رغم بلوغه 97 عاما.. لماذا يصر مهاتير محمد على خوض انتخابات ماليزيا؟

إسماعيل يوسف | a year ago

12

طباعة

مشاركة

تعاني ماليزيا منذ أربعة أعوام فوضى سياسية نتج عنها تراجع اقتصادي بسبب صراعات انتخابية مستمرة، ما نتج عنها حكومات يجرى حلها قبل أن تكمل فترة سنواتها الخمس لتتجه البلاد نحو انتخابات جديدة.

ومنذ انتخابات 2018 التي أعادت السياسي المخضرم مهاتير محمد لرئاسة الوزراء للمرة الثانية، تعاقبت على ماليزيا ثلاث حكومات خلال أربع سنوات.

ويتمنى الماليزيون أن تعيد الانتخابات التشريعية في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 الاستقرار للبلاد.

مفارقات هذه الانتخابات ليست فقط في إعادة مهاتير محمد ترشيح نفسه أملا في الفوز برئاسة الحكومة للمرة الثالثة في تاريخه، برغم كبر سنه (97 عاما).

ولكن في وجود أربع كتل انتخابية تتنافس هذه المرة على مقاعد مجلس النواب الـ222، وتضم سياسيين مخضرمين، بما في ذلك الكتلة التي يقودها مهاتير محمد.

وهو ما يجعل المنافسة شديدة، وقد لا يحسم الفوز لأي منها ما قد يضطرها للتحالف، واحتمال عودة الخلافات مجددا، بحسب ما قالت وكالة رويترز البريطانية في 5 نوفمبر 2022.

الحزب الذي حكم ماليزيا 60 عاما منذ استقلالها عن بريطانيا متمثلا بـ"المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة" (أمنو)، والذي خسر لأول مرة عام 2018 على يد تحالف يقوده مهاتير، وله 79 مقعدا فقط من أصل 222، يسعى هذه المرة لرفع حصته.

بسبب أغلبيته الضئيلة طلب السلطان "عبدالله المصطفى بالله شاه" حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة أملا في تعزيز أغلبيته والحصول على تفويض أقوى لحزبه الحاكم، لإعادة الاستقرار للبلاد، لكن الطريق ليس مُعبدا بسهولة أمامه.

ويرى مراقبون، أن هدف الحزب الحاكم استغلال حالة الفوضى السياسية في البلاد عبر انتخابات عاجلة لزيادة أغلبيته ومن ثم إطلاق سراح رئيس وزرائه السابق المسجون بتهم فساد نجيب رزاق.

يعتقدون أن هدف الحزب من الانتخابات هو تغيير المعادلة السياسية، وتوسيع حكمه، ومن ثم إمكانية تغيير المدعي العام الذي يملك إسقاط القضايا في المحاكم، علما بأن "المدعي" وفق النظام القضائي يعمل وفق توصيات الحكومة.

وقال مهاتير محمد للصحفيين في 5 نوفمبر 2022 إن فوز الحزب الحاكم سابقا "أمنو" في انتخابات نوفمبر 2022 سيكون معناه تخفيف الحكم عن نجيب رزاق وإطلاق سراحه، لأن حلفاءه سيطلقونه، لذا أصبح "الفساد" قضية رئيسة في الانتخابات.

ويسعى الحزب الحاكم (أمنو) للحصول على أغلبية، أو ما لا يقل عن 112 مقعدا من أصل 222، حسبما قال "سفيان حمدان" رئيس الإعلام في الحزب لموقع Nikkei Asia مطلع نوفمبر 2022.

عودة مهاتير

في 18 مايو/أيار 2018 دخل مهاتير محمد، موسوعة غينيس للأرقام القياسية كونه "أكبر رئيس وزراء في المنصب" بعد انتخابه للمرة الثانية عن عمر ناهز 92 عاما و304 أيام.

والآن يسعى لكسر الرقم القياسي مجددا، بالمشاركة في سن 97 عاما في انتخابات جديدة رغبة في التتويج بمنصب رئيس الوزراء للمرة الثالثة في تاريخه، ويفترض أن يبقى في المنصب حتى سن 102 حال توليه السلطة. 

وتولى مهاتير محمد منصب رئيس الوزراء لأول مرة من 1981 إلى 2003 ثم من مايو 2018 إلى فبراير/شباط 2020.

قال للصحفيين إن لديه "فرصة جيدة" للفوز، وسخر من دعوته للتقاعد بسبب كبر سنه، قائلا: "ما زلت واقفا على قدمي وأتحدث إليكم، وأعتقد أنني أقدم إجابات معقولة"، أي أنه ليس مصابا بخرف الشيخوخة.

وسيتنافس بجانب مهاتير محمد في هذه الانتخابات زعماء مخضرمون أبرزهم رئيس الوزراء الحالي إسماعيل صبري، إضافة إلى أنور إبراهيم، ومحيي الدين ياسين وغيرهم.

تحليلات واستطلاعات الرأي تتوقع بالفعل أن يتمكن مهاتير من حجز مقعده بسهولة في البرلمان، إلا أن هناك صعوبة بشأن وصوله إلى رئاسة الوزراء هذه المرة.

