إضافة للقوة والنفوذ.. هذه مكاسب تركيا بتوسعها في الصناعات الدفاعية
.jpg)
تعيش تركيا نهضة غير مسبوقة في مجال إنتاج الصناعات الدفاعية، أكسبتها أهمية كبرى في قطاع صناعة الأسلحة العالمي، كما مكنها من تقليل اعتمادها الخارجي في شراء المعدات والآلات وقطع الغيار والمكونات العسكرية ما بين 30 بالمئة إلى نحو 70 بالمئة.
يبدو هذا جليا من تصريح وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، 17 أغسطس/ آب 2021، أن "شركات الصناعات الدفاعية التركية باتت تنافس عمالقة العالم، وأصبحت مصدر فخر للبلاد".
رئيس هيئة الصناعات الدفاعية التركية التابعة لرئاسة الجمهورية، من جانبه أشار إلى أن بلاده عززت من قوتها التنافسية في سوق الصناعات الدفاعية العالمية، وفي كافة المجالات المتعلقة بالصناعات الدفاعية، خلال السنوات الـ20 الماضية".
وأضاف أن "هيئة الصناعات الدفاعية التركية تشرف الآن على 750 مشروعا تبلغ قيمتها الإجمالية نحو 50 مليار دولار".
تركيا حققت قفزات ملحوظة في صادرات الصناعات الدفاعية، التي ارتفعت من 487 مليون دولار عام 2006 إلى نحو 2.2 مليار دولار 2018، ثم إلى 3 مليارات دولار بنهاية 2019، وفق إحصاءات رسمية.
ذلك الرقم أهل أنقرة لتشغل المرتبة رقم 13 بين الدول الأكثر تصديرا للأسلحة في العالم.
تقرير معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام "SIPRI" لعام 2020، أكد أن صادرات الأسلحة التركية ارتفعت بنسبة 170 بالمئة خلال السنوات الـ10 الماضية، كما ارتفع عدد الشركات العاملة بالقطاع من 56 شركة عام 2002 إلى 1500 في 2020.
منذ العثمانيين
كافحت الصناعات الدفاعية في تركيا منذ سقوط الإمبراطورية العثمانية خاصة بعد أن فقدت فعاليتها وإنتاجيتها إلى حد كبير خلال الحرب العالمية الأولى (1914- 1919)، وإثر إعلان الجمهورية التركية جرى وضع أسس لصناعة الدفاع الوطني، وإنشاء المديرية العامة للمصانع العسكرية عام 1921.
عام 1924، جرى إنشاء ورش لتصليح الأسلحة الصغيرة والمدافع ومصانع خرطوشة في أنقرة، ثم وضع أسس أول وأكبر مصنع صناعة دفاعية للقطاع الخاص في تركيا عام 1925، ليتبعها إنشاء أول مصنع لمحركات الطائرات في أنقرة عام 1945.
ولتعزيز الجهود المبذولة لتطوير الأسلحة والوسائل والأدوات التي تحتاجها القوات المسلحة التركية، أنشأت تركيا قسم البحث والتطوير عام 1954 بإشراف وزارة الدفاع الوطني.
لتنتقل تركيا إلى وضع خطة التنمية الخمسية (1968-1972)، ضخت زيادة سريعة في نفقات الدفاع الوطني أدت بدورها إلى جلب استثمارات البنية التحتية الخاصة بالدفاع الوطني.
عام 1970 دشنت إدارة الخدمات الفنية التابعة لوزارة الدفاع الوطني، ثم وضعت خطة تنمية خمسية جديدة (1973-1977) تشدد لأول مرة بشكل منهجي على أهمية التصنيع في مجال الدفاع.
عام 1983 جرى إنشاء المديرية العامة لمؤسسات معدات الدفاع بهدف إنتاج وتحديث سريع لجميع أنواع الذخائر والأسلحة والأدوات القتالية والمعدات والآلات والأجهزة والأنظمة وقطع الغيار والمواد الخام والأدوية.
إلا أنه على الرغم من هذه التطورات، فإن الموارد المتاحة وسياسات التوريد لم تكن كافية لسد العجز في المعدات الدفاعية للقوات الجوية التركية، والذي كان يتراكم وينمو منذ خمسينيات القرن الـ20.
ليجري بعدها وضع خطة تنمية خمسية أخرى (1985-1989) بهدف التركيز على الاستثمارات لتطوير صناعة الدفاع.
لكن مع إنشاء مديرية تطوير ودعم صناعة الدفاع (SAGEB) عام 1985 حدث تحول كبير للاستفادة من البنية التحتية للصناعة المحلية.
عملت المديرية على توجيه وتشجيع استثمارات التكنولوجيا المتقدمة الجديدة، وتشجيع مساهمات رأس المال الأجنبي، وتعزيز أنشطة البحث والتطوير، وبالتالي إنتاج جميع الأسلحة اللازمة مثل المركبات والإمدادات في تركيا قدر الإمكان.
ذلك كله أدى إلى تطوير ثقافة الصناعة الدفاعية بشكل فريد ضمن هيكل صناعة الدفاع في تركيا، وتوفير ما نسبته 18 بالمئة من احتياجات الجيش التركي، وتحويل نماذج التوريد، ومرونة استخدام الميزانية.
وفي عام 1988، دشنت شركة تصنيع الصواريخ، وشركات عديدة أخرى.
انطلاقة أخرى
لكن، باتت تركيا منذ عام 2000 دولة منتجة لمعظم أسلحتها، ليبدأ عهد جديد يرتكز على صناعة أسلحة قادرة على جذب أنظار العالم وتهافت الدول على شرائها.
