وزير خارجية تونس الأسبق لـ"الاستقلال": دستور سعيد مرفوض ولا أفق لانقلابه

محمد وريوَر | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

أكد المفكر التونسي وزير الخارجية الأسبق رفيق عبد السلام، أن نسب المقاطعة لدستور الرئيس قيس سعيد ستكون عالية جدا، لأن أغلب التونسيين لن يقبلوا التفريط في مكسب الحرية والديمقراطية.

وأضاف عبد السلام وهو أحد رموز حركة النهضة، في حوار مع "الاستقلال"، أن النظام السياسي في مشروع دستور سعيد ليس رئاسيا ولا برلمانيا، إنما "رئاسوي متخلف"، يركز كل السلطات بين يديه ويلغي كل آليات الضبط والرقابة.

ولفت إلى أن سعيد يريد أن يبيع نفسه للعواصم الغربية عبر نزع صفة الإسلام عن الدولة التونسية، لكن لأنه دكتاتور سلطوي يخشى من تحرر الشأن الديني فقد أدرجه تحت سلطة الدولة.

قضائيا، أكد المفكر التونسي أنه لن يصمد أي اتهام ضد قيادي من النهضة أمام قضاء مستقل، ولذلك كانت أولى خطوات سعيد بعد الانقلاب حل المجلس الأعلى للقضاء ومحاولة إلحاقه به بزعم "مقاومة الفساد". 

أما في الشأن الإقليمي، فلفت عبدالسلام إلى أنه بات معلوما أن هناك تنسيقا استخباراتيا مصريا تونسيا، لا من أجل تعزيز التعاون العربي، إنما لوأد تطلعات الشعوب العربية في الحرية والتحرر.

وشدد على أن رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي يسعى لاستمالة تونس لتعزيز موقعه في ليبيا ومحاصرة الجزائر، كما يخشى أن يجد نفسه أمام حالة ثورية تونسية جديدة تسري منها العدوى إلى القاهرة.

وعبد السلام (54 عاما) سياسي ومفكر تونسي وعضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة، شغل منصب وزير الخارجية بين نهاية 2011 ومارس/ آذار 2013، وهو مؤسس ومدير مركز الدراسات الإستراتيجية والدبلوماسية الذي لديه مقران في تونس ولندن، ولديه أيضا عدة مؤلفات سياسية وفلسفية.

دستور قيس سعيد

في 25 من يوليو/ تموز 2022 ستشهد تونس استفتاء على دستور ما سمي "بالجمهورية الجديدة"، ما توقعاتك لهذا اليوم؟

توقعاتي أن نسب المقاطعة ستكون عالية جدا، لأن التونسيين في غالبيتهم العظمى متنبهون لخطورة مشروع قيس سعيد ومتشبثون بدستور الثورة 2014 ولن يقبلوا التفريط في مكسب الحرية والديمقراطية الذي انتزعوه بتضحيات أجيال متتالية من الزمن.

العشرية الأخيرة ومهما قيل فيها جذرت روح الحرية في نفوس التونسيين وركزتها في واقعهم السياسي من خلال مؤسسات وهياكل فاعلة وليس من اليسير نسفها بجرة قلم من طرف قيس سعيد.

هل اطلعت على مشروع الدستور الجديد؟ وما شكل النظام السياسي الذي يجلبه؟

نعم اطلعت عليه، وقد تبين للجميع أنه ليس بالنظام البرلماني ولا الرئاسي، إنما نظام رئاسوي متخلف، يركز كل السلطات بين يدي قيس سعيد ويلغي كل آليات الضبط والرقابة.

ويجعل قيس سعيد محصنا من اللوم أو العزل، ويحول السُلطات إلى مجرد وظائف تابعة له.

لكن هذا تفصيل صغير في مشهد كبير لأن دستور  قيس سعيد مرفوض جملة من دون أن ندخل في تفاصيله، وهو في عداد العدم والشعب لا يعترف إلا بدستور 2014 لا غير، وما بني على باطل فهو باطل. 

