أحمد حسون.. مفتي سوريا الذي تلاعب بالقرآن من أجل النظام ثم أقاله الأسد

مصعب المجبل | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

على مدى نحو عقد من الزمن، ظل مفتي النظام السوري، أحمد حسون، الذي أطاح به رئيس النظام بشار الأسد، محط إثارة للجدل، حتى يكاد يجزم "شعب الثورة" أن حسون لم يجاريه أحد في مداهنة النظام والتزلف له بعبارات مغلفة دينيا خلال السنوات الأخيرة.

ولم يكن كلام حسون من داخل مركز انتخابي لتقديم صوته دعما لانتخابات رئاسية غير شرعية أجراها النظام عام 2014، هو الأول والأخير الذي فضح فيه الرجل نفسه وكشف مدى تطويعه للدين خدمة للحاكم حينما قال أمام عدسات الكاميرا إن "رسول الله أوصى بانتخاب بشار الأسد".

وفي 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أصدر الأسد مرسوما تشريعيا ألغى بموجبه منصب المفتي العام لسوريا ومهامه واختصاصه، وبذلك أقال حسون بشطب المادة "35" من قانون عام 2018 التي تحدد مهام واختصاص المفتي.

وأسند المرسوم المذكور "إصدار الفتاوى" لـ"المجلس العلمي الفقهي" الجديد الذي وسع الأسد من صلاحياته وعين وزير الأوقاف محمد عبد الستار السيد رئيسا له مع معاونين وثلاثين عالما من كبار العلماء في سوريا "ممثلين عن المذاهب كافة".

شطحات المفتي

لقد ذهب حسون (72 عاما) أبعد من ذلك، وبقي محط استغراب بتصريحاته الغريبة والفجة، إلى أن وصل إصداره الجديد للسوريين حينما قدم تفسيرا عجيبا للقرآن الكريم خلال حضوره واجب عزاء الفنان صباح فخري.

وزعم حسون خلال كلمة مصورة نشرت في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 أن خريطة سوريا موجودة في سورة "التين" القرآنية، مفسرا قول الله "لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم"، أي في سوريا فإذا تركها (السوريون) "رددناه أسفل سافلين"، في إشارة منه إلى اللاجئين السوريين الذين فروا من بطش الأسد وتوزعوا في شتى دول العالم.

ولم يكتف بذلك حسون، بل مضى مفسرا قول الله في السورة ذاتها "إِلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون"، أي من بقي إلى جانب النظام السوري ولم يغادر.

لكن وزارة أوقاف نظام بشار الأسد التي يترأسها محمد عبد الستار السيد، وعبر "المجلس العلمي الفقهي" التابع لها، ردت على تفسير حسون بشكل لاذع كشف مدى عمق الخلاف بين حسون والسيد.

وبدا أن السيد استغل الموقف لتوجيه ضربة لحسون، حتى تكون "النهاية" له من منصب المفتي، رغم أن السيد ليس بأحسن حالا من حسون في شطحاته وتوظيف الخطاب الديني في حرب الأسد ضد السوريين.

وزير أوقاف الأسد ذاته الذي يشغل منصبه منذ عام 2007، دعا في يوليو/تموز 2018، في تسجيل مصور، إلى تفسير القرآن الكريم تفسيرا معاصرا وفق ما وصفه بـ"المرتكزات الفكرية لبشار الأسد في الإصلاح الديني".

وفي 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 قدم المجلس، دون أن يذكر حسون بالاسم، ردا على ما سماه "التفسير المغلوط" لسورة "التين"، بأنه "يأتي من خلط التفسير بالأهواء والمصالح البشرية، فقال جل شأنه: (يحرفون الكلم عن مواضعه) أي: على حسب أهوائهم ومصالحهم".

وأضاف المجلس في منشور له أن "تفسير إعجاز الخلق بهذا المفهوم الضيق بعد عن المقصد الإنساني الذي أراده الله في هذه السورة، وهو كلام لا ينطلق من دراية بقواعد تفسير القرآن الكريم، كما أنه إقحام للدين في إطار إقليمي ضيق".

وليست المرة الأولى التي يتلاعب فيها مفتي الأسد السابق، حسون، بالقرآن خدمة لرأس النظام وتقربا من أجهزته الأمنية، إذ عمد مطلع ديسمبر/كانون الأول 2018 إلى تحريف إحدى آيات القرآن الكريم خلال كلمة له في محافظة درعا التي زارها برفقة مسؤول أمني.

وحرف حسون وقتها الآية الثالثة من سورة "قريش"، فقال متعمدا بدل قوله تعالى "الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف"، قال حسون "الذي أطعمهم من بلاد الشام من حوران كنا نطعمهم من أرضنا ونعطيهم من خيرنا"، وخرج حسون ليبرر تحريفه بأنه كان يفسر على طريقة المفسرين القدماء دون اقتطاع.

