معهد إيطالي: انتخابات البرازيل المقبلة "مصيرية".. وهذه الأسباب

وصف معهد إيطالي الانتخابات الرئاسية البرازيلية المقرر إجراؤها في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2022، بالمصيرية ليس فقط داخليا بل على الساحة الدولية التي تشهد استقطابا كبيرا بين أميركا من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى.
وأوضح معهد تحليل العلاقات الدولية، أن البرازيل تواجه مستقبلا غامضا في ظل المنافسة بين الرئيس الحالي "جاير بولسونارو" الذي اختار الانصياع لأميركا من أجل تحقيق مكاسب داخلية، والرئيس السابق "لويز إيناسيو دا سيلفا" المدافع عن البراغماتية والتحالفات المتعددة.
مناخ متوتر
وذكر المعهد أنه منذ الانتخابات الحرة الأولى في عام 1989، تبنت البرازيل نهج السياسة الخارجية الشامل والمتعدد الأطراف الذي يهدف إلى التعاون السلمي.
لكن الرئيس الحالي بولسونارو قام بتغيير هذه الإستراتيجية، إذ تبنى ما بدأه سلفه ميشال تامر، ووفق السياسات مع الولايات المتحدة وأسس نهجا معها يركز على الصداقة الشخصية وكذلك الأيديولوجية، لاسيما مع الرئيس السابق دونالد ترامب.
والمنافسان الرئيسيان في الانتخابات المقبلة هما الرئيس بولسونارو والرئيس السابق مرشح حزب العمال لويز إيناسيو دا سيلفا المعروف باسم "لولا" المتفوق حاليا في استطلاعات الرأي الاخيرة.
و"لولا"، رئيس البرازيل بين 2003 إلى 2010، عاد إلى السباق الرئاسي بعد أن أسقطت المحكمة العليا تهم الفساد ضده في أبريل/ نيسان 2021.
وكان لولا قد اعتقل في أبريل 2018، وقضى عقوبة بالسجن تجاوزت العام ونصف العام بسبب إدانته بتهم فساد.
وبحسب المعهد الإيطالي، تتجه البرازيل نحو الموعد الانتخابي في مناخ شديد الاستقطاب نتيجة آثار أزمة تفشي وباء كورونا وانخفاض النمو الاقتصادي وارتفاع التضخم والبطالة.
يُذكر أن البلاد سجلت أكثر من 600 ألف حالة وفاة بفيروس كورونا، وهو معدل وفيات من بين أعلى المعدلات في العالم.
وكل هذه العوامل تلقي بظلالها على شعبية الرئيس المنتهية ولايته الذي اتهمه الكثيرون بإساءة التعامل مع الوباء ونشر قدر كبير من الأخبار المزيفة باستخدام آلة الدولة في مناخ من الاستبداد المتزايد.
في المقابل، يعد لولا أكثر الرؤساء شعبية في تاريخ البرازيل، خصوصا وأنه سحب ملايين البرازيليين من براثن الفقر بفضل برامج تهدف إلى محاربة الفقر وندرة الغذاء وغياب شبكة صحة عامة فعالة.
قبل إن تتضرر صورته بسبب فضيحة الفساد والتي لم تؤثر على صورة الرئيس السابق فحسب، ولكن أيضا على كامل الطبقة السياسية المنتمية لحزب العمال، ما فتح المجال أمام انتخاب الرئيس الحالي بولسونارو.
وقال المعهد إن بولسونارو بات المتحدث باسم النخب التجارية والدينية والعسكرية في البلاد، وعنوانا لأيديولوجية محافظة وقومية.
لكن أخيرا بدأ مستوى تأييد بولسونارو في عالم الأعمال يتداعى بسبب الوضع الاقتصادي السيئ، كما أبدى الجيش استياءه تجاه سياسات الرئيس.
كما أن هناك الكثير من الاستياء في العالم الدبلوماسي المرتبط بشخصية بولسونارو المتهم بإلحاق الضرر بالصورة الدولية للبرازيل بمقارباته المناهضة للعلم خلال فترة تفشي الوباء وقضية الأمازون وقدرته المنخفضة على نسج العلاقات الدولية.
وهذا أيضا سبب وقوف الأسواق إلى جانب لولا، لاسيما مع وجود انطباع بأن الرئيس السابق يمكن أن يعيد البلاد إلى حالة "طبيعية" سياسية ومؤسسية.
الاستقلال الوطني
وأشار المعهد إلى أن البرازيل حققت نقلة نوعية في السياسة الخارجية منذ انتخابات عام 1989 وركزت في نهجها الجديد على منطق عالمي ومتعدد الأطراف للتعاون والتعايش السلمي مع دول القارة، والتوجه بالتوقيع على شراكات إستراتيجية مهمة.
وهذا النهج تكثف خلال فترة رئاسة لولا الذي وسع هذا الإسقاط الإقليمي إلى البلدان الناشئة خارج أميركا اللاتينية، لاسيما مع روسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، وشكل معها بعد ذلك تحالف "بريكس" الاقتصادي.
بعد ذلك، أبرم اتفاقيات مهمة في تلك السنوات مع مختلف البلدان الإفريقية، بهدف مضاعفة الجبهات التجارية.
وبحسب المعهد الإيطالي، سمح هذا الإسقاط الجديد للبرازيل بتحرير نفسها جزئيا من النفوذ الأميركي من خلال تحدي هيمنتها بشكل علني، في وقت كان الغرب كله يركز انتباهه في الشرق الأوسط.
وبذلك، أصبحت الصين الشريك الاقتصادي الرئيس للبلاد في عام 2010 متجاوزة الولايات المتحدة وهو ما أثار قلق الأخيرة.
ومع نهاية رئاسة لولا وصعود أول رئيسة للبلاد ديلما روسيف، حاولت البرازيل إعادة الاتصال بالولايات المتحدة من خلال زيادة العلاقات الثنائية وتجاوز مجموعة بريكس في منظور أقل تسامحا تجاه الأنظمة الاستبدادية ونحو احترام أكبر لحقوق الإنسان.
داخليا، يذكر المعهد أن البلاد قاومت الأزمة الاقتصادية والمالية لعام 2008 بشكل جيد، وكانت في حالة من الرفاهية النسبية وتعزيز المكانة على المستوى الدولي مع لولا.
لكن روسيف وهي من نفس حزب لولا، اضطرت إلى إدارة وضع أكثر تعقيدا في سياق صعوبات اقتصادية واحتجاجات شعبية أججتها اتهامات بالفساد الحكومي.
وانتهى حكمها في 2016 بعد أن عزلها مجلس الشيوخ وتسلم السلطة مكانها نائبها ميشال تامر.
واستكمل تامر سياسة التقارب مع الولايات المتحدة التي أطلقتها روسيف بهدف التعددية التعاونية والتعايش السلمي مع الدول الأخرى، بهدف إضافي يتمثل في حماية الشراكة الاقتصادية القوية مع الصين.
وفي عهد تامر، سرعت البرازيل من نسق مفاوضات السوق المشتركة الجنوبية، ودفع نحو انضمام البلاد إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
من جانبه، غير الرئيس الحالي بولسونارو بمجرد وصوله إلى السلطة، السياسة الخارجية التقليدية المتعددة الأطراف التي أطلقها لولا، ووجهها نحو التوافق السياسي مع الولايات المتحدة واستبدل إستراتيجية عدم التدخل بنهج أكثر عدوانية.
وعلى سبيل المثال، انحازت البرازيل إلى الولايات المتحدة في السياسات الموالية لإسرائيل، ودعمت صراحة مزاعم الاحتلال ونقل السفارة البرازيلية إلى القدس المحتلة.
في أميركا اللاتينية، قامت بتعليق عضويتها في اتحاد دول أميركا الجنوبية، وشاركت برازيليا في الحظر الذي فرضته الولايات المتحدة على كوبا وفنزويلا، واعترفت في الأخيرة بخوان غوايدو كرئيس شرعي.
وعموما، اتخذت البرازيل موقفا مناهضا للشيوعية وللعولمة وللسياسات البيئية وكذلك الهجرة، والتي امتدت من السياسات المحلية إلى السياسة الخارجية.
سيناريوهات محتملة
ورأى المعهد الإيطالي أنه إذا استمرت المواجهة بين لولا وبولسونارو، فسيكون مستقبل البلاد أمام مسارين محتملين.
الأول هو أن لولا يمكن أن يدفع نحو عودة السياسة الخارجية المستقلة المكونة من التعددية والتعايش السلمي بهدف إقامة علاقات تعاون مع دول أميركا.
بينما الثاني قد يتعلق برغبة الرئيس المنتهية ولايته إبقاء البلاد على مسار ثابت راسخا في محور الغرب، وتنفيذ سياسة خارجية براغماتية تهدف فقط إلى حماية المصالح الداخلية للبرازيل.
فيما يتعلق بروسيا، أظهر لولا مواقف غامضة، بينما اختار بولسونارو موقف الحياد من خلال عدم الانحياز إلى عقوبات الغرب.
علاوة على ذلك، على الرغم من الموقف المؤيد للولايات المتحدة، تظل الصين شريكا إستراتيجيا للبرازيل، لذلك أصبحت البلاد مسرحا للمواجهة الجيوسياسية بين واشنطن وبكين في أميركا اللاتينية.
ويرجح المعهد أنه إذا فاز لولا في الانتخابات، فسيكون قادرا على إعادة الاستقرار الداخلي والدولي إلى بلد شديد الاستقطاب سياسيا.
واستدرك بأنه لا يمكن التكهن بما إذا كان الرئيس السابق هو نفسه الدبلوماسي والحازم خلال فترة حكمه أم أنه سيكون أكثر قومية ومدافعا عن المصالح الداخلية للبلاد.
لا سيما وأنه قد يحكم بلادا قد تكون مختلفة عن تلك التي حكمها في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
وأوضح أن البلاد تتعرض لضغوط على إثر حكم بولسينارو الاستبدادي كما أن الجيش والكنيسة الإنجيلية عادا إلى مركز المشهد السياسي.
وجزم بأن كل هذه العوامل تسهم في خلق شعور بعدم الاستقرار امتد أيضًا إلى الإسقاط الدولي للبرازيل، والتي فقدت مكانتها منذ عهد لولا في أهم المسائل والمكانة الدولية.
وخلص المعهد إلى القول إن مستقبل البرازيل غامض للغاية في ظل العلاقات الروسية البرازيلية ومستقبل الديمقراطية وكذلك الصراع بين الصين والولايات المتحدة.