"ألجيري باتريوتيك": لماذا تريد باريس وواشنطن تخريب الثورة الجزائرية؟

نشر موقع "ألجيري باتريوتيك" الناطق بالفرنسية، مقالا للكاتب عرب كينوش، سلط فيه الضوء على مساعي واشنطن وباريس لتخريب الثورة الجزائرية، في وقت تسعى فيه دول عربية لإجهاض "الربيع العربي" في الجزائر والسودان خوفا من امتداد التجربة إلى أراضيهم.
وقال كينوش في مقاله: في حين أن الغرب يبتهج لفكرة أن الجزائر يمكن أن تغرق في الأزمة، يجب على صناع القرار الحاليين في البلاد عدم ارتكاب أدنى خطأ والوقوع في فخي، الإسلاموية أو السلطوية، الذي حدده أعداء الجزائر، وهما طريقتان اعتاد الغرب من خلالهما إدارة الأنظمة السياسية العربية من الخارج.
الاستبداد المتفاقم
وأوضح، أنه بما أن الطريقة الأولى فشلت فشلا ذريعا في البلاد خلال التسعينيات، فإن المبدأ الثاني، أي أن الاستبداد المتفاقم، هو الطريقة التي يعتمد عليها الغرب وفرنسا والولايات المتحدة لزعزعة استقرار الأمة الجزائرية.
وأشار كينوش إلى أنه حتى استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، تمكن الغرب من تثبيت نظام استبدادي طويل الأمد في الجزائر من خلال الترويج له منذ سنوات الرؤساء جورج بوش وجاك شيراك وفرنسوا أولاند، وحتى بداية عام 2019 عندما أصبح خنق الشعب أمرا لا يطاق.
وأكد الكاتب أن الولايات المتحدة وفرنسا لم تخفيا أبداً سياستهما المتمثلة في الحفاظ على بوتفليقة، ليس لأسباب الاستقرار كما يزعمان، ولكن من خلال خلق مناخ ضار من التدهور من شأنه أن يؤدي إلى زعزعة الاستقرار السياسي في الجزائر.
ورأى أنهم "يدركون تماما التطلعات العميقة لحرية الشعب الجزائري، التي تعود إلى حرب الاستقلال، ورغم ذلك أيدوا عمدا رئاسة بوتفليقة الطويلة، بهدف الدفع نحو التمرد الشعبي في نهاية المطاف".
تناقض عميق
وتساءل كينوش قائلا: "إذا لم يكن الأمر كذلك، فكيف نستوعب تناقضهم العميق في الرغبة في تبرير التدخل بسوريا وليبيا باسم إقامة الديمقراطية، بينما في الحالة الجزائرية، دعمت الولايات المتحدة تحت رئاسة دونالد ترامب وفرنسا برئاسة إيمانويل ماكرون، الولاية الخامسة غير الديمقراطية وغير الدستورية لبوتفليقة؟".
وأشار إلى أنه في الواقع، يتلاعب الغرب بالأنظمة العربية بشكل رائع عن طريق تأرجحها من نقطة إلى أخرى من خلال أدواتهم الجهنمية: الإسلاموية أو الاستبداد.
وأكد كينوش أنه على عكس الفكرة التي نقبلها تماما، الغرب لا يدعم "الربيع العربي" الذي سينتج عنه شعب ديمقراطي في الداخل، لكنه يحوله إلى قطبين: الإسلاموية والسلطوية، لأن فكرة وجود شعب حر وذو سيادة ستكون مناقضة ومعارضة لمصالحهم الأكثر حيوية.
ولفت إلى أن الغرب يستخدم الاحتجاجات الشعبية بدلا من ذلك لإخضاع الدول الأخيرة لهيمنتهم من خلال منع ظهور الديمقراطية، وذلك بفضل لعبة خفية مصنوعة من التهديد الإسلامي والاستبداد الديمقراطي والتي تمثل أهدافا سياسية حقيقية تجاه هذه البلدان.
نوعان للحكم
وبيّن كينوش أنه إذا كانت الحجة هي الديمقراطية أو الشفافية، كما ذكر "كاي دو أورسيه"- الخارجية الفرنسية- أو حتى البيت الأبيض في الحالة الجزائرية، فإن النهاية هي الاستبداد أو الإسلاموية، والتي يمكن تقسيمها إلى فئات عدة. ولا يمكن أن يؤدي هذان النمطان من الأنظمة السياسية إلا إلى نوعين من الحكم.
وأوضح: "أولا الولاء بشكل كامل للمصالح الغربية - إسلاموية دول الخليج على سبيل المثال أو المملكة العربية السعودية - أو النظام الاستبدادي كما في الحالة المغربية، أو شبه الاستبدادية كما هو الحال بالنسبة للجزائر حيث سرعة الديمقراطية أكثر حساسية بكثير من أي مكان آخر في العالم العربي".
