انقلاب ثان في "الوفد".. هكذا يحرق السيسي ما تبقى من أعرق حزب مصري معارض

إسماعيل يوسف | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

بدأ وكيل مجلس الشيوخ المصري بهاء الدين أبو شقة (82 عاما)، إجراءات انقلاب ثان، لإحكام سيطرة نظام عبدالفتاح السيسي على أعرق حزب معارض مصري، عبر الترشح لرئاسة "الوفد" في انتخابات 11 مارس/ آذار 2022، ووضع قيود وعقبات أمام باقي المرشحين.

"أبو شقة" الذي نفذ انقلابه الأول في 9 فبراير/ شباط 2021، بالتخلص من تسعة قيادات بالحزب تمثل المجموعة الإصلاحية، كانت ترفض تحويل الحزب لكيان مؤيد للسلطة، وتطالب بتصحيح مساره وعودته لمربع المعارضة.

يسعى هذه المرة، لإحكام قبضته على الحزب، مهددا من يعارضه بالفصل والاعتقال، بعدما أصبح أحد أدوات السلطة في البرلمان ويقوم بدور "ترزي (خياط) القوانين"، كما يشغل نجله "محمد" منصب الممثل القانوني للسيسي.

انقلاب جديد

وفي 14 فبراير 2022، تقدم أبو شقة بأوراق ترشحه في الانتخابات على منصب رئيس حزب الوفد، المقرر إجراؤها في 11 مارس، وذلك بعد سداد مبلغ 100 ألف جنيه (نحو 6 آلاف دولار) مساهمة على سبيل التبرع، في مصاريف إجراء الانتخابات.

ووضع أبو شقة قيودا على الترشح للانتخابات، منها فرض تبرع بـ100 ألف جنيه، لا تسترد حتى في حالة الخسارة أو الانسحاب، بغرض استبعاد معارضين له من الترشح.

بموجب هذه الشروط، تم منع الصحفية حنان البدري، والمهندس محمد بدر سليمان، عضوي حزب الوفد من الترشح، لأنهما رفضا دفع المبلغ المطلوب كأحد شروط الترشح.

واعتبرت "البدري" الشرط المالي غير قانوني ولا تنص عليه لوائح الحزب، وتقدمت ببلاغ إلى الشرطة ضد لجنة تلقي طلبات المرشحين وضد أبو شقة، رئيس الحزب، الذي وضع شروط الترشح.

ووصفت منعها بأنه محاولة لحجب الفرصة أمام الوفديين للترشح، وأسباب أخرى رفضت ذكرها، ودعت لإنقاذ "ثاني أقدم أحزاب العالم"، وفق قولها.

وبسبب القيود وتفصيل أبو شقة الانتخابات على مقاسه، أعلن أهم مرشح معارض لرئيس الحزب، وهو الدكتور هاني سري الدين، رئيس مجلس إدارة جريدة الوفد، انسحابه من الترشح واصفا الانتخابات بأنها "عملية تضليل".

وأصدر سري الدين بيانا في 14 فبراير 2022 يؤكد "افتقاد العملية الانتخابية لأدنى قواعد النزاهة والشفافية"، واتهم أبو شقة برفض تشكيل لجنة حيادية للإشراف على الانتخابات، وقيامه بتعيين رؤساء لجان الحزب بلا انتخابات.

واتهم أيضا رئيس الحزب بأنه "أقصى الكثير من الوفديين، وضم آخرين لانتخابه مجددا، ويرفض انعقاد لجان الحزب على مدار العامين الماضيين إلا فيما ندر".

ورغم أن "سري الدين" هو أحد مؤيدي السيسي أيضا بجانب أبو شقة، إلا أن بعض تصريحاته تقلق النظام من قبيل أن "حزب الوفد يمكن إعادة بنائه، ولا زال اسما قويا، ولو بدأت إعادة تنظيمه مؤسسيا سينهض مجددا بقوة".

وعقب فضحه ما يجري في الحزب، كشفت مصادر لموقع "القاهرة 24" الأمني في 15 فبراير أن رئيس الوفد، يبحث فصل هاني سري الدين من الحزب بعد اتهام له بعدم النزاهة.

وأضاف الموقع، أن رئيس الوفد اتخذ قرارا بإزالة اسمه من رئاسة مجلس إدارة الجريدة، "خاصة أن سري الدين توقف عن الدعم المالي لجريدة الحزب".

