إيران وقمم مكة.. بيانات ختامية "رنانة" وواقع مختلف

أحمد يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

وعد ووعيد وإدانة لطهران، خرج بها البيان الختامي للقمة الإسلامية التي عقدت في قصر الصفا بمكة المكرمة 30 مايو/ آيار المنصرم، لخصها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز بقوله: "دعم النظام الإيراني للإرهاب وتهديده للأمن والاستقرار في المنطقة بهدف توسيع النفوذ والهيمنة، يستدعي من دول الخليج جميعا العمل من أجل الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة".

الأمر لم يتوقف على استنفار الملك لدول المنطقة، بل دعا المجتمع الدولي كافة إلى استخدام كل الوسائل لمنع إيران من التدخل في شؤون الدول الأخرى، مستندا في حديثه إلى تعرض سفن تجارية قبالة المياه الإقليمية من بينها ناقلات نفط سعودية للتخريب، وكذلك الهجوم على محطات ضخ نفط من قبل طائرات بدون طيار حوثية تدعمها إيران.

قبل انعقاد قمة منظمة التعاون الإسلامي، شهدت مكة أيضا انعقاد قمتين خليجية وعربية، طغت عليهما التعبئة الكاملة ضد إيران.

طهران واجهت الموقف السعودي الإماراتي تحديدا، ببيان لوزارة خارجيتها، أدان بيان القمتين الخليجية والعربية، قالت فيه: "إنه لا يمثل الرؤى الحقيقية لجميع الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي".

وأضاف المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية عباس موسوي "أن السعودية استغلت شهر رمضان ومكة المكرمة وتوظفهما كأداة سياسية ضد إيران"، مؤكدا أن الإجراءات السعودية "تتماشى مع الجهود العقيمة التي بذلتها الولايات المتحدة والنظام الصهيوني ضد إيران".

طرفا المعادلة

ثمة مسلك لاستقراء مفهوم الغضب السعودي بتلمس التعبيرات الانفعالية للملك سلمان، وهو يتلو خطابه، ولطريقة الحشد التي أقامتها الرياض على وجه الخصوص في تلك القمة الثلاثية (خليجية - عربية - إسلامية)، وكل طرف من أطراف المعادلة القائمة له معطياته الجيوسياسية، والاقتصادية، والأمنية الأوسع، التي تتجاوز مفردات تعبيرات السخط، إلى حراك إستراتيجي ميداني، بما يمتلك من أدوات.

لا شك أن إيران هي العدو الأكبر والأخطر داخل أجندة السياسة السعودية تحديدا، والإمارات مؤخرا، رغم وجود علاقات اقتصادية واسعة بين البلدين، لكن طهران لا تمثل ذلك الخطر الداهم بالنسبة لأنظمة عربية وإسلامية بل وخليجية أخرى، وإن أبدوا تحفظا عليها حفظا لماء الوجه أمام الرياض لثقلها الإقليمي.

ظهر ذلك جليا في موقف الرئيس العراقي برهم صالح، حينما قال في كلمته أمام القمة العربية الطارئة: "إيران دولة جارة ويجب الحفاظ على أمنها"، مشيرا إلى أن العراق سيبذل قصارى جهده لفتح باب الحوار البنّاء ونبذ العنف.

من جانبه قال أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح: "إننا نشعر بخوف وقلق بالغ إزاء التصعيد الذي تشهده المنطقة حاليا". وأعلن عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني: "القمة العربية الحالية تأتي والدول العربية في أمس الحاجة إلى توحيد المواقف، مجددا موقف بلاده الرافض لأي تدخل في شؤون الدول العربية".

وأكد "أن ترسيخ الاستقرار في المنطقة لا يمكن تحقيقه دون حل دائم وعادل للقضية الفلسطينية"، وتعتبر القضية الفلسطينية، والعلاقات العربية الإسرائيلية، على رأس الأجندة السياسية للمملكة الأردنية الهاشمية، بمعزل عن الخلافات السعودية الإيرانية.

نسيج وحده

رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي أكد "أن الهجمات التي تعرضت لها السعودية والإمارات هجمات إرهابية تستدعي الإدانة الدولية، وتمثل مناسبة لتجديد النقاش عن فعالية العمل العربي المشترك".

