بطاقة إسرائيلية.. هكذا يخطط حفتر للفوز بانتخابات ليبيا بعد فشل مؤامراته

إسماعيل يوسف | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

بكل الطرق، حاول الجنرال الانقلابي خليفة حفتر حكم ليبيا بـ"البارود" ففشل، وحاول بالمؤامرات السياسية مع دول الثورة المضادة ففشل، ففكر داعموه في الوسيلة الرائجة حاليا في العالم العربي، وهي التطبيع مع إسرائيل، أملا في أن يكون "بطاقة اقتراع" مروره للرئاسة.

وفي توقيت واحد تحرك الجميع لترتيب انتخابات رئاسية على مقاس الانقلابي "حفتر" وتمهيد الأرض لضمان نجاحه، بداية من سن قانون من برلمانه في طبرق مفصل عليه، إلى إعفاء أميركا من محاكمته، ثم توسط الإمارات له مع إسرائيل، حتى عقدت فرنسا مؤتمرا لدعمه.

تلميع الصورة

بعدما حددت محكمة أميركية في 28 أكتوبر/تشرين الأول 2021 لمحاكمة حفتر في ثلاث قضايا بصفته "مواطنا أميركيا" بتهمة ارتكاب جرائم حرب، عادت قاضية محكمة شرق ولاية فرجينيا، لتعلق جلسات المحكمة إلى حين انتهاء انتخابات 24 ديسمبر/كانون الأول 2021.

تزامن قرار المحكمة مع سفر "صدام" نجل خليفة حفتر إلى إسرائيل "سرا" وطلبه مساعدات عسكرية ودعما لأبيه، مقابل تطبيع ليبي وعلاقات دبلوماسية كاملة، يطرح تساؤلات حول دعم أميركا لتولي حفتر السلطة.

إدانة حفتر قضائيا كانت شبه مؤكدة، والتأجيل استهدف تلميع صورته كرئيس مرشح محتمل لليبيا، ويعطيه حصانة تحميه، مثلما فعلت أميركا بحماية رئيس وزراء مصر من المحاكمة في جرائم رابعة، بإعطائه "حصانة دبلوماسية".

صحيفة "واشنطن بوست" وصفت في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، حكم القاضية بتعليق المحاكمة لما بعد الانتخابات بأنه "غير معتاد"، مستغربة قول القاضية إنها "تخشى أن يجرى استخدام هذا التقاضي للتأثير على الوضع السياسي الهش في ليبيا". 

وبعد إعلان المفوضية العليا للانتخابات الليبية باب الترشح لانتخابات الرئاسة من 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، حتى 28 من الشهر ذاته، ذكرت وكالة الأناضول التركية، أن هناك تسعة مرشحين محتملين تردد اعتزامهم الترشح في انتخابات الرئاسة.

والمرشحون هم، الانقلابي حفتر الذي أعلن توقفه عن أداء "مهامه" وتسليمها لـ"رئيس أركانه"، قبل الانتخابات بثلاثة أشهر (كما ينص قانون الانتخاب الرئاسية) تمهيدا لإعلان ترشيحه.

إضافة إلى رئيس الحكومة الحالية، عبد الحميد الدبيبة، ووزير الداخلية في حكومة الوفاق الوطني السابقة، فتحي باشاغا، ورئيس حزب "السلام والازدهار"، محمد خالد عبد الله الغويل.

وأيضا، رئيس الوزراء الأسبق علي زيدان، ووزير التعليم السابق عثمان عبد الجليل، ورئيس تكتل "إحياء ليبيا"، عارف النايض، ورئيس حزب "تيار المشروع الوطني"، فتحي بن شتوان، ورجل الأعمال المقيم في الإمارات، إسماعيل الشتيوي.

بطاقة إسرائيلية

رغم ما تسرب من أنباء سابقا عن تعاون إسرائيلي مع حفتر، وعقد لقاءات بينه وبين مسؤولين في المخابرات الإسرائيلية، ظل أتباعه ينفون علاقته بهم خشية تأثير ذلك سلبا عليه في الانتخابات.

لكن كشف محلل الشؤون الاستخبارية بصحيفة "هآرتس" العبرية، يوسي ميلمان، في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 زيارة نجل حفتر إلى إسرائيل، لطلب دعم والده عسكريا ودبلوماسيا مقابل "رده الجميل بعلاقات دبلوماسية مع إسرائيل لو فاز".

