يتباكى على غزة والإنسانية.. كيف دمر الأسد المستشفيات السورية خلال عقد؟

منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

على الرغم من أن نظام بشار الأسد يمتلك جبهة واسعة لمحاربة إسرائيل انطلاقا من الجولان السوري المحتل منذ عام 1967، فقد فضل الاستعراضات الكلامية "لنصرة الفلسطينيين" بدلا من مساندتهم بشكل فعلي.

فبعد استشهاد أكثر من 13 ألف فلسطيني في قطاع غزة على يد إسرائيل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، انتفض نظام الأسد بوجه إسرائيل منتقدا تعاملها مع الفلسطينيين "بطبيعة فاشية ترقى لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية".

متاجرة بالقضية 

وأصدرت وزارة خارجية النظام السوري، بيانا  في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 حول العدوان الإسرائيلي على غزة، حمل كثيرا من الأوصاف والأفعال ضد إسرائيل التي تنطبق كذلك على نظام الأسد في تعامله مع ثورة السوريين وقمع إرادتهم نحو الحرية والخلاص من الاستبداد.

ورأت خارجية الأسد في البيان أن "قتل أطفال فلسطين حديثي الولادة وهم في حاضنات المشافي، وطرد المرضى من العيادات الطبية في قطاع غزة يرقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية"، مطالبة "بمساءلة مسؤولي الاحتلال الإسرائيلي وجيشهم المنفلت عن هذه الجرائم". 

وقال البيان كذلك :"لم يعد العالم يحتاج إلى مزيد من البراهين والأدلة حول الطبيعة الفاشية للكيان الصهيوني قيادة وأحزابا".

فقد كشفت هجمات قوات الاحتلال على مشفى الشفاء خلال الأيام الأخيرة وارتكابها جريمة حرب فيه وانتهاكاتها الفاضحة للقانون الدولي الإنساني الكيان أمام أنظار شعوب العالم في كل القارات، فالدبابات والطائرات والصواريخ لم تستخدم بمثل هذه الوحشية منذ الحرب العالمية الثانية، وفق تعبيره.

هذه المبادئ الإنسانية التي يتشدق بها نظام الأسد ضمن متاجرته بالقضية الفلسطينية منذ عقود، لم يطبقها على نفسه، بل إن قواته ارتكبت مجازر وإبادة جماعية ضد السوريين وصلت لحد جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية بحسب الأمم المتحدة منذ عام 2011.

فمنذ بدء خروج مدن وبلدات عن سيطرة النظام السوري عام 2011، انتهكت قوات الأسد قواعد عدة في القانون الدولي الإنساني، على رأسها عدم التمييز بين المدنيين والمقاتلين، وبين الأهداف المدنية والعسكرية.

فقد طال القصف الجوي المستشفيات والمدارس ومراكز وأحياء مدنية ودك المدن والأحياء السكنية بالصواريخ المحرمة دوليا وبالبراميل المتفجرة وهذه الانتهاكات ترقى إلى جرائم حرب، بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان.

وبحسب ما ذكر مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في نهاية يونيو/حزيران 2020 فإن 306 آلاف و887 مدنيا قتلوا في سوريا منذ بداية الثورة عام 2011.

بينما تقدر بعض المنظمات والمراصد الحقوقية عدد القتلى في سوريا -وسطيا- بنحو 600 ألف شخص حتى منتصف عام 2021.

ومن هنا فإن محاولة نظام الأسد التباكي على آلام أهالي غزة في هذا التوقيت، يعيد الذاكرة قليلا إلى حربه الممنهجة ضد السوريين على مدار أكثر من عقد.

ووثق الناشطون السوريون ووسائل الإعلام العربية والدولية حرب "الإبادة الجماعية" التي مارسها النظام ضد السوريين وجلب إيران ومليشياتها وروسيا وأسلحتها لتدمير البلاد.

تدمير المستشفيات

وبما أن نظام الأسد حاول المحاضرة بالقيم الإنسانية راهنا مستغلا ما يجري بغزة، فهو على غرار الاحتلال الإسرائيلي دمر كثيرا من المستشفيات وقتل المرضى والممرضين والأطباء خلال الهجمات المتعمدة.

