محاور إقليمية تتشكل ضد تركيا.. لماذا يناصبونها العداء؟

أحمد يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في مارس/ آذار 1924 أُسقطت الخلافة العثمانية، التي شكلت إمبراطورية شاسعة المساحة، مترامية الأطراف، تقع تحت مظلتها عشرات الدول والأمم، وعلى رأسها الدول العربية والإسلامية، وأسست على أنقاضها الجمهورية التركية الحديثة على يد مصطفى كمال أتاتورك، ورغم قطع روابط الحكم والتبعية، التي كانت بين تركيا المتمثلة في البيت العثماني، والبلاد العربية، ولكن ظلت روابط أوثق تحكم العلاقات التركية العربية بحكم الدين، والصلات الأسرية والاجتماعية.

في البداية حاول الغرب أن يجعل من نموذج الحكم التركي العلماني الحداثي، نموذجا لدول المنطقة، خاصة وأن تركيا الناشئة شكلت محور تعاون متقدم مع الغرب، واستخدمت أراضيها كقاعدة عسكرية في الصراع مع المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت، وتحديدا مع إنشاء قاعدة "إنجرليك" العسكرية، عام 1951، في مدينة "أضنة" من ولايات الأناضول، واعتماد حلف ""الناتو" عليها كمركز رئيسي لقيادة العمليات العسكرية في منطقة الشرق الأوسط.

ورغم تقارب تركيا والغرب، لكن ظلت محاولات عودتها لزمامها الإسلامي الشرقي قائمة من الحكومات المحافظة التي نجحت في الوصول إلى الحكم على مرّ السنين، كان أبرزها ما قدمه رئيس وزراء تركيا الأسبق نجم الدين أربكان في 15 يونيو/ حزيران 1997، عندما أسس مجموعة الدول الثماني الإسلامية النامية، والتي ضمت (مصر - إندونيسيا - ماليزيا - تركيا - إيران - باكستان - بنغلاديش - نيجيريا)، واستهدف أربكان أن تكون المنظمة على شاكلة الاتحاد الأوروبي، ولها تأثير اقتصادي، يعزز مشاركتها في صنع القرار العالمي، ولكن ذلك لم يحدث بسبب التقلبات السياسية، والاختلافات الجذرية بين الشركاء.

ومع صعود حزب العدالة والتنمية "المحافظ" إلى الحكم في 14 مارس/ آذار 2003، اختلف النموذج التركي الذي أراد الغرب تقديمه، مع نجاح الحزب في الصعود بتركيا على جميع المستويات، وتحقيق نهضة شاملة، جعلت من أنقرة محور تأثير شامل في المنطقة، وقادرة على اتخاذ القرار، وإحداث التغيير، وحماية مصالحها بصورة منفردة، الأمر الذي أدى إلى قلق لدى الغرب، واستنفار بعض القوى الإقليمية خاصة في دول الخليج، التي رأت من تركيا تحت مظلة حزب العدالة والتنمية، خطرا حقيقيا يهدد الأنظمة القائمة في الشرق الأوسط، التي اعتمدت حالة العسكرة والدولة البوليسية الأمنية كنظام للحكم، ما جعلها تتجاوز حالة النفور من تركيا، إلى عداء مستحكم، ومن ثم تآمر كامل للحد من التقدم التركي، أو وأد التجربة من أساسها.

تعاون مع إسرائيل

في يناير/ كانون الثاني 2019، كشف موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، أن يوسي كوهين مدير جهاز الموساد الإسرائيلي، التقى بمسؤولين إماراتيين ومصريين وسعوديين لبحث سبل التصدي لنفوذ تركيا في المنطقة.

وأكد الموقع الإخباري في تقرير كتبه رئيس التحرير ديفيد هيرست، أن السعودية والإمارات ومصر دبرت خطة مع تل أبيب تمهيدا لعودة الرئيس السوري بشار الأسد إلى جامعة الدول العربية بغية تهميش النفوذ الإقليمي لتركيا وإيران.

وكان أخطر ما كشفه موقع "ميدل إيست آي"، هو ما اتفق عليه المسؤولون خلال اللقاء من اعتبار تركيا، هي الخصم العسكري الرئيسي لهم في المنطقة، وليس إيران العدو اللدود للنظام السعودي، ثم بحثوا الخطط اللازمة لتحجيم النفوذ التركي.

وذكر الموقع، أن مدير جهاز الموساد الإسرائيلي قال أثناء الاجتماع: "إن القوة الإيرانية هشة، أما التهديد الحقيقي فيأتي من تركيا".

ويرى الإسرائيليون أن "إيران يمكن احتواؤها عسكريا، لكن تركيا لديها قدرات كبيرة يصعب التعامل معها بسهولة".