لماذا جرى تغيير الفصل الأول من الدستور وحذف مرجعية الإسلام دينا للدولة؟

لأن قيس سعيد يريد أن يبيع نفسه للعواصم الغربية بكونه نزع صفة الإسلام عن الدولة التونسية.

لكن لأنه دكتاتور سلطوي يخشى من تحرر الشأن الديني فقد أدرجه تحت سلطة الدولة بخديعة أنها هي دون غيرها معنية بتحقيق مقاصد الإسلام.

ويدعي قيس سعيد أن الدولة كيان معنوي لا يصوم ولا يصلي، ولكنه نسي أن الأمة ليست كيانا حسيا بسيطا إلا في الأمم السلالية والقبيلة، كل الأمم الراهنة هي جماعات مُتخيلة كما يقول أحد أهم مُنظري القومية بندكت أندرسون.

اتهامات بالجملة

أطلق قيس سعيد ما زعم أنه حوار وطني للخروج من الأزمة السياسية في البلاد، ماذا كان هدفه؟ ولماذا لم تشارك حركة النهضة فيه؟

لا يوجد حوار بل جلسات دردشة حضرتها شخصيات نكرة وقوي سياسية لا وزن لها في الساحة.

فقيس سعيد لا يحاور إلا نفسه وهو يعمل بمنهجية فرض سياسة الأمر الواقع مع تزيين المشهد بحوارات شكلية وهامشية لا قيمة لها.

كيف ترى الاتهامات الموجهة لرئيس الوزراء الأسبق حمادي جبالي بتبييض الأموال؟

هذه كلها ألاعيب معروفة في الدكتاتوريات والأنظمة الانقلابية. فالأستاذ حمادي الجبالي بعد مغادرته موقع الحكومة يعيش حياة بسيطة وبعرق جبينه لا غير.

وقيس سعيد يشتغل بخلفية تكوين الملفات ومحاولة استخدام القضاء لضرب خصومه، وهذا ما يُفسر معركته المفتوحة مع القضاة الذين رفضوا مسايرته في تحقيق مآربه السياسية.

وهو يحاول فك عُزلته الداخلية والخارجية من خلال تسخين خط الصراع مع النهضة على أمل أن يستفيد من لعبة الاستقطاب السياسي والأيديولوجي. 

كيف ترى الاتهامات الموجهة لك بـ"نشر أخبار زائفة من أجل الحمل على الاعتقاد بوجود عمل إجرامي يستهدف الممتلكات"؟

لا يوجد أي ملف ضد نهضاوي يمكنه أن يصمد أمام قضاء مستقل، ولذلك كانت أولى خطوات قيس سعيد بعد الانقلاب حل المجلس الأعلى للقضاء ومحاولة إلحاقه به بزعم مقاومة الفساد.

وسلسلة اتهامات قيس سعيد ضدي لن تتوقف لأنني كنت من أوائل من جاهر بمعارضته وكشف مشروعه المخادع.

والهدف من كل ذلك هو شغل بعض الشخصيات العامة بقضايا واتهامات حتى يصرف انتباههم عن مشاغبته ومقاومة انقلابه الغادر واستفتائه الفاشل.

مسارات المعارضة 

ما خيارات الأحزاب والاتحادات والحركات التونسية الرافضة لانقلاب قيس سعيد؟

ليس أمام هؤلاء إلا الاستمرار في المقاومة المدنية وتوحيد الصفوف الى غاية دحر الانقلاب والعودة لحكم الشرعية والدستور ودولة المؤسسات.

تقديري أن هذا الانقلاب لا أفق له طال الزمن أو قصر بحكم اتساع حلقة المعارضة وتزايد عُزلته الداخلية والخارجية. 