وقد وثقت مبادرة "الأرشيف السوري" ما بين 2011 و2020 تنفيذ نظام الأسد نحو 270 هجوما ضد منشآت طبّية في سوريا، ومعظم هذه الهجمات تبلغ حد جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

وتعد مستشفى الرجاء الخاصة في مدينة عربين بريف دمشق الأولى التي تتعرض للقصف من قبل النظام السوري في 24 أكتوبر 2012، وتخرجها عن الخدمة.

كما قصف النظام السوري المشفى الوحيد في بلدة الحاضر بريف حلب في 17 أكتوبر 2015، وأخرجها عن الخدمة.

وفي نهاية سبتمبر/أيلول 2015 شن الطيران الحربي التابع لنظام الأسد أربع غارات متتالية على مستشفى السل في بلدة كفر بطنا الواقعة في الغوطة الشرقية في ريف دمشق.

وهو ما أدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص من الكادر الطبي بالمستشفى ومدني واحد، بالإضافة إلى أضرار مادية كبيرة في البناء والمعدات، ما أخرجه من الخدمة حينها.

كما أعلنت منظمة "أطباء بلا حدود" الدولية في بيان لها بتاريخ 29 أكتوبر 2015، مقتل 35 عاملا ومريضا سوريا على الأقل في ضربات جوية استهدفت 12 مستشفى في 3 محافظات في سوريا منذ نهاية سبتمبر/أيلول من العام المذكور، مؤكدة حينها على حدوث زيادة كبيرة للضربات الجوية على المستشفيات في شمال سوريا.

وبحسب البيان: "استهدفت الهجمات المتصاعدة التي بدأت أواخر سبتمبر وامتدت طيلة شهر أكتوبر 12 مستشفى في محافظات إدلب (شمال غرب) وحلب (شمال) وحماة (وسط)، بينها 6 مستشفيات تدعمها المنظمة".

وفي مطلع مايو/أيار 2017 قصف النظام السوري مستشفى عربين بريف دمشق الذي يعد الأكبر في المنطقة، وسواه بالأرض.

ووقتها قال الطبيب عبد الوهاب أبو يحيى، العامل في المستشفى لوكالة الأناضول التركية، إن "مستشفى عربين، يقدم خدمات طبية للمدنيين، وكان يسد نحو 60 بالمئة من حاجة المنطقة للعمليات الجراحية".

وبموجب الآلية الإنسانية لتجنب النزاع في عام 2014، شاركت الأمم المتحدة مع الولايات المتحدة وروسيا وتركيا الإحداثيات الدقيقة لمنشآت طبية محددة بسوريا، على افتراض أن يساعد هذا الإجراء في الحد من أو وقف المزيد من القصف على المنشآت الطبية.

إلا أن المنشآت الطبية المدرجة في هذه القائمة تعرض كثير منها لقصف من قبل النظام السوري أو حليفته روسيا التي تدخلت عام 2015 لمنع سقوط بشار الأسد.

هجمات موثقة

وقد وثقت قاعدة بيانات مبادرة "الأرشيف السوري" استخدام النظام أسلحة غير مشروعة في 32 هجوما على الأقل ضد منشآت طبية في البلاد منذ عام 2011.

إذ جرى توثيق استخدامين "للأسلحة الكيماوية ضد المنشآت الطبية، وهما مستشفى الصاخور بحلب، ومستشفى اللطامنة الجراحي بحماة"، وكلاهما نفذ من قبل النظام في عامي 2016 و2017 على التوالي.

كما وثق الأرشيف السوري 25 هجوما باستخدام براميل متفجرة ضد منشآت طبية في مناطق مأهولة، وسبع هجمات باستخدام الذخائر العنقودية، وأربعا باستخدام أسلحة حارقة، نفذت في معظمها عبر غارات جوية.

وتعد الهجمات الواقعة خلال عام 2016 في أحياء حلب الشرقية من الأمثلة على أخرى وقعت خلال حصار النظام السوري والمليشيات الإيرانية لتلك الأحياء قبل تهجير معظم سكانها نهاية العام المذكور.

وقد حدد الأرشيف السوري 26 هجوما موثقا على مشاف ومنشآت طبية في مناطق محاصرة في حلب بين مطلع يناير/كانون الثاني 2015 و22 ديسمبر/كانون الأول 2016.

 وحينها كانت المدينة شبه خالية من المدنيين، حيث أدت الهجمات المتكررة والمباشرة إلى خروج جميع المنشآت الطبية عن الخدمة، باستثناء مشفى واحد.