النشأة والتكوين

ولد أحمد حسون في 25 أبريل/نيسان 1949 بمدينة حلب، وهو ابن محمد أديب حسون، أحد علماء المدينة البارزين والمعروفين باتباع منهج التصوف.

وحصل حسون على البكالوريوس في الأدب العربي من جامعة الأزهر في مصر، وحاصل على دكتوراه في الفقه الشافعي من الجامعة ذاتها.

عينه الأسد الابن مفتيا عاما لسوريا منذ 16 يوليو/تموز 2005، بعدما كان مفتيا لمدينة حلب منذ عام 2002، وشغل عضوية كل من "مجلس الإفتاء الأعلى" بين 2002 و2005، و"مجلس الشعب السوري" بين 1990 و1998.

وهو عضو في "المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية" في إيران، و"مؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي" في الأردن.

وترأس كلا من اللجنة الإعلامية في "المجلس الاستشاري الأعلى للتقريب بين المذاهب الإسلامية" في منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة "إيسيسكو"، والهيئة الاستشارية الشرعية لمجلس النقد والتسليف في "مصرف سورية المركزي".

وشارك في حوار الثقافات في "البرلمان الأوروبي" عام 2008، وأسس "جمعية الفرقان الخيرية"، و"صندوق العافية الخيري"، ثم نال "جائزة السلام" عام 2014 من "مؤسسة دوتشي الإيطالية".

 طاعة السلطان

منذ مارس/آذار 2011 ومع اندلاع الثورة السورية، اختار حسون الوقوف مع الأسد للنهاية، عبر تحويل منبر المسجد إلى منصة سياسية، يقدم منها الولاء والطاعة، وينفث منها حقدا على "شعب الثورة" والدول التي وقفت مع مطالبه المحقة.

وأرسله الأسد في 18 أبريل/نيسان 2011 ممثلا عنه لتهدئة أهالي درعا مهد الثورة، وألقى في خيمة تجمهر حولها الأهالي كلمة تخللها هتافات "حرية حرية" من الثوار مما دفعه للقول: "نقول للرئيس الأسد القضية ليست قضية إرهاب إنما قضية كرامة".

فظن الأهالي وقتها أن حسون جاء ليؤكد أنه يقف لجانبهم، ومع مطالبهم بإسقاط النظام، قبل أن يقاطعه الأهالي بهتاف "الموت ولا المذلة" بعد دعوته للتهدئة والطلب من الأسد أن يحاسب من عذبوا الأطفال الذين أشعلوا شرارة الثورة.

ومنذ البداية، كانت مظاهرات حلب تندد بوقوف حسون، ابن مدينتهم، إلى جانب الأسد، لدرجة أن المتظاهرين هاجموه مستنكرين وقوفه إلى صف الأسد مرددين: "يا حسون شيل العمة.. وحط قرون".

كما لم يدع حسون بابا في التملق إلا وطرقه طالما تقربه من الأسد وحلفائه، طمعا في الحفاظ على منصبه وخشية أن يعزله الأسد ويصبح منبوذا تتلقفه ألسنة الناس بالسخرية.

وسبق لحسون أن هدد المجتمع الأوروبي بإرسال "استشهاديين" ليفجروا أنفسهم في أوروبا، وذلك خلال كلمة له أثناء تأبين ابنه "سارية" الذي قتل في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2011 بعد تعرضه لإطلاق نار من قبل مجموعة مجهولة على طريق حلب ـ دمشق.

واتهم النظام آنذاك المعارضة بقتله لخلط الأوراق، ولا سيما أن مقتل سارية أثار جدلا واتهامات متبادلة بين النظام والمعارضة التي نفت أي صلة لها بذلك، ولا سيما أن الاغتيال جاء في توقيت حساس بلغت فيه رقعة الثورة جميع الأراضي المطالبة برحيل الأسد.

وحينما كانت مدينة حلب بقسمها الشرقي، الخاضع للمعارضة السورية آنذاك، تُدك بطائرات النظام وروسيا خرج حسون في مداخلة مع تلفزيون النظام أواخر أبريل/نيسان 2016، قائلا: "أدعو الجيش السوري إلى غضبة، وأدعو القائد إلى غضبة، غضبة تبيد أولئك المجرمين".

ظهير الإيرانيين

كانت مواقف حسون تدل على قربه من إيران، إذ استنكر السوريون تلقيه في أكتوبر/تشرين الأول 2016 "درع العباس" من أحد المراجع الشيعية التي تقاتل مليشيا تتبع له في سوريا إلى جانب النظام.