ولفت كينوش إلى أن سلاحي الغرب، الإسلاموية والسلطوية، يحتوي على حدين، واحد مزعزع للاستقرار، والأخر يهدف إلى الولاء لهم، مع الحرص على منعهم في نفس الوقت من الحصول على أسلحة الدمار الشامل عسكريا.
وأكد أنه في الواقع، الخطاب الذي يروج للديمقراطية ليس سوى شرارة موجهة إلى تحريك المجتمع بحيث تنشأ إمكانية وجود نظام استبدادي أو إسلامي كآفاق إجبارية لهذه المجتمعات، وبالتالي، فإن "الربيع العربي"، الذي يتم تقديمه كعقاب شعبي لمزيد من الديمقراطية، يعكس بموضوعية عائق الديمقراطية في هذه البلدان من قبل الغربيين.
وشدد الكاتب على إن "الدعم اللافت للنظر للإسلاميين المناهضين للديمقراطية، وحتى القوى السياسية الاستبدادية مثل تنظيم الدولة، هو دليل كاف على استخدام هذا الخرق لبناء جهاز مزعزع للاستقرار بشكل جيد: فالذريعة الديمقراطية تفتح جسم المجتمع وتسخن الشباب، لكن لا يقدم أحزابا ديمقراطية، بل الإسلاميين والقوميين الاستبداديين، وهما عنصرين غير قابلين للانفجار، ومتفجرين لن يتوقفا عن تدمير أنفسهم ما لم يتم تقديم الولاء للغرب".
ونوه إلى أنه "في الواقع، يجب ألا ننسى أن الهدف النهائي للاستراتيجيين الغربيين هو الولاء، والخضوع النهائي، بغض النظر عما إذا كان يشعر بالسلطوية العلمانية أو إسلاموية كالعصور الوسطى"، مشيرا إلى أنه إذا لم يمكنهم الحصول على غايتهم، يمكن للغربيين تشغيل أي من الأداتين في أي وقت.
شواهد حاضرة
وأعطى الكاتب العديد من الأمثلة من أجل إثبات صحة كلامه فقال: "كان هذا هو الحال في سوريا حيث أراد المعسكر الديمقراطي التفاوض على شكل من أشكال الانفتاح مع بشار الأسد الذي قبل بنفسه فكرة الديمقراطية المتفاوض عليها، وقد أثار هذا دهشة الغربيين، الذين فتحوا على الفور جبهة إسلامية تثير القتال".
ولفت كينوش إلى أنه في ليبيا، حتى قبل اندلاع الحرب، بدأ معمر القذافي، بدعم من ابنه سيف الإسلام، مفاوضات من أجل الانفتاح الديمقراطي مع جميع قبائل البلاد، وعندها أرسل الغرب على الفور عناصر تنظيم الدولة لإفساد التحول الديمقراطي.
وفي الجزائر، قال الكاتب: إنها "بالفعل تحت الضغط، لن يكون مفاجئا إذا تم فرض عودة علي بلحاج مرة أخرى إذا غامر بعض أطراف السلطة للمطالبة بمزيد من الاستقلال والمزيد من الديمقراطية. تم العثور على ترياق الانفتاح الديمقراطي في قوة استبدادية كانت تلوح بالتهديد "الديمقراطي" كدرع للتهديد الإسلامي، عندما تكون السلطوية هي التي تسير على ما يرام معها، دائما ما تمهد الأرض وتغذيها عن طريق تصلب المجتمع وخنقه".
وبيّن كينوش، أنه من الواضح أن الغرب يمنع ظهور أي ديمقراطية في الأراضي العربية والإسلامية، ومع الاستبداد، فإنه يخلق الظروف المثالية لظهور حكم الأقلية وتدمير الحرية عموما والفاسدة كما في الجزائر. تخضع الأنظمة الاستبدادية للمساءلة فقط أمام الهيئات الدولية التي لها وزن كبير في اقتصادها القومي، ولكنها ليست مسؤولة بأي حال من الأحوال أمام شعوبها.
واستطرد الكاتب قائلا: "يحتاج الغربيون إلى هذه النخب الفاسدة التي تفضل التخلف الوطني كما هو الحال في الجزائر، لأنهم منفصلون عن مخاوف الناس التي كان من الأفضل أخذها في الاعتبار في نظام أكثر ديمقراطية".
وخلص إلى أنه مع الإسلاموية الخاضعة للسيطرة الجيدة، فإن الفوائد أكثر لأنها تسمح بالتطبيق المستدام إما لاقتصاد السوق أو القيمة السياحية، وقبل كل شيء، تغذي الإسلاموية الرجعية والتخلف التكنولوجي، الذي يعتبر، من حيث النضال من أجل الحضارة الإسلامية، التي تعتبر قيودا ثقيلة لدرجة أن الغرب متقدم فيها لعقود عن العالم العربي.
وفي نهاية مقاله تساءل الكاتب قائلا: هل تستطيع الجزائر الخروج من هذه القبضة، حيث السلطوية تتعارض مع الإسلاموية؟