دعما لقيس سعيد.. كيف انقلب عميد المحامين في تونس على حقوق الإنسان؟

زياد المزغني | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

فاجأ الرئيس التونسي قيس سعيد الجميع بتعيين عميد الهيئة الوطنية للمحامين إبراهيم بودربالة على رأس اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية.

وهذه اللجنة مكلفة من قبل سعيد بتقديم رؤيتها حول الإصلاحات الاقتصادية اللازمة التي سيجري تضمينها في الدستور الجديد المزمع  عرضه على استفتاء شعبي في 25 يوليو/تموز 2022.

وأثار تعيين نقيب المحامين موجة سخرية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة بعد تصريحات وصفت بالغريبة من قبل عميد المحامين برر فيها أسباب تعيينه. 

في المقابل عد جزء كبير من معارضي الرئيس أن هذا التعيين يأتي بحكم الضرورة بعد مقاطعة المنظمات الكبرى للجان الحوار المكلفة بإعداد الدستور.

وعدوا أن اختيار عميد المحامين كان مكافأة على مواقفه الداعمة بشدة للانقلاب. كما عبر المحامون من مختلف الانتماءات والتوجهات عن رفضهم للزج بالمحاماة في المشروع السياسي لقيس سعيد.

رفض واسع 

ووقع العشرات من المحامين التونسيين على بيان صادر في  24 مايو/أيار 2022، عبروا فيه عن رفضهم القطعي لـ"توريط عميد المحامين إبراهيم بودربالة للمحاماة التونسية في المشروع التسلطي لرئيس الدولة".

وعد البيان أن "تمييزه بتعيينه رئيسا لإحدى لجان الجمهورية الجديدة دون بقية رؤساء المنظمات الوطنية، ليس إلا مكافأة ومقابلا مهينا على انخراط العميد في التبرير لكل خيارات وانتهاكات الرئيس التونسي قيس سعيد طيلة الأشهر الماضية"، حسب تقديره.

ومن بين الموقعين على البيان الناشط الحقوقي العياشي الهمامي، والأمين العام للتيار الديمقراطي غازي الشواشي والقيادي السابق في حركة النهضة الإسلامية سمير ديلو.

وأكد الموقعون في بيان أن "عميد المحامين بصدد توظيف المحاماة لحساب السلطة الحالية وإعداد مشهد إخراجي مبتذل لحوار شكلي ضمن تنفيذ مخططها لاستهداف المكتسبات الديمقراطية".

وذكروا أن ذلك يمثل مخالفة حتى لبيان مجلس الهيئة في 12 مايو الذي أكد عدم قبوله "أي حوار شكلي ومخرجات مسبقة" والرافض تهميش القوى السياسية والمنظمات الوطنية. 

كما نددت مجموعة "محامون لحماية الحقوق والحريات"، خلال بيان أصدرته في 25 مايو، بقبول عميد المحامين إبراهيم بودربالة رئاسة الهيئة الاستشارية الاقتصادية، وعدت هذا القرار "فرديا، لا يمثل إرادة المحامين ولا ينسجم مع تاريخ المحاماة وقيمها ومبادئها".

وتتالت المواقف الرافضة للمشاركة في "الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة".

وأعلن عمداء وعميدات كليات الحقوق والعلوم القانونية والسياسية بتونس، في 24 مايو، اعتذارهم عن التكليف بعضوية اللجنة الاستشارية القانونية ولجنة الحوار.

كما أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل رفضه المشاركة في الهيئة بشكلها الحالي ووفق المرسوم الذي قرره قيس سعيد.

وأكد المحامي مالك بن عمر عضو مجموعة "محامون لحماية الحقوق والحريات" أن دوافع تعيين إبراهيم بودربالة من المؤكد أنها ليست بسبب درايته بالاقتصاد أو خبرته.

ولكن أسباب هذا التعيين هي الموالاة والتأييد المطلق لقيس سعيد وقرارات الانقلاب وانخراطه منذ 25 يوليو 2021 في مسار الانقلاب.

وبين في مقابلة إذاعية أن بودربالة، تحول إلى ناطق رسمي باسم رئاسة الجمهورية وبات يبرر كل قرارات سعيد الخاطئة.

وأضاف ابن عمر "جرى ملاحقة محامين واعتقالهم ومحاكمة العميد السابق عبد الرزاق الكيلاني أمام القضاء العسكري ولم تتحرك لبودربالة شعرة واحدة، بل أبدى مواقف مؤيدة لمثل هذه الإجراءات".

وأكد بالقول "نحن اليوم على أبواب انتخابات في قطاع المحاماة، ومعها تزداد التجاذبات بين مختلف الأطراف السياسية من يساريين وقوميين ودستوريين وإسلاميين".

