الهجوم على تركيا وأردوغان.. أنظمة عربية تحرك أجهزة إعلامها

لجأت آلات الإعلام لبعض الدول العربية وتحديدا مصر والسعودية والإمارات إلى استخدام، الغضب، وبعض اللغة الهجومية الفضفاضة التي تتجاوز ضبط العبارات أمام الشاشات، إلى وصلات من التقريع والسباب والتحريض المباشر، ضد الدولة التركية، ورئيسها رجب طيب أردوغان، في حملة شرسة منظمة متناسقة التوقيت والمحتوى والسياسة المتبعة، وكأنها خرجت من بوتقة واحدة.
الحملة بدأت منذ فبراير/ شباط 2019، واستمرت في سياق متصاعد حتى وصلت إلى ذروتها، وليست هذه المرة الأولى التي تقوم فيها وسائل إعلام تلك الدول باستهداف تركيا، فعلى إثر المحاولة الانقلابية لبعض الوحدات من الجيش التركي في 15 يوليو/تموز 2016، قامت القنوات المحسوبة على الأنظمة العربية بتبني تلك المحاولة، ونشروا أخبارا كاذبة، كان أخطرها ما نشرته قناة "سكاي نيوزعربية" التي تبث من الإمارات، عندما أعلنت طلب أردوغان اللجوء إلى ألمانيا، غير احتفاء برامج التوك شو المصرية بما أسمته سيطرة الجيش التركي على البلاد، على غرار ما حدث في مصر يوم انقلاب 3 يوليو/ تموز 2013.
الإعلام المصري: تركيا دولة عدوة
الحكاية بدأت من برنامج الحكاية الذي يقدمه الإعلامي المصري المقرب من النظام عمرو أديب، على شبكة قنوات "إم. بي. سي" التي يمتلكها رجل الأعمال السعودي وليد الإبراهيم، ومقرها الرئيسي في مدينة دبي للإعلام.
أديب قال نصا، خلال حلقته المذاعة بتاريخ 8 مارس/آذار 2019: "آن الأوان إن كل حاجة في تركيا توضع في سياقها الطبيعي، هذه دولة عدوة، نحن نتحدث عن تركيا العدوة، لا تتاجر معها، ولا تأكل معها، ولا تقيم علاقات سياحية معها، ولا تشترِ منها مسلسلات"، ثم عقب: "هذه دولة لها قوات احتلال في ثلاث دول عربية، موجودة في العراق وسوريا، وتحتل جزء من قطر، وهناك اتفاقية مشينة بينهم وبين قطر".
وفي الحلقة نفسها، تداول عمرو أديب، صورا تجمع ياسين أقطاي مستشار رئيس الجمهورية التركية، ببعض أعضاء المعارضة المصرية في الخارج، وعلق عليها قائلا: "يوم بعد يوم بتفهم من هو العدو، هم يكرهونك عمى، ويريدون هدم المجتمع السعودي، والمجتمع المصري، والفيلم الذي عرضته الجزيرة عن خاشقجي، من الذي أعطاهم المعلومات؟! هو النظام التركي، وأنا أطالب الدولتين بأن يتخذوا إجراءات واضحة ضد الإدارة التركية".
وفي 6 مارس/آذار 2019، شن الإعلامي المصري نشأت الديهي المعروف بمواقفه المؤيدة بقوة لعبد الفتاح السيسي، هجوما حادا على الدولة التركية، والرئيس رجب طيب أردوغان، خلال برنامجه "بالورقة والقلم"، الذي يعرض على شاشة قناة "تي أن. تي في"، ذاهبا إلى أبعد من توصيف الواقع الآني، قائلا: "القادم في تركيا أسوأ، واوعوا تفتكروا إن أردوغان مكمل، فالجيش التركي لم ينسَ ولن ينسى ما فعل به في الشوارع".
وعلى شاشة قناة "صدى البلد"، كان برنامج الإعلامي المصري أحمد موسى، الموالي للنظام، والمعروف بمواقفه المتطرفة التحريضية ضد المعارضين، وكانت له واقعة شهيرة إبان مباراة مصر والجزائر في 2010، المؤهلة لتصفيات كأس العالم، حيث طالب الشعب المصري بالخروج على المقيمين الجزائريين في مصر والاعتداء عليهم، وهي واحدة من السقطات الإعلامية التاريخية على الشاشات العربية.
وعلى المنوال ذاته، كال موسى السباب والعبارات المشينة ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بعد أن قال في حلقة برنامجه على مسئوليتي بتاريخ 26 فبراير/شباط 2019: "راجل نتكلم عنه يوميا، وهو مش راجل اسمه أردوغان، وصبي أردوغان وزير خارجيته مولود أوغلو، بيهاجموا مصر دائما، وهو يصلح لأن يكون بلطجيا"، ومن المعروف أن الإعلامي المصري يتخطى البروتوكولات الإعلامية أمام الشاشات، ولا يحفظ الألفاظ والألقاب، ويسرد مواقفه بالألفاظ النابية.
