لوقف نزيف الموارد المالية الخارجية في تونس.. ما الخيارات والبدائل؟

طارق الشال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

وسط اقتصاد يعاني أزمات بالفعل، دفعت التوترات السياسية تونس إلى مزيد من التدهور الاقتصادي، لينعكس ذلك على الموارد المالية الخارجية التي تعاني نقصا حادا تصاحبه أزمة مالية تعد هي الأسوأ من نوعها.

البنك المركزي التونسي، أعرب في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2021، عن "انشغاله بخصوص الشح الحاد في الموارد المالية الخارجية مقابل حاجيات هامة لاستكمال تمويل موازنة الدولة لسنة 2021، وهو ما يعكس تخوف المقرضين الدوليين في ظل تراجع الترقيم (التصنيف) السيادي للبلاد".

وحذر البنك، في بيان له، من أن "تدهور المالية العمومية التي تعاني وضعية هشة، علاوة على تداعيات ارتفاع الأسعار العالمية للنفط، من شأنه المساس باستدامة الدين العمومي".

وتعاني المالية العامة التونسية من وضع صعب للغاية، إذ يتوقع أن يبلغ العجز المالي 11.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للعام 2020، وهو الأعلى منذ ما يقرب من 4 عقود.

أسباب الأزمة

تعود أسباب التراجع الحاد في الموارد المالية الخارجية، إلى الاضطرابات السياسية ما يرهب المؤسسات المالية الخارجية، بالإضافة إلى تراجع التصنيف الائتماني للبلاد وتزايد العجز المالي بشكل متسارع ومستمر دون وضع آلية للتعامل مع هذه الأزمة.

وخفضت وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية، في 8 يوليو/تموز 2021، تصنيف تونس إلى B-، مع نظرة مستقبلية سلبية في ظل ارتفاع مخاطر السيولة.

وبحسب الخبير الاقتصادي، عز الدين سعيدان، فإن الاقتصاد التونسي يواجه تراجعا كبيرا في الموارد الخارجية والداخلية معا، مشيرا إلى أن هذه الأزمة هي نتاج سنوات عديدة.

وأشار سعيدان لـ"الاستقلال"، إلى أن بيان البنك المركزي الأخير جاء متأخرا جدا لسنوات خاصة وأن هذه الأزمة واضحة ولطالما تعالت الأصوات بضرورة الانتباه لها.

واعتبر أن "البنك المركزي" يحاول من خلال هذا البيان التنصل من المسؤولية ليلقيها فقط على الحكومات المتعاقبة التي جاءت خلال السنوات السابقة.

وأرجع أسباب هذه الأزمة إلى الارتفاع الكبير في نفقات الدولة خلال السنوات السابقة بينما الاقتصاد التونسي في نفس الوقت لا يحقق أي نمو يذكر.

ولفت إلى أن نفقات الدولة ترتفع منذ 2011 إلى عام 2021 بمعدل 10.5 بالمئة سنويا بينما الاقتصاد التونسي لم ينم بما يزيد عن 1 بالمئة سنويا خلال نفس الفترة.

وبالتالي هذا الفارق تسبب في ارتفاع الدين العمومي بشكل سريع، بالإضافة إلى عدم إمكانية تعبئة مزيد من الموارد، لينتج في نهاية المطاف عجز في الموازنة العامة.

وبحسب قانون المالية لعام 2021، كان الدين العام لتونس لا يتجاوز 43 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2009، ليصعد إلى 90 بالمئة عام 2020.

وتظهر نشرة الدين العمومي الصادرة عن وزارة المالية، في يونيو/ حزيران 2021 أن الدين العام بلغ في ذلك الشهر 99.29 مليار دينار (35.58 مليار دولار).

 وينقسم هذا الدين إلى ما بين 62.01 مليار دينار (22.2 مليار دولار) ديون خارجية مستحقة على البلاد، و37.28 مليار دينار (13.36 مليار دولار) دين داخلي.

ويتوقع البنك المركزي التونسي، أن يبلغ الدين العام بنهاية 2021 حوالي 109.23 مليارات دينار (39.18 مليار دولار) منها 74.21 مليار دينار (26.5 مليار دولار) دينا خارجيا.

