عودة قسرية.. روسيا والصين تجبران أميركا على التودد لإفريقيا من جديد

قسم الترجمة | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في جولة استمرت نحو أسبوع، زار وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن جنوب إفريقيا والكونغو الديمقراطية ورواندا، معلنا أن بلاده تريد "شراكة حقيقية" مع القارة السمراء وأنها لا ترغب في "تجاوز" نفوذ القوى العالمية الأخرى فيها. 

بينما أكدت صحيفة لاراثون الإسبانية أن عودة أميركا للتودد للدول الإفريقية من جديد "قسرية"، لمواجهة نفوذ الصين وروسيا المتنامي بالقارة، وهو ما يؤكده تنظيم جولة بلينكن عقب أيام من أخرى لنظيره الروسي لافروف نهاية يوليو/ تموز 2022.

محاولة للردع

وذكرت الصحيفة الإسبانية أن بلينكن زار ثلاث دول في القارة خلال جولته الأخيرة بين 7 و11 أغسطس/آب 2022، والتقى خلالها بكبار قادة رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب إفريقيا.

عموما، تعد هذه الزيارة أحدث خطوة تقودها الولايات المتحدة لتعزيز التقارب مع الدول الإفريقية التي لها وزن إستراتيجي، في مواجهة تنامي النفوذ الروسي والصيني في القارة. 

وقالت إن سيناريو التنافس بين الولايات المتحدة وروسيا لفرض نفوذهما في إفريقيا يعود بنا إلى أجواء الحرب الباردة.

عندما كانت بلدان مثل أنغولا وجمهورية الكونغو الديمقراطية ساحات معارك، ولها نفس القيمة الجيوسياسية التي تحظى بها كوريا أو فيتنام، على الرغم من أن التاريخ الإفريقي يجهله الكثيرون. 

فالوجود العسكري الأميركي في هذه القارة يعرض تحت راية القيادة الإفريقية (أفريكوم)، التي تأسست في عام 2007 وتتمتع بحضور كبير في أكثر النقاط الإستراتيجية والمتاحة للغرب. 

وتمتلك الولايات المتحدة حوالي 29 قاعدة في القارة، بما في ذلك القاعدة البحرية الشهيرة في جيبوتي؛ والقواعد الدائمة في السنغال وبوركينا فاسو وكينيا؛ والمواقع المؤقتة في الصومال والكاميرون والنيجر، من بين دول أخرى. 

في هذا السياق، يدر التعاون في مجال المواد الخام دخلا ضئيلا للاقتصاد الأميركي، لكن، يتركز الاهتمام الأكبر في إفريقيا على الجانب الجيوسياسي.

من ناحية أخرى، منذ نهاية الحرب الباردة اقتصر التدخل العسكري الأميركي على الأعمال الرمزية في الصومال ومهام الكوماندوز في شرق إفريقيا لمكافحة القرصنة.

وعلى الرغم من أن بيل كلينتون وباراك أوباما هما الرئيسان الوحيدان اللذان زارا القارة بشكل مستمر، إلا أنه لم تطأ قدم دونالد ترامب ولا جو بايدن إفريقيا جنوب الصحراء خلال فترة حكمهما.

وثيقة إستراتيجية

وبينت الصحيفة أن الإستراتيجية الجديدة للولايات المتحدة تنعكس في وثيقة نشرها البيت الأبيض مطلع أغسطس/ آب من هذا العام، بعنوان "إستراتيجية الولايات المتحدة تجاه إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى".

أما النقاط الأربع الرئيسة التي تلخص الأهداف التي تحفز زيارة بلينكن، فتتمثل في تعزيز انفتاح المجتمعات المفتوحة؛ وتقديم المكاسب في مسائل الأمن والديمقراطية؛ وتعزيز التعافي بعد جائحة كورونا؛ ودعم الحفاظ والتكيف مع المناخ والانتقال العادل للطاقة.

وتشير الوثيقة إلى أن "هذه الإستراتيجية تؤكد بقوة على المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة". 

لكن في بعض الدول، مثل مالي وبوركينا فاسو، هناك مخاوف من النقطة الثانية، خاصة إن كانت تشير إلى الحكومات التي تشكلت في القارة بفضل الانقلابات.