الإعلام السعودي والإماراتي
تحولت الحرب المنمقة التي كانت تخوضها وسائل الإعلام السعودية والإماراتية، ضد الدولة التركية، إلى حرب شرسة بعد تصاعد أزمة الصحفي السعودي جمال خاشقجي، الذي قتل داخل قنصلية بلاده في إسطنبول يوم 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، واتهم في تدبير الحادثة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ومع تصاعد الأحداث، بدأت الآلة الإعلامية في دورها، وطالبت قناة العربية الإخبارية السعودية التي تبث من مدينة دبي للإعلام في حلقة بتاريخ 6 مارس/ آذار 2019، بمقاطعة السياحة التركية، والذهاب إلى تركيا، ووصفت وكالة "الأناضول" التركية الرسمية بـ"الإخوانية".
وتواصلت الهجمة الإعلامية المنظمة ضد الرئيس التركي، على شاشة "سكاي نيوز عربية" المملوكة لشركة أبوظبي للاستثمار الإعلامي، ففي حلقة بتاريخ 6 مارس/ آذار 2019، وللمفارقة في هذا اليوم تحديدا تواترت سلسلة الهجمات على أردوغان والدولة التركية من مختلف وسائل الإعلام في الدول العربية الثلاث مصر والإمارات والسعودية، وكانت حلقة سكاي نيوز بعنوان "تركيا والاتحاد الأوروبي.. طريق الانضمام المسدود"، واستضافوا خلالها مدير الأبحاث في مؤسسة العرب بلندن غسان إبراهيم الذي قال: "الاتحاد الأوروبي لن يقبل تركيا طالما الدكتاتور أردوغان يحكمها".
ولشبكة "سكاي نيوز" تحديدا تاريخ طويل من العداء ضد النظام التركي، فهي واحدة من الوسائل التي دعمت بقوة احتجاجات منتزه جيزي بارك بتركيا في 28 مايو/ آيار 2013، وكانت من أبرز التظاهرات ضد الحكومة التركية، ولعبت القناة المملوكة للشركة الإماراتية دورا في تبني الاتجاه المضاد لأردوغان، عبر برامجها وتقاريرها المتلفزة.
ووصف المذيع السعودي علي العلياني تركيا بالدولة المارقة، وذلك خلال برنامجه "معالي المواطن" على شاشة "إم. بي. سي" التلفزيونية، في حلقة بتاريخ 3 مارس/آذار 2019، عندما ذكر أن "الدولة التركية تمارس البلطجة، وتلقي تهما جزافية، ولا يوجد بها قانون".
هجوم يجدد ذكريات انقلاب 15 تموز
لم ينس المواطن المصري والعربي، أعداد الصحف المصرية وتغريدات إعلاميين مصريين احتفت بشكل بالغ بالمحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا يوم 15 يوليو/ تموز 2016، وشماتة استباقية بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وفرحة عارمة بسيطرة الجيش على مجريات الأمور، وقامت برامج التوك شو على الفضائيات المختلفة بعمل تغطية مفتوحة على الأحداث التركية في تلك الليلة العصيبة، إلى أن استفاقوا على واقع مؤلم بالنسبة لهم ولصناع القرار في تلك الدول، بوأد المحاولة الانقلابية، وتحول الفرح إلى كابوس مقلق، بإنتاج تجربة جديدة في إسقاط الانقلابات العسكرية في مهدها.
وكان المشهد الرائج في عشية تلك الليلة، هو حديث الإعلامي المصري أحمد موسى الذي أطلق على الانقلاب ثورة، وقال: "ما يجري في تركيا ليس انقلابا عسكريا، هي ثورة من داخل القوات المسلحة التركية، والجيش التركي عندما يقوم بهذه الثورة دائما ينتصر، دائما في ثورات الجيش التركي يحقق الانتصار، الجيش التركي رأى أن الوضع في تركيا وضع صعب، وتحولت الدولة العلمانية إلى دولة إخوانية دينية، وبالتالي كان على الجيش التركي أن يعيد ويصحح المسار".
لماذا السخط على أردوغان؟
الموقف الواضح الذي اتخذه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من دعم ثورات الربيع العربي، ساهم بشكل واضح في استعداء أنظمة الثورة المضادة في الرياض وأبو ظبي له، ثم رفضه الحاسم للانقلاب العسكري في مصر بقيادة عبد الفتاح السيسي، ومطالبته المستمرة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين وعلى رأسهم الرئيس محمد مرسي، وتأكيده على عدم القبول بلقاء السيسي وحلحلة الإشكاليات معه قبل إرساء قواعد الديمقراطية، جعل منه هدفا بمرمى سهام تلك الأنظمة وأذرعها الإعلامية "طالع تقرير أبواق الموت".
وجاءت مرحلة مقتل الكاتب السعودي جمال خاشقجي، داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، حاملة معها مستجدات مختلفة ووجها آخر للمعركة مازال مستمرا، بعد قيادة النظام التركي حملة الكشف عن الجريمة المستنكرة، ومواجهة ولي العهد محمد بن سلمان أصعب مواقفه السياسية، والحرج البالغ أمام المجتمع الدولي، وتحطم صورة الأمير الإصلاحي المجدد، التي حرص على بنائها منذ البداية.