لإنهاء الجمود السياسي.. ما إمكانية حل البرلمان وإعادة الانتخابات في العراق؟

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

في ظل استمرار الانسداد السياسي والدخول في حالة فراغ دستوري بالعراق، أعادت بعض القوى السياسية طرح خيار إلغاء نتائج الانتخابات التي جرت في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2022 وحل البرلمان، وإجراء انتخابات جديدة لإنهاء الأزمة الحالية.

ودخل العراق في 6 أبريل/ نيسان 2022، بفراغ دستوري كبير بعد إخفاق الكتل السياسية في انتخاب رئيس جديد للجمهورية من مهامه تكليف رئيس للحكومة، وسط خلافات مستمرة بين تحالف "إنقاذ وطن" بقيادة مقتدى الصدر، و"الإطار التنسيقي" بزعامة نوري المالكي.

ويرغب تحالف "إنقاذ وطن" المكون من تيار الصدر وتحالف السيادة السني، والحزب الديمقراطي الكردستاني بتشكيل حكومة أغلبية من القوى الثلاثة، فيما يرفض "الإطار التنسيقي" وحلفاؤه (الاتحاد الوطني الكردستاني، تحالف عزم) ذلك، ويسعى إلى تشكيل حكومة توافقية.

إعادة الانتخابات

دعا تحالف "السيادة" حليف التيار الصدري، والحزب الديمقراطي الكردستاني، إلى إعادة الانتخابات.

إذ قال القيادي بالتحالف مشعان الجبوري، إن "خيار حل البرلمان قائم في ظل الانسداد السياسي الحاصل في البلاد وعدم تشكيل الحكومة الاتحادية رغم مضي أشهر عديدة على إجراء الانتخابات التشريعية المبكرة".

وأضاف الجبوري خلال تغريدة على "تويتر" في 9 أبريل 2022: "ندرك الأعباء الكبيرة التي ستترتب على مفوضية الانتخابات وعموم الدولة لو صوت البرلمان على حل نفسه والدعوة لانتخابات جديدة".

وأشار إلى أن "حديثنا عنها ليس مناورة أو من فراغ، لكنها الخيار الذي لا بد منه إذا استمر الانسداد السياسي"، متسائلا: "ما نريد معرفته قبل الشروع بحل البرلمان هو رأي الشارع في مثل هذه الخطوة".

وعلى الوتيرة ذاتها، قال تحالف "عزم" (السني) على لسان النائب فيه محمود القيسي خلال تغريدة على "تويتر" في 9 أبريل 2022، إنهم يتعاملون جديا مع أطروحة إعادة الانتخابات.

وقال القيسي إن "الاحتقان السياسي وصل إلى مديات حرجة، ينبغي معها العودة للجمهور لحسم الأوزان السياسية للمرشحين، بعد أن أدرك المواطن ولأول مرة بأن صوته الانتخابي هو من يحسم فوز المرشحين في البرلمان". وختم بالقول: "مقعد نيابي لا يخدم ناخبيه لا قيمة له أبدا".

وكان مجلس القضاء الأعلى أبدى رأيه في قضية حل البرلمان في فبراير/شباط 2022، وذكر في بيان رسمي أن معالجة الإشكاليات السياسية تجري وفق الأحكام الدستورية فقط ولا يجوز لأي جهة سواء كانت قضائية أو غيرها أن تفرض "حلا لحالة الانسداد السياسي إلا وفق أحكام الدستور".

وأكد المجلس أن "آليات حل مجلس النواب مقيدة بنص المادة 64 من الدستور وملخصها أن البرلمان يحل بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه بخيارين لا ثالث لهما، الأول بناء على طلب من ثلث أعضائه والثاني طلب من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية".

وتنص المادة 64 من الدستور العراقي على فقرتين هما: "أولا: يحل مجلس النواب، بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، بناء على طلب من ثلث أعضائه، أو طلب من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية، ولا يجوز حل المجلس في أثناء مدة استجواب رئيس مجلس الوزراء".

في حين تنص المادة الثانية على أن "يدعو رئيس الجمهورية، عند حل مجلس النواب، إلى انتخابات عامة في البلاد خلال مدة أقصاها ستون يوما من تاريخ الحل، ويعد مجلس الوزراء في هذه الحالة مستقيلا، ويواصل تصريف الأمور اليومية".