وضمن عملية تأميم الحياة السياسية في مصر، سعى السيسي لإفراغ الأحزاب من مضمونها، واقترح ضمها في تحالفات موحدة تدعم السلطة، مقابل رشوتها ببعض مقاعد البرلمان، وتجفيف منابع بقية الأحزاب المعارضة أو الصغيرة الأخرى.

وتغيرت مبادئ تأسيس حزب الوفد، على مدار سنوات عمله الـ104، من مقاومة الاحتلال البريطاني، إلى معارضة الحكومة عقب الاستقلال، وتحول الآن إلى حزب مؤيد لا معارض، ويدعم سلطة السيسي بشكل مبالغ فيه، ويدعم إقصاء معارضيه.

مرشح منفرد

ورغم فتح باب الترشيح لمدة ستة أيام من 12 إلى 17 فبراير 2022، لم يتقدم في الأيام الخمسة الأولى سوى رئيس الحزب بهاء الدين أبو شقة.

ومع تصاعد اتهامات الإصلاحيين لرئيس الحزب بالسعي للانفراد برئاسته وإبعاد المعارضين له وللنظام عن مراكز الحزب القيادية، دفع رئيس الوفد في اليوم الأخير بأحد مؤيديه ومؤيدي السيسي للمنافسة أمامه، كديكور انتخابي.

المرشح الثاني، هو الدكتور عبد السند يمامة، عضو الهيئة العليا بحزب الوفد، عميد معهد الدراسات السياسية بالحزب، و"ربما تم الدفع به على غرار ترشح موسى مصطفى موسى كديكور أمام السيسي في انتخابات 2018"، حسبما يقول وفديون.

ويؤيد "يمامة" السيسي بقوة حتى أنه اقترح تعديل مقدمة الدستور، لحذف ثورة 25 يناير منها وقصرها على 30 يونيو، كما طالب بالنص في الدستور على دور السيسي في نجاح "ثورة 30 يونيو".

وزعم أن الدستور ذكر أسماء زعماء مثل سعد زغلول، ومصطفى النحاس، وجمال عبد الناصر، وأنور السادات، وأغفل ذكر اسم السيسي!.

لكن "يمامة" أعلن في مؤتمر صحفي في 17 فبراير 2022 أن "عودة المفصولين أول قراراتي في حال فوزي برئاسة حزب الوفد".

وأكد أنه "يريد إعادة إحياء حزب الوفد ليكون شريكا في العملية السياسية، لأن حزب الوفد غاب عن المشهد السياسي منذ أربع سنوات، بسبب عدم احترام قادته نصوص اللائحة الخاصة به، ولفظهم المخالفين لهم خارجه".

وبينما كانت لجنة قبول الترشيحات تلملم أوراقها في اليوم الأخير، فاجأ المرشح الثالث، رجل الأعمال ياسر قوره، المحسوب على التيار الإصلاحي، الوفديين بتقديم أوراق ترشحه كثالث منافس على رئاسة الحزب أو كمنافس فعلي أمام أبو شقة.

وتولى ياسر قوره منصب "المتحدث الرسمي باسم جبهة تصحيح المسار بحزب الوفد" حين دبت الخلافات بين أبو شقة وقيادات الحزب لقبول الأول الانخراط في قائمة حزبية موحدة تحت قيادة حزب السيسي (مستقبل وطن) في انتخابات 2020.

وأطاح أبو شقة بهذه الجبهة وقام بفصل العديد من أعضائها وأصر على قراره بالمشاركة في قائمة حزب مستقبل وطن في انتخابات مجلس النواب، وحصل حزب الوفد على 26 مقعدا من 568.

لكن "قوره" يوصف بأنه بهلوان يتنقل بين الأحزاب، إذ كان أحد رجال الحزب الوطني المنحل، ثم التحق بحزب الغد، كما كان عضوا بالهيئة العليا لحزب الحركة الوطنية، حزب الفريق أحمد شفيق، ثم أعلن تدشين حزب "المستقبل".

لكنه انضم لحزب الوفد لاحقا وأصبح نائبا لرئيس الحزب بفضل تبرعاته للحزب، وسبق أن اختلف مع أبو شقة الذي طالبه بالتبرع بأربعة ملايين جنيه للحزب مقابل نزوله في الانتخابات وحصوله على مقعد برلماني.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2018 قال قوره، الذي كان أحد من فصلهم رئيس الحزب لمعارضته له، ثم أعاده، إن بهاء أبو شقة طلب منه التبرع بمبلغ مالي قبل انتخابات الحزب، معقبا: "منذ متى كراسي الأحزاب لها ثمن؟"، وفقا لقوله.