واعتبر السيسي "أن الدول العربية لا يمكن أن تتسامح مع أي طرف إقليمي يهدد أمنها، و لا يمكن أن تقبل بوجود قوات احتلال أجنبية على أراضي دولتين عربيتين".

ورغم كلمات السيسي المتكررة بأن أمن مصر من أمن الخليج، لكن جاءت الأفعال مختلفة عند النوازل الكبرى، وبدا واضحا ما كان في حرب اليمن، عندما شنت الرياض عاصفة الحزم، ضد جماعة الحوثي، وتحفظ رئيس النظام المصري على المشاركة بقوة، أو إرسال جنود إلى هناك.

وفي 1 أبريل/ نيسان 2015، خلال الندوة التثقيفية السادسة عشر للقوات المسلحة المصرية، قال السيسي: "محدش (لا أحد) يبني مصالحه على حساب مصالح الآخرين، ولكن أؤكد أن الجيش لمصر مش (ليس) لحد (لأحد) تانى (آخر)"، وهي الرسالة التي اعتبرت موجهة إلى الخليج، وقادة عمليات عاصفة الحزم.

وفي أبريل/نيسان 2019 نشرت وكالة "رويترز" للأنباء تقريرها الحصري "حول إبلاغ مصر الإدارة الأمريكية بانسحابها من التحالف الأمني المزمع تشكيله في مواجهة إيران، والمعروف إعلاميا باسم الناتو العربي".

وجاء رد الفعل الإيراني، عبر "وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية" التي نشرت ترحيب وزارة الخارجية الإيرانية بالقرار المصري، وفي 11 أبريل/نيسان 2019، صرح بهرام قاسمي المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية وقتها للوكالة، بأن  مصر دولة قوية ومهمة في كلا العالمين العربي والإسلامي، وأن بإمكانها أن تلعب دورا رئيسيا في إقرار السلام والاستقرار والأمن في منطقة غرب آسيا".

لعل العلاقات المصرية الإيرانية، والخلافات مع الرياض في بعض الملفات، أدى إلى انعكاس ذلك على العلاقات المصرية السعودية في مرحلة من المراحل، ففي نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، أبلغت السعودية مصر بوقف شحنات منتجات النفط المقدمة إليها عبر شركة أرامكو النفطية، بحسب اتفاق قدرت قيمته بـ 23 مليار دولار، إلى أجل غير مسمى، قبل أن تستأنف المملكة عملية الإمداد مرة أخرى في مارس/ آذار 2017.

الثمن الأكبر

إشعال المنطقة، ودخولها في حالة صدام وصراع، حذرت منه الدكتور فاطمة الصمادي الباحثة في مركز الجزيرة للدراسات، والمتخصصة في الشأن الإيراني، حين قالت في 16 مايو/ آيار 2019: "إن منطقة الشرق الأوسط تتبع نظرية الأواني المستطرقة وما يحدث في إيران سيكون له صدى على السعودية والإمارات وكل دول الخليج ولن تبقى دولة بالخليج بعيدة عن تبعات المواجهة، بل ستدفع الثمن الأكبر ولن يبقى أحد بعيدا عن ويلات أية مواجهة ستحدث".

وأكدت الصمادي "دول الخليج خاسرة على كل الأصعدة ومن الغريب أن تدفع دول ريعية، اقتصادها قائم على النفط، إلى خلق مواجهة في منطقة الخليج، التي يمر منها 40%من طاقة العالم".

وسبق أن لوّحت إيران بأن الخليج لن يكون بمعزل عن أي حرب تٌشن ضد طهران، وهو ما يهدد الأمن السعودي بشكل مباشر، سواء باستخدام خلايا نائمة أو عن طريق الحوثيين في اليمن، أو من خلال تعطيل الملاحة في الخليج.

رئيس الحكومة العراقية عادل عبد المهدي، ذكر ذلك عندما حذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال زيارته باريس، من أن إيران يكفيها أن تلجأ لإغراق ثلاث سفن في مضيق هرمز، ليكون ذلك كافيا لتعطيل الملاحة عبر المضيق ورفع سعر النفط إلى ما يزيد عن 120 دولارا للبرميل.

صراع الأدوات

أغلب معطيات التجاذبات السعودية الإيرانية ليست أحادية البعد، أو عيانية ظاهرة، بل طرائقها سردابية، تأخذ الكثير من المنحنيات، ولكل منهما أدواته الخاصة في المنطقة، وتمتد تأثيراته بخلاف الأنظمة إلى تيارات شعبوية وجماعات ضغط مؤثرة.

