وكيل وزارة الصحة في غزة: إسرائيل تدمر المرفق الصحي بخطة ممنهجة (خاص)

عمرو حبيب | منذ ٤ أشهر

12

طباعة

مشاركة

قال وكيل وزارة الصحة في غزة الدكتور ماهر شامية: إن الاحتلال يوصل رسالة واضحة إلى العاملين في مستشفى كمال عدوان والمرضى الذين بداخله أنه عليكم أن ترحلوا وتخلوا المشفى، أو تموتوا داخله دون أي مقاومة! 

وأوضح في حوار خاص لـ "الاستقلال" أن الاحتلال يتذرع بأن المشفى يقع في نطاق عملية عسكرية واسعة سيتم تنفيذها ويجب إخلاؤه وعندما يحدث ذلك تكون النتيجة أن يتخذ الاحتلال من المشفى قاعدة دائمة له فيما بعد. 

وأضاف شامية أن التدمير الذي بدأه الاحتلال للقطاع الصحي في غزة هو تدمير ممنهج وكل الإجراءات تدل على أنه تدمير متعمد وصل إلى حد استهداف كل من يتحرك داخل بعض المستشفيات ومنها "كمال عدوان".

وقال إن الاحتلال يسعى لبث الإحباط لدى الكوادر الطبية في مستشفيات القطاع وزرع اليأس فيهم تجاه إمكانية العمل أو إنقاذ المرضى والمصابين بهدف إخلاء المرافق الطبية.

ولفت إلى أن الطواقم الطبية في شمال القطاع حاليا لا تتجاوز 8 بالمئة من عددها في القطاع كله، لأن الجميع اتجه نحو الجنوب في حين أن هناك آلافا مازالوا موجودين في الشمال يحتاجون للعلاج.

وأكد وكيل الصحة في غزة أن الاحتلال يحرق سيارات الإسعاف في أماكنها أو يقصفها ويمنع دخول المساعدات الغذائية بشكل منتظم إلى شمال القطاع بهدف نشر مجاعة شاملة تدفع الناس لترك بيوتهم والنزوح.

كما استعرض د. شامية مراحل تدمير الاحتلال للقطاع الصحي منذ بداية الحرب على غزة موضحا الظروف التي يعمل فيها هذا المرفق المهم والحساس. 

والدكتور ماهر شامية هو الوكيل المساعد لوزارة الصحة في قطاع غزة وتولى مناصب عديدة في المرفق الصحي داخل القطاع، وهو الآن على رأس عمله في شمال القطاع ضمن الكوادر الطبية المتبقية هناك.

حرب إبادة

صف لنا واقع القطاع الصحي في قطاع غزة بعد ما يقارب 15 شهرا من الحرب والإبادة الإسرائيلية.

الجيش الإسرائيلي يدمر المرفق الصحي تدميرا منهجيا منذ بداية العدوان على غزة بعد انطلاق معركة طوفان الأقصى، أغلب المؤسسات الصحية المتمثلة بالمستشفيات الحكومية الكبيرة منها والصغيرة العامة والتخصصية ومراكز الرعاية الأولية ثم المستشفيات والمراكز الأهلية وحتى الخاصة منها، كلها تعرضت للتدمير الكلي أو الجزئي في قطاع غزة.

 فلم يسلم من هذا كله مستشفى واحد أو مركز صحي واحد، بل طورد العاملون في القطاع الصحي فيه سواء أطباء أو ممرضون فقد سجلنا في وزارة الصحة استشهاد أكثر من ألف من المنتسبين والعاملين لدينا، وتم اعتقال أكثر من 4000 كادر صحي أيضا، ومازالوا قيد الاعتقال.

وإذا استعرضنا هذا التدمير بشكل أوضح نجد أن أغلب المؤسسات الصحية وعلى رأسها مجمع الشفاء الطبي الذي يمثل أيقونة النظام الصحي في قطاع غزة تم تدميره بالكامل، كذلك منطقة مجمع النصر الذي يضم مستشفى النصر للأطفال وهو أعرق مستشفى أطفال ومجمع فلسطين تم تدميره تدميرا كاملا، ثم تم تحييد مستشفى الشهيد عبد العزيز الرنتيسي للأطفال وهو مستشفى تخصصي للأطفال بالكامل، وتم تدمير مستشفى العيون تدميرا شبه كلي وهذا المستشفى هو المستشفى المركزي للعيون في قطاع غزة. 