تصفية الوفد

في أعقاب الأزمة الأخيرة، وعلى طريقة انقلاب السيسي، نفذ رئيس حزب الوفد انقلابه السياسي الأول، واستهدف المجموعة الإصلاحية (تصحيح المسار)، التي رفضت تحويل الحزب لكيان مؤيد للسلطة، وعودته لمربع المعارضة.

غالبية أعضاء الهيئة العليا طالبوا مطلع سبتمبر/ أيلول 2020 بإجراء انتخابات مبكرة على رئاسة الحزب بعدما أعلن أبو شقة استقالته (غضبا) من رئاسة الحزب، لأنهم أعلنوا سحب مرشحي الحزب من قائمة حزب السيسي في الانتخابات.

وفي 27 سبتمبر 2020، أعلن أبو شقة عزمه التخلي عن رئاسة حزب الوفد وعدم استكمال مدته، اعتبارا من 17 أكتوبر/تشرين الأول 2020، وتكليف السكرتير العام ببدء إجراءات انتخاب رئيس جديد للحزب.

لكن أبو شقة عاد ليقرر الاستمرار في رئاسة الحزب عقب تسريب اسمه ضمن قائمة التعيينات في مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان).

وكذا اختيار نجله محمد أبو شقة عضوا في "اللجنة العليا للإصلاح التشريعي" المشكلة بقرار من السيسي، وابنته "أميرة" عضوا في مجلس النواب عن "تنسيقية شباب الأحزاب"، ما اعتبره نواب الوفد المعارضين "رشوة" له.

وهدد أبو شقة أعضاء الهيئة العليا للحزب في نوفمبر 2018، على الملأ، قائلا: "أنا تابع للدولة والأجهزة الأمنية ومن يعترض منكم أفصله وأحبسه".

انقلاب "أبو شقة" حينئذ كان مكتمل الأركان، ففي 9 فبراير 2021 حاصرت قوات أمنية مقر الحزب ومنعت دخول أنصار التيار الإصلاحي، ثم عقد رئيس الحزب "مؤتمرا مفاجئا" وأعلن عن وقوع مؤامرة.

وقام بفصل تسعة من قيادات الحزب، أبرزهم نائبه ياسر الهضيبي بدعوى أنه "إخواني"، ورئيس الهيئة البرلمانية للحزب عبد العليم داوود، وبرر انقلابه باتهام المفصولين بالسعي لـ"أخونة الحزب".

وسبق لموقع "المونيتور" الأميريكي الإشارة في 17 سبتمبر 2019، نقلا عن مصادر، لسعي سلطة السيسي إلى السيطرة على حزب الوفد وقيادة الصراع بين أبو شقة وخصومه، وكان منهم حينئذ رئيس حزب الوفد السابق السيد البدوي.

وقال إن "هناك حملة موجهة من الأجهزة الأمنية في الدولة ضد السيد البدوي بغرض تصفيته سياسيا وإعلاميا، بعد إجباره على تسوية مديونيات شبكة قنوات الحياة عن طريق بيعها، ثم الإطاحة به تماما من حزب الوفد".

وأكد أستاذ العلوم السياسية الدكتور حسن نافعة لـ"المونيتور" أن المستشار أبو شقة معروف بولائه الشديد للحكومة، ولذلك تم توليته رئاسة اللجنة التشريعية والدستورية في مجلس النواب في 3 أكتوبر2018".

وأعيد تعيينه أيضا من قبل السيسي وكيلا لمجلس الشيوخ، الغرفة الثانية للبرلمان 2021، استمرارا لمكافأته على دوره في "تدجين" الوفد سياسيا.

وقال "نافعة" إن "نجله (محمد) اختاره عبد الفتاح السيسي مستشارا قانونيا لحملة ترشحه إلى الرئاسة 2018 ومتحدثا رسميا باسمه، وهو ما يكشف قربه من دوائر السلطة والحكم في مصر".

