"حرب مستترة".. ماذا وراء ضغط النظام السوري على الأردن عبر نهر اليرموك؟
.jpg)
رغم تطبيع النظام السوري علاقاته مع الأردن عام 2021، وبحثه عن عرابين لتعويمه عربيا ودوليا، إلا أن "حربا خفية" بينهما طفت على السطح مطلع العام 2022.
وفي خطوة تكشف مدى الخلافات رغم التقارب السياسي والاقتصادي الجديد بعد سنوات من القطيعة، أكد وزير المياه والري الأردني، محمد النجار، أن الاتفاقية مع النظام السوري حول استثمار نهر اليرموك "لم تحدد حصة ملزمة" للأردن.
حصة الأردن
وأكد الوزير الأردني خلال تصريحات في 31 يناير/كانون الثاني 2022، وجود مقتضيات لتعديل بنود الاتفاقية بما يتلاءم مع التوقعات المحتملة للتغير المناخي واستضافة حوالي 1،5 مليون لاجئ سوري مقيمين في الأردن.
وتعتبر المملكة الأردنية من بين الدول العربية الأكثر استقبالا للسوريين الذين فروا من هجمات قوات النظام على مدنهم، بعدد بلغ 1.3 مليون، نصفهم يحملون صفة لاجئ.
ونوه النجار إلى أنه "لا توجد أي اتفاقيات جديدة مع الجانب السوري بشأن تزويد المياه للأردن"، مبينا وجود أضرار اقتصادية على بلاده؛ لعدم التزام النظام السوري بحصة الأردن من مياه نهر اليرموك منذ توقيع الاتفاقية، والمخصصة لأغراض الزراعة، وتأثير ذلك على إنتاجية القطاع الزراعي في منطقة وادي الأردن.
وأواخر سبتمبر/أيلول 2021، اتفق الأردن والنظام السوري على إعادة تفعيل "لجنة المياه المشتركة" لمتابعة تنفيذ الاتفاقية الموقعة بين البلدين عام 1987 حول استثمار مياه نهر اليرموك، والناصة على حق الأردن بالحصول على نحو 200 مليون متر مكعب من المياه، وبناء سد "الوحدة" (انتهى تنفيذه عام 2007) بذات السعة تقريبا لهذه الغاية.
وتضمن آنذاك الاتفاق الحصول على المياه الإضافية والطاقة الكهرومائية التي يحتاجها البلدان عن طريق إنشاء سد "الوحدة"، والذي يشمل سدا يعد لجمع مياه النهر.
وكذلك خزان مقام على نهر اليرموك في الأراضي الأردنية السورية وعلى مقربة من محطة "المقارن" في سوريا، وهذه المياه معدة لتوليد القوة الكهربائية وإرواء الأراضي الأردنية وأيضا السورية المحاذية لمجرى النهر حتى منسوب 200 متر فوق سطح البحر.
ويبلغ طول نهر اليرموك 57 كم، منه 47 كم داخل الأراضي السورية، وهو ينبع من بحيرة مزيريب في محافظة درعا، ثم يسير ليشكل جزءا من الحدود السورية الأردنية، وهو أحد ثلاثة روافد لنهر الأردن بين بحيرة طبرية والبحر الميت، النهران الآخران يصبان في نهر الأردن إلى الجنوب من نهر اليرموك وهما نهر الزرقاء وعرنون ووادي مجيب.
وكان نهر اليرموك يزود الأردن بحوالي 185 مليون متر مكعب من المياه سنويا حتى عام 1994، ثم بدأت هذه الكميات بالتناقص حتى وصلت إلى أقل من 60 مليون متر مكعب سنويا، قبل أن يتراوح حجم التخزين في سد الوحدة 14 مليون متر مكعب عام 2012، ما ضاعف العجز المائي في المملكة وفاقم الأزمة المائية.
وبدأت فكرة سد "الوحدة" بهدف تخزين مياه اليرموك شتاء، منذ العام 1964، ليكون مشروعا عربيا يتيح للأردن وسوريا الاستفادة من تدفقات مياه اليرموك، وبالتالي حصول الأردن على حصته من المياه.
ورقة المياه
وطالب وزير الزراعة الأردني، خالد الحنيفات، في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، النظام السوري بتفعيل اتفاقية استثمار مياه نهر اليرموك الموقعة عام 1987، متهما النظام بزيادة عدد السدود والحفائر في جانبه بشكل يتجاوز الاتفاقية، وتسبب بتراجع كميات المياه التي تصل إلى السد في الآونة الأخيرة.
وللمفارقة، فإنه خلال سيطرة فصائل المعارضة السورية على درعا، كان الأردن يتلقى كميات كافية من مياه نهر اليرموك، إلا أنه عقب اتفاق "التسوية" في الجنوب السوري عام 2018 وعودة نظام بشار الأسد للسيطرة تدريجيا على المحافظة، بدأت عمّان تشعر بنقص حصتها من مياه النهر.