وأفاد هيرست في تقريره بأنه من ضمن الإجراءات المتفق عليها خلال الاجتماع السري لتلك الدول العربية مع إسرائيل، ما يتمثل في تقديم الدعم لأكراد سوريا لمواجهة محاولات تركيا طرد "قوات حماية الشعب الكردية" ونظيرها السياسي "حزب الاتحاد الديمقراطي" من الحدود التركية.

وذكر الكاتب البريطاني أيضا، الاتفاق الذي تم بينهم على تعزيز العلاقات مع حكومة إقليم كردستان العراق والحيلولة دون أي مصالحة يمكن أن تتم مع تركيا.

كما أكد التقرير أن السعوديين يعملون على السياسة الرامية لعودة الأسد، ودعم الأكراد من أجل إضعاف تركيا.

حروب الغاز

في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، شهد رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس القبرصي نيكوس أناستاسيادس ورئيس وزراء اليونان ألكسيس تسيبراس، توقيع اتفاقية تعاون ثلاثي بمقر الرئاسة القبرصية.

وكانت أعمال القمة الثلاثية في العاصمة القبرصية نيقوسيا بدأت، فى إطار عملية التعاون الثلاثي بين حكومات تلك الدول، والتي انطلقت في القاهرة نوفمبر/تشرين الثاني 2014.

وبحثت القمة إلى بحث سبل دعم وتعميق العلاقات، وتفعيل إطار التعاون القائم، إضافة إلى تعزيز التشاور السياسي بين الدول الثلاث حول كيفية التصدي للتحديات التي تواجه منطقتي الشرق الأوسط  والبحر المتوسط.

وفي 15 ديسمبر/كانون الأول 2017، اتفق وزراء دفاع مصر وقبرص واليونان، على تعزيز التعاون العسكري وزيادة التدريبات المشتركة.

وشكك خبراء ومراقبون في الأسباب الرسمية المعلنة لانعقاد القمم الثلاثية، والمناورات العسكرية، المتكررة بين مصر وقبرص واليونان خلال السنوات الثلاث الأخيرة، مؤكدين أن الحكام الثلاثة لا تحركهم مصلحة أوطانهم أو شعوبهم، وإنما مصالح ضمان بقائهم أكبر فترة ممكنة في السلطة.

واعتبرت تركيا، أن المناورات العسكرية المشتركة بين مصر واليونان في جزيرة "رودوس" اليونانية خرق واضح للقوانين الدولية.

وقالت وزارة الخارجية التركية، في بيان لها صدر يوم 4 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أن "معاهدة باريس للسلام عام 1947، تنص على حظر كل أنواع التدريبات العسكرية في رودوس، التي تخلت عنها إيطاليا لصالح اليونان بشرط نزع السلاح منها".

وأضافت: "أبلغنا تحذيراتنا بخصوص المناورات المذكورة إلى السفارة اليونانية بأنقرة"، وتم التذكير بضرورة الابتعاد عن الأنشطة الأحادية الجانب التي تزيد من حدة التوتر في بحر إيجة".

وتابعت: "نشدد على توقعاتنا حول ابتعاد جارتنا اليونان عن القيام بأنشطة معادية ومخالفة للقوانين الدولية، وندعو الأطراف الثلاثة إلى عدم المشاركة في هذه الخروقات اليونانية".

ولاشك أن الدول الثلاث تعمل ضد مصالح الوجود التركي في منطقة البحر المتوسط، وذلك لغايات سياسية خاصة تتعلق بحكومات تلك الدول؛ كل حكومة على حدة.

إلغاء الاتفاقيات الاقتصادية

في مارس/ آذار 2018، أعلنت الحكومة الأردنية تجميد اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا، بعدما أكدت وزارة الصناعة والتجارة والتموين الأردنية تجميد العمل بالاتفاقية، تحت ذريعة حماية المنتج الأردني الوطني"، وذكرت في بيانها أن "الاتفاقية الموقعة سابقا لم تؤد أغراضها في توسيع عائدات الاستثمار داخل الأردن، وأن الميزان التجاري بين البلدين بقي يميل إلى مصلحة الجانب التركي".

وجاءت الخطوة الأردنية في إطار محور الرياض وأبو ظبي والقاهرة الهادف إلى إخراج تركيا من المنطقة وتضييق الخناق عليها.

لاسيما وأن الخطوات الأردنية، تلتها خطوات لبنانية على نفس السياق، عندما أعلن مجلس الوزراء اللبناني في 16 مايو/ أيار 2018، قرارا بوقف استيراد مجموعة من السلع التركية، تحت نفس الحجة الأردنية، وهي حماية الصناعات المحلية.

