انقلاب في حزب الوفد.. كيف يخطط السيسي لتأميم الحياة السياسية بمصر؟

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

على طريقة انقلاب رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، في 3 يوليو/تموز 2013، نفذ رئيس حزب الوفد المعارض بهاء الدين أبو شقة، انقلابا سياسيا مفاجئا، استهدف "مجموعة إصلاحية"، ترفض تحويل الحزب لكيان مؤيد للسلطة، وتسعى لتصحيح مساره وعودته لمربع المعارضة.

في ظهر 9 فبراير/شباط 2021، حاصرت قوات الأمن مقر حزب الوفد بمنطقة الدقي وسط القاهرة، ومنعت دخول أنصار التيار الإصلاحي، ثم عقد رئيس الحزب "مؤتمرا مفاجئا" معلنا عن انقلاب مكتمل الأركان.

في مؤتمره، أعلن "أبو شقة" عن مؤامرة وهمية وصفها بأنها "من حروب الجيل الرابع"، وقام بفصل 9 من قيادات الحزب، أبرزهم نائب رئيس الحزب ياسر الهضيبي عضو مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية بالبرلمان) بدعوى أنه "إخواني"، ورئيس الهيئة البرلمانية للحزب عبد العليم داود.

كما قرر "أبو شقة" إحالة عضو الهيئة العليا مجدي فرحات للنيابة، من خلال دعوى رفعها المحامي المقرب من سلطات الأمنية سمير صبري، تتهمه بـ"التخابر مع قنوات فضائية أجنبية"، لأنه تحدث فيها عن تجاوزات رئيس الحزب.

الانقلاب السياسي داخل الوفد، سببه رفض غالبية أعضاء الهيئة العليا بالحزب في سبتمبر/أيلول 2020، المشاركة في القائمة الموحدة للأحزاب التي دعا لها السيسي لخوض الانتخابات (القائمة الوطنية بزعامة مستقبل وطن).

أعضاء الهيئة دعوا لإجراء انتخابات مبكرة على رئاسة الحزب في أكتوبر/تشرين الأول 2020، بعدما أعلن أبو شقة استقالته (غضبا) من رئاسة الحزب، لأن مرشحي الحزب الذين أرسل بهم قائمة لتحالف السيسي "من أجل مصر" سحبوا أنفسهم من الانتخابات. 

 

صحيفة الوفد المصرية الناطقة باسم الحزب

تفاصيل الأزمة

مع بدء تقديم الترشيحات لعضوية مجلس النواب في سبتمبر/ أيلول 2020، اعترض أعضاء بالهيئة العليا على عدد المقاعد التي حددتها القائمة الوطنية للوفد ضمن ائتلاف "من أجل مصر" الذي ضم 12 حزبا. 

تحالف السيسي خصص 20 مقعدا فقط للوفد داخل القائمة الوطنية (173 مقعدا) مخالفا وعده لرئيس الحزب بتخصيص  40، وهو ما اعتبره المعارضون لأبوشقة "لا يليق بمكانة الحزب وتاريخه".

بعد اجتماعات وتصريحات متضاربة، أعلن بيان للهيئة العليا للوفد 17 سبتمبر/ أيلول 2020، الانسحاب من "تحالف القائمة الوطنية"، وإلغاء التفويض الممنوح لرئيس الحزب بالتفاوض مع التحالف، وسحب أسماء مرشحي الحزب. 

اجتماع الهيئة العليا شارك في نحو 30 عضوا من إجمالي 42، صوت 30 منهم على قرار الانسحاب من قائمة الانتخابات، مقابل رفض عضو واحد، بحسب جريدة الشروق.

مظاهرة واعتصام

في 19 سبتمبر/أيلول 2020، تطور الأمر بتدخل شباب الوفد وقيامهم بمظاهرة واعتصام داخل مقر الحزب ضد "أبو شقة"، وتصاعدت الهتافات المطالبة برحيله عن رئاسة الحزب ما اضطره لإعلان استقالته.

وفي 27 سبتمبر/ أيلول 2020، أعلن أبو شقة قرار رقم 65 لسنة 2020 بعزمه التخلي عن رئاسة الحزب وعدم استكمال مدته، اعتبارا من 17 أكتوبر/تشرين الأول 2020، وتكليف السكرتير العام ببدء إجراءات انتخاب رئيس جديد.

بموجب قرار "أبو شقة" أصبح منصب رئيس الحزب شاغرا، لكن حدثت تدخلات أمنية رافضة لتصحيح مسار الحزب وإعادته للمعارضة وساعية لاستمرار تدجينه ضمن أحزاب السلطة الموحدة. 

وفي ظل تأميم السيسي للحياة السياسية ومنع المعارضة، ودخول حزب الوفد تحت أجنحة السلطة على يد "أبو شقة" خشيت الجهات الأمنية أن يعيد تيار الإصلاح في الحزب، مساره للمعارضة مرة أخرى. 