ويرى مراقبون أن "قانون قيصر" الأميركي يقف سدا أمام منح النظام السوري كميات كافية من مياه الشرب والزراعة التي تريدها الأردن، عبر مقايضة يصر النظام على تحصيلها من عمّان كالطاقة، لكون هذا الطلب ما تزال إدارة الرئيس جو بايدن ترفضه، رغم منح استثناءات خاصة ومحددة للأردن لتجاوز "قيصر" في سبيل تحصيل انتعاش اقتصادي.
و"قانون قيصر" الأميركي أقره الكونغرس ودخل حيز التنفيذ منذ 17 يونيو/حزيران 2020، ويهدف لمعاقبة الداعمين والمتعاملين مع النظام السوري.
ووفقا لصحيفة "الغد" الأردنية فإن المملكة لا تحصل على أكثر من 20 بالمئة من حقوقها المائية من سوريا، في وقت جرى تقديم مقترح يتضمن رفع توليد الطاقة الكهربائية من أسفل السد لصالح سوريا، مقابل سماح الأخيرة بزيادة كميات تدفق المياه في سد الوحدة المشترك.
ولهذا اعتبر خبراء أردنيون في قطاع المياه أن استقرار العلاقات الأردنية، السورية، "لم تنعكس حتى الوقت الراهن على حصة الأردن المائية من حوض اليرموك".
ولم يتمكن الأردن من توفير كميات أكبر من تلك المياه المخزنة حاليا في سد الوحدة، إثر حجز سوريا تاريخيا للمياه على روافد نهر اليرموك وبناء حوالي 60 سدا، وحفر عدة آبار جوفية.
وفي هذا السياق، يرى الإعلامي الأردني حمودة مكاوي، أن "النظام السوري منذ فترة طويلة يحاول الضغط على الجانب الأردني بوسائل عديدة، كإرسال مهربي مخدرات عند الواجهة الأردنية الشمالية ودعم تواجد إيراني في جنوب سوريا".
وأردف قائلا لـ"الاستقلال": "لذلك لا أستبعد أن يلعب النظام بورقة المياه أيضا في محاولة للضغط على الأردن لإعادة الحوار مع الأسد حول قضايا عديدة، ما يعزز شرعية النظام محليا وإقليميا وبالتالي تحقيق مكتسبات سياسية واقتصادية ودبلوماسية أيضا".
واعتبر مكاوي، أن "أهم قضية يسعى لها النظام السوري، أن يلعب الأردن دورا أساسيا في تطبيع علاقاته مع دول المنطقة، وهو ما جرى الحديث عنه نهاية 2021 وبداية 2022 لكنه سرعان ما تبخر بعد اعتراض أميركا وأوروبا وبعض دول الخليج عليه".
وأضاف قائلا: "وبعدها شهدنا هجمة شرسة من مهربي المخدرات على الواجهة الشمالية وبدعم إيراني كامل للمهربين، والتي شهدت أخيرا مقتل اثنين من الجيش الأردني وإصابة آخرين أثناء اشتباكات مع المهربين وتصعيد الأردن للهجة الخطاب الرسمي باتهام النظام السوري بأنه يتنصل من مسؤولياته بحماية حدوده".
ثالوث ضاغط
ولطالما كان ينظر إلى أن النظام السوري يستولي على معظم الحقوق المائية للأردن من نهر اليرموك.
ويحصل الأردن على حاجته من المياه من مصادر تعتمد في تجديد مخزونها على الأمطار، التي أصبح معدل هطولها متقلبا بفعل عوامل التغير المناخي.
لذلك يعتبر نهر الأردن وحوض اليرموك من أهم مصادر المياه في الأردن، في وقت يفقد نهر الأردن 85 بالمئة من مدخوله من المياه عن طريق التبخر بفعل ارتفاع درجات الحرارة.
وتؤكد دراسة أردنية أنه لا مفر من تحلية مياه البحر، وسط لهج الحكومة بشكل دائم حول التوعية بترشيد استهلاك المياه وهو أسلوب متبع في البلاد منذ فترة طويلة.
وتدرك الأردن أن كل محاولات الوعي البيئي التي تبثها لمواطنيها لن ينفع أمام الحلول الإستراتيجية التي تسكن أعراض المشكلة لفترة من الزمن قبل أن تعود وتنفجر مجددا.
ويحكم الأردن ثالوث يتعلق بالمياه، الأول الواقع المائي الضعيف، وشح مصادره، والطلب المتزايد عليه، إذ يصنف الأردن مائيا بين أفقر ثلاث دول في العالم.