وهناك من ينظر إلى زيارة وزيرة الخارجية بعين الريبة. عموما، يمثل الخوف من التدخل الغربي، الذي يطلق عليه أحيانا أكبر منتقديه اسم "الاستعمار الجديد"، هاجسا آخر يضاف إلى مخاوف الدول الإفريقية.

في هذا الصدد، أكد بلينكن خلال جولته أن "الولايات المتحدة لن تملي قرارات على دول القارة"، بعد أن طلب الدعم ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من 54 دولة إفريقية.

وجاءت زيارته في أعقاب الجولة الإفريقية التي أداها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، نهاية يوليو التي تزامنت أيضا مع جولة مماثلة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

واتهم الرئيس الفرنسي روسيا بالتسبب بشكل منهجي في أزمة الغذاء الخطيرة التي تمر بها مناطق مهمة في القارة.

ووفقا لوكالة بلومبرغ الأميركية، لم تول الحكومة الأميركية إفريقيا جنوب الصحراء أية أولوية، لأن المنطقة تمثل 1.2 بالمئة فقط من إجمالي التجارة الثنائية.

وعلى الرغم من زيادة التدفقات التجارية منذ إصدار قانون النمو والفرص الإفريقي عام 2000، الذي ألغى ضرائب الاستيراد الأميركية على حوالي سبعة آلاف منتج إفريقي.

إلا أن القارة كثفت علاقات أوثق مع الصين، حيث لم تتدخل الدولة الآسيوية في السياسة الداخلية للإقليم، بالإضافة إلى تقديم قروض واستثمارات بشروط قليلة. 

وبالمثل، عززت روسيا وجودها في إفريقيا خلال الأشهر الأخيرة، بعد محاولات من الغرب لعزل موسكو بعد غزو الأراضي الأوكرانية.

توتر متصاعد

وأشارت الصحيفة إلى أن زيارة بلينكن إلى رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية تتزامن مع إحدى فترات التوتر الأكبر بين البلدين. 

ومثلما شهدت قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في الكونغو الديمقراطية اشتباكات عنيفة مع السكان المدنيين في الأسابيع الأخيرة، توفر وثيقة نشرتها الأمم المتحدة مؤخرا "دليلا قويا" على التعاون بين القوات المسلحة الرواندية والمجموعة شبه العسكرية "حركة 23 مارس"، التي يتركز مجال عملها في أقصى شرق الكونغو الديمقراطية. 

وبينما تتهم كينشاسا كيغالي بهذا الانتهاك غير المبرر لسيادتها، فإنهم في كيغالي ينفون أي صلة بحركة 23 مارس.

وخلال زيارته لجمهورية الكونغو الديمقراطية، قبل وقت قصير من التوجه إلى رواندا، قال بلينكن إنه "قلق للغاية" بشأن ما وصفه بتقارير "موثوقة"، في إشارة إلى وثيقة الأمم المتحدة.

ولفتت الصحيفة إلى أن رواندا شريك إستراتيجي مهم للولايات المتحدة في المنطقة، ومن المؤكد أن بلينكن لم يسافر إلى إفريقيا لتحويل أصدقاء العم سام إلى أعداء مستائين. 

في هذا المعنى، كان توبيخ بلينكن موجها لكلا البلدين عندما أكد قائلا: "رسالتي إلى الرئيس فيليكس تشيسكيدي في الكونغو الديمقراطية وبول كاغامي في رواندا، كانت هي نفسها". 

وحرص بلينكن في هذه الرسالة على التوقف عن دعم الجماعات المسلحة في شرق الكونغو الديمقراطية. وتابع أن "لرواندا مخاوفها الأمنية الخاصة"، في إشارة إلى القوات الديمقراطية لتحرير رواندا العاملة على الحدود. 

عموما، هذه جماعة مسلحة شكلها الهوتو الذين فروا إلى الكونغو بعد الإبادة الجماعية عام 1994 ويقولون من رواندا إنهم يتلقون مساعدات كونغولية، على الرغم من عدم وجود دليل قاطع يدعم هذه الاتهامات.