ورقة للضغط

وبخصوص إمكانية إعادة الانتخابات، وصف المحلل السياسي علي الصاحب، المقترح بأنه "ورقة ضغط تمارسها القوى السياسية المتحكمة بالمشهد، وتحديدا قوى التحالف الثلاثي (إنقاذ الوطن) على النواب المستقلين للالتحاق بالتحالف على اعتداد أن أول الخاسرين بعملية إعادة الانتخابات هم المستقلون".

وأضاف الصاحب، خلال تصريحات له في 9 أبريل 2022 أن "جميع القوى لا ترغب وقد لا تلجأ إلى ذلك الحل، لأنه قد يغير أو ينهي تشبثهم بالسلطة، وبالتالي إعادة الانتخابات بعيدة عن الواقع، لكن قد نشهد تغيرات كثيرة سواء في مضمون التحالفات أو ببرامجها وقد يكون انفراط عقد البعض منها بسبب الخلافات الداخلية أو البينية لمكونات ذات التحالف".

من جهته، قال الباحث في الشأن السياسي أحمد المياحي أن "التيار الصدري قد يلجأ إلى تحريك الشارع من خلال عودة التظاهرات وشل الحياة لغرض سحب ما تبقى من بساط تحت الإطار التنسيقي الذي يملك الثلث المعطل الآن، ولكنه لن يكون كذلك إذا جرت انتخابات مبكرة".

وأشار خلال تصريحات صحفية في 11 أبريل 2022 إلى أنه "لا يوجد شيء بالدستور اسمه إعادة الانتخابات كون المحكمة الاتحادية صدقت على النتائج، إنما المضي بحل البرلمان لنفسه بطلب من ثلث أعضائه وتصويت الأغلبية المطلقة".

وفي المقابل، قال رئيس مركز التفكير السياسي في العراق، إحسان الشمري: "إذا كانت هناك إرادة سياسية مؤمنة بالدستور وبآلياته وبإعلان الفشل، يفترض أن يذهب البرلمان إلى حل نفسه، ‏لكن هذه الإرادة غير متوفرة لدى أغلب القوى السياسية، وعلى المحكمة الاتحادية أن تفتي بهذا الأمر".

وأضاف الشمري، خلال حديث صحفي في 9 أبريل 2022 أن "القوى السياسية الفائزة أغلبها لن تمضي إلى حل البرلمان، لأن من الصعب أن تحصل على نتائج مماثلة لما تحصلت عليه في الانتخابات الماضية"، مرجحا أن يكون التلويح بحل البرلمان وإجراء انتخابات "جزءا من أوراق الضغط السياسي".

وأردف، قائلا: "إذا كان هناك اتفاق لدى التحالف الثلاثي على حل البرلمان يمكن أن يحل، وهو أمر مستبعد، إذ لا نية لذلك".

وبين أننا "قد نشهد ذلك إذا وصل الانسداد إلى مديات (أخرى) وكان هناك انفراط لعقد التحالفات"، معتقدا أن يكون "زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، يخطط للذهاب نحو تقديم الكتلة الصدرية طلبا رسميا بحل البرلمان".

ولفت الشمري إلى أن "عجز قوى الإطار التنسيقي عن تشكيل الحكومة بعد انتهاء مهلة الأربعين يوما، قد يعني ذهاب الصدر إلى أحد الخيارين المعارضة أو تكفل الكتلة الصدرية بعد تحقيق النصاب المطلوب بتقديم طلب رسمي بحل البرلمان".

وكان زعيم التيار الصدري، قد منح "الإطار التنسيقي" في 31 مارس/آذار 2022، مهلة 40 يوما لتشكيل الحكومة بمعزل عنه، لكن الأخير رفض ذلك وأعلن أنه لم يسع ولم يطلب الانفراد بالسلطة، وبالتالي فإنه غير معني بتحديد مدد زمنية لن تنتج عنها سوى إطالة أمد الانسداد السياسي.