وكذلك دُمر مستشفى الصحة النفسية تدميرا كاملا، كما جرى إخراج مستشفى الشهيد محمد الدرة للأطفال عن الخدمة في منطقة شرق غزة، وهذا كله للأسف حصل في أول شهر من الحرب على غزة، ثم طال التدمير مستشفى الشهيد أبو يوسف النجار في رفح وإخراج منظومة المستشفيات في محافظة رفح كلها عن الخدمة، وتحييد المستشفى الجزائري في شرق خانيونس وإخراج مجمع ناصر الطبي عن العمل الذي أعدناه للعمل الآن بشكل جزئي، وكذلك الحصار الشديد الذي ضُرب على مستشفى شهداء الأقصى في المحافظة الوسطى وهو المستشفى المركزي، وهو المشفى الذي استطعنا بالكاد أن نخرج من فيه من اللاجئين والنازحين، ونعيد ترتيب أوراقنا فيه.

ولا ننسى أنه أيضا في الشهر الأول للحرب تم إخراج المستشفى المركزي للأورام في قطاع غزة وهو مستشفى الصداقة التركي، تم إخراجه عن الخدمة وتحويله إلى قاعدة عسكرية في منطقة ما يسمى نتساريم.

أما الحديث عن مراكز الرعاية الأولية فحدّث ولا حرج، أغلبها خرج عن الخدمة وما يعمل منها لا يمثل أكثر من 30 بالمئة من إجمالي قوة الرعاية الأولية في قطاع غزة.

خطر شديد

ماذا عن العاملين في القطاع الصحي وتعاملهم مع هذا الواقع؟

العاملون الصحيون معرضون دائما للعمل داخل دائرة الخطر الشديد، وهم مستهدفون، أينما حل الجيش في أي مؤسسة صحية تعامل مع الكوادر الصحية تعاملا شرسا حيث يعُدهم أجساما معادية، وأحيانا يخيّرهم بين الرحيل أو الموت كما يحدث الآن في مستشفى كمال عدوان، وأحيانا يقرر اعتقال الموجودين في المؤسسة الصحية دون أدنى اهتمام للشخص إن كان طبيبا أو غير ذلك. 

أريد أن أقول إننا في شمال غزة لم يتبق منا للعمل سوى 7  أو 8 بالمئة من الأطباء الموجودين في القطاع كله والباقي نزح إلى الجنوب، وهذا العدد البسيط مطلوب منه أن يقدم الخدمة في كل مؤسسات وزارة الصحة والمؤسسات الشريكة في محافظة غزة والشمال لحوالي 250 ألف إنسان. 

وفي الوقت نفسه مطلوب من هؤلاء العاملين في القطاع الطبي أن يواجهوا استهداف الاحتلال لهم، إذ تتعمد قوات الاحتلال اغتيال الأطباء من ذوي التخصصات النادرة، كأطباء الحروق والعظام والجراحة والمخ والأعصاب.

"كمال عدوان"

لماذا يتعامل الاحتلال بهذه الشراسة مع مستشفى كمال عدوان خصوصا؟

 "كمال عدوان" هو المستشفى الأساسي للعديد من التخصصات في بيت لاهيا في شمال القطاع منها قسم للأطفال والولادة إضافة إلى وجود مجال جراحة الأطفال فيه، وكذلك غسيل كلى للأطفال. 

وفي بداية الحرب دمره الاحتلال ونجحنا في أن نعيده إلى العمل مرة أخرى وإبان الحملة العسكرية الأخيرة على شمال القطاع التي مر عليها أكثر من 80 يوما يمارس الاحتلال أقسى وأشد أنواع التدمير على المشفى بشكل مرعب وغريب، والسبب في ذلك أن المشفى هو الوحيد الذي ظل يستقبل حالات الجرحى.

