التعديلات الدستورية.. هل تدفع الجيش للانقلاب على السيسي؟

إذا كانت المؤسسة العسكرية في مصر في قلب الحياة السياسية لعقود من الزمن، فإن الجيش يضفي الطابع المؤسسي على دوره السياسي كضامن مزعوم للديمقراطية ومبادئ الثورة. وهو جانب لا يجب الاستهانة به، خصوصا بعد التعديلات الدستورية الأخيرة.
وستسمح التعديلات بإطالة محتملة لوجود عبدالفتاح السيسي في السلطة حتى عام 2030. وقد سمح هذا الاستفتاء بإضفاء طابع دستوري على وجود الرئيس الحالي لفترة طويلة. وهو وضع جزم نائب مدير معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية بباريس، ديديه بيون، أنه لن يتقلص إلا إذا عادت الحركات الاجتماعية الجماهيرية إلى الظهور في مصر.
وفي مقابلة له مع موقع "لي كلي موين أوريان" الفرنسي، قال الخبير الفرنسي إن التعديلات الدستورية المثيرة للجدل التي شهدتها مصر، وصرح النظام أنه تم قرارها بنسبة 88.83 ٪ من الأصوات خلال استفتاء 23 أبريل/ نيسان الماضي، ستكون لها عواقب على البلد.
"رحلة استبدادية"
ورأى الأستاذ الجامعي، أن الجيش وعلى الرغم من الاضطرابات الموجودة داخله، يبقى دائمًا في قلب النظام، لكن مع التعديل الدستوري الأخير، قد يستخدم الجيش هذا الدور للانقلاب ضد السيسي.
وكان بيون قد وصف في مقال له على موقع معهد "إيريس"، ما تشهده البلاد بـ"رحلة استبدادية"، وأوضح الخبير الفرنسي أنه "منذ عام 2013، يمكن ملاحظة تشدد السلطة في مصر، من خلال قمع جميع أشكال المعارضة باسم الأمن القومي، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين، التي يصفها النظام بأنها منظمة إرهابية".
وأشار إلى أن القمع طال أيضا الديمقراطيين والليبراليين -الذين لم يترددوا في دعم إطاحة السيسي بمرسي- حتى لو لم يمثلوا خطرا كبيرا، لم يتمكنوا من فرض أنفسهم على المجال السياسي المصري. ووصف الخبير الأمر بـ"الهروب إلى الأمام"، متابعا، لأنه لم يعد هناك أي حد لهذا القمع، الذي تبرره السلطة بأنه ضروري ضد الإرهابيين.
واعتبر بيون أن معدل المشاركة في الاستفتاء كان منخفضا للغاية على الرغم من أن الظروف التي أُجري فيها الاقتراع، ومطالبة المصريين بالذهاب إلى الصناديق من خلال توفير الحافلات من قبل الشركات، وتوزيع السلع الغذائية، وغيرها.
ونوه الخبير الفرنسي، إلى أنه من الواضح أن جزءا من الشعب المصري يحبذ هذه التدابير، أولئك الذين يتمكن السيسي من إغوائهم، على حد وصف المحاوَر. واستطرد متابعا: "مع ذلك، فإن القاعدة الاجتماعية الشعبية للنظام هشة لكن يمكنها أن تتطور بسرعة كبيرة أمام هذه النتائج المثيرة للإعجاب بالنسبة لها".
السيسي تعلم من الدرس
وتساءل بيون، من كان يظن، في فبراير/ شباط 2011، أن مبارك سيتم عزله من السلطة في غضون بضعة أسابيع من التعبئة المكثفة؟ لقد تعلم الرئيس السيسي الدرس، ولهذا السبب يسعى إلى حبس المجتمع وجميع أشكال المعارضة.
ورأى نائب مدير معهد الدراسات الإستراتيجية، أن السيسي يخشى أن يتطور الموقف في نفس الاتجاه كما في الجزائر أو السودان أو ليبيا، فالبيئة الجيوسياسية في هذه المنطقة غير مستقرة للغاية.
وتشير التطورات الحالية، في رأي الخبير، إلى شيئين؛ من ناحية، لم يتم إغلاق المسلسل الذي فتح في الدول العربية عام 2011 (الربيع العربي) ويمكن أن يتطور في اتجاهات مختلفة. ومن ناحية أخرى، يدرك السيسي هذا الخطر ويخشى أن تتبلور حركات جديدة، ومن هنا تم تنظيم الاستفتاء.
واعتبر بيون أن الوضع مشابه في الجزائر أو السودان، حيث تثار قضية أشكال تنظيم المعارضة، وهذا يطرح السؤال الحاسم المتمثل في قدرة المعارضين على التنظيم وإعادة الحشد ليكونوا فعالين.
ووجد المحاوَر أن ما تشهده المنطقة من تغييرات سياسية حاليا يمكن أن يكون له تأثير، ففي عام 2019، تم استخلاص الدروس من موجة الصدمة لعام 2011 جزئيًا، واليوم، يحجم عدد من الناس عن الثورة لأنهم يتذكرون الوضع المتغير في سوريا أو مصر أو اليمن.