فراغ دستوري

وبعد انقضاء شهر عجز خلاله البرلمان عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية، والذي كان يجب أن يجري خلال 30 يوما نهايتها كانت في 6 أبريل 2022، فإن مراقبين أكدوا أن البلد حاليا يمر في فراغ دستوري.

وقال رئيس "المركز العربي الأسترالي للأبحاث" أحمد الياسري إن "العراق طالما دخل في الفراغ الدستوري مع اقتراب تشكيل أغلب الحكومات بعد عام 2003"، مضيفا أن "ما يجري ليس المرة الأولى".

وأوضح الياسري خلال تصريحات له في 9 أبريل 2022 أن "المحكمة الاتحادية لطالما ملأت تلك الفراغات الدستورية من خلال إعطاء فسحة للحراك السياسي، وإصدار تعريفات جديدة للقفز على المدد الدستورية في البلاد".

ورغم تكرار الفراغ الدستوري في العراق فإن المشهد السياسي هذه المرة يبدو "متفاعلا وليس جامدا"، وفقا للياسري.

وأوضح أن "اختلاف الفراغ الدستوري هذه المرة عن المرات السابقة يتعلق بأنه سيفضي إلى سقوط أحد الفريقين، إما التحالف الثلاثي وإما الإطار التنسيقي، خصوصا مع تمسك الفريقين بمطالبهما وعدم تقديم تنازلات".

ورأى الياسري أن "تصدع الإطار التنسيقي يعد الخيار الأقرب"، مشيرا إلى وجود سيناريوهات عدة محتملة من بينها "إمكانية استقطاب كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني، أو انفضاض القوى المستقلة من الإطار".

ونوه إلى أن "الخلافات بين التحالف الثلاثي من جهة، والاتحاد الوطني الكردستاني من جهة أخرى ليس منهجيا بل يتعلق بمناصب المرحلة المقبلة".

وأكد أنه "رغم تعدد سيناريوهات الحلول للانسداد السياسي فإن النتائج لا يمكن التكهن بها، خصوصا مع التقلبات الكبيرة التي طالما حصلت بالمسار السياسي العراقي، وعدم وجود منهجية في بناء مواقف الكتل المختلفة في البرلمان".

وعلى نحو مماثل، عد المحلل السياسي العراقي، هيثم الهيتي، أن "استنزاف كل المدد الدستورية يجعل حلول الانسداد السياسي صعبة جدا"، مبينا أن ما يجري في البلاد يشير بشكل واضح إلى "الفشل في صميم النظام السياسي العراقي".

وبين الهيتي خلال تصريحات له في 9 أبريل 2022 أن "ما يرشح إلى السطح هي الخلافات السياسية بين الطرفين من خلال المساحة البرلمانية، إلا أن سلاح المليشيات ما يزال عنصرا فاعلا في حسم الملفات السياسية في البلاد، وهذا الأمر يعقد الإشكالية بشكل كبير".

وأكد الهيتي أن خيار إعادة الانتخابات "ما يزال مطروحا كحل أخير للأزمة السياسية التي تعيشها البلاد، خصوصا مع عدم استعداد أي طرف للتنازل، واستصعاب تفكيك أي تحالف سواء الأغلبية الوطنية أو الثلث المعطل"، مبينا أن "استمرار الأزمة قد يؤدي إلى تبلور رأي شعبي يدعو إلى إعادة الانتخابات".

وكان زعيم "ائتلاف دولة القانون"، نوري المالكي، أوضح في 6 أبريل 2022، فحوى مبادرة "الإطار التنسيقي" من خلال إعادة الحديث عن ضرورة أن تكون الكتلة الكبرى في البرلمان العراقي "شيعية حصرا".

وقال المالكي في تصريحات متلفزة، إن "الكتلة الكبرى يجب أن تكون شيعية حصرا، وفق العرف السائد، ولا يمكن التلاعب بالمساحة التي تخص المكون الأكبر من الشعب العراقي، والمسؤولة عن تحديد رئيس الوزراء وشكل الحكومات".

وأشار إلى أن "كل الخيارات الأخرى، غير التوافق، غير مقبولة بالمرة من قبل الإطار التنسيقي خاصة ذلك القائم على حل البرلمان والاتجاه إلى انتخابات جديدة، إذ ما تزال تداعيات الانتخابات الماضية قائمة".