مراقبون يرون أن مهاتير يسعى هذه المرة لتحقيق ما فشل فيه عقب فوز تحالفه السابق مع أنور إبراهيم عام 2018 حين تعهد بتسليمه رئاسة الوزراء ولم يحقق الوعد وما تبع هذا من خسارة أغلبيته البرلمانية بعد 22 شهرا من توليه السلطة.

"أديب زالكابلي" المدير في شركة "باور غروب آسيا" للاستشارات السياسية أكد في 5 نوفمبر: "هذه المرة الأولى التي نشهد فيها منافسة 4 تحالفات متماثلة في القوة بقيادة 3 زعماء مخضرمين".

أضاف أن هناك احتمالا كبيرا ألا يكون هناك فائز واضح في الانتخابات، وأن تضطر هذه الأحزاب إلى التفاوض والدخول في تحالفات لتشكيل حكومة، وفق وكالة "الأناضول" التركية.

يطرح هذا سؤال: هل يتحالف مهاتير مرة أخرى مع أنور إبراهيم؟ وهل يجب عليه التحالف مع خصوم الأمس، إذا كان يرغب في الإطاحة بالحزب الحاكم ومنعه من العودة مجددا كما أطاح به سابقا عام 2018؟.

سيتوقف الأمر بالتأكيد على عدد المقاعد التي سيفوز بها كل حزب أو تحالف، وعلى رغبة مهاتير وإبراهيم في ذلك.

علما أنه بعدما اختلفا في 2018 وانسحب إبراهيم من حكومة مهاتير الذي خسر رئاسة الوزراء، عادا للحديث عن التحالف عام 2020. 

و"إبراهيم" حاليا زعيم المعارضة ويتوقع لحزبه أن يحقق أغلبية بسيطة في الانتخابات وصرح بأن معسكره مفتوح للعمل مع أحزاب المعارضة الأخرى، بما في ذلك حزب مهاتير، معلنا احتمالية قبوله التحالف معه مرة أخرى.

وكان أنور إبراهيم، الذي يمثل التيار الإسلامي، من كبار الشخصيات في حزب "أمنو" الحاكم حين كان يرأسه مهاتير محمد.

لكنه انتقل لصفوف المعارضة منذ عزله عام 1998 بعد خلاف مع مهاتير على كيفية حماية الاقتصاد من الأزمة المالية الآسيوية.

وقد سجن 10 سنوات، لكنه عاد ليعلن كزعيم للتيار الإسلامي تشكيل تحالف يسمى "باكاتان هارابان" (تحالف الأمل)، استعدادا لخوض الانتخابات والإطاحة بالحزب الحاكم.

الكتل المتنافسة

تتنافس 4 كتل قوية في رابع انتخابات خلال 3 سنوات، أبرزها الكتلة التي يقودها مهاتير، وكتلة رئيس الوزراء إسماعيل صبري، من حزب "المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة" الحاكم (أمنو) أو "باريسان ناسيونال"، وكتلة زعيم المعارضة أنور إبراهيم "باكاتان هارابان" أو "تحالف الأمل".

بجانب تحالفين آخرين هما: القومي الملايو Perikatan Nasional، وPakatan Harapan متعدد الأعراق.

وتشير استطلاعات رأي أنه لن يفوز أي حزب أو تحالف واحد بأغلبية في البرلمان المؤلف من 222 مقعدا، وأنه سيتعين على التحالفات المتنافسة أن تتفاوض من أجل حكومة مشتركة.

وفقا لمسح أجراه مركز "ميرديكا" لاستطلاعات الرأي المستقلة، ونشره موقع South China Morning Post من هونغ كونغ في 5 نوفمبر 2022، قال 26 بالمئة إنهم سيدعمون حزب المعارضة باكاتان هارابان (أنور إبراهيم).

يليهم 24 بالمئة أيدوا حزب أمنو الحاكم و13 بالمئة اختاروا حزب بريكاتان الوطني لحماية حقوق الملايو.

وقالت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية في 6 نوفمبر إن هذا الحزب الأخير، لحماية حقوق الملايو، مرشح أن يسحب الأصوات من الحزب الحاكم، ما يصب بالتالي في صالح تحالف أنور إبراهيم.

ترجح ألا ينجح الحزب الحاكم في الحصول على أغلبية برلمانية قوية ومن ثم سيتعين تشكيل من يفوز تحالفات مع أحزاب أخرى لتشكيل الحكومة.

ويقول إبراهيم سفيان، خبير استطلاعات الرأي ومؤسس مركز ميرديكا، في 26 أكتوبر/تشرين أول 2022 إن التضخم والاستقرار السياسي هما أهم القضايا في أذهان الناخبين، والمزاج العام في ماليزيا "سلبي إلى حد ما".

وأنه بعد تخفيض سن الاقتراع من 21 إلى 18، أصبح تصويت الشباب مفتاحا لنتائج انتخابات نوفمبر 2022، بحسب ما نقلت صحيفة الغارديان البريطانية.

