بسبب تعنته ورفضه للنقد.. هكذا يخسر قيس سعيد داعمي انقلابه في تونس

زياد المزغني | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

تدخل الإجراءات الانقلابية التي فرضها الرئيس التونسي قيس سعيد شهرها الخامس، في ظل أزمة اقتصادية وسياسية غير مسبوقة، وسعت من دائرة السخط الشعبي.

هذا الانسداد ضاعف حالة التنديد بقرارات سعيد، في ظل تواصل رفضه الاستجابة لدعوات الحوار التي أطلقتها أحزاب تدعمه ونقابات وطنية في مقدمتها الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر نقابة عمالية بالبلاد) .

وأمام هذا الوضع، يواصل سعيد خسارة أبرز حلفائه الواحد تلو الآخر، ما يجعله في طريق معبدة نحو عزل نفسه عن باقي مكونات المشهد العام، نتيجة تعنته في رأيه ومحاولاته تمرير أفكاره مع عدم تحمله للنقد.

وتعيش تونس منذ 25 يوليو/ تموز 2021 مرحلة حرجة، حين شرع سعيد في اتخاذ قرارات، منها: تجميد البرلمان، وإقالة رئيس الحكومة، وإلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وهو ما اعتبره كثيرون "انقلابا صريحا على السلطات المنتخبة".

ويتبنى سعيد مقاربات أمنية في التعامل مع المعارضين لقراراته الانقلابية والرافضين للأوضاع المعيشية الصعبة، ما تسبب في حالة احتقان اجتماعي بعموم البلاد.

اتهامات للجميع

خلال إشرافه على اجتماع المجلس الأعلى للجيوش ، انتقد سعيد في  30 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 بقصر قرطاج، من وصفهم بمن يحاولون ضرب مؤسسات الدولة والتسلل إلى القوات العسكرية والأمنية.

وشدد على أنهم لن ينجحوا في مآربهم والدولة التونسية ستبقى قائمة.

وكعادته أطلق سعيد الاتهامات يمينا يسارا، موزعة بين من أيده وعدل من موقفه وبين معارضيه.

وعين سعيد في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 أربعة ولاة جدد في محافظات بن عروس (شمال) ومدنين وصفاقس وقفصة (جنوب)، 3 منهم محسوبون على حملته الانتخابية.

واتهم منتقدون هذه التعيينات بقلة الكفاءة والأهلية لتولي هذا المنصب الهام في الدولة.

وردا على ذلك، قال سعيد: ''يجتمعون صباحا مساء ويتحدثون عن بعض من يقدمونهم كفاءات عليا، نحن بحاجة إلى الكفاءات، لكننا في حاجة قبل الكفاءات إلى الصادقين المخلصين للوطن''.

وتابع أن ''الكفاءة عندهم في الخمارات والمطاعم وتهريب الأموال وتجاوز القانون، الكفاءة عندنا هي الوطنية وخدمة الشعب ومطالبه''.

وختم كلمته أمام المجلس الأعلى للجيوش ''لن نفرط في الدولة للصوص والإرهابيين الذين يصنعونهم، يجعلون من الإرهاب أداة من أدوات الحكم.. وكما قلت دوما طلقة واحدة لإرهابي ستقابل بوابل من الرصاص''. 

وفي 10 ديسمبر/كانون الأول 2021، لوح سعيد خلال  لقائه بخبراء في القانون الدستوري بذهابه نحو إسقاط قوائم انتخابية لأحزاب ورد اسمها ضمن تقرير محكمة المحاسبات. وهو ما اعتبره كثيرون تمهيدا لحل البرلمان بمراسيم رئاسية.

مواقف معدلة

هذه الخطوات المتسارعة من قبل سعيد لفرض أمر واقع جديد في البلاد وما رافقها من خطابات متشنجة في اجتماعه بقادة الجيوش، دفعت الأحزاب السياسية إلى التعبير عن تخوفها من هذا المسار والتحذير من عواقبه.

حيث أصدرت أحزاب التيار الديمقراطي والتكتل من أجل العمل والحريات والحزب الجمهوري بيانا مشتركا في 2 ديسمبر 2021، أكدت فيه رفضها القطعي لإقحام الجيش الوطني في الصراعات السياسية.

واستنكرت الأحزاب زج سعيد بالأجهزة الحساسة للدولة في الخلافات السياسية والزيغ بها عن عقيدتها الجمهورية.

ويذكر أن التيار الديمقراطي هو أحد الأحزاب التي رحبت بانقلاب 25 يوليو 2021، واضعا ثقة مطلقة في سعيد.

وسبق وأن اشترك التيار الديمقراطي في حلف برلماني مع حركة الشعب (قومية) التي حافظت على تأييدها لسعيد.

إلا أن إلغاء سعيد للقانون 38 الذي يوجب على الدولة تشغيل من تجاوزت بطالتهم 10 سنوات، وضع الحركة في موقف محرج مع أنصارها.

نظرا لأنها كانت من أهم الداعمين لتحركات العاطلين عن العمل ومهندسي القانون الذي صوت عليه البرلمان التونسي في أغسطس /آب 2020 .

وأفاد زهير المغزاوي أمين حركة الشعب في تصريح لإذاعة اكسبراس إف إم المحلية في 1 ديسمبر/كانون الأول  2021  أن إلغاء سعيد للقانون 38 يقلق حركته، ودعاه إذا كانت لديه حلول أخرى أن يقدمها.

موقف المغزاوي الذي بدا معدلا نسبيا عن مواقف المساندة المطلقة لحركته لقيس سعيد تلاه موقف خارج تغريد سرب المؤيدين لإجراءات 25 يوليو من قبل القيادي في حركة الشعب سالم الأبيض.