عضّد هذا تحذير الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، في 1 يونيو/ حزيران الجاري، غداة اجتماعات القمة الإسلامية في السعودية، من "أن أي حرب ضد طهران لن تبقى عند حدود إيران"، ودعا إلى مواجهة خطة السلام الأمريكية المعروفة إعلاميا باسم "صفقة القرن".

واعتبر نصر الله القمم الثلاث بمثابة "نداء استغاثة من السعودية "نتيجة العجز والفشل وسقوط الرهانات".

وانتقد الأمين العام لحزب الله اللبناني بيان القمة الخليجية الذي تحدث عن التضامن الخليجي، وأبدى استغرابه من التحدث عن وحدة صف دول مجلس التعاون في الوقت الذي تُحاصر فيه دولة قطر وشعبها منذ قرابة عامين.

وعلق الناطق باسم جماعة الحوثي محمد عبد السلام على بيان القمة العربية الطارئة، قائلا: "اليمن لن يفت عضده البيانات الهزيلة"،وأكد "أن السعودية لن ينفعها ما تحدثه من ضجيج، هي في غنى عنه لو سلكت طريق الحوار واحترمت الجوار، لا أن تطالب الآخرين بصون أمنها وهي تشن عليهم الحروب وتهددهم".

استقدمت السعودية زعماء العالم الإسلامي لتبكي إليهم ورطة وقعت فيها بحماقتها فلم يذرفوا لها دمعا، وكانت كلمات العديد منهم مثقلة بمشاكل بلدانهم.

جاءت تصريحات الأمين العام لحزب الله اللبناني، وموقف جماعة الحوثي التي تخوض حربا ضروسا ضد المملكة، كجزء أصيل من أدوات الصراع التي تمتلكها إيران في المنطقة، فضلا عن المعارضة الشيعية النشطة في البحرين، والطائفة الشيعية الخاملة أو المقهورة في القطيف بالسعودية.

في الوقت الذي لعبت فيه الرياض دورا سلبيا داخل الطيف الأيديولوجي السني، من خلال دفع السعودية، إلى جانب الإمارات، جماعة "الإخوان المسلمين" خارج النقاش، ومحاربتهم، وإسقاط تجاربهم في الحكم عقب ثورات الربيع العربي.

حدث ذلك في صناعة ودعم الانقلاب العسكري على حكم الإخوان في مصر يوم 3 يوليو/ تموز 2013، بل الأدهى والأمر أن إشكالية اليمن الكبرى بدأت بعد أن حاولت الرياض وأبوظبي، إضعاف وهزيمة التجمع اليمني للإصلاح "ممثل الإخوان المسلمين في اليمن" وتقديم دعم جزئي لجماعة الحوثي.

ما لبث أن انقلب السحر على الساحر، وابتلع الحوثيون اليمن، بعد أن فضل الإخوان هناك عدم الدخول في صراع أو اقتتال أهلي قد يقضي على الجميع، وهو الأمر الذي انفجر في وجه الرياض، بعد اكتشافها تقديم منحة لإيران بتسهيل استحواذ حلفائها الحوثيين على البلاد.

المملكة تبدو أقل تسامحا فيما يتعلق بالاختلافات الجذرية مع مواقفها السياسية، وتبتعد بمسافات كبيرة عن تحقيق التوازنات، سواء فيما يتعلق بالملف الإيراني المضطرب، أو تماسك البيت الخليجي وعبور الخلافات مع دولة قطر، أو بإفساح مساحات لتيارات الإسلام السياسي الشعبوي القادرة على الحشد مثل جماعة الإخوان المسلمين.

فالدولة الخليجية الأقوى عسكريا، والأكبر مساحة والتي تتمتع بقاعدة سكانية من المواطنين تتجاوز 28 مليون مواطن، تخوض مواجهات على جميع الجبهات، منذ تولي الملك سلمان، وإمساك ولي عهده محمد بن سلمان بزمام الأمور.

وفي نهاية المطاف ربما تجد الرياض نفسها مجبرة على تخفيف حدة صراعاتها، تحت وطأة الإخفاقات الثقيلة التي تمنى بها على جميع الأصعدة.