التبليغ والدعوة.. جماعة إسلامية نشأت قبل تأسيس السعودية وحظرها ابن سلمان

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

أصدرت السلطات السعودية توجيهات بحظر جماعة "التبليغ والدعوة" المعروفة أيضا بـ"الأحباب" وأمرت خطباء المساجد بتخصيص الخطبة لـ"بيان ضلال هذه الجماعة وانحرافها وخطرها، وأنها بوابة من بوابات الإرهاب".

ووجهت وزارة الشؤون الإسلامية بالمملكة، في 6 ديسمبر/ كانون الأول 2021، خطباء المساجد إلى "ذكر أبرز أخطائهم (الجماعة) وخطرهم على المجتمع، وبيان أن الانتماء للجماعات الحزبية ومنها (التبليغ والدعوة) محظور بالمملكة"، وفق بيان للوزارة.

هندية المنشأ

"التبليغ والدعوة" جماعة إسلامية أسسها عالم الدين الهندي الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي الدهلوي نسبة إلى مدينة "دلهي" الهندية، في عشرينيات القرن الماضي، وكان أميرها حتى وفاته عام 1944.

انطلقت الجماعة من الهند إلى البلدان المجاورة لها ثم انتشرت في البلدان العربية، وأصبح لها أتباع بمختلف بقاع الأرض يطلقون على أنفسهم "أمة الدعوة والتبليغ".

وكما يبدو من الاسم، تهدف الجماعة إلى تبليغ الإسلام والدعوة إليه، فباللغة الأردية تعني "تبليغي جماعت".

وقد أثر الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي في العديد من الأشخاص مثل الشيخين أبي الحسن الندوي ومحمد عمر بالمبوري.

يخرج أتباع الجماعة إلى بقاع نائية في إفريقيا وآسيا غالبا "لنشر الإسلام" و"الدعوة إلى التوحيد" وتنتشر على حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات تصور ما يقولون إنه "دخول قرى بأكملها دين الإسلام" ويطلقون عليها "قرى المهتدين" ويؤسسون فيها مراكز لهم، لكنهم يخرجون أيضا إلى أوروبا لـ"نشر الدعوة".

وعن وجودهم وخروجهم في البلاد الإسلامية يقولون إنه لـ"وعظ المتساهلين" و"نقل الناس من الغفلة إلى البيئة الإيمانية" وتشجيعهم أيضا على الخروج معهم لنشر الدعوة.

والخروج عندهم هو السفر لنشر الدعوة في رحلة تتسم بالتزهد، إذ تحدد مدد الخروج للمتطوعين بثلاثة أيام في الشهر وأربعين يوما في السنة وأربعة أشهر في العمر على الأقل، حسب "الحالة الإيمانية" للمنتسب وقدرته.

ويعرف عن "التبليغيين"، الذين يلقبون أنفسهم بالأحباب، تجنبهم لما يثير الخلاف والعداء ضدهم، فيركزون في دعوتهم على الأمر بالمعروف، ويعيب عليهم الرافضون لهم تركهم للنهي عن المنكر. ويبتعدون أيضا عن الخوض في السياسة والأمور الجدلية.

ترتكز جماعة "التبليغ والدعوة" على مجموعة من الشخصيات الأساسية البارزة تتمثل في كل من: "عبد الرحيم شاه الديوبندي، محمد يوسف الكاندهلوي، محمد زكريا الكاندهلوي، منظور أحمد النعماني، محمد بشير، محمد عمر بالنبوري، أبو الحسن علي الحسني الندوي”.

متهمة بالوثنية

السعودية، التي تأسست عام 1932 أي بعد نشأة الجماعة بسنوات، تتهم "التبليغ والدعوة" بـ"التصوف"، وإن لم يكن لذلك تعريف واحد محدد متفق عليه.

إذ يرى المحرضون على رفضه واستنكاره أنه ابتعاد عن "الثابت في الدين" وحَيد عن الطريق الذي يتفقون على أنه "المستقيم".

وذلك أن التصوف في أصله يعتمد على التأمل والعزلة إلى النفس لمعرفة "الطريق إلى الله"، وله بعد فلسفي معرفي وصبغة روحانية يكون فيها التواصل مع المعبود روحيا.