وتنظر الأردن إلى نهر اليرموك على أنه أحد أهم المصادر المائية الرئيسة له، لكن أمام اتباع النظام السوري لخطوات لتقليل حصة الأردن منه حسب الاتفاقية المذكورة آنفا، بات يتهدده الجفاف بسبب ضعف تدفق وجريان المياه فيه إلى الجانب الأردني.
وهذا الأمر، ينسف الهدف الأساس من إنشاء سد الوحدة المتمثل في تجميع بعض مياه النهر وتخزينها في بحيرة السد، للاستفادة منها في فصل الصيف لأغراض الشرب والري وإنتاج الطاقة.
وبعد 10 سنوات، من الجفاء السياسي والاقتصادي بين المملكة الأردنية والنظام السوري، طوت فيه عمان عقدا من القطيعة، على خلفية اندلاع الثورة السورية عام 2011، بعدما استقبل العاهل الأردني عبد الله الثاني اتصالا هاتفيا من الأسد، في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2021، معلنا صفحة جديدة من "العلاقات المشتركة".
وعلق الأردن آمال اقتصاده على الجارة سوريا، حيث تربطهما حدود تصل إلى 375 كيلومترا، إذ اجتهدت عمّان في محاولات تعويم النظام بالتزامن مع تتويجهما لسلسلة من القفزات المتسارعة على مستوى تطبيع العلاقات.
وتمثلت باللقاءات الرسمية وتحريك الملفات الاقتصادية، وعودة شركة الخطوط الجوية الملكية الأردنية لتسيير رحلاتها لنقل الركاب بين عمان ودمشق ابتداء من 3 أكتوبر/تشرين الأول 2021، كما أعيد فتح معبر نصيب الحدودي بين البلدين، ولا سيما أن الأردن كان يلقي بلائمة عجزه الاقتصادي إلى انقطاع حركة نقل "الترانزيت" (الانتظار) مع سوريا.
المنسق الخفي
رغم كل معطيات التقارب آنفة الذكر، بين الأردن والنظام السوري، إلا أنها ما تزال أقل بكثير من طموح الطرفين.
ويتشبث النظام السوري بالأردن بهدف "تعويمه سياسيا" وإعادته إلى الجامعة العربية، فيما ترى المملكة بسوريا راهنا، فسحة اقتصادية خالصة، وهذه الأخيرة لن تتحقق إلا بقبول خليجي كامل لنظام الأسد تعود فيه حركة "الترانزيت" من وإلى سوريا.
وهذا ما أشار إليه المحلل السياسي الأردني، أحمد فهيم، بقوله لـ"الاستقلال": "لا أظن أن النظام السوري معني بالضغط على الأردن بأي شكل من الأشكال، بل هو على العكس، بحاجة له كونه هو من يعيش في حالة عزلة ويريد فتح آفاق وخطوط تجارة واقتصاد".
وتابع: "فيما يخص قضية نهر اليرموك قد يكون الأمر فنيا أو مرتبطا بالظروف المائية لسوريا ومدى حاجة النظام إلى التقنين في كميات المياه في ضوء الحرب الحاصلة على مستوى العالم حول الموارد المائية، كون الماء أصبح عملة صعبة".
واستدرك فهيم قائلا: "لكن هناك نزاعات تاريخية ودائما ترتبط بالدول الحدودية لها أسبابها، سواء الكيدية أو غير المبررة، وأخرى مبنية على تقارير مغلوطة وهذا السبب برأيي الذي يقف وراء حصة الأردن المتدنية من مياه نهر اليرموك".
واعتبر أن "النظام السوري يجب أن يكون معنيا بتحسين علاقاته مع الأردن الذي لعب دور المنسق الخفي بينه وبين المجتمع الدولي لإعادة دمجه، وخاصة أن للنظام مصلحة فيما يشاع عن مشاريع تزويد الطاقة إلى لبنان".
ويرى المحلل السياسي أنه "رغم كل حالة الانفتاح التي سعى الأردن إلى تحقيقها مع النظام السوري، إلا أن الأخير لا يثق بالنظام الأردني لأسباب تاريخية، لكن خلال العقد الأخير كان النظام يتهم الأردن بأنه ضالع في تجييش الأطراف الأخرى ضده رغم أن هذا غير صحيح".
ومضى موضحا: "الجريرة الوحيدة التي ارتكبها الأردن من وجهة نظر نظام الأسد أنه طرف ضمن مجموعة سياسية معينة تضم أميركا وتقيم اتفاقية سلام مع إسرائيل (1994)، وهذا يجعل الأردن مطعونا به من حيث المبدأ".
وختم فهيم بالقول إن "النظام السوري مضطر للتعامل مع الأردن حسب تموضعه السياسي وخارطة تحالفاته، وعلاقاته مع إسرائيل والولايات المتحدة".