هل ترى أن رد الفعل الشعبي والسياسي التونسي كان على مستوى الحدث؟

السياسة عمل تراكمي، وما هو إيجابي أن كل القوى السياسية الوازنة رفضت مشروع الدستور واستفتاءه، وميزة قيس سعيد أنه لا يترك له حلفاء أو أصدقاء لأنه مصاب بنهم السلطة والتفرد بلا حدود.

وهناك  جبهات سياسية تشكلت وهي إن لم تتوحد هيكليا إلا أنها تلتقي حول المطالب وفي الميادين العامة. ويجب أن ندرك أن زمن النخبة غير زمن الشعب.

فالثورات ليست لها مواقيت ومواعيد محددة بل تندلع حال اكتمال شروطها، وتقديري أن تونس تسير نحو ثورة ثانية سنستكملُ ما بدأناه في 2011 بحول الله. 

ما أسباب تراجع الالتفاف الشعبي حول الحراك الديمقراطي، ألا ترى أن النهضة والأحزاب السياسية مسؤولة عن تراجع ثقة الناس فيها بعد عقد من الثورة؟ 

هذا ليس صحيحا، فقاعدة الرفض الشعبي للانقلاب تتسع ولا تضيق، والسؤال الأهم أين القاعدة الشعبية لقيس سعيد الذي يدعي أنه يتمتعُ بالشرعية، رغم كل محاولات التجييش وتوظيف مؤسسات الدولة لصالحه؟

كل المحطات التي دعا فيها قيس سعيد أنصاره للنزول للشارع لم نر لهم حضورا، بينما حينما تدعو حركة النهضة وحلفاؤها إلى التجمع ينزل الآلاف وبروح نضالية عالية، هذا ما رأيناه في جبهة الخلاص الوطني ومواطنون ضد الانقلاب وغيرهما. 

طبعا المراجعات مطلوبة بهدف تدارك الأخطاء وتثبيت المكاسب، وبخلفية تعزيز خط المقاومة المدنية والثبات على الأهداف ولكن الساحة لم تثبت حتى الآن وجود كيان أكثر قوة وصلابة في مقاومة الانقلاب من حركة النهضة.

داعمو الانقلاب

وصفت اللجنة المشتركة التونسية المصرية بأنها مجرد غطاء للتنسيق الاستخباراتي، كيف توصلت لهذه المعلومات؟

في عالم اليوم كل البيوت مفتوحة ولم يعد هناك شيء سري الى الأبد. فقد بات معلوما لدى الجميع أن هناك تنسيقا استخباراتيا مصريا تونسيا ليس من أجل تعزيز التعاون العربي، ولكن بخلفية وأد تطلعات الشعوب العربية في الحرية والتحرر.

أكثر ما يخشاه النظام المصري أن يجد نفسه أمام حالة ثورية تونسية جديدة تسري منها العدوى إلى القاهرة المحاصرة بوليسيا، لذلك يحاول أن يقوم بدور الوسيط مع بعض دول الخليج لتنفيس انقلاب قيس سعيد المختنق. 

قلت إن قيس سعيد أجرى زيارة سرية إلى القاهرة أخيرا، ماذا يمكن أن يقدم عبد الفتاح السيسي لسعيد في ظل الوضع الاقتصادي الخانق في مصر؟

لست رجل استخبارات ولكن تصلنا الأخبار والمعطيات ولا نقول إلا ما نتأكد من صحته. مصر لا تستطيع أن تقدم شيئا ماليا أو اقتصاديا، لأنها غير قادرة أصلا على إنقاذ نفسها من الغرق في الأزمة.

لكن السيسي يشتغل  بخلفية التوقي من هزات المحيط التي يمكن أن تكون لها ارتدادات قوية في الداخل المصري، فضلا عن مُحاولة استمالة تونس لتعزيز الموقع في ليبيا ومحاصرة الجزائر. 