وبدا أن حسون حريص على زيارة قادة المليشيات الإيرانية ومعسكراتهم في سوريا، الذين تتذرع إيران أنهم قدموا لحماية مرقد "السيدة زينب"، واللافت أنه في كل زيارة يخرج بتصريحات متملقة لهم.

ومن تلك التصريحات، حين زار حسون مقرا لمليشيا "حزب الله" اللبناني مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2019 في مدينة القصير بريف حمص، التي هجرت منها المليشيات الأهالي وحولتها إلى منطقة عسكرية خالصة قرب الحدود اللبنانية.

وقال حسون مخاطبا عناصر حزب الله وقتها: "نحن لا ندري أي زينب هنا هل هي البنت أم الأخت أم العمة، لا تبحث عن قبورهم في الأرض ابحث عن قبورهم في قلوبنا"، واعتبر ذلك تبريرا واضحا لقتل تلك المليشيات للسوريين تحت حجج واهية.

وكثيرة هي شطحات مفتي الأسد، حسون، وأشهرها عندما رثى قائد "فيلق القدس" السابق، قاسم سليماني الذي قتل بقصف أميركي استهدف مطار بغداد في 3 يناير/كانون الثاني 2020.

وخلال التأبين الذي أقيم في السفارة الإيرانية بدمشق، قال حسون: "الشهيد سليماني تبكي عليه أمة وتحمله أمة، وتستقبله في الجنة أمة، أيها الراحل عنا أيها الفريق اللواء الحاج، لقد شرفت الألقاب، كنت زاهدا بها.. كان حلمك أن تصلي في القدس (..)".

الكاتب والباحث السوري الراحل، محمد خليفة، قدم استشرافا عن حسون عبر مقال كتبه في فبراير/شباط 2013، قائلا إن "السوريين يعلمون يقينا أن حسون صار مفتيا بفضل علاقاته مع الاستخبارات والنظام، وأخيرا ببشار الأسد الذي يقال إنه على علاقة قوية معه شخصيا".

وفي المقالة التي جاءت تحت عنوان "المؤسسة الدينية في نظام الأسد وظاهرة الحسون مفتي سوريا يرقص على أنغام المطربين في المساجد"، أضاف خليفة "عندما سألت بعض شيوخ حلب عن سبب اختيار حسون مفتيا تلقيت الإجابة نفسها".

وتابع: "قالوا لي وكأنهم يقرؤون من نص مكتوب: تزلفه الفائض للنظام وللأسد شخصيا أولا.. وتزلفه الفائق أيضا للإيرانيين واقترابه كثيرا من الفكر الشيعي إلى حد أنه شائع عنه الآن في سوريا أنه متشيع سرا".

معاداة اللاجئين

تصدر حسون وقيل بأوامر روسية مهمة الانتقاص من اللاجئين السوريين الذين وصلوا دول أوروبا هربا من جحيم طائرات الأسد وأجهزته الأمنية، لدرجة أنه وصفهم في مقابلة مع قناة "الإخبارية" الموالية في 30 سبتمبر/أيلول 2019 بأنهم "خدم وعمال" لدى تلك الدول التي وصلوا إليها، متعاميا وبكل صلافة عن السبب الرئيس في تهجيرهم.

وعرف عن حسون شدة ملاطفته لمن يلتقي بهم، ويستخدم معهم أسلوبا يصل حد التنطع، ومنها ما نقل عنه عضو برلمان النظام، نبيل صالح، أواخر أبريل/نيسان 2019 بقوله إن حسون قال له في جلسة خاصة للنقاش عن خصوصية العلمانية السورية بأنه "مفتي علماني".

وكثيرا ما أبدى حسون مناصبته العداء لكل من عادى الأسد، وراح يطلق الأوصاف لحلفائه، لدرجة أنه قال في خطبة الجمعة من الجامع الأموي الشهير وسط دمشق في أبريل/نيسان 2017 إن "تحالفنا مع روسيا وإيران شرف لنا".

وخلال حضور حسون في موسكو انطلاق أعمال "المؤتمر العلمي الدولي السادس" في 25 سبتمبر/أيلول 2019 زعم أن سبب التدخل الروسي والإيراني في سوريا هو "لينصروا" قوات الأسد على من "حملوا السلاح ليدمروا سوريا".

ولم يكن انقلاب ميانمار في مطلع شباط/فبراير 2021 يمر مرور الكرام، دون أن يستذكر السوريون رأي حسون في مساندته للحكومة التي ارتكبت المجازر بحق أقلية الروهينغا المسلمة هناك.

واعتبر حسون عام 2017 أن أزمة الروهينغا "ليست دينية بل أمنية" تتخذ من الدين ذريعة لها، وأن ما حدث من حرق للمساجد وقتل للروهينغا هو "مؤامرة ضد ميانمار" كما جرى في سوريا.