كما أن المحامين منقسمون بين مؤيد ورافض لإجراءات 25 يوليو 2021، إلا أن جل من التقيت بهم يستغربون أن يقبل عميد المحامين لعب دور ديكور في حوار صوري.

وأضاف ابن عمر "ليس لدينا أي مشكلة في أن يتبنى العميد موقفا سياسيا، فهذا من حقه مثله مثل بقية المحامين على اختلاف توجهاتهم".

ولكن الأمر غير المقبول هو جر قطاع المحاماة ككل، فتعيين عميد المحامين كان بصفته على رأس الهيئة "وهو ما دعانا في محامون لحماية الحقوق والحريات وكذلك الموقعين على العريضة إلى رفض ذلك".

وشدد على أن المدة النيابية للعميد الحالي شارفت على الانتهاء، والمؤتمر القادم للمحامين سيكون في 3 يوليو 2022، إلا أن العميد يسعى لتأجيله.

في خدمة الانقلاب 

لم يتأخر عميد المحامين التونسيين بالحديث عن المبررات التي دفعت قيس سعيد لتعيينه على رأس اللجنة المختصة بالشؤون الاقتصادية والاجتماعية.

وعد في مداخلة هاتفية على إذاعة"موزاييك" في 20 مايو 2022، أنه يتميز بتجربة اقتصادية كافية تمكنه من ترؤس اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، كونه  "يحكم التصرف في نفقاته الخاصة".

وقال في رده على سؤال أحد الصحفيين "أنا أعرف مصروفي، وأعرف كيف أنفقه وأدخره.. وأعرف كيف أقيم توازناتي الاقتصادية، لذلك أعد نفسي صاحب تجربة اقتصادية".

وتحول هذا التصريح إلى مادة سخرية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل التونسيين.

وأطلق ناشطون لقب "الخبير الاقتصادي" على بودربالة، فيما رأى آخرون أن لا أمل ينتظر لحل الأزمات التي تعيشها البلاد اقتصاديا واجتماعيا.

وعد القيادي في حزب التيار الديمقراطي هشام العجبوني أن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وعمادة المحامين يعدان من المجتمع المدني ويصنفان ضمن الأطراف التي تكون ضد السلطة.

وقال: "لم أر قط منظمات وعميدا يصطفون وراء رئيس الجمهورية بهذه الطريقة”.

وأشار هشام العجبوني إلى أن تعيين بودربالة على رأس اللجنة الاقتصادية خير دليل على عدم جدية الحوار المزمع تنفيذه.

وفي 12 فبراير/شباط 2022، ساند عميد المحامين الحالي إبراهيم بودربالة قرار قيس سعيد حل المجلس الأعلى للقضاء المنتخب وتعويضه بمجلس آخر معين من قبله، وهو ما قوبل برفض حقوقي وسياسي واسع.

وطالب حينها بودربالة أن يكون المحامون ممثلون في شخص عميدهم ضمن التركيبة الجديدة للمجلس الأعلى للقضاء المعين من قبل قيس سعيد وهو ما لم يحصل بالفعل. 

وطالت انتقادات بودربالة والهيئة الوطنية للمحامين لعدم إبدائه موقفا من محاكمة العميد السابق عبد الرزاق الكيلاني أمام القضاء العسكري وإصدار بطاقة إيداع بالسجن ضده.

وبعد اختطاف السلطات للقيادي في حركة النهضة والنائب نور الدين البحيري، زار العميد بودربالة الأول في مكان إقامته الجبرية، وصرح في 3 يناير/كانون الثاني 2022، أنه تتوفر بمكان إقامته ظروف إقامة عادية.

وأوضح عميد المحامين، خلال حضوره في قناة التاسعة، أن البحيري وجد تحت حراسة رجال أمن بالزي الرسمي، مبينا أنه تحدث معه على انفراد لنصف ساعة وفي ظروف عادية.

وفي 25 يوليو 2021، أقال سعيد الحكومة وتحكم بجميع السلطات وجمد عمل البرلمان الذي حله في وقت لاحق ضمن "إجراءات استثنائية" وصفتها المعارضة بأنها "انقلاب على الدستور"، بينما تؤيدها قوى أخرى ترى فيها "تصحيحا لمسار ثورة 2011" التي أطاحت برئيس النظام الأسبق زين العابدين بن علي.

وقال سعيد، الذي بدأ في 2019 فترة رئاسية تستمر 5 سنوات، إن إجراءاته هي "تدابير في إطار الدستور لحماية الدولة من خطر داهم"، وشدد على عدم المساس بالحريات والحقوق، وفق زعمه.