"هآرتس" قالت بوضوح إن زيارة حفتر الابن لإسرائيل، مرتبطة بانتخابات الرئاسة الليبية المقررة في 24 ديسمبر/كانون الأول 2021، وأن الوصول إلى إسرائيل عبر الإمارات، هو جزء من توسيع حفتر لقاعدة دعمه وسط الضغوط التي يواجهها.

صحيفة "يسرائيل هيوم" زعمت في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 أن الانقلابي حفتر هو الأقرب إلى الفوز في الانتخابات، مشيرة إلى أن ذلك يعني، حسب مصادر مقربة من حفتر، أن التطبيع مع إسرائيل "بات قريبا".

وتوقعت أن تكون ليبيا هي الدولة العربية الخامسة التي تنضم إلى قطار التطبيع مع إسرائيل، وقالت إن حفتر تحدث عن التطبيع مع إسرائيل في أكثر من محفل، وأكد أنه سيسعى إلى ذلك بجهد إذا جرى انتخابه رئيسا لليبيا.

الصحيفة العبرية نفسها سبق أن كشفت أن حفتر استعان بمستشارين إسرائيليين في ظل سعيه إلى الترشح للرئاسة، كما أراد منهم أن يخططوا لحملته الانتخابية.

مصدر إماراتي قال للصحيفة إن "حفتر أكد أنه سيعمل من أجل التوصل إلى سلام مع إسرائيل"، ونقلت عن مصادر مقربة من حفتر: "فقط السلام مع إسرائيل من شأنه أن يجلب الاستقرار لليبيا وكذلك ترميم البنية التحتية فيها!".

ويعول حفتر (أميركي الجنسية وعميل CIA السابق) على تغيير إسرائيل اللعبة بالنسبة له في ليبيا، فهو المرشح المثالي لإسرائيل والإمارات، وكلاهما يتفقان على الرؤية الأيديولوجية للمنطقة، ومحاربة الإسلاميين وحرمانهم من "ربيع ليبيا".

"هآرتس" أكدت أن حفتر الأب أجرى اتصالات سرية مع إسرائيل في الماضي عبر دائرة "تيفل" للاتصال الخارجي في جهاز الموساد، والتقى بممثليها في عدد من المناسبات.

وقالت الصحيفة العبرية إن "عملاء مخابرات عدة بلدان (لم تسمها) يعملون سرا في ليبيا ويساعدون جهود عائلة حفتر للسيطرة على البلاد بأكملها، ويساعد حفتر أيضا مرتزقة روس ينتمون إلى مليشيا تُعرف باسم مجموعة فاغنر".

صحيفة "تايمز" البريطانية أكدت أيضا في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 نبأ سعي "أمير الحرب الليبي" حفتر لاستخدام "ورقة التطبيع مع إسرائيل مقابل حصوله على الدعم في الانتخابات القادمة".

وأشارت إلى أن زيارة صدام حفتر لإسرائيل هي الثانية من نوعها خلال العام 2021، إذ سبقها زيارة غير معلنة أيضا في مارس/آذار 2021، حيث التقى مسؤولين في المخابرات الإسرائيلية؛ لمناقشة ملف الانتخابات الرئاسية.

الزيارة الأولى كشفها موقع "واشنطن فري بيكون" في 1 أبريل/نيسان 2021 مؤكدا أن صدام حفتر التقى مسؤولين بالمخابرات الإسرائيلية في 3 مارس/آذار 2021، في مؤشر على التطبيع.

ونقلت "تايمز" عن المحلل الليبي أنس القماطي، أن سعي حفتر دعم إسرائيل هو "جزء من توسيع قاعدة دعمه"، وأن "إسرائيل ستغير اللعبة بالنسبة له، فهو "المرشح المثالي لإسرائيل والإمارات، وكلاهما يتفقان على الرؤية الأيديولوجية للمنطقة".

وسبق لصحيفة "إسرائيل اليوم"، في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2021 تأكيد أن حفتر، وسيف الإسلام القذافي تعاقدا مع شركة إعلانات إسرائيلية، لتتولى إدارة حملتيهما لانتخابات الرئاسة.

وقالت إن "حفتر وسيف الإسلام سيتواجهان في انتخابات الرئاسة، لكن بغض النظر عمن سيخرج منتصرا، هناك فائز واحد مؤكد: شركة استشارية إسرائيلية تقدم المشورة لكلا المرشحين".