لكنه أوضح أن ما يحدث اليوم في الجزائر والسودان يُراقب عن كثب من قبل جزء كبير من المصريين، وأضاف: "لا أعرف ما إذا كان هذا يمكن أن ينتشر في مصر، لكن الأزمات السياسية التي تنجح بعضها البعض لا يمكن إلا أن تحيي أثر الاحتجاج".
أسباب الثورة مجتمعة
وكان بيون قد أشار في مقاله على موقع معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية "إيريس" إلى أنه في ظل الوضع السياسي توجد العديد من الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية التي يواجهها المجتمع المصري، وقد كانت واحدة من الأسباب الرئيسية للأحداث الثورية في 2011-2013، ولم يتم حلها حتى الآن.
وشدد على أن الاقتصاد المصري يواجه بالفعل عقبات وتناقضات إذ لا يمكنه التغلب عليها إلا من خلال الإصلاحات الهيكلية فقط، ويزداد الوضع قلقًا لأن المساهمات المالية التقليدية الأربعة للاقتصاد تواجه أزمة، فالعملات التي يرسلها العمال المصريون من السعودية وليبيا تتناقص بشكل كبير.
كما هناك انخفاض في إيرادات قناة السويس بسبب انخفاض الحركة الدولية؛ وانخفضت كذلك عائدات السياحة بشكل كبير؛ ولم تعد موارد النفط تسمح بالاكتفاء الذاتي للطاقة، على الأقل حتى الاكتشاف الأخير لحقول الغاز البحرية في شرق البحر المتوسط، ناهيك عن ارتفاع الدين العام.
وقال الخبير الفرنسي، إن هذا الوضع المتدهور أجبر الحكومة على اللجوء إلى المفاوضات مع صندوق النقد الدولي الذي وافق، في يوليو/ تموز 2016، على قرض بقيمة 12 مليار دولار أمريكي على مدار ثلاث سنوات، مع المطالبة باتخاذ تدابير صارمة في مقابل؛ ضريبة القيمة المضافة، وخفض الدعم على المنتجات الأساسية (الوقود والكهرباء)، وخفض قيمة العملة بنحو 50 ٪.
وأوضح المقال أن دوامة التضخم، التي وصلت إلى 30 ٪ في وقت منح القرض، عاقبت الفئات الأكثر فقرا من السكان بما في ذلك الغذاء والنقل، وهما عنصران يؤثران بشكل كبير على ميزانية الأسرة، فعلى سبيل المثال، ارتفع سعر تذكرة مترو القاهرة في مايو 2018 بنسبة 250 ٪ للرحلات الطويلة بعد أن تضاعف بالفعل في 2017.
تحديات على المدى القصير
ولفت بيون إلى أنه في سبتمبر/ أيلول 2017، أصدر صندوق النقد الدولي أول تقرير يشير إلى عودة الثقة في الاقتصاد المصري وتم إصدار شريحة جديدة من القروض في ديسمبر/ كانون الأول من نفس العام، إذ يبدو أن بعض مؤشرات الاقتصاد الكلي آخذة في التحسن، بعد أن ارتفعت الاحتياطيات بالعملات الأجنبية إلى 38 مليار دولار أمريكي، وانخفاض التضخم الذي وصل في نهاية عام 2018 بين 11 ٪ و 13.5 ٪.
وتابع، من الطبيعي أن تؤخذ هذه الأرقام في الاعتبار، لكن هذا لا يعني أن الاقتصاد المصري قد تغلب على مشاكله، خاصة وأن الدين الخارجي قد اتسع بشكل كبير ليصل إلى حوالي 80 مليار دولار أمريكي، وهذا يعني نحو 20 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي، ولا يزال تنويع الاقتصاد وخلق نمو شامل تحديات لم تحل حتى الآن.
كما أشار إلى أنه بالإضافة لذلك تواجه مصر تحديًا ديموغرافيًا كبيرًا، حيث تضاعف عدد سكانها في أقل من 40 عامًا، حيث يبلغ عدد السكان الحالي حوالي 95 مليون نسمة، ويمكن أن يصل إلى 140 إلى 170 مليون في 2050.
وبيّن أن هذه الصعوبات تتراكم في بلد يستفيد فقط من 5 ٪ إلى 6 ٪ من المساحة الكلية، والسؤال هنا هو كيفية تطوير باقي الأرض؟ حيث يتطلب ذلك استثمارات كبيرة؛ وهذا الهدف هو أحد التحديات الرئيسية التي تواجه السلطات على المدى القصير.
وخلص إلى أن التعديلات الدستورية التي تعزز صلاحيات الرئيس لن تسمح لمصر بالتغلب على التحديات الهيكلية التي تواجه البلاد، وبالتالي فإن موجة جديدة من الاحتجاج يمكن أن تحدث.