انتهى الأمر بتوجيه من السلطة لأبوشقة (الذي عُين رئيسا للجنة الدستورية بالبرلمان السابق، وعضوا في مجلس الشيوخ الحالي) بعدم الاستقالة والبقاء في منصبه.

عاد أبو شقة لتنفيذ خطة السلطة بإدخال الوفد حظيرة التحالف الانتخابي بقائمة "من أجل مصر" رغم رفض الهيئة العليا، واتخاذ قرارات بعد التاريخ الذي حدده لاستقالته، واختار ابنته ضمن أسماء مرشحي الوفد. 

وفي 21 أكتوبر/ تشرين أول 2020، اعترض وتظاهر واعتصم شباب الوفد ضد  قرارات أبو شقة داخل مقر الحزب، وألقت قوات الأمن القبض على 6 منهم بناء على بلاغ من رئيس الحزب المستقيل.

كان من المقرر أن تعقد الهيئة العليا للوفد اجتماعا يوم 21 يناير/ كانون الثاني 2021 لحسم استقالة أبو شقة من رئاسة الحزب وترتيب الانتخابات الجديدة لرئاسة الحزب، لكن بدأت أصوات تطالبه بالعدول عن الاستقالة. 

ومساء الثلاثاء 9 فبراير/ شباط 2021، بدأ أبو شقة في قمع معارضيه، واكتمل المخطط الحكومي لتنفيذ الانقلاب بفصل 9 من قادة الحزب واعتقال بعض شبابه.

في نفس اليوم اعترف أبو شقة ضمنا لصحيفة الوطن، أن مبرر انقلابه هو اعتراض أعضاء في الهيئة العليا على مشاركة حزب الوفد في تحالف السيسي بانتخابات مجلس النواب وسحبهم نواب الحزب من الانتخابات، واعتبر ذلك "مؤامرة لإحراج الدولة نفسها" هدفها عدم إتمام العملية الانتخابية، بحسب تعبيره.

"الجيل الرابع"

كان ملفتا أن يعلن بهاء الدين أبو شقة، في بيان انقلابه، أن هناك "مؤامرة تستهدف إسقاط حزب الوفد، باستخدام كل وسائل حروب الجيل الرابع"، وهو تعبير دأب السيسي على اتهام معارضيه أيضا به.

ويُقصد بـ"حروب الجيل الرابع"، استخدام الإعلام والاقتصاد والرأي العام وكل الأدوات المادية والمعنوية لإضعاف الدولة وجعلها منهكة تستجيب للنفوذ الخارجي، فيما وصفها أبو شقة بـ"المؤامرة" التي تمثلت في "حرب الشائعات"، وربطها أيضا بما أسماه "الأخونة".

كما تحدث أبو شقة عن "ضخ أموال مجهولة المصدر ومشبوهة داخل الحزب، وبث شائعات وفتن لحشد من تم رشوتهم في مظاهرات وتجمهر غير شرعي"، حد زعمه.

في اليوم التالي للانقلاب 10 فبراير/ شباط 2021، وخلال لقاء بمقر الحزب، زعم أنه فصل هؤلاء الأعضاء التسعة "بسبب سعيهم إلى الانحراف بالحزب عن مساره التاريخي ليسقط في بؤرة الإخوان".

أبو شقة اتهم المفصولين بـ"استعمالهم القوة" لإرهابه هو وفؤاد بدراوي، السكرتير العام، وإجبارهما على ترك منصبيهما "ليتم وصول الدكتور ياسر الهضيبي الإخواني ومجموعته الإخوانية (لزعامة الحزب) وإدخال إخوان في عضوية حزب الوفد".

كما سعى أبو شقة أيضا إلى التخلص من ياسر الهضيبي، بزعم أنه "إخواني" لأن أعمامه (المستشارين حسن الهضيبي، ومأمون الهضيبي) كانا مرشدان راحلان لجماعة الإخوان المسلمين.

وكان ياسر الهضيبي، عضوا سابقا بالحزب الوطني المنحل، قبل أن ينتقل إلى حزب الوفد، وله تصريحات نارية ضد جماعة الإخوان ويصفها بـ "الإرهابية".

كما ادعى النائب سليمان وهدان، الذي عُين رئيسا للهيئة البرلمانية، أيضا لبرنامج "90 دقيقة" على قناة "المحور"، مساء 9 فبراير/ شباط 2021 أن المفصولين "كانوا يحاولون اختطاف الوفد من هويته، ويسعون لأخونته منذ عامين ماضيين".

"حزب الكراتين"

كان من الواضح أن انقلاب "أبو شقة" يستهدف ضرب عصفورين بحجر واحد: الأول: إخلاء الحزب ممن تبقى من المستقلين الرافضين لهيمنة السلطة على الحياة السياسية وتأميمها وتوحيد الأحزاب.

