لا إصلاح أو محاسبة.. فما الذي حققه قيس سعيد بعد شهر على انقلابه؟

زياد المزغني | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مر الشهر المحدد بنص الفصل 80 من الدستور التونسي الذي اعتمد عليه رئيس الجمهورية التونسي قيس سعيد للإعلان عما أسماه "تدابير استثنائية" لمجابهة "خطر داهم يهدد كيان الدولة".

كان سقف توقعات المؤيدين لقرارات الرئيس التونسي مرتفعا جدا، بعد خطابه مساء 25 يوليو/تموز الذي توعد فيه بملاحقة الفاسدين وإصلاح الحياة السياسية وإرجاع هيبة الدولة وتماسكها. 

طريق خاطئ 

تمحورت كل خطابات سعيد حول ثنائية الإصلاح والمحاسبة، إلا أنه وبعد مرور شهر كامل لم تنطلق خطوات فعلية باستثناء تنفيذ بطاقات جلب وتنفيذ أحكام قضائية بحق بعض النواب، شابها أغلب الأحيان تجاوز للقانون وعدم احترام الحريات الفردية. 

هذا الحصاد الهزيل لسعيد طيلة شهر، لم يمنعه من اتخاذ قرار بتمديد الإجراءات الاستثنائية إلى "إشعار آخر"، دون أن يعلم أحد إلى أي طريق قد تتجه البلاد في ظل أزمة اقتصادية غير مسبوقة.

دشن قيس سعيد عهده الجديد أو تصحيح المسار ،كما يحلو لمؤيديه وصفه، باعتقال النائب عن حركة "أمل وعمل" ياسين العياري مساء 29 يوليو/تموز 2021، بعد مداهمة قوات الأمن لمنزله.

وقالت حركة "أمل وعمل"، في بيان 30 يوليو/تموز 2021: إنه "تم خطف نائب الشعب ياسين العياري من أمام منزله وأخذه بدون الاستظهار بأي وثيقة أو إذن قضائي أو إعلام زوجته بمكان أخذه".

وأوضحت الحركة، أن إيقاف العياري كان "من طرف مجموعة كبيرة من الأعوان عرفوا أنفسهم بأنهم أمن رئاسي".

وكان العياري من أبرز مدوني الثورة التي أطاحت بحكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، كما أنه عارض حكومة التوافق بين حركة النهضة وحزب "نداء تونس" بعد انتخابات العام 2014، وجميع الحكومات التي تلت انتخابات 2019.

وكان العياري من أول السياسيين الذي وصفوا قرارات قيس سعيد بالانقلاب، حيث دون على حسابه الرسمي في فيسبوك مساء 25 يوليو/تموز 2021 أنه "انقلاب عسكري ألغى الدستور، بتخطيط وتنسيق أجنبي".

وكان هدف ذلك "استباق تنامي الغضب وتوجيهه ضد جزء من السيستم  (النظام)،  لتدخل به تونس رسميا المحور الإماراتي مما سيسمح لفرنسا المقصاة من ليبيا بالمشاركة في كعكة إعادة الإعمار"، وفق العياري.

بعد أيام قليلة اقتحمت قوات الأمن منازل عدد من نواب ائتلاف الكرامة، الذي عارض بشدة قرارات قيس سعيد واعتبرها انقلابا مكتمل الأركان.

وسجلت منظمات حقوقية ارتكاب تجاوزات خلال محاولات الاعتقال من ترهيب لعائلات النواب واعتداء على حرمات المنازل. 

حرب مزعومة

كما اتخذ الرجل المكلف بتسيير وزارة الداخلية رضا غرسلاوي جملة من القرارات بوضع عدد من السياسيين ورجال الأعمال والمسؤولين السابقين تحت الإقامة الجبرية دون الاعتماد على قرارات قضائية.

وكان من أبرز الموضوعين تحت هذا الإجراء، عميد المحامين السابق ورئيس هيئة مكافحة الفساد السابق شوقي الطبيب.

وأفادت الهيئة الوطنية للمحامين في بيان أصدرته 23 أغسطس/آب 2021، أن "القرار المسلط عليه يتنافى مع الحقوق المضمونة للمحامي المباشر لمهنته ولحقه الدستوري في التنقل وحتى لمقتضيات الفصل الخامس من الأمر عدد 49 لسنة 1978 المتعلق بإعلان حالة الطوارئ".

كما أغلق في 22 أغسطس /آب 2021 مقر الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وقرر رئيس الجمهورية إنهاء مهام الكاتب العام لها أنور بن حسن.

واتخذ قرارا غير معلن أيضا بمنع كل من له صفة صاحب مؤسسة أو وكيل شركة أو رجل أعمال من السفر، حتى وإن كان لا يوجد في حقهم وفي حق مؤسساتهم أي تتبع قضائي وغير مشمولين بأي تحقيق.

واعتبرت المنظمة الوطنية لدعم المنتوج التونسي في بيان لها 12 أغسطس/آب 2021، أن "هذا الحد الجماعي من حرية التنقل والعمل لمواطنين لا يشملهم أي تتبع قضائي من شأنه أن يزيد الضبابية والخوف ويزعزع الثقة في الاستثمار بتونس مع العلم أن البلاد تعاني من مشكل كبير في مناخ الأعمال وتراجع الاستثمار".

وفي حديث لـ"الاستقلال"، اعتبر المحلل السياسي التونسي سليم الحكيمي أن رئيس الجمهورية وعد أنصاره بشن حرب على الفساد دون هوادة، إلا أنه بالفعل لم يقم بأي إجراءات يواجه فيها كبرى العائلات المعروفة المسيطرة على الاقتصاد التونسي.

