"باحة خلفية".. لهذا أنشأ الحرس الثوري الإيراني شرطة عسكرية شرقي سوريا

لندن - الاستقلال | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

تكاد تشكل مناطق شرق سوريا القريبة من الحدود العراقية، "باحة خلفية رسمية" للحرس الثوري الإيراني، وتتجاوز فكرة الانتشار العسكري إلى التنظيم المحكم للمليشيات المحلية التي أسستها هناك نهاية عام 2017.

ونظرا لسهولة الحركة والتنقل من قبل ضباط "الحرس الثوري" على الشريط الحدودي السوري العراقي، فإن ذلك يعطي إيران مساحة لتدعيم وجودها العسكري "كسلطة أمر واقع"، يحتم عليها تأسيس أجهزة عسكرية جديدة لضبط المشهد في محافظة دير الزور.

جهاز أمني

وتنتشر المليشيات الإيرانية على طول الضفة اليمنى من نهر الفرات لمحافظة دير الزور والتي تسمى محليا "الشامية"، وتمتد من مدينة دير الزور مركز المحافظة حتى مدينة البوكمال الحدودية مع العراق.

والبوكمال التي يقابلها معبر "القائم" البري مع العراق، تعد أكبر معقل يوجد فيه خليط متعدد من المليشيات الأجنبية التي جلبتها طهران للقتال إلى جانب النظام السوري منذ عام 2012؛ لوأد الثورة الشعبية ضد رئيس النظام بشار الأسد التي اندلعت في مارس/آذار 2011.

وعلى طول المدن والقرى في الضفة اليمنى من نهر الفرات، تمكن الحرس الثوري الإيراني من تجنيد مليشيات محلية لصالحه، وتقسيمها ضمن قطاعات عسكرية توجد فيها كتائب صغيرة يشرف على كل قطاع ضابط واحد من الحرس الثوري.

وتقدر مصادر محلية، أعداد المليشيات الإيرانية الأجنبية من عراقيين وباكستانيين وأفغان وإيرانيين ولبنانيين، في محافظة دير الزور وحدها، بنحو 6 آلاف عنصر، فيما يبلغ تعداد العناصر المحلية من الجنسية السورية، قرابة 15 ألفا. 

لكن إيران بعد حالة الهدوء العسكري الذي شهدته الساحة السورية منذ منتصف عام 2020، بدأت تقلقها مسألة انتهاكات مليشياتها المحلية في القرى والبلدات التي توجد فيها، في ظل تعاظم الصراعات الداخلية فيما بينها على النفوذ والسطوة بقوة السلاح.

وبحسب شبكة "ديرالزور24" المحلية المعارضة، فإن مليشيا الحرس الثوري الإيراني أنشأت مكتبا جديدا لجهاز عسكري يشبه الشرطة العسكرية في قوات نظام الأسد، ببلدة الصالحية في ريف مدينة البوكمال، وآخر في مدينة الميادين الإستراتيجية.

وذكرت الشبكة في 29 يونيو/حزيران 2022، أن "من مهام هذه المكاتب التدخل بعقوبات عناصر المليشيات والقادة، واتخاذ قرارات الفصل والسجن ومهمات العناصر والآليات وحمل السلاح وتبديل الدوريات".

ويترأس الجهاز الجديد التابع للحرس الثوري، ضابط إيراني يدعى "الحاج أبو سراب" قدم حديثا إلى محافظة دير الزور لهذه المهمة.

ويجري اختيار عناصر المكاتب من السوريين المتشيعين، وأصحاب الخبرة في العمل بالشؤون الإدارية للمليشيات الإيرانية.

أهداف مدروسة

وفي سعيها للموازنة بين الحفاظ على تعداد مليشياتها المحلية، وعدم تخليهم عنها، وبين كسب ود الأهالي، تبدو طهران مضطرة لمنع تزايد الانتهاكات والممارسات التي يرتكبها عناصر المليشيات المحلية فيما بينهم، وكذلك بحق الأهالي سواء المقيمين أو المهجرين قسرا.