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قال إن بلاده مستعدة لمساعدة تونس في الخروج من المأزق الراهن والعودة للطريق الديمقراطي، كيف تقيم هذا الموقف؟

الجزائر مهددة من قوى كثيرة من محور التطبيع في المنطقة، لأنها بقيت تقف على أرضية ثوابت الثورة الجزائرية، وهي لا تريدُ مُنغصات وقلاقل تأتي من الجوار  التونسي.

لكن يبدو أن صبرهَا نفد من قيس سعيد لأنها أدركت على سبيل اليقين أنه مُنخرط سريا في مشروع مُحاصرة الجزائر بدل تقوية سندها في مواجهة مشاريع التطبيع في المنطقة.

ازدواجية معايير الغرب

لماذا لا نرى موقفا واضحا من قبل الاتحاد الأوروبي سوى استشعار القلق حول ما يقوم به قيس سعيد؟

الأوروبيون يرغبون في وجود ديمقراطية هادئة في حدودهم الجنوبية ولكن إذا كان ثمن التوقي من الهجرة والإرهاب هو نظام دكتاتوري فلا يرون ضيرا في التعايش معه لاعتبارات براغماتية طبعا.

والأوروبيون قلقونَ من قيس سعيد ولكن هناك اتجاه قوي من داخلهم يدعوه إلى القيام بعملية تجميلية مَحدودة من خلال تشريك المعارضة والذهاب إلى الاستفتاء حتى يتسنى لهم تسويقه.

لكن مُشكلة قيس سعيد أنهُ لم يُعطهم حبل النجاة وظل مُتمسكا بنظام فردي بدون أي عملية مكياج ورتوش وهذا ما يشعرهم بالحرج الشديد.

هل ترى أن الموقف الأميركي اختلف عن نظيره الأوروبي؟

نفس الشيء. الأميركان يدعون قيس سعيد الى التحرك من داخل خارطة الطريق التي طرحها مع تشريك المعارضة والمجتمع المدني، لكن يُصعب عليهم مُهمة دعمه بسبب عناده ونزعاته الفردية المرضية. 

تقديري على التونسيين أن يعولوا على أنفسهم في مقاومة الانقلاب ولا يبنوا خياراتهم على مواقف الخارج المتقلبة بحسب ميزان المصالح.  

بعد كل هذه المُعطيات كيف ترى مستقبل تونس، هل ستكون الغلبة للانقلاب أم أن الشعب التونسي سيكون له الكلمة الأخيرة؟

 تقديري أن الشعب التونسي على مر قرون من الزمن له تقاليد في الانتفاضات والقومات ضد المُستبدين، ولا يغرنك ما يظهر من بعض السكون، فقد يفاجأ الجميع بهبة شعبية تقتلع الدكتاتورية من جذورها.

وأختم معك هذا الحوار بآخر إصداراتك كتاب "الإله والمعنى في زمن الحداثة.. الخطاب بين الهيمنة والتعدد" ما الجديد الذي تقدمه للمكتبة العربية في هذا الجانب؟

حاولت في هذا العمل أولا أن أحرر الخطاب الحداثي من سردياته الكبرى التي أسرته لعقود طويلة،  وأخلص  الخطاب العربي خصوصا من آفة التكرار والاجترار التي لازمته طويلا.

وذلك بفتح أبواب الاجتهاد في الحداثة، ثانيا إدخال مُعطى السياسة أي موازين القوى والإستراتيجية بمعناها الواسع في تفسير ظاهرة النجاح أو الفشل الحداثي.

وهذا يعني أنه لا سبيل أمام العرب خصوصا  لدخول عوالم الحداثة إلا بتغيير موازين القوى على الأرض واكتساب شروط النهوض.  

وثالثا، أكدت في هذا الكتاب على الطابع التعددي والمتنوع الحداثة، وأنه بمقدور المسلمين أن يحدثوا  بصمتهم الخاصة في الحداثة وتصويب وجهتها من خلال  القيم الأخلاقية والروحية للإسلام.