باحث مغربي لـ"الاستقلال": نطالب الرباط بالرجوع عن خطوة التطبيع المتهورة

12

طباعة

مشاركة

طالب الناشط المغربي محمد الرياحي الإدريسي الرباط بالرجوع عن خطوة التطبيع المتهورة مع إسرائيل، وأن تتعلم من التجارب السابقة لدول عربية في موضوع التطبيع والتنسيق الأمني دون أن تجني أية منفعة.

وأكد الإدريسي، وهو عضو "الجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع"، في حوار مع "الاستقلال"، أن التطبيع جزء رئيس من مخطط تصفية القضية الفلسطينية وإعادة ترسيم الشرق الأوسط وسائر المنطقة بما يخدم مصالح القوى المستكبرة النافذة دوليا والأنظمة العربية المتسلطة محليا وإقليميا.

وأوضح أن السلطات المغربية تعاملت منذ انطلاق فعاليات الجبهة ضد التطبيع بنوع من العنف في حق المحتجين وصل إلى حد الاعتقال ونزع الأعلام الفلسطينية وعسكرة محيط التظاهرات.

ولفت الباحث المغربي إلى أن الفعاليات الرافضة للتطبيع أغضبت اللوبي الصهيوني ببلاده وهددت السياسة التي تحاول إيهام البسطاء أن التطبيع صار أمرا واقعا، وأن الشعب يقبل به ويتعايش معه، وأن الأمر حسم لصالح المشروع الصهيوني.

وأُسست الجبهة في مطلع مارس/ آذار 2021 من قبل عدد من الجمعيات والنقابات والأحزاب والهيئات المهنية، وتسعى للتعريف بالقضية الفلسطينية، عبر تنظيم ملتقيات وندوات وأشكال احتجاجية، فضلا عن تعريفها بمخاطر التطبيع مع الكيان الإسرائيلي.

والمغرب ضمن أربع دول عربية هي الإمارات والبحرين والسودان، طبعت علاقاتها مع إسرائيل في العام 2020، برعاية أميركية.

والإدريسي كاتب وباحث متخصص في مقارنة الأديان، وناشط بالعديد من المؤتمرات الدولية.

واقع مرير

كيف ترى واقع التطبيع مع الكيان الصهيوني في المغرب؟

للأسف الشديد لم نكن نتوقع هذا التسونامي التطبيعي الرسمي مع الكيان المجرم صاحب التاريخ الدموي والسجل الأسود، علما أن التطبيع مع الاحتلال لا يجلب إلا الخراب.

ولم يكن يخطر على بال أي مغربي أن يُفتح باب التطبيع على مصراعيه للصهاينة المجرمين، وينطلق ليشمل كل المجالات دون استثناء، عسكريا واقتصاديا ورياضيا وثقافيا وتربويا وتعليميا وسياسيا.

وهنا نشير إلى أن التطبيع جزء رئيس من مخطط تصفية القضية الفلسطينية وإعادة ترسيم الشرق الأوسط وسائر المنطقة بما يخدم مصالح القوى المستكبرة النافذة دوليا، والأنظمة العربية المتسلطة محليا وإقليميا.

ما جهود المنظمات المناهضة للتطبيع في المغرب؟

منذ توقيع اتفاقية التطبيع المشؤومة، أعلنت العديد من الهيئات رفضها القاطع لكل تنسيق مع الكيان الصهيوني، وتتابعت البيانات الرافضة والمنددة بالخطوة.

لتتوج هذه الجهود بالإعلان عن تأسيس الجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع، التي تضم أكثر من 15 هيئة مغربية، انخرطت جميعها في برنامج يهدف بالأساس إلى إسقاط التطبيع.

وعملت الجبهة منذ تأسيسها على تنظيم 5 أيام وطنية احتجاجية في مجموع المدن المغربية، حيث فاقت التظاهرات في مجموعها الـ100.

بالإضافة إلى تنظيم العديد من الندوات والمهرجانات التوعوية حول مخاطر التطبيع، وتوجيه مراسلات الاحتجاج إلى عدد من المنظمات، وتنظيم 6 حملات إعلامية في منصات التواصل الاجتماعي موضوعها التطبيع.