"النقد" المنقذ

وفي ظل الاضطرابات السياسية التي تعيشها البلاد وتجميد نشاط البرلمان والنزاع السياسي الحاصل بين السلطة التنفيذية المتمثلة في الرئيس التونسي قيس سعيد والسلطة البرلمانية، يخشى المنقذ الوحيد لتمويل العجز الحاصل في البلاد وهو صندوق النقد الدولي إقراض البلاد.

وكانت قد دخلت حكومة هشام المشيشي السابقة خلال العام 2021 في مفاوضات طويلة مع صندوق النقد الدولي، للحصول على 4 مليارات دولار (10 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي)، وعرضت خفض الأجور العامة والتخلص التدريجي من دعم الغذاء والوقود.

إلا أن المفاوضات تعثرت ولم تصل إلى شيء رغم تواصلها. ومع إقالة الرئيس التونسي لحكومة المشيشي، وسط حزمة إجراءات استثنائية يوليو/تموز 2021، توقفت المفاوضات تماما، مما حرم تونس من فرصة للحصول على السيولة اللازمة بالوقت المناسب.

وتعاني تونس من عجز في الموازنة يقدر بما يزيد عن 9 مليارات دينار بسبب تعطل خطة الاقتراض الخارجي وتوقف المفاوضات مع الصندوق.

ويرى سعيدان، أن تونس غير قادرة على التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي في ظل وضعها الحالي.

وأشار إلى أن صندوق النقد الدولي لكي يقدم السيولة المطلوبة يشرط أن يكون هناك حكومة أو سلطة قادرة على إنجاز الإصلاحات الاقتصادية الضرورية.

لذا يرى مختصون اقتصاديون على السلطة الحالية اتخاذ الخطوات الضرورية والبدء في هذه الإصلاحات لإقناع صندوق النقد الدولي بأن الوضع في تغير نحو الأفضل وأن هناك ما يكفي من الأسباب لإعادة تحريك هذه المحادثات.

وأوضح الخبير الاقتصادي، أنه في حال كان هناك اتفاق بين صندوق النقد الدولي والسلطة التونسية فلن يكون قبل شهر يناير/كانون الثاني 2022 أو ما بعده نظرا لأن هذه المفاوضات تتطلب على الأقل ما بين 3 إلى 4 أشهر.

وبالتالي تصبح المشكلة الآن في توفير سيولة حتى نهاية عام 2021، "لذا من الضروري إعداد قانون مالية تكميلي لمعرفة كيف سيتم تمويل ميزانية الدولة حتى نهاية سنة 2021، بالإضافة لإعداد قانون مالية لسنة 2022 مما ينبئ بوجود رؤية للبلاد".

ومع تسمية حكومة نجلاء بودن المكلفة في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2021، تحدثت الأخيرة عن عزمها اتباع خطة إصلاح جذرية لاقتصاد البلاد من أجل تحسين ظروف عيش المواطنين وتطوير الخدمات العامة المقدمة للمواطنين، وخاصة في قطاعات النقل والصحة والتعليم.

وتحتاج تونس إلى خطة إنعاش اقتصادي لإنقاذ أكثر من 750 ألف عاطل عن العمل، وبلغت نسبة البطالة خلال الربع الثاني من العام 2021، حوالي 17.9 بالمئة من مجموع السكان البالغ عددهم 11.7 مليون نسمة، وما يزيد عن مليون أسرة فقيرة.

من جهته، قال أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية، رضا الشكندالي، إنه بدون إصلاح المؤسسات العمومية ومنظومة الدعم والتوظيف في القطاع العام، لا يمكن الجلوس مع صندوق النقد الدولي للتفاوض.

لذا طالب الشكندالي، خلال حديثه لـ"الاستقلال"، الحكومة الجديدة بوضع خطة اقتصادية واضحة تلقى رضا صندوق النقد من أجل استمالة الأخير للحصول على العملة الصعبة.