والثاني: التخلص من نائبه في مجلس النواب المغضوب عليه من السلطة، محمد عبد العليم داود، لأنه بدأ عمله النيابي بمهاجمة حزب الأغلبية (مستقبل وطن) واتهمه بأنه "حزب الكراتين"، أي الرشاوى الانتخابية، ما أدى لطرده من المجلس والتحقيق معه في 19 يناير/كانون الثاني 2021. 

داود وصف قرار فصله من الحزب بأنه "حلقة من حلقات الانتقام منه كنائب معارض بعدما حدث معه من طرد وإحالة للجنة القيم بمجلس النواب وتعليق حضوره".

"داود" قال لموقع "مدى مصر" وصحيفة "المصري اليوم" 10 فبراير/شباط 2021: "ما يحدث داخل الوفد بلطجة سياسية ولا أستبعد فصلي من البرلمان بسبب رأيي في مستقبل وطن. إنها عملية مبيتة لإنهاء دوري كمعارض سياسي".

وفق تصريحات "داود" و"الهضيبي" فإن "قرارات أبو شقة غير لائحية، وفردية، و"لا يجوز له كرئيس للحزب فصل عضو بالهيئة العليا ونائب لرئيس الحزب".

مصادر برلمانية، كشفت لصحيفة "اليوم السابع" 10 فبراير/ شباط 2021 وصول خطاب من أبو شقة بالفعل إلى البرلمان بغرفتيه، بفصل بعض نواب الحزب بمجلسي النواب والشيوخ، من عضوية الحزب، بغرض فصلهم من البرلمان أيضا.

وحسب المادة 6 من قانون مجلس النواب: "يشترط لاستمرار العضوية أن يظل العضو محتفظا بالصفة التي تم انتخابه على أساسها، فإن فقد هذه الصفة أو غير انتماءه الحزبي المنتخب على أساسه أو أصبح مستقلا، أو صار المستقل حزبيّا تسقط عنه العضوية بأغلبية ثُلثي أعضاء المجلس". 

هذه المادة لم تكن تطبق في البرلمانات السابقة على الأعضاء الذين ينضمون للحزب الحاكم (الوطني المنحل)، ما يعني أنها مادة ذات طابع سياسي لمعاقبة المعارضين أو من ترغب السلطة.

النائب علي بدر، أمين سر اللجنة التشريعية بمجلس النواب، قال إن النائب داود، الذي تم فصله من الوفد، غير مهدد بإسقاط عضويته من البرلمان. 

"بدر" قال لموقع "مصراوي" 10 فبراير/ شباط 2021: "طالما الحزب هو من أخذ قرار فصل النائب، فبذلك تتحول صفته في تلك الحالة من نائب حزبي إلى مستقل". "لكن لو قام النائب بتغيير الصفة الحزبية (بنفسه) وتقدم باستقالته طواعية من الحزب، هنا فقط تطبق عليه اللائحة بإسقاط العضوية".

"صفقة" المقاعد

سبب آخر لم يعلن عنه، من أسباب انقلاب أبو شقة على أعضاء الحزب المعارضين لخضوع "الوفد" لهيمنة السلطة، هو تعطيلهم صفقة بيع مقاعد الحزب في انتخابات النواب بالملايين.

وعلى غرار بقية الأحزاب، تلقى حزب الوفد ملايين الجنيهات قيل إنها "تبرعات" دفعها مرشحون لخوض الانتخابات على قوائم الحزب، وهدفها شراء مقعد بمجلس النواب، لكنها ضاعت بعد أزمة الحزب، ورفض المعارضين المشاركة في الانتخابات.

أبو شقة اعترف ضمنا في تصريح لصحيفة الوطن 9 فبراير/شباط 2021، ببيع المقاعد البرلمانية، حين اتهم المفصولين بأنهم أحدثوا فوضى "أثرت على أن المرشحين سحبوا تبرعاتهم وتركوا الحزب وترتب عليه خسائر مادية ومعنوية".

أيمن نور رئيس حزب "غد الثورة" والعضو السابق في حزب الوفد، فضح بيع أبو شقة لهذه المقاعد البرلمانية، ونشر "كشف شيكات" تضمن "تبرعات لمجلس النواب" بمبلغ 37 مليون جنيه، معتبرا ذلك "بيع لمقاعد الحزب البرلمانية في مزادات النخاسة السياسية".

وقال نور عبر حسابه بتويتر 9 فبراير/ شباط 2021، إنه منذ تدخل السيسي لحل الخلاف داخل الوفد مايو/أيار 2015 بين السيد البدوي وفؤاد بدراوي "أدركت أن الوفد سقط في شرك النظام".

نور أضاف: "عندما تم انتداب أبو شقة لمهمة رئاسة الوفد أيقنت أن الوفد أصبح فرعا من فروع أجهزة النظام، ولا خلاص له إلا بتطهيره من عملاء النظام".