طرق الصوفية كثيرة جدا ومنتشرة، والتصوف لا يقتصر على المسلمين، وإنما له في ديانات أخرى تنويعات وتسميات مختلفة. وفي السعودية يعتبر "مخالفا لشرع الله"، ويصفونهم بـ"القبوريين".

فيقول عالم الدين السعودي الراحل عبد العزيز بن باز إن الصوفيين "ابتلوا بطرق أحدثوها، أحدثها لهم مشايخهم تخالف شرع الله". ويضيف أيضا "غلبت على المتصوفة البدع".

ووصف المفتي العام للمملكة العربية السعودية عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ في بيان نشر على صفحة الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء على "تويتر" في 9 ديسمبر/ كانون الأول 2021، الجماعة "بقلة العلم وضعف الفقه بدين الله" وقال إن سلوكهم "تصوفي ليس له صلة بالعلم النافع والعمل الصالح".

وقال المفتي إنهم "يتمسكون فقط" بكتاب "رياض الصالحين" و"حياة الصحابة" التي "فيها ما يقبل وما يرد"، متهما جماعة "التبليغ والدعوة" بأن مرجعيتهم "تكاد تكون وثنية".

وفي فتوى أجاب بها على مستفت قال إنه خرج مع "التبليغيين" استجابة لحديث حث فيه المفتي نفسه سابقا على الخروج مع "جماعة التبليغ والدعوة"، وإنه لم تعجبه بعض ممارسات الجماعة، قال المفتي إن في أقوال وأفعال واعتقادات الجماعة "بدع ولا تجوز مشاركتهم حتى يلتزموا بمنهج الكتاب والسنة".

"مؤامرة غربية"

بعد أيام على تحذير السعودية من "التبليغ والدعوة" التي قالت إنها إحدى بوابات الإرهاب، عبر كبار قادة الجماعة عن صدمتهم وغضبهم، ملقين اللوم على ما وصفوها بـ"مؤامرة غربية" لتشويه سمعة جماعة "ذات بصمة عالمية" في التصوف.

وقالت الغالبية العظمى من أتباع الجماعة والمتعاطفون معها، وفقا لما نقلته صحيفة "تايمز أوف إينديا" في 13 ديسمبر/ كانون الأول 2021، إن القرار السعودي أملته "قوة غربية مؤثرة" تريد شل انتماء الرياض للأمة الإسلامية، وفق تعبيرهم.

وتتخذ الجماعة من المنطقة المعروفة باسم نظام الدين، نسبة لزاوية الشيخ الصوفي الشهير نظام الدين أوليا، في دلهي، مقرا لها.

ودافع المتحدث باسم جماعة التبليغ سمر الدين قاسمي عن أعضائها باعتبارهم أصلحوا المسلمين المنحرفين، ووقفوا كالحصن أمام الإرهاب العالمي، حسبما تنقل عنه الصحيفة.

وردا على تصريحات مفتي السعودية بوصفها جماعة "إرهابية"، قال قاسمي: "إنه زعم غير صحيح ضد جماعة التبليغ. لا علاقة لنا بالإرهاب. في الواقع، نحن ندينه ونتبرأ منه ونقف ضده. ولا نسمح لأعضائنا بالحديث ضد أي ديانة أو مجتمع أو دولة ونركز على أركان الإسلام الخمسة".

وأضاف: "لم يتورط أحد رجالنا أبدا في نشاط إرهابي. لقد جرى تضليل الحكومة السعودية".

كما قال محمد ميان، عضو فصيل يسمى "الشورى"، وهو منشق عن جماعة التبليغ: "جماعتنا تعمل في جميع أنحاء العالم بما في ذلك السعودية. نحن نحث المسلمين على اتباع طريق النبي. لن تعلق الشورى على قرار الحظر لكن جماعتنا ستواصل العمل بلا خوف في المملكة".

وكذلك، أدانت دار العلوم "ديوبند"، التي تعد المنبع الأيديولوجي للجماعة، القرار السعودي، وطالب رئيس الجامعة، أبو القاسم نعماني، السعودية بـ"الامتناع عن الإثم وسحب قرار الحظر؛ لأنه قد يبعث برسالة خاطئة إلى المسلمين حول العالم"، وفقا للصحيفة.