وقال الأبيض في تصريحات لإذاعة موزاييك المحلية في 2 ديسمبر 2021 إن "رئيس الجمهورية عنده حزب، ومنه عين وزراء وولاة وحتى مديرين".

وأضاف أننا "نعيش أزمة أخلاق سياسية حيث إن الأحزاب عاجزة عن حماية التجربة الديمقراطية الواعدة وإدارة العملية الاقتصادية والاجتماعية". 

ودعا رئيس الجمهورية إلى تمثيل جميع التونسيين مؤكدا أنه ليس راضيا على المعجمية المليئة بالعنف التي تهيمن على خطاب سعيد، فـ"البرلمان لم يكن خطرا داهما"

تصعيد في الأفق 

تراجع سعيد عن التزامات الدولة تجاه مواطنيها، أثار أيضا تخوفات قطاعات واسعة من العمال والموظفين ممن وقعت نقاباتهم اتفاقات زيادات في الأجور أو امتيازات أخرى مع الحكومات السابقة ولا زالت تنتظر تنفيذها.

إلا أن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد فتحت الباب على مصراعيه أمام تصعيد نقابي يقوده الاتحاد العام التونسي للشغل.

فأقر في 1 ديسمبر 2021 إضرابا عاما مفتوحا في قطاع السكك الحديدية بكامل البلاد تسبب في شل حركة القطارات.

وجاء الإضراب بعد عدم صرف رواتب الموظفين والعمال في الشركة التونسية للسكك الحديدية نتيجة الأزمة المالية التي تعيشها الشركة على غرار عدد من مؤسسات الدولة.

وسط تكرر الحديث عن إمكانية عجز الدولة عن سداد أجور موظفيها بعد فشلها في الحصول على القروض المطلوبة لسد العجز في موازنة الدولة.

وتتوقع الحكومة التونسية عجز موازنة 7.94 مليارات دينار (2.85 مليار دولار) في كامل 2021، بما يعادل 6.6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وهذا التصعيد النقابي ليس الوحيد ولا الأهم، فثمة دعوة لتجمع عمالي كبير بساحة القصبة وسط العاصمة تونس في 4 ديسمبر/كانون الأول 2021، ويتوقع متابعون أن يصدر عن التجمع مواقف حاسمة حول عدد من الملفات الاجتماعية والسياسية.

كما دعا الاتحاد العام الجهوي للشغل بصفاقس (جنوب شرق) إلى إضراب عام في 10 ديسمبر 2021، تحت اسم "يوم الغضب".

وسيشمل اليوم عصيانا مدنيا في كامل العاصمة الاقتصادية لتونس وإغلاق مداخلها وإيقاف جميع الأنشطة بها.

ولمدينة صفاقس تاريخ حافل بالأحداث الوطنية، كان أبرزها إضراب 12 يناير/كانون الثاني 2011، ما ساهم في تسريع إسقاط نظام زين العابدين بن علي .

هذه القرارات رافقتها تصريحات غير مسبوقة لأمين اتحاد الشغل نور الدين الطبوبي في 02 ديسمبر 2021.

حيث تساءل في تصريحات لإذاعة شمس إف إم المحلية عن الصلاحيات والسلطات التي تتمتع بها رئيسة الحكومة نجلاء بودن، مؤكدا أن جميع السلطات قيس سعيد.

وأضاف: "كلما تحدثنا مع بودن تذكرنا بضرورة عودتها لرئيس الجمهورية، مسكينة بودن، امرأة افتخرنا بتعيينها رئيسةَ للحكومة، لكن تمنيت ألا توضع في هذا الوضع، لأن ذلك يمس من صورة المرأة التونسية".

واعتبر الطبوبي أن الوضع برمته في تونس رأسا على عقب، وعلى الجميع أن يثوب إلى رشدهم، والتواضع والحكمة ومصارحة الشعب والقطع مع سياسة الكذب، حسب تصريحه.

مواقف مبدئية 

من جهته اعتبر الناشط السياسي وسيم البوثوري في حديثه للاستقلال أنه "مخطئ من يعتقد أن الاتحاد قد عدل موقفه إزاء منظومة 25 يوليو، الاتحاد تفاجأ كغيره من بقية المكونات بالتطورات المتسارعة التي لحقت الانقلاب" .

وأضاف البوثوري، وهو قيادي بملتقى"اللقاء الشبابي من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية" أن "الاتحاد ساير العاصفة الشعبية وسار على حبل رقيق تاركا لشرعية الأداء الكلمة الفصل في منظومة 25 يوليو، وها هو اليوم يعلن صراحة ضبابية المشهدين السياسي والاجتماعي".

وحول أهمية اتحاد الشغل، لفت إلى أنه "لا يخفى على أحد أن تونس تكونت من ثلاث قوى أساسية: الدساترة والمحافظون والمنظمة الشغيلة التي مثلت في محطات عديدة شوكة في حلق السلطة والجميع يدرك قدرتها على التعبئة والتضحية".

وأوضح: "في تقديري، الاتحاد لن يجد أي أرضية للتفاهم مع منظومة الانقلاب ويتجه نحو مواجهة مباشرة قد تذكرنا بمعاركه السابقة لكنها لن تصل لحدود معركة  1978 (مواجهة بين الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة واتحاد الشغل أدت لسقوط عشرات القتلى واعتقالات واسعة في صفوف النقابيين).

"نظرا لأن شوكة الدولة (الجيش والشرطة) لن ترضى باستمرار هذه الحالة من عدم شرعية مؤسسات الدولة"، وفق البوثوري.