ويسعى حفتر لرئاسة ليبيا، لكنه يعلم أن فرصه في ذلك ضئيلة، تماما مثل سيف الإسلام، الذي تراوده الفكرة أيضا ويريد خوض التجربة لأنه مطلوب من المحكمة الجنائية الدولية "في ارتكابه جرائم حرب، وكلاهما يهرب من المحاكمة بالترشح".

اهتمام تاريخي

هناك اهتمام إسرائيلي قديم بليبيا، باعتبارها أحد دول الممانعة التي دعمت الحروب ضدها ودعمت المقاومة الفلسطينية.

دعم القذافي للمقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل آنذاك، جعل للأخيرة مصلحة في سقوطه ومقتله وتفكك ليبيا ودخولها في حرب أهلية، وإسرائيل لن ترى أفضل من حفتر ليقوم بتغيير دعم ليبيا لفلسطين والتطبيع معها، بحسب "تايمز".

كما أن الاهتمام يرجع أيضا لموقع ليبيا الجغرافي الإستراتيجي في البحر الأبيض المتوسط ​​وقربها من الحدود المصرية، وبسبب الجالية الكبيرة لليهود الليبيين في إسرائيل وتأثيرهم على من هاجروا إلى إيطاليا، بحسب صحيفة "هآرتس".

فيما محاولات القذافي للحصول على أسلحة كيماوية وبيولوجية ونووية سبق أن جذبت انتباه الاستخبارات الإسرائيلية، مما دفعها لتنفيذ عمليات استخباراتية هناك.

وأفاد تقرير "هآرتس" بأنه "بعد وفاة القذافي، نُهبت مخازن الأسلحة الليبية وتم تهريب الكثير من المعدات العسكرية برا عبر مصر وسيناء إلى حركة حماس في غزة، وبحرا إلى حزب الله في لبنان".

ووفق مراقبين، يبدو أن هناك تنسيقا إماراتيا إسرائيليا مصريا فرنسيا أميركيا لتنصيب حفتر رئيسا لليبيا مقابل التطبيع مع إسرائيل، باعتبار أنه "يلبي مصالحهم جميعا".

"هآرتس" ذكرت أن "صدام حفتر"، وصل إسرائيل، بطائرة "فالكون" قادما من دبي، والتقى مع جهات أمنية (لم تحددها)، ما يشير إلى دور الإمارات في هذا التطبيع.

تخصيص الإمارات طائرات فارهة لنقل من يريد التطبيع مع إسرائيل وآخرهم نجل حفتر نيابة عن أبيه مؤشر واضح لدورها كـ"عراب للتطبيع"، يقول متابعون.

وقال الكاتب المصري وائل قنديل: "من يحاربون الربيع العربي منذ ثماني سنوات، هم الأكثر هرولة في اتجاه التطبيع". 

من جانبه، قال المحلل السياسي الليبي عادل عبد الكافي: "ما يقوم به حفتر ونجله يتم بتنسيق إماراتي إسرائيلي لإتاحة المجال للرجلين كي يلعبا دورا في المرحلة المقبلة".

وأضاف عبد الكافي في حديث لموقع "الحرة" الأميركي في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 أن زيارة نجل حفتر لإسرائيل هدفها أيضا "عرقلة أي عقوبات محتملة على حفتر وأبنائه، بسبب جرائمهم".

توريث الرئاسة

وبسبب الدعاوى المرفوعة ضد حفتر أمام محاكم فيدرالية أميركية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وانتهاكات حقوق الإنسان، وكبر سنه وسمعته السيئة بين الليبيين بعد قصفه طرابلس عام 2019 وقتل أبرياء في مقابر ترهونة الجماعية، يفكر في التنازل لابنه.

خبير في الشؤون الليبية أبلغ "الاستقلال" أن "هناك مؤشرات قوية أن نجل حفتر طلب من الإسرائيليين عرض أمر ترشح أبيه على الأميركان لمعرفة موقفهم، قبل إعلان حفتر ترشحه رسميا، بحيث يمكن ترشيح بديل من الأسرة لو رفضوا". 

وأوضح أن "فرص صدام حفتر الابن أفضل من والده، رغم اتهامه بالفساد والبذخ، لذا كان جزءا من زيارته لإسرائيل هو تسويق نفسه كمرشح رئاسي بدل والده، حال أبلغ الأميركان إسرائيل أن هناك فيتو على حفتر".

موقع "واشنطن فري بيكون"، كان قد قال قبل 8 أشهر إن حفتر الابن، الذي يعمل وكيلا لأبيه، "يتطلع لمقعد الرئاسة في ليبيا، والحصول على دعم غربي لسعيه لحكم البلاد".

فيما أكد مركز أبحاث "بروكينغز" في دراسة 19 يناير/كانون الثاني 2021 أن "مصر والإمارات وروسيا يدعمون حفتر لمصالح".

ومصر تتمتع بعلاقات تاريخية مع منطقة برقة الساحلية الشرقية في ليبيا التي تخضع لحكم حفتر، ويهمها زيادة نفوذها هناك لأسباب أمنية واقتصادية، بحسب الدراسة.

والإمارات تسعى إلى إضعاف جماعة "الإخوان المسلمين" في جميع أنحاء العالم، بما فيها ليبيا، وكذا استغلال موانئ بنغازي وطبرق لتعزيز نفوذها في التجارة البحرية.

أما روسيا، فتسعى للوصول إلى موارد الطاقة والموانئ والقواعد البحرية في البحر الأبيض المتوسط ​، والاستفادة من عقود البنية التحتية وتصدير الأسلحة لليبيا.

وكل هؤلاء يفضلون ليبيا غير مستقرة، لأن توحيدها في ظل حكومة واحدة، قد لا يعتمد على دعمهم، ويقلل من نفوذهم ويعرض وجودهم هناك للخطر.

على مقاس حفتر

في هذا السياق، سعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ودول داعمة لحفتر إلى حشد أكبر تحالف دولي ممكن له بانتخابات ليبيا، ولو بلا قاعدة دستورية ولا قوانين انتخابات توافقية أو نصوص الإعلان الدستوري، لتمهيد طريقه إلى الرئاسة.

و"مؤتمر باريس" الذي سعى ماكرون لعقده في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وبحضور إسرائيل رغم عدم علاقتها بليبيا، استهدف التمهيد أيضا لوصول حفتر لكرسي الرئاسة.

هدف المؤتمر هو فرض "انتخابات الأمر الواقع"، التي هندس قوانينها عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، بلا توافق مع "شركائه" في طرابلس، وعزل وشيطنة وربما معاقبة رافضي إجراء الانتخابات التي لا توجد قاعدة دستورية تديرها.

 ماكرون سعى أيضا لتحصين نتائج الانتخابات، من أي طعن لدى الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا، وهو ما لجأ إليه المجلس الأعلى للدولة، ما يجعلها هشة أمام أي طعن لدى القضاء لتكون على مقاس حفتر.

وكانت مفارقة أن تدعو باريس قادة إسرائيل واليونان وقبرص، إلى قمة باريس، في وقت غابت عنه تركيا والجزائر، لفرض تل أبيب طرفا في الأزمات الداخلية للدول العربية، رغم اعتراض ليبيا رسميا على حضورها.

دفع هذا رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، خالد المشري، للدعوة إلى مقاطعة الانتخابات؛ احتجاجا على السماح بترشح من سماهم "المجرمين"، في إشارة إلى حفتر وسيف الإسلام.

وقال المشري في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 إن "السماح لهؤلاء المجرمين بالترشح يماثل السماح للنازية بالعمل في ألمانيا"، على حد وصفه.

وأشار إلى أن "القوانين الانتخابية الجديدة فصلت على مقاس حفتر وسيف الإسلام وغيرهما من الشخصيات الجدلية التي شاركت في الاقتتال الليبي خلال السنوات الماضية".

وشدد المشري على أن ليبيا حاليا أمام ثلاثة سيناريوهات، "النزول إلى الشارع، أو تأجيل الانتخابات إلى حين التوافق على القوانين، أو العودة إلى الحرب والانقسام".

كما أصدر 22 قياديا بعملية "بركان الغضب" التي تصدت لهجوم حفتر عام، بيانا مشتركا يرفضون فيه قوانين الانتخابات الصادرة عن مجلس النواب ويؤكدون أنها "غير مبنية على أي توافق سياسي".

وأكدوا أن مراجعة قوانين الانتخابات "لا تعني رفض مبدأ الانتخابات وأهمية إجرائها في موعدها، لكن الانتخابات الرئاسية دون دستور أو قاعدة دستورية هي "مشروع ديكتاتورية" مهما كانت النتائج.