لأن الاحتلال كان قد نجح في إخراج مستشفى الإندونيسي في الشمال عن دائرة استقبال الجرحى، وبالتالي الإندونيسي كان يعمل جزئيا لكنه غير مؤهل لاستقبال أي جريح حاليا، أما مستشفى العودة فهو مستشفى أهلي يمكنه الاستقبال لكن الوصول إليه كان صعبا، بالتالي كان مستشفى كمال العدوان يقع بين الناس في مشروع بيت لاهيا، الكل يستطيع الوصول إليه. 

فأراد الاحتلال أن يبث في أوساط الناس أنه لا مقام لكم للتشافي في أي مكان، ارحلوا عن الشمال أو موتوا!

مفهومنا للاستمرار في تقديم الخدمات هو أن هذا دورنا في الحياة وفي المهنة وفي هذه الظروف لا يمكن التخلي عن المرضى، الاحتلال فهم أننا نفعل ذلك تحديا له ومقاومةً وهذا فهم قاصر لأنهم كقوة احتلال مسؤولون عن أن يتعالج المصابون وأن يجدوا مكانا يلجؤون إليه وقت الخطر، لكنهم أرادوا أن ينتقموا من الكوادر الصحية كلها في "كمال عدوان" لأنهم عندما يقدمون الخدمة يشجعون الناس على الاستمرار في العيش في المكان وهذا لا يريده الاحتلال.

والأحداث بخصوص "كمال عدوان" على وجه الخصوص في تصاعد يوما بعد يوم، بدأ الاحتلال يتعامل مع أي شيء يتحرك داخل المشفى على أنه عدو يجب قنصه أو قصفه، إما بالرصاص أو بالطائرات المسيّرة لقد أطلقوا النار على منظومة المياه ومنظومة الكهرباء وأنابيب ضخ الأكسجين لإيصال العاملين داخله إلى حالة من اليأس والإحباط، ولا ننس أن الاحتلال اقتحم المشفى منذ حوالي ثلاثة أسابيع واعتقل عددا كبيرا من الموجودين داخله بينهم 31 شخصا من الكوادر الطبية العاملة في المستشفى.

اعتقلوهم ثم تركوا المستشفى في حالة عمل عادية ثم عادوا يستهدفونه على مدار الساعة بإطلاق النار على بوابات المشفى وكل من يتحرك منه أو إليه.. والآن طلبوا إخلاء المشفى من المرضى والأطباء بحجة أن المشفى يقع ضمن إطار عملية عسكرية واسعة ويجب أن يتم إخلاؤه.

كل هذا ليس له سوى تفسير واحد أن الاحتلال يريد أن ييأس الناس من العيش في الشمال من ناحية ومن ناحية أخرى ربما يتخذ المستشفى قاعدة عسكرية ينفذ منها عمليات مختلفة. 

الاحتلال الآن يدخل إلى مستشفى كمال عدوان الأشياء التي نحتاجها بـ"القطّارة" وبصعوبة شديدة سواء الوقود أو المياه أو غير ذلك. ويوافقون على إخراج بعض المرضى إلى جهات أخرى بصعوبة شديدة. 

والآن نحن نتواصل معهم عبر وسطاء وأوصلنا إليهم رسالة أننا لا يمكننا أن نتخلى عن الجرحى والمصابين ويجب أن نستمر في تقديم الخدمة إليهم وموافقون على نقل مرضى إلى مستشفى الإندونيسي ولكن ليس كل الموجودين في "كمال عدوان" الناس في "كمال عدوان" يجب أن يتلقوا الخدمة تحت أي ظرف وإذا اضطررنا لنقلهم جميعا إلى "الإندونيسي" يجب أن يكون هناك تنسيق منظم يضمن سلامتنا وسلامتهم وبكل الإمكانات المطلوبة. 

للأسف الجنرال العسكري الذي يصدر الأمر بإخلاء مستشفى لا يضع في حساباته أن هناك ضوابط ومعايير لإخلاء المؤسسات الصحية، وإصرار الاحتلال على إخلاء "كمال عدوان" لا يثبت إلا أنهم ضد الحياة، لا يريدون للمرضى أن يُعالجوا ولا للجرحى أن يتعافوا بل يريدون الموت للجميع. 

