الإمارات تعود لتركيا.. عندما تتفوق عوامل التقارب على أسباب الخلاف

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

"لا نريد أن تكون تركيا أو قطر قادرتين على إعداد قائمة طعام ناهيك عن صياغة شكل لدولة ما" عبارة قالها سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة، في رسالة إلى كاتب عمود بارز بصحيفة نيويورك تايمز.

هذه العبارة، التي سربها موقع "ميدل إيست" البريطاني ضمن سلسلة تسريبات عام 2018، تعبر بوضوح عن مدى مشاعر العداء الحقيقية التي تكنها أبوظبي لأنقرة.

لكن الوضع يتغير اليوم، فبعد سنوات من العداء المستحكم، جاءت زيارة طحنون بن زايد، مبعوث ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والتصريحات الإيجابية لهما، لتثير تساؤلات بشأن أسباب التغييرات الجذرية وتراجع الإمارات عن توجهاتها السابقة ومحاولات إذابة الجليد.

ممهدات الوفاق

في 18 أغسطس/ آب 2021، فتح المجمع الرئاسي التركي في أنقرة أبوابه لاستقبال وفد إماراتي رفيع، برئاسة مستشار الأمن الوطني طحنون بن زايد آل نهيان، وهي الزيارة التي عززت من ظهور واقع مختلف للاتصالات الدبلوماسية بين البلدين.

وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عقب الاجتماع النادر مع المسؤول الإماراتي: إن أنقرة وأبوظبي حققتا تقدما في علاقاتهما، ما قد يفضي إلى استثمارات إماراتية كبيرة في تركيا". 

وذهب إلى أبعد من ذلك عندما تحدث عن التمهيد بوجود مباحثات مع محمد بن زايد آل نهيان، وأعرب عن آمال حكام أبوظبي بعلاقات أكثر قربا بين البلدين.

وهو ما حدث بالفعل في 30 أغسطس/ آب 2021، بعد سنوات من الخصومة بين تركيا والإمارات، حيث أجرى ابن زايد اتصالا بأردوغان.

وأعلنت وكالة الأنباء الإماراتية "وام" أن ابن زايد بحث العلاقات الثنائية هاتفيا مع الرئيس التركي.

وأضافت أن الاتصال بحث العلاقات الثنائية والسبل الكفيلة لتعزيزها وتطويرها بما يخدم المصالح المشتركة للبلدين وشعبيهما الصديقين.

وفي 7 سبتمبر/أيلول 2021، قال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو: إن أنقرة "ترى زخما إيجابيا في المحادثات مع الإمارات".

وقال تشاووش أوغلو، لقناة "إن تي في" (NTV) التركية: إنه "يمكن تطبيع العلاقات بين تركيا والإمارات، إذا اتخذت خطوات متبادلة، وكانت الظروف ملائمة".

وبدأت إشارات تحسن العلاقات في أبريل/نيسان 2021، مع نشر الجريدة الرسمية في تركيا قرارا موقعا من أردوغان بتعيين 13 سفيرا جديدا في عدد من الدول الأوروبية والآسيوية والإفريقية، من بينها تعيين "توغاي تونتشر" سفيرا تركيا جديدا في الإمارات.

وكانت أنقرة قد هددت من قبل على لسان رئيس الجمهورية بسحب السفير، عندما وقعت أبوظبي اتفاق التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي عام 2020.

وقال أردوغان حينها: "طلبنا من وزير خارجيتنا (تشاووش أوغلو) بحث إمكانية تعليق العلاقات الدبلوماسية مع أبوظبي أو حتى سحب السفير التركي، لأننا نقف مع الشعب الفلسطيني ولا يمكننا التخلي عن فلسطين"، مبينا وقتها أنه "من غير الممكن تقبل الاتفاق بين إسرائيل والإمارات".

أسباب التباعد

كانت العلاقة قد مرت بمراحل عصيبة بدأت عقب ثورات الربيع العربي عام 2010، بانحياز أنقرة إلى اللاعبين الجدد في المنطقة، بينما ذهبت أبوظبي إلى قيادة محور الثورة المضادة،  والانقلابات العسكرية.

السبب الأساسي كان الانتقال إلى طور الخصومة المباشرة في 3 يوليو/تموز 2013، عندما أطاح رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي في مصر، بحكم الرئيس الراحل محمد مرسي، برعاية إماراتية كاملة، وهو ما رفضته تركيا شكلا ومضمونا.

مرت سنوات التدافع بين السلطتين على أكثر من ملعب في آن واحد، من ليبيا إلى إدلب السورية إلى قره باغ بأذربيجان، بالإضافة إلى لعبة انحيازات المحاور الإقليمية المتشاكسة.

وانحازت الإمارات إلى محور إسرائيل وبعض دول شرق المتوسط نكاية في تركيا، والأخيرة ذهبت إلى محور دعم قطر والأقطاب الناقمة على سياسات أبوظبي. 