أبرز الاحتمالات

ولكن تظل الاحتمالات كلها واردة في ظل حالات السخط الحاصلة في البلاد وخروج العديد من التظاهرات الرافضة للسياسات التي اتخذها الرئيس التونسي، ما يعني أن وصول المفاوضات الجديدة التي تسير فيها الحكومة الجديدة إلى الظلام وارد.

وبالتالي في حال لم تتحصل تونس على الأموال من صندوق النقد الدولي فلن يكون أمامها سوى بدائل صعبة منها اللجوء إلى أموال البنك المركزي التونسي.

وهو ما حذر منه البنك المركزي، مشيرا إلى أن تمويله للموازنة ينطوي على مخاطر اقتصادية من بينها زيادة التضخم وتقليص احتياطياته من النقد الأجنبي والتسبب في هبوط قيمة العملة المحلية.

بدوره، يرى سعيدان، أن هناك بديلين فقط في حال لم تتوصل تونس لاتفاق مع صندوق النقد وهي تعبئة موارد مالية بالعملة الصعبة في حدود 3 مليارات دولار لطمأنة السوق المالية الدولية والدائنين بأن البلاد قادرة على مجابهة نفقاتها بصفة طبيعية.

وفي حال لم يتحقق ذلك، سيبقى الحل الأسوأ هو تمويل عجز الميزانية من البنك المركزي عبر طباعة الأوراق النقدية، ما يعني خلق أموال إضافية داخل المنظومة الاقتصادية دون وجود مقابل اقتصادي أو إنتاج حقيقي، وبالتالي تكون النتيجة الحتمية زيادة الأسعار وارتفاع التضخم، وفق تعبيره.

وأظهرت بيانات صادرة عن البنك تراجع احتياطي النقد الأجنبي لتونس بـ9.5 بالمئة في 9 أشهر، من نحو 23 مليار دينار (8.16 مليارات دولار) في سبتمبر/أيلول 2020 إلى 20.9 مليار دينار (7.4 مليارات دولار) في ذات الشهر من العام الذي يليه.

واعتبر البنك المركزي أن هذا التراجع في النقد الأجنبي يعكس مخاوف المانحين الدوليين في ظل تدهور التصنيف السيادي لتونس وغياب برنامج جديد مع صندوق النقد.

فيما يرى الشكندالي، أنه في حال عدم التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي فإن الحكومة الجديدة لن تكون قادرة على إعداد موازنة 2022، مما قد يضطرها للاقتراض من الدول الشقيقة أو اللجوء للبنك المركزي.

وفي حال لجوء الحكومة إلى البنك المركزي أو الدول الشقيقة، فإنها في نهاية المطاف ستعود مرة أخرى إلى الصندوق وحينها ستكون الإصلاحات عميقة وتقشفية، وفق تقديره.

وأضاف أستاذ الاقتصاد، بأنه لا بد من أن يكون تدخل الدولة قويا جدا على مستوى التهرب الضريبي، والعمل على التخلص من الاقتصاد الموازي لتعظيم إيرادات الدولة بشكل كبير مما يقلص من الصعوبات الاقتصادية خلال الفترة القادمة.

وفي خضم تلك المعطيات بدأ الحديث عن أن تونس تسير على نهج لبنان اقتصاديا الأمر الذي أثار حفيظة المتابع للشأن التونسي.

وحذر خبراء محليون من أن عدم الحصول على تمويل خارجي في الفترة المقبلة يهدد بتخلف تونس عن تسديد ديونها الخارجية، ووصولها إلى الوضع الذي آل إليه لبنان.

بينما استبعد سعيدان، أن تسير تونس إلى ما سارت عليه لبنان أو حتى اليونان، مشيرا إلى أن لكل دولة خصائصها وطبيعتها.

وفيما يتعلق بعام 2021، يعتقد الشكندالي أن تونس لا تسير على نهج لبنان، لأن المبلغ المستحق لسد الفجوة المالية للميزانية صغير في حدود 3 مليار دينار (1.06 مليار دولار) وهذا يمكن من خلال الترشيد الاقتصادي والتعاون مع الدول الشقيقة لحل الأزمة.

وتابع: "نحن بعيدون عن الحالة اللبنانية على الأقل خلال هذا العام الجاري (2021)".