كما حدد الأرشيف السوري هجمات موثقة ضد 8 مشاف في محافظة إدلب وقعت في أبريل/نيسان 2017.

وخلص التقرير المرافق لقاعدة البيانات إلى أن قوات النظام السوري "تعمّدت استهداف المشافي والوحدات الطبية بغرض المكاسب العسكرية، من خلال حرمان المعارضة ومن يعدون من مؤيديهم، من الرعاية الطبية".

وجاء ذلك على الرغم من أن الدستور السوري ينص في مادته 22 على أنّ "تحمي الدولة صحة المواطنين وتوفر لهم وسائل الوقاية والمعالجة والتداوي.

وفي فبراير/شباط 2018 قصف النظام السوري مستشفى كفرنبل الجراحي في ريف إدلب، ودمره بالكامل.

وحينها حُرم أكثر من 600 ألف شخص من أهالي ريف إدلب من تلقي الخدمات الطبية سواء الخدمات الجراحية أو الخدمات الخاصة للأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة.

ولجأ النظام السوري إلى منع دخول الأدوية للمناطق المحاصرة، واستخدم ذلك كعقاب جماعي ضد المناطق المناهضة له.

فعلى سبيل المثال، ذكرت منظمة "أنقذوا الأطفال" الدولية غير الحكومية في مطلع مارس/آذار 2016 أن ربع مليون طفل على الأقل يعيشون تحت وطأة الحصار في مناطق سورية عدة، مشيرة إلى أنهم يواجهون الجوع وتتضاءل أمامهم فرص الحصول على الرعاية الصحية.

وهذه الأساليب التي مارسها نظام الأسد بحق السوريين خلال السنوات الماضية، هي ذاتها التي تفعلها إسرائيل بحق أهالي غزة اليوم.

"محاضرة بالإنسانية"

اللافت أن المستشارة السياسية الخاصة لرئيس النظام السوري، بثينة شعبان، قالت خلال تصريح صحفي في 14 نوفمبر 2023: "هذه المرة الأولى التي أشهد فيها حربا على المشافي ومراكز الإيواء كهدف أساسي في غزة دون أن يحرك العالم ساكنا".

وردا عليها، أكد عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني السوري المعارض منذر سراس أن "تصريحات شعبان حول قصف المشافي والمرافق الطبية في غزة، يأتي في إطار المتاجرة بالقضية الفلسطينية ومزايدة رخيصة من شخصية كانت طيلة حياتها شريكة في الجرائم البشعة والوحشية التي ارتكبها نظام الأسد بحق المدنيين في سوريا".

ولفت سراس في تصريحات نشرها موقع الائتلاف، إلى أن "نظام الأسد بات نموذجا للوحشية والقتل وارتكاب الجرائم في جميع أنحاء العالم، وأصبح كل فعل قبيح يرتبط به وأفعاله".

وأضاف "أن النظام ارتكب جميع أنواع الجرائم، ومنها قصف المشافي والمرافق العامة وبيوت العبادة والصحفيين وقوافل الإغاثة".

وشدد سراس على "أن الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني في غزة مدانة ووصمة عار في جبين الإنسانية.

لكنه رأى أن تصريحات مستشارة نظام الأسد هي شيء أكبر من ذلك كله، فهي شريكة في ارتكاب ذات الأفعال وأفظع منها.

ورأى أن "هذه التصريحات توضح مدى الانحدار الذي وصل إليه العالم اليوم، حيث إن القتلة والمجرمين هم من يحاضرون بالإنسانية ويدعون الدفاع عنها".

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن 897 منشأة طبية تعرضت للاستهداف من قبل نظام الأسد وحلفائه منذ مارس 2011 وحتى أكتوبر 2023.

ومنذ الخامس من أكتوبر 2023 شن النظام السوري حملة عسكرية على الشمال السوري الخارج عن سيطرته، استهدف خلالها 3 مستشفيات في إدلب إضافة إلى قصف العيادات الخارجية، فضلا عن مقتل نحو 70 مدنيا بالقصف.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن نظام الأسد الذي ينضوي تحت ما يسمى "محور المقاومة" بقيادة إيران، نأى بنفسه بشكل كامل عن الدخول في أي عمل يصب في صالح العملية الاستثنائية للمقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر.