يروج الإباحية والشذوذ.. كيف استعدت نتفليكس لعاصفة "أصحاب ولا أعز" مبكرا؟

محمد السهيلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

أثار فيلم "أصحاب ولا أعز" الذي عرضته شبكة "نتفليكس" الأميركية، بداية من 20 يناير/كانون الثاني 2022، كثيرا من الجدل ممزوجا بالغضب في الشارع العربي، نظرا لترويجه الشذوذ الجنسي والعلاقات المحرمة، ما اعتبر رسالة واضحة من هذه المنصة العالمية عبر أول أفلامها باللغة العربية.

والعمل هو أولى التجارب الإخراجية للبناني وسام سميرة، وهو نسخة عربية من الفيلم الإيطالي "Perfect Strangers"، وقدمه نخبة من نجوم الوطن العربي، بينهم المصرية منى زكي، والأردني إياد نصار، واللبنانيون نادين لبكي، ودايموند عبود، وعادل كرم، وجورج خباز، وفؤاد يمين.

وأحداث الفيلم الذي جرى إنتاجه 18 مرة بلغات عديدة منذ عام 2016، تم تعريبها كاملة، وتم اختيار منى زكي لبطولة العمل نظرا لشهرتها الكبيرة، ولبنان، المعروف كأكثر البلدان العربية انفتاحا على الأفكار المتنوعة، موقعا للأحداث.

وتتلحض أحداثه في اجتماع 7 أصدقاء، 3 أزواج ورجل وحيد، لتناول العشاء بالتزامن مع خسوف للقمر، وانخرطوا في لعبة، بحيث يضع الجميع هواتفهم على الطاولة، ويطلع الجميع على المكالمات والرسائل الواردة، ما يكشف كثيرا من الأسرار.

ودأبت نتفليكس، على تقديم أعمال تتعارض مع الإسلام، والأديان السماوية، وانتهاك قيمها، والتركيز على الإلحاد والشذوذ الجنسي والعلاقات المحرمة، في إصرار على استفزاز مشاعر المتدينين حول العالم.

ترسيخ مرفوض

بمجرد عرض الفيلم، تصدر هاشتاغ "#أصحاب_ولا_أعز قائمة الأكثر رواجا بمواقع التواصل الاجتماعي العربية، وسط تصاعد حالة من الغضب إزاء شبكة نتفليكس المعروفة بالترويج في أغلب أعمالها للشذوذ والمشاهد الإباحية دون مراعاة لطبيعة المنطقة العربية المحافظة.

وكانت منى زكي هي أكثر من طالهم الغضب بين المشاركين بالعمل، بسبب احتواء دورها على ألفاظ نابية وإباحية، إلى جانب مشهد يفهم منه أنها خلعت لباسها الداخلي لتضعه في حقيبة يدها، قبل خروجها للعشاء مع زوجها، تلبية لرغبة شخص مجهول يقضيان وقتا معا عبر الإنترنت.

ما اعتبره متابعون مشهدا صادما ووقحا من ممثلة لم تلجأ لأعمال الإغراء حتى في بداياتها الفنية، فضلا عن الخمور التي تسيطر على غالبية مشاهد الفيلم.

حالة الغضب العربي انصبت أيضا على ما حمله الفيلم من توجهات مثيرة وغير مقبولة في المجتمع العربي.

إذ تكشف أحداث العمل عن قبول أب عربي بأن تمارس ابنته الجنس خارج إطار الزواج، كما يسمح زوج لزوجته بالحديث مع صديقها السابق عن أمور عاطفية، وآخر يكتشف حديث زوجته عن جسدها وملابسها مع شخص افتراضي.

ولعل محاولة تبسيط قضية الشذوذ الجنسي والعلاقات المحرمة دينيا أشد ما أغضب المتابعين الذي انتقدوا بشدة مشهد لوم الأب لزوجته التي وجدت في حقيبة ابنتها واقيا جنسيا، لأنها تفتش الحقيبة دون إذن ابنتها، بدلا من أن يواجه أزمة ابنته.

إضافة إلى محاولة الفيلم ترسيخ التسامح مع مرتكبي الشذوذ الجنسي، وهذا ما بدا في رد فعل الشخصية التي مثلها إياد نصار، حينما اكتشف أن صديقه الذي يعرفه منذ 20 عاما شاذ جنسيا، ثم دعوتهما للعشاء، وكأنه أمر طبيعي.

وتساءل بعض المتابعين عن "الحكمة في نسخ فيلم أجنبي بثقافة وعادات وتصرفات غريبة عن ثقافتنا وعاداتنا العربية"، معلنين مخاوفهم من أن يطال الشاب العربي تلك الحالة بترسيخ تلك الأفكار الشاذة.

من جانبها، انتقدت الباحثة المصرية هدى جابر، أعمال نتفليكس وترويجها لكل ما هو شاذ وباللغة العربية، مؤكدة أنها بهذا "تتحكم في برمجة العقول وتوجهها أكثر للانحراف"، مشيرة إلى أن "الفيلم مسروق بأكمله ويدور فى إطار بطيء وسمج وألفاظ مبتذلة".

وأضافت أن "الفيلم يسرد العلاقات المبتذلة وغير الشرعية بين الأصدقاء، ويكتشفون أن أحد أصدقائهم من قوم (لوط)، وسط شرب وسكر وكأن ذلك شيء عادي في علاقاتنا الاجتماعية".

وأكدت أن تكرار هذه النوعية من الأفلام تزود الطين بلة وتشرعن كل ما هو غير شرعي ولا أخلاقي.

من جانبه أشار المحامي اللبناني الأميركي  رالف نادر، للفارق بين الشرق والغرب، مؤكدا أنه بالنسبة للغرب الفيلم جميل، أما بالنسبة للشرق: فهو "يخدش الحياء ويروج الزنا والفسق ويهدد بتفكك العائلات، كما يشجع لتطبيع اللوطيين في مجتمعنا".

واعتبر البعض أن الفيلم سقطة في تاريخ منى زكي وإياد نصار، الفني، موجهين لهما التساؤل: إذا كنتما تدافعان عن الشاذين جنسيا وحقوقهم، فما موقفكم بعد الفيلم الساقط فكريا وأخلاقيا لو جاء أحد أبنائكم وكان شاذا؟

وفي مقابل الهجوم على منى زكي، جاء أول رد فعل لها متجاهلا الانتقادات معلنة عبر "إنستغرام"، عن سرورها بالعمل وكل من شارك فيه.

وأعلن عدد من الفنانين العرب تضامنهم معها بينهم إليسا، وإيمان العاصي، وعائشة بن أحمد، وناردين فرج، والسيناريست تامر حبيب.

إلا أن زوجها أحمد حلمي، قابل الأمر بسخرية ناشرا صورة لطفله وهو يضع رجليه على وجه حلمي، معلقا: "مطرح ما بحط رأسي بيحط رجليه".

كما وصف الناقد الفني المصري طارق الشناوي تلك الانتقادات بأنها "مثيرة للضحك والسخرية"، داعيا الجمهور للتوقف "عن مطالبة الفنان بتمثيل نفسه فقط".

وقال الشناوي، لموقع "سكاي نيوز عربية"، في 23 يناير/كانون الثاني 2022 إن "الفنان يمثل أي شخصية دراميا ويتقمصها كما هي، والفيلم تعرض لهذا الهجوم الشديد بسبب وجود منى زكي ضمن أبطال العمل، وكان سيمر مرور الكرام لولا وجودها".

ويرى أن "العمل لم يدع للمثلية الجنسية على الإطلاق ولا يدافع عنها، بل طرح فقط وجودها، وفيما يتعلق ببعض الحوارات الجريئة لا بد أن يعلم المشاهد أن السينما لا تدار بأحكام أخلاقية".

لكن حالة الغضب عبر مواقع التواصل الاجتماعي تعززت ببيان قدمه النائب مصطفى بكري المقرب من نظام عبد الفتاح السيسي، لمجلس النواب، قال فيه إن "الفيلم يحرض على المثلية الجنسية والخيانة الزوجية، وهذا يتنافى مع قيم وأعراف المجتمع المصري".

 كما تقدم المحامي بالنقض أيمن محفوظ، بـ"إنذار" لوزارة الثقافة كخطوة لإقامة دعوى قضائية ضدها  وضد المصنفات الفنية لمنع عرض الفيلم".

غزو السوق العربي

وأسست نتفليكس كشركة ترفيهية أميركية من قبل ريد هاستنغز ومارك راندولف في 29 أغسطس/آب 1997، بكاليفورنيا، وأخيرا قامت بغزو سوق الدراما المصرية الأكبر عربيا، بإنتاج أربعة أعمال درامية.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أعلن المطرب الشهير عمرو دياب العودة إلى التمثيل بعد غياب 27 عاما بمسلسل عربي من "نتفليكس".

وتعاقدت الشبكة العالمية على تقديم مسلسل للدمية الشهيرة "أبلة فاهيتا" في 2020، مع ترجمته لأكثر من 19 لغة.

وأعلنت الشبكة عن اشتراك الممثلة هند صبري، ببطولة مسلسلها حول المرأة المصرية والعربية في 2021.

 وفي أيار/ مايو 2019، أعلنت عن أول إنتاج لعمل فني مصري لها بالتعاون مع المنتج محمد حفظي والمخرج عمرو سلامة وبطولة الكوميدي أحمد أمين لتحويل سلسلة "ما وراء الطبيعة" للروائي المصري الراحل أحمد خالد توفيق، إلى مسلسل عرض في 2021.

