صحيفة فرنسية: قوى غربية وراء إعلان تبون استعداده لمساعدة تونس

في وقت يؤكد الرئيس التونسي قيس سعيد إجراء الاستفتاء على الدستور، فإن نظيره الجزائري عبدالمجيد تبون ينقل قلق المجتمع الدولي في مواجهة الإغلاق السياسي الذي تفرضه قرطاج.
تقول صحيفة "جون أفريك" الفرنسية، في مقال مفاده أن تونس كانت حاضرة بالفعل في الزيارة التي أجراها الرئيس الجزائري إلى إيطاليا في 26 مايو/أيار 2022.
وعقب اجتماع مع نظيره الإيطالي سيرجيو ماتاريلا، صرح تبون في مؤتمر صحفي: "مستعدون لمساعدة تونس للخروج من الوضع الصعب الذي غرقت به والعودة إلى المسار الديمقراطي، كما فعلنا في ليبيا المجاورة".
وضع مقلق
كان هذا التصريح كافيا ليجعل من بعض التونسيين يثورون على ما يعدونه تدخلا في الشؤون الداخلية البلاد. لكنه تأكيد ضمني من قبل الجزائر على أن الوضع في تونس يقلق المجتمع الدولي.
لم يعبر تبون عما يلوح في تفكيره فيما يتعلق بتونس عن طريق الصدفة، لا سيما من منبر في عاصمة أوروبية.
إنها طريقة للقول إن قوى معينة، ربما أوروبا والولايات المتحدة، تتفق على الرغبة في إطلاق صافرة نهاية اللعبة التي بدأها قيس سعيد، باستيلائه على السلطة في 25 يوليو/تموز 2021، كما يشير أحد الدبلوماسيين لصحيفة جون أفريك.
وفي ذلك اليوم، أقال سعيد رئيس الحكومة هشام المشيشي وجمد عمل البرلمان الذي حله في وقت لاحق، واستولى على جميع السلطات التنفيذية.
في اليوم السابق لزيارة تبون إلى إيطاليا، دعا سعيد المواطنين رسميا للمشاركة في الاستفتاء المقرر في 25 يوليو 2022.
وأصدر سعيد، في الوقت نفسه، مرسوما آخر حدد فيه بالاسم الشخصيات التي يجب أن تكون أعضاء في مختلف اللجان التابعة للجنة الاستشارية المسؤولة عن صياغة المقترحات حول مشروع الدستور.
وهي طريقة لإجبار قادة المنظمات أو المؤسسات الوطنية على المشاركة فيما يراه الكثيرون مجرد استفتاء زائف.
تلك المنظمات رفضت الدعوة في البداية بحجة أن المرسوم الذي أصدره سعيد في علاقة بتنظيم الاستفتاء، لا يشملهم.
قالت الأحزاب الرئيسة إنها ستقاطع التغييرات السياسية أحادية الجانب وتعهدت بتصعيد الاحتجاجات ضدها.
فيما رفض الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يتمتع بتأثير قوي، المشاركة في حوار محدود وشكلي اقترحه الرئيس فيما يعيد كتابة الدستور.
وقال اتحاد الشغل أيضا إنه سينظم إضرابا وطنيا في الشركات العمومية والوظائف العامة احتجاجا على الوضع الاقتصادي السيئ وتجميد الأجور.
ومع تصاعد الرفض لقرارات قيس سعيد الأخيرة بخصوص "الجمهورية الجديدة"، فقد دعا عدد من الموالين له إلى توسيع الحوار ليضم أحزابا "غير منخرطة بمنظومة الفساد والإرهاب"، وتأجيل الاستفتاء.
وقال منسق "ائتلاف صمود" حسام الحامي، إن الائتلاف شرع في صياغة مقترح المرسوم التكميلي للمرسوم 30، المتعلق بإحداث الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة، وذلك إثر تلقيه موافقة مبدئية من رئيس الهيئة العميد الصادق بلعيد بخصوص المبادرة التي تقدم بها في هذا الغرض.