وهو ما جعل الجماعة الإسلامية في لبنان تعلن أنها "تشتم من هذا القرار أبعادا غير اقتصادية، من خلال حصر الموضوع ببلد بعينه؛ لأن القطاعات المحلية نفسها تتعرض للمنافسة من المنتجات التي يتم استيرادها من بلدان أخرى، وعلى رأسها الصين، أما أن يحصر الأمر بالمنتجات التركية دون سواها، فهذا يعطي أبعادا أخرى للقرار، لا تصب أبدا في مصلحة لبنان وأبنائه بشكل عام، ولا في مصلحة العلاقات اللبنانية التركية".

حرب إعلامية

الحملة الإعلامية التي تستهدف تركيا على جميع الأصعدة، وتقوم بها قنوات عربية محسوبة على الأنظمة، وتحديدا في مصر والإمارات والسعودية، لم تتوقف، بل تزداد شراسة، وتعمل على ضرب السياحة والاقتصاد، وتشويه سمعة الدولة التركية.

وقد جاء اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، وما خلف ذلك من فضيحة وحرج دولي بالغ للنظام السعودي، وولي عهد المملكة محمد بن سلمان، إضافة إلى الموقف الحاسم الذي اتخذته تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان، من الإصرار على كشف الجريمة، والمطالبة بتحقيق دولي فيها، جعل من تحفز الأذرع الإعلامية للأنظمة ضد تركيا أكثر وأشد حدة.

ووصل الأمر إلى وصف دولة تركيا صراحة "بالعدوة"، حيث قال الإعلامي المصري عمرو أديب، المقرب من عبد الفتاح السيسي، في حلقة بتاريخ 8 مارس/آذار 2019 "آن الأوان إن كل حاجة في تركيا توضع في سياقها الطبيعي، هذه دولة عدوة، نحن نتحدث عن تركيا العدوة، لا تتاجر معها، ولا تأكل معها، ولا تقم علاقات سياحية معها، ولا تشترِ منها مسلسلات"، ثم عقب: "هذه دولة لها قوات احتلال في ثلاث دول عربية، موجودة في العراق وسوريا، وتحتل جزءا من قطر، وهناك اتفاقية مشينة بينهم وبين قطر".

وفي 6 مارس/آذار 2019، طالبت قناة العربية الإخبارية السعودية التي تبث من مدينة دبي للإعلام، بمقاطعة السياحة التركية، والذهاب إلى تركيا، ووصفت وكالة "الأناضول" التركية الرسمية بـ"الإخوانية".

وفي 23 أبريل/ نيسان 2019، أذاع الإعلامي السعودي علي العلياني، عبر برنامج "معالي المواطن" الذي يبث على شاشة قنوات "إم بي سي"، أن الخطوط الجوية السعودية قامت بإلغاء رحلاتها إلى تركيا، على خلفية سرقة 154 جواز سفر سعودي في تركيا، وهو الخبر الذي تبين كذبه، بعدما نفت شركة الخطوط الجوية السعودية ما تم تداوله مؤخرا حول إلغاء رحلاتها لتركيا.

وقالت الشركة، إن الخبر "غير صحيح.. الرحلات ما زالت مستمرة وفي حال توفر معلومات جديدة سيتم الإعلان عنها عبر قنوات التواصل الاجتماعي الخاصة بالسعودية".

أبعد من منبج

في ديسمبر/ كانون الأول 2018، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إطلاق عملية منبج وشرق الفرات العسكرية، هدفها قطع الطريق على حزب العمال الكردستاني "بي كا كا" المصنف إرهابيا في تركيا.

وتمثل منطقة شرق الفرات العراقية، قضية أمن قومي مستقبلية مصيرية بالغة الأهمية بالنسبة لتركيا، فهي تعتبر أخطر نقطة تهديد لأنقرة،  لذلك تعمل على تأمينها، وجعلها منطقة آمنة، وتعمل على ضرب التنظيم الكردي المسلح فيها.

وفي 6 فبراير/ شباط 2019، اجتمع وزراء خارجية الولايات المتحدة، ومصر، وفرنسا، وألمانيا، والأردن، والسعودية، وبريطانيا، بالتزامن مع المؤتمر الذي جمع 79 دولة عضوة بالتحالف المضاد لتنظيم الدولة في واشنطن، ونشروا بيانا مشتركا ذكروا فيه، أن "تركيا تعتبر قوة تهدد استقرار المنطقة".

صورة من البيان الذي يستهدف تركيا

وتسعى الدول العربية المشاركة في إصدار البيان للحيلولة دون تنفيذ تركيا العملية العسكرية الشاملة التي تعتزم شنها ضد حزب العمال الكردستاني في منبج وشرق الفرات، وجاء في البيان المشترك "نؤمن بشكل قاطع بأن الراغبين في زعزعة استقرار المنطقة أو البحث عن حل عسكري سيزيدون من التوتر في المنطقة وسيرفعون من خطر نشوب المزيد من الصراعات"، وهي عبارات محددة استهدفت تركيا بشكل خاص.