وتنظيم محاكمة رمزية للكيان الصهيوني والدولة المغربية بحضور عدد من السادة النقباء والمحامين والفاعلين المجتمعيين، وارتباطا بزيارات بعض ممثلي الكيان الصهيوني لبعض المعالم المغربية نظمت الجبهة زيارات للأماكن التي تمت زيارتها لتنظيفها من دنس الصهاينة.

وكيف تعاملت السلطات مع هذه الجهود؟

وتعاملت السلطات المغربية منذ بداية احتجاجات الجبهة بنوع من العنف في حق المحتجين وصل إلى حد الاعتقال ونزع الأعلام الفلسطينية وعسكرة محيط التظاهرات، كما حدث في مدن الرباط والدار البيضاء وطنجة وفاس.

والأغرب من هذا كله حين قامت الدولة بمنع ملتقى القدس الخامس الذي كان سينظم تحت شعار "من أجل الوطن وفلسطين.. جميعا ضد التطبيع"، وذلك بمنح عطلة للطلبة طيلة أيام النشاط وإغلاق الكلية.

فضلا عن الاعتداء على الطلبة في أول أيام النشاط واعتقال أكثر من 24 طالبا في حين سمحت لبعض الصهاينة بتنظيم أنشطة داخل بعض الكليات المغربية.

وهناك مضايقات عديدة للرافضين للتطبيع، ابتداء من قرارات المنع التي تنال الأنشطة، ومرورا بالقمع وتعنيف المشاركين، وانتهاء باعتقال بعضهم؛ كما حدث في التظاهرة المنظمة بمدينة الدار البيضاء للتنديد بمشاركة فرقة صهيونية في إحدى الفعاليات الثقافية.

هذه المضايقات ناتجة عن كون الفعاليات الرافضة للتطبيع قد أغضبت اللوبي الصهيوني بالمغرب وهددت السياسة التي تحاول إيهام البسطاء أن التطبيع صار أمرا واقعا، وأن الشعب المغربي يقبل به ويتعايش معه، وأن الأمر حسم في المغرب لصالح المشروع الصهيوني.

ماذا تعني القضية الفلسطينية للشعب المغربي؟

الشعب المغربي يحب فلسطين حتى النخاع، ومواقفه عبر التاريخ دليل على ذلك، كلنا نتذكر المسيرات المليونية الشعبية التضامنية مع فلسطين بمدن الرباط والبيضاء التي كانت تتناقلها الفضائيات العالمية، والتظاهرات الحاشدة التي كان يصل صداها فلسطين.

وكذلك الانتفاضات الشعبية العارمة عندما تنتهك حرمة المسجد الأقصى المبارك أو عندما يتم العدوان على غزة والقدس، علاوة على المنتديات والمهرجانات الفنية والثقافية والمشاركات النوعية في قوافل كسر الحصار عن غزة الصامدة.

وللمغاربة باب بالمسجد الأقصى، ولهم حارة بالقدس اختلطت فيها الدماء المغربية بالفلسطينية عندما هدمت قوات الاحتلال الحارة على سكانها.

مواقف مهمة

كيف تفاعلتم مع جريمة اغتيال الاحتلال الصهيوني الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة؟

نظمت الجبهة بالتنسيق مع نقابة الصحفيين و"مجموعة العمل الوطني من أجل فلسطين" وقفة تضامنية أمام مقر سفارة دولة فلسطين بالرباط؛ تنديدا بجريمة اغتيال مراسلة الجزيرة شهيدة الحقيقة "شيرين أبو عاقلة" برصاص الاحتلال الصهيوني، وقدمنا واجب العزاء لسفير دولة فلسطين بالمغرب.

ما موقف الإسلاميين في المغرب من التطبيع؟

لا شك أن جماعة العدل والإحسان كانت سباقة لرفض الخطوة التطبيعية مع الكيان الصهيوني، من خلال بياناتها الرافضة للتطبيع ومواقف قيادتها والمؤسسات التابعة لها وانخراطها القوي في أنشطة الجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع.