وقال المحامي، وسام زين الدين، إن "خطوة الحرس الثوري، هي بطلب من نظام الأسد؛ لمعاقبة عناصر المليشيات الإيرانية المحلية غير المنضبطين، كونهم يمتلكون بطاقات أمنية إيرانية ولا يحق لأجهزة النظام الأمنية ملاحقتهم أو توقيفهم".

وأشار زين الدين في حديث لـ"الاستقلال" إلى أن "انتهاكات مليشيات إيران المحلية زادت، عبر حمل السلاح في الشوارع والأسواق خارج مواقع خدمتهم، والاستقواء به على الأهالي، علاوة على وقوع اشتباكات بين العناصر أنفسهم في أماكن عامة".

وتابع: "كما بدأت تنتشر حالات الاستيلاء على بيوت المهجرين وممتلكاتهم وسرقتها تحت حجج التفتيش من قبل العناصر المحلية، فضلا عن استخدام السلاح في الأعراس بشكل مرعب".

ولفت زين الدين إلى "أن أكثر ما بات يقلق قيادة الحرس الثوري في محافظة دير الزور هو سرقة الذخيرة والسلاح من مستودعاته المنتشرة هناك، وبيعها في السوق السوداء".

وتعد مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" على الضفة اليسرى المقابلة من نهر الفرات، سوقا مزدهرا لشراء السلاح بعيدا عن أعين "قسد".

وأشار زين الدين، إلى أن "المليشيات الإيرانية المحلية تعاني من حالة التسيب والتملص من بعض المهام العسكرية، خاصة تلك المرتبطة بنوبات الحراسة في بعض النقاط القريبة من البادية والتي يتهددها كمائن مباغتة لتنظيم الدولة وتسفر عن عمليات قتل وأسر من قبل التنظيم"، الذي تتخذ خلاياه موطنا لها في البادية السورية.

ولفت إلى أن "ما يهدف له الحرس الثوري الإيراني من إنشاء جهاز أمني شبيه بجهاز الشرطة العسكرية لدى قوات الأسد، هو لضبط الأمن ومحاسبة وملاحقة العناصر في حال ارتكبوا جرائم قتل أو سرقة بحق المدنيين أو زملائهم العسكريين".

إضافة إلى "فض النزاعات بين عناصر المليشيات المحلية على خلفيات عشائرية نظرا للتركيبة السكانية القبلية هناك"، مردفا: "ربما يجري تشكيل محكمة عسكرية يتبع لها ذلك الجهاز الأمني الجديد"، وفق المحامي.

وذكر زين الدين أن "الحرس الثوري يسعى لضبط عمليات التهريب للمواد الغذائية بين ضفتي النهر، وبالتالي ضبط حالة التكسب المالي لعناصره المحلية".

توسع الهيمنة

لكن النقطة الأهم في مسألة إنشاء الحرس الثوري الإيراني لجهاز أمني جديد في مناطق نفوذه بدير الزور، هو الدلالة على مدى الهيمنة الإيرانية على المنطقة بتسهيل مباشر من النظام السوري.

وكذلك مضي إيران بعمليات التوطين لعوائل مليشياتها الأجنبية الشيعية في المدن الرئيسة بدير الزور وإسكانهم في منازل المهجرين، ضمن مشروع طهران الرامي لتغيير ملامح المنطقة ديموغرافيا ودينيا وثقافيا وحتى عسكريا.

كما أن بناء إيران للقوة العسكرية في دير الزور منذ نهاية عام 2017، بعد القضاء على "تنظيم الدولة" هناك، يعطي مؤشرا على مدى حالة استقرار النفوذ الإيراني في المحافظة.