والتي سبق وذكرها سفير الاتحاد الأوروبي باتريس بيرغاميني في العام 2019، أمام رئيس الجمهورية.

ومنها ملف فساد مفتوح منذ أشهر يتعلق بـ"بلحسن الطرابلسي" صهر الرئيس الراحل زين العابدين بن علي خاصة بعد محاولة تسوية القضية من قبل رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد في صفقة معلومة لتمويل حملته الانتخابية.

وأضاف "رئيس الجمهورية نفذ فقط عمليات استعراضية كمداهمة مخازن مواد بناء وحديد تعمل بشكل قانوني في وضح النهار". 

وتساءل الحكيمي: "حتى الاعتقالات التي تمت في صفوف برلمانيين لا علاقة لها بأي ملفات حقيقية للفساد".

وأردف: "ما علاقة نواب ائتلاف الكرامة بالفساد وهم الآن أكثر من يتعرض للملاحقة، وحتى ملف النائب لطفي علي المتهم بتعطيل إنتاج الفوسفات لم يتم إثارته بعد قرارات الرئيس، إنما اشتغل عليه النائب السابق ورئيس مرصد رقابة عماد الدائمي والذي استطاع أن يكشف تفاصيل هذه القضية ويقدمها للقضاء".

وأكد الحكيمي أن ما يجري بالفعل بعد التمديد في الإجراءات الاستثنائية هي محاولة للسيطرة أكثر على السلطة بحكم فردي مطلق.

 وهو ما يبرر تأجيل تشكيل حكومة جديدة لأن قيس سعيد يبحث عن وزير أول لا عن رئيس للحكومة في نموذج مشابه لما كانت عليه تونس في عهدي الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، بحسب تقديره.

الطريق المجهول 

وعاشت تونس طيلة شهر كامل حالة فراغ واسعة وغير مسبوقة في عدد من مؤسسات الدولة، أبرزها وأهمها رئاسة الحكومة التي جرى إخلاؤها من موظفيها وغلقها بقوة عسكرية منذ 29 يوليو/تموز 2021. 

وتشهد عدة وزارات حالة شغور على رأسها بعد إقالة وزرائها بالإضافة إلى 6 ولاة (محافظين). 

ولا يعلم أحد في تونس شكل الحل الذي يفكر فيه رئيس الدولة من أجل إخراج البلاد من هذا الوضع الاستثنائي الذي طال شهرا كاملا تم التمديد فيه إلى "إشعار آخر " بحسب قرار الرئيس في الليلة الفاصلة بين 23 و24 أغسطس/ آب 2021. 

في 19 أغسطس/آب 2021، رد رئيس الجمهورية على المطالبين بتقديم خارطة طريق لإنهاء التدابير الاستثنائية وعودة الحياة السياسية الطبيعية.

قال ساخرا: إن "كل من يتحدثون عن خارطة طريق عليهم العودة إلى كتب الجغرافيا"، مؤكدا أن "الخريطة الوحيدة التي سيسلكها هي التي يخطها الشعب".

وأضاف: "ليس هناك طريق أخرى.. أما الخرائط فليعودوا إلى كتب الجغرافيا لينظروا في القارات والمحيطات والجبال".

وأكد سعيد أن القرارات التي يتخذها هي "بناء على قناعاته واستجابة لمطالب الشعب ولا يتدخل فيها أحد"، مشددا على أنه "لا يقبل بأن يكون رهينة لإرادة أي شخص مهما كان".

من جهتها اعتبرت عضو مجلس نواب الشعب عن حركة النهضة رباب بن اللطيف أن "التدابير المتخذة من رئيس الجمهورية تتسم بالغموض وعدم الوضوح".

فمنذ إعلان إيقاف عمل البرلمان في تعد صارخ على الدستور وتأويل الفصل 80 والكل في حالة ترقب لقرارات واضحة أو خارطة طريق للمرحلة المقبلة لكن هذا لم يتم"، كما أوضحت لـ"الاستقلال".

وأضافت بن اللطيف "في المقابل تم إخضاع كل النواب والقضاة ورجال الأعمال وكل من تولى منصب في الدولة منذ الثورة للمنع من السفر بدون موجب قضائي وتم إقالة ستة ولاة وغلق هيئة مكافحة الفساد ووضع مجموعة من النواب في الإقامة الجبرية".

فضلا عن خطابات اتسمت بالضبابية في اتهام جهات بمحاولة اغتيال وتهديد بعدم العودة إلى الوراء ومحاسبة الفاسدين إضافة إلى مضايقات طالت بعض المدونين والأئمة المعارضين لرئيس الجمهورية.

وأكدت القيادية في النهضة أن "الطبقة السياسية وإن تباينت مواقفها إلا أن أغلبها اليوم يعتبر المسار الديمقراطي والحقوق والحريات مهددة في ظل عدم وضوح المشهد المقبل، وللعودة إلى الوضع الطبيعي بعد شهر لن يتم سوى بالاحتكام إلى الدستور والقانون".

وبينت أن العودة إلى الهدوء لا تتم سوى بـ"إحالة كل من ارتبطت بهم تهم من النواب وغيرهم إلى القضاء المدني للخضوع لمحاكمة عادلة، وتشكيل حكومة جديدة وعرضها على البرلمان".

ورأت أنه "يجب إنجاز قانون المالية لتمريره إلى الجلسة العامة، من ثم تعديل النظام الداخلي للبرلمان ليصبح أكثر صرامة، والمرور إلى انتخابات مبكرة خلال سنة".