ولم يستبعد نافعة وجود ضغوط من جانب الدولة على أبو شقة لإقصاء الإصلاحيين عن الحزب، مشيرا لأن الأجهزة الأمنية تسعى إلى السيطرة الكاملة على حزب الوفد عن طريق ضمان ولاء جميع أعضائه".

أين الأحزاب المصرية؟

وتعاني الأحزاب السياسية في مصر من حالة جمود غير مسبوقة، منذ انقلاب 3 يوليو 2013 بسبب سياسة السيسي تأميم الحياة السياسية والتضييق على القوى السياسية والأحزاب والنقابات الفاعلة.

وساعد على تعاظم هذا الجمود حظر السلطة لجماعة الإخوان المسلمين، أبرز فاعل سياسي في الشارع، وحل وتجميد أحزاب المعارضة الرئيسة.

وأحد أسباب الجمود ترجع أيضا لطبيعة التكلس في الأحزاب نفسها التي أخفقت في تطبيق الديمقراطية داخل جدرانها، واعتمادها على رئيس واحد للحزب يؤدي غيابه أو الخلاف معه لانتهاء دور الحزب.

ورغم توقع معارضين أن يؤدي غياب الإخوان وحزبهم "الحرية والعدالة"، لإنعاش الأحزاب وقوى المعارضة المصرية الليبرالية واليسارية، إلا أن هذه القوى عانت بدورها من التشتت وقمع السلطات المصرية لمن لا يسير في ركابها.

وقبل ثورة يناير 2011 كانت الأحزاب المعارضة القوية البارزة بخلاف الإخوان كقوة غير حزبية، هي حزب الوفد، والعمل (إسلامي)، والتجمع (يساري) والعربي (ناصري)، لكن بعد انقلاب 2013 تحول التجمع اليساري والوفد الليبرالي لداعمين للسلطة.

وقد برزت تيارات معارضة جديدة أبرزها التيار الديمقراطي بزعامة حمدين صباحي، وحزب المصريين الأحرار بزعامة نجيب ساويرس، وحزب مصر القوية بزعامة عبد المنعم أبو الفتوح، و"تحالف الأمل" الذي يضم نشطاء من تيارات سياسية يسارية وناصرية.

لكن السلطة تلاعبت بحزب المصريين الأحرار فبات مؤيدا لها، واعتقلت أبو الفتوح وأعضاء تحالف الأمل، وأجبرت صباحي على الصمت بضغوط مختلفة. 

وقبل ثورة يناير كان يوجد في مصر قرابة 84 حزبا، وفق تقديرات رسمية، كان الفاعلون الحقيقيون منها قرابة 5 فقط والباقي يطلق عليه اسم "أحزاب كارتونية".

ويقول نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، الدكتور عمرو هاشم ربيع، إن عدد الأحزاب التي توجد في مصر الآن وصل إلى 112 حزبا بعد أن كانت 103 أحزاب قبل انتخابات 2015، لكن لا يوجد لها تأثير على أرض الواقع.

وأوضح لـ "الاستقلال" أن بعضها عائلي أو نشأ في ظروف بائسة في غرف فوق أسطح العمارات وبعض الأحزاب عدد أعضائه لا يزيد عن 50 أو 100 عضو، وبعضهم لا يزال تحت التأسيس ويتصارع المسؤولون عنها.

وتشير دراسة لمعهد كارنيغي للشرق الأوسط (مقره بيروت) في 31 مارس 2017 إلى مسؤولية الأحزاب العلمانية عن ضعف الحياة السياسية بمصر، لافتة إلى أنه في الفترة بين 2011 و2013، كانت الأحزاب العلمانية فزعة من انتصارات الإسلاميين الانتخابية.

وأوضحت أن انتصارات الإسلاميين دفعت هؤلاء الليبراليين لطلب تدخل الجيش في الشأن السياسي، فقصمت بذلك ظهر فترة الانفتاح الديمقراطي القصيرة.

وأكدت أن "هذه الموافقة العلمانية، ومعها التعبئة الشعبية في 30 يونيو 2013، مكنت الجنرالات من الزعم بأنهم يركبون موجة من الدعم الشعبي، وساعدتهم جبهة الإنقاذ المعارضة للإخوان دوليا على إضفاء شرعية على الانقلاب.

لكن اليوم، تتعرض الأحزاب العلمانية التي دعمت الانقلاب والسيسي، لحملات قمع وليس لها أي قدر من الاستقلالية أو المشاركة، وفق الدراسة.