كما نقلت الصحيفة عن الناشط المسلم المشهور، ظفر ساريشوالا، قوله: "أنا متفاجئ من القرار السعودي. حتى طالبان تتحدث ضد الجماعة. وإن وصفها بأنها أحد بوابات الإرهاب أمر لا يصدق وغير مقبول".

نشر الدعوة

كما أن للشيخ يوسف القرضاوي الرئيس السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ملاحظات على الجماعة رغم إشادته الكبيرة في جهودها بنشر الدعوة واهتداء الكثير من العاصين على يد علمائها.

ويقول القرضاوي في إحدى حلقات برنامج "الشريعة والحياة" الذي كانت تبثه قناة "الجزيرة" القطرية إن "جماعة التبليغ والدعوة لها جهود مشكورة في دعوة الناس إلى الله، وكم تاب على أيديها من العصاة ورجعوا إلى الله عن طريق ناس من الجماعة".

وأضاف: "ناس كانوا تاركين للصلاة وبواسطة جماعة التبليغ عرفوا المساجد والصلاة، فجهودهم في هذه الناحية لا تنكر".

وتابع: "لكن الشيء الوحيد الذي أنكرته عليهم ولامني عليه بعضهم وذكرته في بعض برامجي التلفزيونية، هو تشددهم في قضية الخروج، وكأن الخروج هذا شعيرة من الشعائر التي ثبتت في الكتاب والسنة، وهو أن يخرجوا ثلاثة أيام في الشهر أو 40 يوما في السنة".

وأوضح القرضاوي أن "هناك بعض الناس (أعضاء الجماعة) بالفعل يتركون نساءهم وأطفالهم الصغار ويسافرون. طيب أنت مسؤول عن رعيتك فكيف تترك هؤلاء، والبعض يترك محله ويخرج، وكذلك الحال مع الموظفين؟".

وزاد قائلا: "هناك ناس تتكلف، فلو جمعت ثمن تذاكر السفر لأعضاء الجماعة لجاءت بعشرات الملايين، وهناك بعض البلاد الإسلامية بحاجة إلى مشاريع كبرى مثل المدارس والمساجد ودور الأيتام والمصانع لتشغيل العاطلين، ولا نجد التمويل لذلك".

ويتساءل: لماذا يسهل على هؤلاء الدفع في الخروج وبعضهم يعتبرها وكأنها حج أو عمرة وهذه فكرة خاطئة.

واختتم القرضاوي حديثه بالقول: "أنا ألوم جماعة التبليغ في قضية الخروج، واعتبارها وكأنها فريضة دينية لا يجوز الخروج عنها! وبعض الناس يهمل واجباته للخروج، وبعض الناس لا يفيد خروجه بشيء، لكن ربما بعض العلماء لو خرج يستفيد الناس منهم".

لكن "التبليغ والدعوة" ليست الجماعة الأولى التي تخصص المساجد والجوامع في السعودية خطبا لها وتحظر اتباعها.

ففي نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2021 صدر توجيه للخطباء بالتحذير مما يعرف بـ"تنظيم السرورية" الذي أسسه محمد سرور زين العابدين في سوريا وانتشر منها إلى بعض دول العالم.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 دعا وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد السعودي، عبد اللطيف آل الشيخ، إلى تخصيص خطبة الجمعة في المملكة لقراءة بيان صدر قبلها بأيام عن هيئة كبار العلماء السعودية، صنف جماعة الإخوان المسلمين "منظمة إرهابية".

ويضطهد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الحركات الإسلامية في السعودية، كما اعتقل العديد من الدعاة والعلماء والأكاديميين، منذ وصوله إلى منصبه في يونيو/ حزيران 2017.

منتمو الجماعة

وفي عام 2009، سلطة صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية الضوء على انتشار جماعة "التبليغ والدعوة" في المملكة، حيث التقت بثلاثة من رموزها في السعودية.

تحدثت مع أحدهم وقتها ويدعى راشد الجدوع، انتمى إلى صفوف "الدعوة والتبليغ" منذ عام 1977، وحينها كان طالبا في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، لا يتجاوز من العمر 18 عاما.