وتجدر الإشارة إلى أن أول نشاط تم تنظيمه بعد التوقيع المشؤوم كان من طرف الجماعة بمدينة فاس عقب صلاة الجمعة حيث تم فيه الاعتداء على المتظاهرين السلميين الرافضين للخطوة لتليها العديد من التظاهرات في عدد من المدن المغربية.

أما موقف حزب العدالة والتنمية الذي كان يقود الحكومة آنذاك فقد كان مفاجئا وصادما عندما وقع رئيس الحكومة سعد الدين العثماني اتفاقية العار مع ممثل الكيان الصهيوني وهو ما أثار جدلا كبيرا داخل الحزب وخارجه، وخلف غضبا شعبيا كبيرا على الحزب.

كيف يتعاطى اليسار المغربي مع حقوق الشعب الفلسطيني والتطبيع مع الصهاينة؟

في المجمل اليسار المغربي كباقي مكونات المجتمع المغربي انخرط بكل قوة في حملة الرفض الشعبي لقرار التطبيع، ويعد من القوى المغربية المدافعة عن حقوق الشعب الفلسطيني والمطالبة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.

كما أنه من الفاعلين المهمين في أنشطة الجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع.

ما موقف الشعب المغربي من التطبيع بالجامعات والنقابات العمالية والأحزاب؟

الشعب المغربي يرفض أي تطبيع مع الكيان الصهيوني، والدليل هو انخراطه الواسع في الأيام الاحتجاجية الوطنية الخمسة التي نُظمت في كل مدن المغرب من طرف الجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع.

بالإضافة إلى الفعاليات الأخرى المنظمة في الجامعات المغربية، والتي كان آخرها "ملتقى القدس الخامس" الذي أشرف على تنظيمه الاتحاد الوطني لطلبة المغرب والهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة وتعرض للمنع.

ناهيك عن الرفض الذي عبرت عنه بعض النقابات العمالية، عموما كل الهيئات المغربية المعروفة بتضامنها مع القضية الفلسطينية عبرت قولا وعملا عن رفضها للخطوة التطبيعية.

كما وحدت القضية الفلسطينية كما هو معروف تاريخيا كل الشرائح والفئات بوصفها قضية جامعة وعادلة.

وقفات وتطلعات

ما خطورة مظاهر التطبيع المختلفة في المغرب؟

مرت سنة صادمة على اتفاقية التطبيع بين المغرب والكيان الصهيوني، حملت معها كثيرا من المفاجآت وكشفت حجم الاختراق السري الصهيوني لمجالات حيوية بالمغرب، وفضحت المطبعين والمتصهينين الذين كان بعضهم بالأمس يتغنى بالقدس وبفلسطين زورا وبهتانا.

إذ لم يعد خافيا على أحد العلاقات السرية للمغرب مع الكيان الصهيوني التي دامت عقودا، ونشرت تفاصيلها في الإعلام العبري والغربي، لكن لم يكن أحد يتوقع أن تكون خطوات التطبيع بهذه الوتيرة المتسارعة وبهذه الجرأة على اقتحام مجالات خطيرة.

وارتفعت وتيرة التطبيع لتشكل موجة عاتية من تسونامي تكاد تغرق البلد، وتعصف بكل أسس ومقومات المجتمع المغربي، إذ تُخرج الاتفاقية المغرب من دائرة تطبيع العلاقات إلى التبعية والتحكم الصهيوني، بل إلى عهد الحماية الصهيونية.

بخصوص الدورة العشرين من بطولة كأس العالم لكرة القدم للمحامين بمدينة مراكش.. ما تفاصيلها ومن المشاركون فيها؟

للأسف الشديد تنظم المغرب تلك المسابقة الرياضية في إطار استمرار التطبيع الرسمي، وتلقينا خبر تنظيم المغرب للنسخة العشرين بين 7 و15 مايو/ أيار 2022، بمشاركة عدة فرق مكونة من محامين من مختلف دول العالم، بينهم 3 فرق قادمة من الكيان الصهيوني.