لذلك كانت بداية عودة المياه إلى مجاريها مثيرة للاهتمام والتساؤلات، وهو ما فنده الباحث السياسي الموريتاني، محمد حيدرة، عندما دون عبر صفحته بـ "فيسبوك" في 31 أغسطس/آب 2021، قائلا: "استطاعت تركيا خلال السنوات القليلة الماضية أن تثبت أنها لاعب إقليمي حقيقي في المنطقة".

وتابع: "من أذربيجان وحتى الصومال، ومن سوريا وحتى الخليج (قطر) مرورا بالعراق وليبيا وشمال إفريقيا، في هذه الدول المذكورة تتمركز قواعد عسكرية تركية غيرت معادلات الصراع. ومازالت تركيا تحث السعي استعدادا لملء الفراغ الذي بدأ يلوح في الأفق مع الانسحابات الأميركية المتتالية".

وأضاف: "تحتاج الإمارات بعد هزيمتها في ليبيا وفشل حصار قطر والمشاكل مع السعودية في اليمن، وفشل حملة التطبيع بعد معركة سيف القدس (في غزة مايو/أيار 2021) وإحيائه للقضية الفلسطينية، وخروجها من أفغانستان، إلى استراحة وتهدئة تلتقط فيها أنفاسها بعد 8 سنوات من قيادة حروب الثورة المضادة".  

وذكر "يحسب للإماراتيين ذكاؤهم وسرعتهم في التحرك واستغلالهم للحظة زخم الأحداث ليأخذوا انعطافة في علاقاتهم الخارجية دون ضجيج كبير، وفي هذا يتفوقون على السعودية التي مازالت تتخبط في سياستها الخارجية دون رؤية واضحة". 

واختتم: "حاليا وفي وجه تحدي 2023 تحتاج تركيا فعلا (دول الخليج) إلى جانبها أكثر من أن يكونوا أعداء لها. فالأمر مصالح مشتركة بين الطرفين"

عوامل التقارب

الصحفي محمد نور فرهود، كتب لموقع "تي ري تي" التركي الرسمي، في 24 أغسطس/ آب 2021 عن عوامل ودوافع التقارب الإماراتي من تركيا.

وقال فرهود: التغيرات التي دفعت الإمارات لتعديل المسار، تتمثل في رحيل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنر عن إدارة البيت الأبيض، إضافة لرحيل رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو الذي كان عضد الدولة الخليجية في المنطقة، "ولقد شكل رحيله أزمة بالنسبة لأبو ظبي". 

وأضاف: "رغم أن الإدارة الإسرائيلية الجديدة ليست أفضل من نتنياهو، إلا أن طبيعة التحالف الذي كان يقوده الأخير مع الإمارات كان بوتيرة أشد مما هو عليه الآن". 

وأوضح: "إلى جانب تلك المتغيرات، كانت الخطوات الإيجابية بين أنقرة والقاهرة على طريق حلحلة الخلافات بين البلدين، وكذلك الوضع بين أنقرة وأثينا يتجه نحو مسار إيجابي لمعالجة أزمة شرق المتوسط، وكل ذلك يدفع بالإمارات لإعادة حساباتها ويفرض عليها مخاوف من أن تبقى في عزلة".

وقد وصلت مراحل الخصومة بين تركيا والإمارات، إلى حد أن الأخيرة تحالفت مع إسرائيل بشكل مباشر للحد من تقدم أنقرة.

 ففي يناير/ كانون الثاني 2019، كشف موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، أن مدير جهاز الموساد الإسرائيلي وقتها يوسي كوهين، التقى بمسؤولين إماراتيين لبحث سبل التصدي لنفوذ تركيا في المنطقة.

وأكد الموقع في تقرير كتبه رئيس التحرير ديفيد هيرست، أن الإمارات ومصر دبرتا خطة مع تل أبيب تمهيدا لعودة رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى جامعة الدول العربية بغية تهميش النفوذ الإقليمي لتركيا وإيران.

وكان أخطر ما كشفه الموقع هو ما اتفق عليه المسؤولون خلال اللقاء من اعتبار تركيا الخصم العسكري الرئيس لهم في المنطقة، وليس إيران، ثم بحثوا الخطط اللازمة لتحجيم النفوذ التركي.

وذكر الموقع، أن مدير جهاز الموساد الإسرائيلي قال أثناء الاجتماع: "إن القوة الإيرانية هشة، أما التهديد الحقيقي فيأتي من تركيا".

ويرى الإسرائيليون أن "إيران يمكن احتواؤها عسكريا، لكن تركيا لديها قدرات كبيرة يصعب التعامل معها بسهولة".

واليوم بعد فشل احتواء تركيا، وتقدمها العسكري والإستراتيجي على أكثر من محور، رأت الإمارات أن الحل الآخر يكمن بالتواصل وحلحلة الأزمة بالمحادثات والمباحثات.