يأتي ذلك بعد تلاشي الضغط الروسي على المليشيات الإيرانية إثر غزو موسكو لأوكرانيا منذ 24 فبراير/شباط 2022، مما يمنح طهران متسعا لتدعيم وجودها في المنطقة الشرقية من سوريا، التي تعدها "معبر الامتداد الشيعي".

وتتخذ المليشيات الإيرانية مركز مدينة دير الزور، كنقطة عسكرية متقدمة لها في المحافظة، إلى جانب مقرات أخرى في كل من مدن وبلدات، حطلة، موحسن، الطوب، بقرص، الميادين، منطقة عين علي، العشارة، صبيخان، الصالحية، البوكمال. 

وتنتشر في تلك المناطق، مليشيات تابعة لـ"الحرس الثوري الإيراني" و"حركة النجباء" و"حزب الله السوري"، و"فاطميون" و"زينبيون" والحشد العراقي".

ويتوازى ذلك، مع نجاح طهران في التغلغل الديني في أبناء المحافظة، وممارسة نشاطات مكثفة لتشييع أبناء المنطقة ذات الغالبية السنية، وخاصة الأطفال والشباب، فضلا عن التحكم بقرارات مؤسسات النظام الحكومية على صعيد القضاء والتعليم، لدرجة يمكن وصفها بـ"الاحتلال".

بوابة إستراتيجية

وتتهم شبكة محلية، النظام السوري بالتواطؤ بشكل مباشر مع إيران لتشييع دير الزور، والذي لا يلعب دور المتفرج فقط على جريمة نشر الأيديولوجيا الشيعية الفارسية في مناطق سنية، بل يسخر كل موارد الدولة في سعي إيران لتحقيق انتصار في معركتها الدينية التي تتزايد زخما وتوسعا.

وفي هذا الإطار، ذكرت شبكة "فرات بوست"، في 11 يونيو 2022، أن القيادي الإيراني "حاج رسول"، المسؤول عن المركز الثقافي لطهران في دير الزور، أصدر قرارا يقضي بإلزامية دخول بعض المجموعات العسكرية المحلية في دورات دينية إلزامية لتعلم المذهب الشيعي وليس بالضرورة اعتناقه.

وأضافت أن كلا من مليشيا "لواء الحسين" ومجموعات "العشائر" التي تتبع لنواف البشير ومقاتلين شيعة من بلدات نبل والزهراء يتبعون لمليشيا "أسود الباقر"، يشملهم هذا القرار أيضا.

وفي نهاية أبريل/نيسان 2022، عينت طهران الضابط الإيراني "حاج كميل" مسؤولا أمنيا لمليشيا الحرس الثوري شرق سوريا، في احتفال رسمي أقيم بمدينة دير الزور.

وجاء التعيين الجديد بعد نقل الضابط الإيراني "الحاج مهدي" إلى العاصمة دمشق وتعيينه مستشارا عسكريا هناك.

وخلال تلك الفترة، عملت إيران على إجراء تغييرات قيادية واسعة، منذ تسريح قائد المليشيات الموالية لإيران في سوريا، العميد جواد غفاري، بشكل مفاجئ والملقب بـ"جزار حلب"، وإعلان طهران عودته إلى بلاده في نوفمبر/تشرين الثاني 2021.

وتشكل دير الزور أهمية إستراتيجية لإيران كونها تعد "بوابتها الأولى" لسوريا برا عبر العراق.

وتسعى إيران إلى إنشاء ممر بري يربطها بالبحر الأبيض المتوسط، وهو من الأسباب الرئيسة التي جعلتها تتدخل مبكرا إلى جانب قوات الأسد منذ عام 2012، لقمع ثورة الشعب السوري، ومنع بشار من السقوط.

ومنذ ذلك الوقت تمددت مليشيات إيران في محافظات درعا ودمشق وحلب وحمص كذلك، وهي تمتلك حاليا نحو 100 ألف عنصر مقاتل لها في سوريا.