هذا الحضور بالنسبة للمغاربة استفزاز غير مقبول في ضوء الجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها الصهاينة حتى يومنا هذا، وبالنسبة للفلسطينيين هو طعنة غادرة من الخلف.

وفي هذا الصدد عملت الجبهة على تنظيم قافلة احتجاجية إلى مدينة مراكش تزامنا مع انطلاق المسابقة وتوجيه مراسلات للفرق المغربية المشاركة  من أجل مقاطعة الحدث والانحياز إلى عدالة القضية الفلسطينية، والإنصات لنبض وصوت الشعب المغربي.

كيف يرى المغرب إعلان محامي الجزائر مقاطعة تلك البطولة في إطار رفض التطبيع الرياضي؟

نثمن جميع المواقف التي عبرت عن رفضها المشاركة في هذه البطولة التطبيعية، كما نغتنم الفرصة لنثمن موقف هيئات المحامين المغاربة الرافض للمشاركة في المسابقة ولباقي الهيئات التي أعلنت عن رفضها المشاركة في البطولة.

هذه المواقف المشرفة وغيرها تعكس الرفض الشعبي لهذا الكيان ولكل الخطوات التطبيعية التي تمارسها الأنظمة العربية للتغطية على الجرائم والانتهاكات الوحشية التي يمارسها في حق الشعب الفلسطيني.

كما تبين فشل الجهود التي تبذل هنا وهناك من أجل رسم صورة مغايرة للكيان الفاسد الذي أينما حل إلا وحل معه الخراب والفساد .

ما انعكاس العلاقات المغاربية بالمحيط الإقليمي على قضية التطبيع؟ 

كما يقال "ليس في القنافذ أملس" ما أوصل القضية الفلسطينية لما هي عليه الآن هي الأنظمة العربية الفاسدة التي تتحرك بأمر من قوى الاستكبار العالمي، هذه الأنظمة التي باعت القضية منذ مدة بدراهم معدودة خوفا على مصالحها وكراسيها الزائلة.

وبالتالي لا ننتظر من أنظمتنا العربية أن تقدم شيئا للقضية ما دامت تابعة وخانعة ومنبطحة للإملاءات الخارجية.

وهذه الانظمة للأسف إن لم تكن تطبع مع الاحتلال الصهيوني المجرم في العلن فستطبع في السر، وهنا نؤكد أن تحرير فلسطين وطرد الكيان الصهيوني المجرم، يمر عبر تحرير الأوطان العربية من الأنظمة الحاكمة الفاسدة. 

ما الرسالة التي تريد توجيهها للنظام الحاكم في المغرب بخصوص التطبيع؟

إن حُمى التطبيع تفرض مقاومة شعبية تتضافر فيها جهود كل الأحرار من أجل محاصرة التطبيع في أفق إسقاطه، وهو ما يدفع لتأسيس إطارات وهيئات عاملة لفلسطين من مختلف الحساسيات السياسية والحقوقية، تتزعم الفعاليات الجماهيرية للتضامن مع الشعب الفلسطيني وإدانة التطبيع.

ومازلنا نطالب النظام المغربي بالرجوع عن الخطوة المتهورة، وأن يتعلم من تجارب التطبيع والتنسيق الأمني التي تورطت فيها دول عربية سابقة دون أن تجني أية منفعة؛ بل كانت حصيلتها تطبيع مجاني خاسر بكل المقاييس.

أضف إلى ذلك جلب الأضرار والتهديدات والمخاطر الصحية والبيئية والاقتصادية على اعتبار أن الحركة الصهيونية حركة توسعية عنصرية شيطانية، لم يسلم منها حتى أكبر حلفائها؛ فهذه الحركة أينما حلت حل معها الخراب والفساد والإفساد في الأرض.

وقال الله تعالى في سورة الإسراء: "وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا".

وختاما نؤكد أن أمتنا تمرض ولكنها لا تموت، وأن مبشرات النصر بدأت تفوح في الأفق بالرغم من  الهوّة التي صنعها الحكام بينهم وبين شعوبهم، وتجليات ذلك من خلال  هبة ورفض شعبي لخيانة القضية الفلسطينية.