مقاضاة الاحتلال

هل هناك أي نية لإعداد ملف لمقاضاة إسرائيل دوليا بخصوص جرائمها ضد الأطباء والقطاع الطبي خصوصا؟

هناك جهات تحصر هذه الأعداد من شهداء وإصابات ومعتقلين، ونحن على علم بأنهم يتابعون هذا الأمر باستمرار وبدقة عالية ويمكن مقاضاة الاحتلال في هذا الإطار خصوصا فيما يتعلق بالكوادر الطبية في قطاع غزة، لكن بالنسبة إلينا نحن في وزارة الصحة فإن همنا الأول تقديم الخدمة لمن يحتاجها.

الحصار على شمال القطاع يشتد يوما بعد يوم بما ينذر بوقوع مجاعة كاملة للأهالي هناك.. كيف يكون التعامل مع هذا الواقع من الناحية الطبية؟

هناك أدلة عديدة على أن الاحتلال يريد أن يصل الأمر إلى حالة من التجويع الشامل، هم يدعون أنهم يدخلون شاحنات غذائية لكن هناك أدلة واضح على أنهم يفسدون هذا الإجراء من ناحية أخرى، كم عدد الشاحنات المفترض إدخالها؟ وكم يدخل بالفعل؟ ثانيا لماذا يطلق النار على بعض من يريدون أن يأخذوا نصيبهم من هذا الغذاء؟ ثالثا: لماذا يلجأ الاحتلال إلى أساليب معقدة لإيصال هذه المساعدات ولا يريد التعاون من أونروا أو غيرها لتوزيعها؟ كلها أمور تدل على أنهم يستهدفون تجويع الشعب خصوصا في الشمال.

على جانب آخر بالنسبة لاحتياجاتنا نحن في وزارة الصحة كي نستطيع مواجهة هذه المجاعة لنا احتياجات طبية أساسية يحول بيننا وبينها الاحتلال فالاحتياجات الأساسية أو القوائم الطبية الأساسية -فضلا عن الفرعية- لا يصلنا منها شيء، لا توجد صيدلية يمكنها أن تبيع لك الدواء، مستودعات الأدوية كلها مغلقة منذ 13 شهرا تقريبا.. كل هذه إجراءات تساعد على أن تعم المجاعة القطاع وخصوصا في الشمال.

حالات مجاعة

هل بالفعل وصلت حالات مجاعة إلى المستشفيات؟

نعم.. شمال القطاع منذ 80 يوما تقريبا لم تصله مساعدات غذائية كافية بالمعنى العملي على الإطلاق، بمعنى أن الجهات والمؤسسات الداعمة المسموح لها بإدخال المساعدات- على قلتها- لا تستطيع أن تدخل المساعدات إلى شمال القطاع، وبالتالي مخيم جباليا وبيت لاهيا ومنطقة حانون ومنطقة صفطاوي وغيرها كلها لا يمكن لأحد أن يدخل مساعدات إليها، فمن الطبيعي أن تصل إلينا حالات تعاني من مجاعة فعلية وهذا قد حدث. 

أزيد فوق هذا أن الاحتلال لجأ إلى تدمير سيارات الإسعاف وحرقها في أماكنها حتى لا يتم نقل المرضى ومن يعانون صحيا سواء من المجاعة أو من غيرها، هذا معناه أنهم يجوّعون الناس ثم يمنعون عنهم الإسعاف أو العلاج فالنتيجة هي الموت.

وأخيرا أقول: لا يحق لأحد أن يحاسبنا في القطاع الصحي على أننا نعالج الناس جميعا، هذا واجبنا وقسمنا الذي أقسمناه على أنفسنا، وأناشد العالم أن يحموا القطاع الصحي في غزة بموجب القانون الإنساني الدولي، لا يحق لأحد أن يضع أي قطاع صحي في العالم تحت رحمة إجراءات عسكرية.