وأشار الجدوع إلى أنهم يتعرضون لمحاولات تسعى لنقض جهدهم الدعوي، بالقول: "من ينقض جهدنا في الأشخاص هم من الذين لا يعرفوننا. نحن نجتهد على الإنسان حتى يستقيم. ونفاجأ أن هناك من خلفنا من يقول إن هؤلاء لديهم خرافات وبدع وعباد قبور وصوفية مبتدعة، والهدم سهل والبناء صعب".

وذكرت الصحيفة أن جماعة الدعوة والتبليغ "تجد معارضة معلنة من قبل الكثير من الأوساط الدعوية في السعودية، وحتى المؤسسة الدينية الرسمية، لدرجة وصلت إلى تبديع هذه الجماعة، والطرق التي تتبعها في الدعوة".

 غير أنه وعلى الرغم من ذلك، فإن أعداد أفراد جماعة التبليغ والدعوة، ومن يؤمنون برموزها، آخذة في الانتشار، وفق قوله.

وأشارت إلى أنه بالرغم من ظهور الجماعة منذ فترة بعيدة في الأراضي السعودية، إلا أنها تفضل العمل في "الظل"، ولا يمكن أن يعرف الشخص ما إذا كان ينتمي لها أو لا، إلا في حال صرح هو بذلك.

وبحسب معلومات الصحيفة السعودية، فإن "غالبية رموز هذه الجماعة هم من التجار والمقتدرين ماليا. فالشيخ راشد الجدوع، والذي يسكن في أحد أحياء جنوب الرياض، يحمل البكالوريوس في الإدارة الصناعية من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، ومع ذلك فهو يمتهن الأعمال الحرة، وهو مصطلح يستخدم هنا للإشارة إلى من لديهم تجارة ما.

وتنعكس القوة المالية للجماعة في طول مكوث أعضائها في الدول الغربية لفترات طويلة. يقول الشيخ الجدوع، إن آخر زيارة كانت لهم إلى فرنسا أقاموا فيها لمدة 4 أشهر.

وشملت آخر الزيارات التي أجروها الولايات المتحدة وبريطانيا وسنغافورة، وغيرها.

غير أن عضو الجماعة الجدوع، يقول إن زياراتهم الخارجية غير مكلفة، على اعتبار أن إقامتهم تكون في العادة بمساجد البلد التي يزورونها أو الإقامة لدى أفراد الجماعة في الخارج.

ويعطي مزيدا من الشرح حول زياراتهم إلى دول العالم بالقول إنه يجري استقبالهم فور وصولهم هناك من قدامى أعضاء جماعة التبليغ في أي بلد كان عربيا أو أجنبيا، ومن ثم يتم بتعريفهم بالبلد، وتسهيل الالتقاء بالناس.

واللافت في دعوة جماعة "التبليغ والدعوة"، أن من هم من "غير المسلمين"، يقعون في آخر اهتماماتهم، إذ يقول الشيخ راشد الجدوع "نحن لا نتحدث لا مع النصارى، أو الهندوس، أو البوذيين. نحن نهتم بعصاة المسلمين".

ولا يتورع أفراد جماعة الدعوة والتبليغ عن الدخول إلى الحانات في البلدان الغربية والعربية للدعوة إلى الله فيها.

يقول الجدوع "إذا كان صيدنا هناك فما المانع من ذلك. نحن نذهب إلى الناس في كل مكان".

وينفي صفة التنظيم عن جماعة "التبليغ والدعوة"، بالقول: إنه ليس لها رموز معينة، إذ يظهر أثر أعضائها على الناس بحسب الخبرة فقط، وليس على أساس رمزية الأشخاص المنتمين لها.

ولا تعتبر الجماعة نفسها تنظيما له أبعاد خاصة، إذ يقول الجدوع: "عملنا دعوي صرف، ليس له بعد سياسي ولا جهادي، فنحن لا ننافس الناس في مناصبهم، ولكننا نجتهد لإصلاح الناس في مناصبهم. وهذا يعطي أمانا في السياسة".

وبحسب الصحيفة السعودية، فإن جماعة "التبليغ والدعوة"، تنتقد انتشار التفسيق والتبديع والتكفير والتفجير في أوساط المسلمين.

وتقول إن دعوتها كانت موجودة منذ زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنها تتعرض إلى "مد وجزر، تغيب وتحضر".