أن مهمة الميرغني ليست سهلة، وأن الأوضاع مرتبة بشكل معين.

وجاءت عودة الميرغني بعد دعوة الأمم المتحدة الفرقاء السودانيين في 17 نوفمبر، للتوصل لاتفاق لإنهاء الأزمة السياسية، التي تفاقمت بعد الاصطدام بين المكونين العسكري والمدني في الحكومة الانتقالية السابقة. 

وتزامنت العودة في وقت تعهد فيه البرهان، بخروج المؤسسة العسكرية من السلطة، وهو ما تبعه إعلان قوى الحرية والتغيير موافقتها على الانخراط في عملية سياسية.

وتوافقت تصريحات البرهان مع إعلان قوى إعلان الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم سابقا)،  إجازتها تصورا لاتفاق إطاري مع المكون العسكري، فيما تجري محادثات بين قوى الحرية والتغيير والجيش منذ أسابيع.

وهنا يكمن خوف النظام المصري، بحسب ما أوردته صحيفة "العرب" اللندنية، إذ ذكرت أن "السيسي يخشى أن تؤدي ضغوط القوى المدنية المتزايدة على المؤسسة العسكرية إلى انفلات الأوضاع أو تنحية البرهان، المدعوم بشكل كامل من القاهرة".

وقالت: "يرى السيسي أن عودة الميرغني بصتفه من القوى الحزبية التاريخية الموثوق بها من قبله، ويمكنه أن يلعب دورا سياسيا لدعم البرهان والجيش في الشارع عبر أنصاره من طائفة الختمية".

فضلا عن قدرته في "تضييق الخناق على فلول البشير من جهة، وقطع الطريق على المعارضة الثائرة من جهة أخرى"، تضيف الصحيفة اللندنية في 23 نوفمبر.

تدخلات السيسي 

وبدأت تدخلات السيسي في السودان مبكرا، فعقب الإطاحة بالبشير، كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية عن حملة ترويج واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، نفذتها شركة مصرية غير معروفة لدعم الحكام العسكريين في السودان.

وأوضحت في 6 سبتمبر/ أيلول 2019 أن "الشركة التي يملكها ويديرها ضابط مصري سابق يُدعى عمرو حسين، ويقدم نفسه على أنه خبير في (حروب الإنترنت)، دفعت لكل عامل جندته 180 دولاراً في الشهر".

وقالت إن "الشركة التي حملت اسم (نيو ويفز/ الأمواج الجديدة) هدفت إلى نشر رسائل مؤيدة للنظام العسكري الجديد في السودان، من خلال استخدام أسماء مزيفة على صفحات فيسبوك وتويتر وإنستغرام وتلغرام". 

وأوضحت الصحيفة الأميركية، إن "الشركة المتخصصة في التسويق الرقمي بدأت بعد أيام من مذبحة الجيش للمتظاهرين السلميين في الخرطوم بنشر ما يطلق عليهم "محاربي لوحة المفاتيح" إلى جبهة ثانية، وهي عملية سرية لمديح الحكام العسكريين السودانيين". 

وأشارت إلى أن هذه الجهود المصرية كانت جزءا من حملة واسعة طالت تسع دول شرق أوسطية وفي شمال إفريقيا، بحسب شركة فيسبوك التي فضحت العملية مطلع أغسطس/ آب 2019.

وأعلنت حينها فيسبوك أنها أغلقت مئات الحسابات التي تديرها شركة "نيو ويفز"، وشركة إماراتية لها اسم يشبه الشركة المصرية.

وفي 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، كشفت صحيفة "وول ستريت" الأميركية، عن مؤامرة بين السيسي والبرهان، نتج عنها انقلاب 25 أكتوبر 2021 في السودان، الذي أطاح بالحكومة الانتقالية.

وقالت الصحيفة الأميركية أإن قائد الجيش السوداني الفريق عبدالفتاح البرهان التقى السيسي خلال زيارة سرية للقاهرة قبل يوم من الانقلاب العسكري في السودان". 

وكشفت عن أن "السيسي قدم للبرهان تطمينات (لم تحددها) خلال الزيارة السرية، وما إن عاد الأخير إلى السودان حتى بدأ اعتقال مسؤولين مدنيين وحل الحكومة، وبدأت أزمة السودان".