وتشهد ماليزيا اضطرابات سياسية متكررة منذ انتخابات العام 2018 التي أوصلت إلى الحكم رئيس الوزراء الإصلاحي مهاتير محمد متغلبا على حزب أمنو الذي كان يحكم البلاد منذ أكثر من 60 عاما.

وعاقب الناخبون حينها رئيس الوزراء "نجيب رزاق" الضالع في اختلاس عدة مليارات من الدولارات من الصندوق السيادي وحُكم عليه بالحبس 12 عاما في أولى قضايا الفساد المرفوعة ضده، وأودع السجن.

ويرى موقع "معهد تحليل العلاقات الدولية" الإيطالي أن الانتخابات التشريعية المبكرة في ماليزيا "تمثل محاولة لوضع حد لعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي أثر على البلاد في العامين الماضيين جراء جائحة كورونا.

ماذا جرى؟

حين قرر "مهاتير محمد" العودة لحكم ماليزيا مايو 2018، رئيسا لحكومة ائتلافية مع غريمه الإسلامي السابق أنور إبراهيم، كان هدفه إقصاء رئيس الوزراء الفاسد المسجون حاليا "نجيب رزاق".

كان اتفاق الائتلاف السياسي بين مهاتير وإبراهيم، نص على تقاسم السلطة بين زعيمي الحزبين، إلا أن مهاتير محمد رفض عام 2020 ترك المنصب لإبراهيم، خشية عدم تمكنه من الحفاظ على الأغلبية البرلمانية. 

ونتيجة لذلك، انهار ائتلاف تحالف الأمل (باكاتان هارابان)، ولم يتمكن من إيجاد أغلبية بديلة، بالنظر إلى أن مهاتير محمد لم يرغب في التعاون مع "أمنو"، الحزب الذي كان ينتمي إليه سابقا.

لذلك أجبر على الاستقالة وأسس حزبا جديدا يحمل اسم حزب "المحارب" (بيجوانغ).

قدم مهاتير استقالته في لحظة غضب للسلطان، فقبلها, لكن الأول عاد ليعلن أنه مستعد للبقاء في السلطة ولديه 114 مقعدا في البرلمان يؤيدونه ليكون رئيسا للوزراء، وهو أعلى من العدد المطلوب المحدد بـ 112.

أصر السلطان على رأيه في تعيين رئيس وزراء جديد من الحزب الفاسد السابق، لتصبح الأزمة رباعية بينه وبين مهاتير والإسلاميين والفاسدين من حزب أمنو.

تولي محيي الدين ياسين في الأول من مارس/آذار 2020، خلفا لمهاتير محمد وبرر السلطان ذلك بأن هذا هو "أفضل حل للاضطراب السياسي الذي شهدته البلاد"، ما عمق الأزمة السياسية في ماليزيا، خصوصا بعد إعلان مهاتير رفضه القرار.

شكل تعيين محيي الدين صدمة وغضبا شعبيا، إذ كيف يسمح السلطان لحزب فاسد تولاه رئيس الوزراء السابق نجيب رزاق المتهم بالفساد بالعودة للحكم بهذه الطريقة، وإزاحة حكومة منتخبة ديمقراطيا.

وحاول مهاتير وأنور إبراهيم إعادة تحالفها وأصدرا بيانا في 29 فبراير 2020، عن استمرار تحالفهما.

 وطالبا السلطان بإعادة تكليف مهاتير بتشكيل الحكومة، إلا أن القصر رفض بدعوى أن "ياسين" يتمتع بالأغلبية.

وكان محيي الدين ياسين أسس حزبا جديدا، يدعى "بيرساتو"، أي السكان الأصليون لماليزيا، وانضم لاحقا إلى تحالف الأمل بقيادة مهاتير وأنور، والذي فاز بانتخابات عام 2018، لكنه انسحب من الائتلاف لاحقا وانضم للحزب الحاكم "أمنو".

تحولت القضية من صراع بين مهاتير وأنور إبراهيم إلى صراع أكبر بينهما من جهة، وبين السلطان ورئيس الوزراء ياسين (من خلفهما الحزب الحاكم الفاسد السابق) من جهة أخرى.

دبت الخلافات مجددا بين ياسين والحزب الحاكم، ورفعت أحزاب موالية ومعارضة قوائم بأسماء ممثليها في البرلمان إلى السلطان تؤكد فقدان الحكومة دعم الأغلبية البرلمانية.

فقدم "ياسين" استقالته في 16 أغسطس/آب 2021، وعين السلطان بديلا له رئيس الوزراء الحالي إسماعيل صبري.

ولأن حكومة "صبري" لا تحظى بأغلبية، جرى اقتراح انتخابات جديدة لضمان عودة أغلبية الحزب الحاكم السابقة.

لكن عودة "مهاتير" للمنافسة ومعه "إبراهيم" في انتخابات 2022 تعيد أجواء 2018، فهل يكرر مهاتير الفوز أم تنتهي حياته السياسية عند سن 97؟