سعيد العازم على إقامة "جمهورية جديدة" لم ينفك في كل ظهور إعلامي له ليصر على توجيه خطابه نُصب معارضيه بالقول إنه الحاكم الفعلي للبلاد وأن مرسوم الاستفتاء الخاص به لم يتجاوز ما جاء به القانون الأساسي المتعلق بالانتخابات.
علق مؤيد سابق لسعيد بالقول إن الأخير: "سيفعل ما يشاء وسيواصل التفاعل فقط مع الهيئات الاستشارية التي عينها".
مبادرة الاستفتاء
نظريا يبدو أن مبادرة الاستفتاء التي جاء بها سعيد مدروسة ومحكمة التنظيم لكن الوضع على أرض الواقع ليس كذلك.
وأردف أنها "مبادرة تستثني الأحزاب وقطاعات المجتمع المدني الذي دعا إلى وجوب أن يكون هناك حوار وطني شامل".
وهذا ما يزعمه قيس سعيد، الذي يسعى بإصرار إلى تحقيق أهدافه، حتى مع القطع مع الكل والعمل بمفرده، في حين أن الضعف الاجتماعي والاقتصادي لتونس يجب أن يقع التعامل معه بطريقة تشاركية بدلا من الاستبعاد.
يقول أحد ناشطي مجموعة "مواطنون ضد الانقلاب" إنه "لم يطلب أي أحد دستورا جديدا ولكن يجب تحديد أولويات القضايا الاقتصادية".
تؤكد القراءات المقتطعة أو تطبيقات الدستور الحالي على استعداد قيس سعيد للاستيلاء على السلطة خارج أي إطار ديمقراطي.
وهي قراءات أولية تثبت مدى خوف القوى الدولية التي أعربت عن قلقها وتحفظاتها مرارا وتكرارا.
تلك القوى استثمرت بكثافة، في سبيل التجربة الديمقراطية التونسية، وهي مثال ناجح نسبيا للربيع العربي.
منذ الانتقال القسري للسلطة في 25 يوليو 2021، وهو ما يصفه البعض بالانقلاب، تناوبت الوفود الدبلوماسية على تونس، لكن رجل قرطاج يعتقد أنه أسيء فهمه ويرفض أي دعم لا يتماشى ومشروعه السياسي.
في هذه الأثناء، تغرق تونس أكثر قليلا كل يوم في الصعوبات الاقتصادية وفي عجز هائل في المالية العامة.
أما بالنسبة للسلطات الجزائرية، فقد حاولت الاستفادة من التقارب والتاريخ المشترك بينها وبين تونس لتقديم نفسها كمحاور متميز لقيس سعيد "المغرم بمصر في زمن رئيس النظام عبد الفتاح السيسي والمهتم جدا بتجربتها".
ورغم التقارب التونسي المصري أظهر تبون تفاهما مع قرطاج، حيث أمر بتوجيه مساعدات طارئة بقيمة 300 مليون دولار في ديسمبر/كانون الأول 2021.
لكن رغم ذلك تونس اليوم على الحافة وقد باتت رهينة مساعدات صندوق النقد الدولي باستمرار.
في هذا السياق، أثارت الأزمة الأوكرانية وتوجه أوروبا للغاز الجزائري الذي يجرى نقله عبر الأراضي التونسية، الآمال بالنسبة لتونس بجمع بعض الإعانات أو على الأقل تبرعا عينيا واحدا.
في المقابل رفضت الجزائر ذلك، حيث وجب على تونس الاكتفاء بعقد الغاز الحالي معها. بالنسبة للبعض، كل شيء يبدو وكأنه قد حدث بالفعل أو كأن التاريخ يعيد نفسه في تونس.
يربط المراقبون بين الوضع الحالي في عهد قيس سعيد وإقالة رئيس النظام الأسبق الحبيب بورقيبة عام 1987، خاصة حينما يتعلق الأمر بالرغبة في مراجعة الاتفاقيات الخاصة بخط الأنابيب الجزائري لتجديد خزائن الدولة التونسية.وتخلص إلى القول: "كان الوضع التونسي محل قلق شديد خلال الزيارة التي جمعت الجزائر وروما".