وأنتجت "نتفلكس" مسلسلات عربية، أردنية هي "جن"، و"مدرسة الروابي للبنات" عام 2019، وعرضت منصتها المسلسلين السوريين "الهيبة"، و"الكاتب".

وفي سبتمبر/أيلول 2020, أثار فيلم "Cuties" أو "طلب كود التفعيل"، لنتفليكس غضب المسلمين، إذ يعرض الفيلم قصة فتاة فرنسية مسلمة من أصول أفريقية في سن 11 عاما أجبرتها عائلتها على ارتداء الحجاب ما دفعها للتمرد وتعلم الرقص بطريقة فاضحة.

ورغم الصعود المدوي لنتفليكس، إلا أن سهم الشبكة شهد في 20 يناير/كانون الثاني 2022، تراجعات حادة بـ20 بالمئة، وقالت شبكة "سي إن بي سي عربية" إن تباطؤ نمو المشتركين تسبب بخسارة قدرها 45 مليار دولار من قيمتها السوقية.

والمثلية الجنسية ومجتمع الميم مصطلحات يروجها الغرب عبر وسائل إعلامه وإنتاجه الفني، ليصرف النظر العربي عن معاني الشذوذ الجنسي واللواط، الكلمات سيئة المعنى والدلالة لدى أصحاب الأديان السماوية وبشكل خاص المسلمين.

سهام قاتلة

وفي تعليقه، قال الكاتب والباحث الإعلامي المصري خالد الأصور لـ"الاستقلال" إن "هذه الشبكة تبحث عن مزيد من الانتشار لإنتاجها الفني الداعي لقيم أخلاقية أو بالأحرى لا أخلاقية، فحرصت على أمرين، أن يجري تصويره في أكثر بلد عربي متحرر اجتماعيا من العادات والتقاليد العربية، وهو لبنان".

وأضاف أن "الأمر الثاني يتمثل في حرص الشبكة على جلب بطلة الفيلم من مصر لضمان مزيد من الرواج لأنماط سلوكية منحرفة، بما تضمنه من خيانات وألفاظ خادشة للحياء، هي أقرب للغة المناطق العشوائية، فضلا عن دياثة الأب، والدعوة للشذوذ والعري".

واستدرك الأصور أنه "طبعا سينادى المتاجرون بحرية الإبداع للدفاع عن الفيلم؛ غير أنه بعيدا عن كونه عملا تجاريا سطحيا، فإنه يسدد سهاما قاتلة لأخلاق المجتمع، لأنه ينقل أفكارا بالجملة لإحداث مزيد من التصدعات في البنيان الاجتماعي والأخلاقي العربي".

وتابع: "بينما نفس هؤلاء الداعين لحرية الإبداع يصمتون صمت القبور إزاء منع السلطات في كل الدول العربية تقريبا لأعمال فنية إذا اقتربت من كسر التابو السياسي، أما كسر التابو الديني والاجتماعي، فحدث ولا حرج".

"وكلنا نذكر في مصر منع السلطات مسلسل (أهل إسكندرية)، لأحد رموز 30 يونيو الكاتب بلال فضل"، وفق الأصور.

وأعرب عن استغرابه من صمت الأبواق الإعلامية باستثناء مصطفى بكري إزاء العمل، ما يعني أنه يحظى بموافقة ضمنية رسمية، وبالتالي فهذا جواز مرور جديد لإنتاج أو السماح للترويج بأعمال مشابهة".

وما يدعم هذا الطرح إعلان نقابة المهن التمثيلية في مصر أنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي اعتداء لفظي أو محاولة ترهيب لأي فنان مصري نتيجة عمل فني ساهم فيه.

وأكدت في بيان بتاريخ 24 يناير 2022 دعمها الفنانة منى زكي حال محاولة البعض اتخاذ أي إجراء من أي نوع كان تجاه الفنانة.

وفي رؤيته حول الأمر، قال الفنان المصري معتز السويفي إن "نتفليكس أو أي منصة لا ولم تجبر المشاهد على مشاهدة أعمالها، وله الحرية الكاملة في المشاهدة أو عدمها".

 وأوضح لـ"الاستقلال" أن "جميع المنصات لا تخضع للرقابة على مصنفاتها، إذ إن المنصات على مستوى العالم وليست لدولة واحدة ولا يوجد قانون رقابة عالمية على المنصات".

وأكد أنه لذلك "فالخطأ على من يشاركون بهذه الأعمال الخارجة عن الأخلاقيات، ومن يروجون لها في الدول الرافضة لمثل هذه السلوكيات، فضلا عن المنتجين الأصليين".

وتساءل: "هل هم لا يقرأون العمل قبل الاتفاق على تصويره والاطلاع على المشاهد التي سيقومون بتصويرها؟ أم تم خداعهم مثلا؟ أم تورطوا ولم يستطيعوا التراجع؟ أم تم إخبارهم بالفكرة دون تفاصيل؟ أم ماذا؟".