وأصبحت الصناعة الدفاعية المتنامية في تركيا تشكل حجر زاوية في السياسة الخارجية التي ينتهجها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
تركيا التي كان لديها شركة واحدة على قائمة أول 100 شركة دفاعية في العالم خلال عام 2010، أصبح لها سبع شركات على القائمة عام 2020، متفوقة بذلك على إسرائيل وروسيا والسويد واليابان مجتمعة.
شركة "Aselsan" أكبر شركة دفاعية في تركيا احتلت المرتبة 52 عالميا وفقا لتصنيف "Defense News"، بقيمة مبيعات وصلت 2.1 مليار دولار.
وصعدت شركة "TUSAŞ"، المعروفة أيضا باسم صناعات الفضاء التركية (TAI) إلى المرتبة 48 عالميا.
فضلا عن إدراج الشركات "BMC" ،"Roketsan" ،"STM" ،"FNSS" ،"Havelsan"، في قائمة أفضل 100 شركة في نفس التصنيف.
الكاتب والصحفي التركي، حمزة تكين، يقول: إن "الصناعات الدفاعية قبل عام 2002 كانت باهتة وتقليدية نتيجة القرارات الخارجية التي كانت تقيد الصناعة الدفاعية التركية لتظل تابعة للدول الخارجية".
تكين، يضيف لـ"الاستقلال": "مع وصول حزب (العدالة والتنمية) إلى الحكم كان قراره واضحا بإزالة أغلال الغرب عن الصناعات الدفاعية التركية؛ فأطلق مشروع تطوير هذا القطاع لنصل بعد 20 عاما إلى ما وصلنا إليه".
ويشير إلى أن "تركيا انتقلت من كونها دولة مستوردة للسلاح إلى دول تستغني عن بعض القطع الخاصة ببعض الأسلحة كونها تنتجها الآن".
ويؤكد أنها "أصبحت أيضا تتفق مع الدول الأخرى على تصنيع وليس شراء بعض القطع الإنتاجية ليعكس ذلك أنها أصبحت دولة غير تابعة أو خاضعة".
أبرز المستفيدين
صناعة الدفاع التركية شهدت تطورا نوعيا ونموا في الإنتاج بحلول عام 2020، وذلك مع دخول الصناعات العسكرية التركية ضمن ترسانة القوات الجوية والبحرية والبرية التركية، والتي ساهمت بزيادة القدرات الدفاعية للجيش الوطني.
بحسب مؤسسة صناعة الدفاع (SSB)، فإن تركيا تمتلك التكنولوجيا اللازمة لتصنيع وبيع أسلحة دفاعية وهجومية متوافقة مع معايير حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وبسعر أرخص من منافسيها الدوليين.
وارتفعت صادرات الأسلحة التركية بشكل ملحوظ، وعلى وجه التحديد المركبات المدرعة والسفن والقوارب البحرية، خلال الفترة بين (2013 – 2019)، ومن المتوقع أن يستمر ارتفاع الصادرات مستقبلا.
وفقا للإحصاءات التي كشفت عنها رابطة مصدري الدفاع (SSI) وجمعية المصدرين الأتراك (TIM)، ارتفعت صادرات قطاع الدفاع التركي بنسبة 34.6 بالمئة خلال عام 2019 مقارنة بعام 2018 .
وبلغ حجم مبيعات الدفاع والطيران 11 مليار دولار أمريكي لعام 2020، وارتفع عدد شركات الدفاع التركية من 56 شركة عام 2002، إلى 1500 شركة عام 2020.
وبلغ إجمالي عدد العاملين في القطاع قرابة 74 ألفا، في حين جرى تنفيذ 700 مشروع دفاعي حتى عام 2020، وإطلاق حوالي 350 مشروعا جديدا بين عامي 2015 و2020.
بحسب بيانات وكالة الإحصاء التركية "TIM"، فإن أكبر 10 مستوردين للأسلحة التركية من 29 فبراير/ شباط 2020، هم: أميركا بـ(131 مليونا و257 ألف دولار)، وألمانيا بـ(38 مليونا و229 ألف دولار)، والإمارات بـ(26 مليونا و91 ألف دولار)، والهند بـ(23 مليونا و984 ألف دولار).
بالإضافة إلى هولندا بـ(16 مليونا و305 آلاف دولار)، وقطر (12 مليونا و728 ألف دولار)، وسويسرا بـ(12 مليونا و62 ألف دولار)، والسعودية بـ(11 مليونا و354 ألف دولار)، وبريطانيا بـ(8 ملايين و653 ألف دولار)، وأذربيجان بـ(8 ملايين و364 ألف دولار).
سر النجاح
يكمن نجاح الشركات التركية العاملة بقطاع الصناعات الدفاعية في حيازتها للخبرات العلمية والتصنيعية في مجال أنظمة الدفاع العسكرية، بما في ذلك تقنيات التصوير والبصريات الإلكترونية، فضلا عن منتجات أخرى جرى تطويرها بالأبحاث العلمية.
تركيا الآن، لديها إمكانية إنتاج المركبات والأنظمة العسكرية الأكثر تعقيدا مثل الحفارات البرمائية المدرعة، والمركبات المضادة للدبابات، ودبابات القتال المتوسطة والرئيسة مع مجموعة واسعة من نظم أبراج الدبابات.
كما باتت تركيا من بين 10 بلدان في العالم فقط تصمم وتصنع سفنها الحربية بنفسها، كما تنتج المركبات المضادة للألغام، ومركبات العمليات المدرعة، ونظام "قورقوت" للدفاع الجوي ذاتي الدفع، ورادارات "سرهات" للكشف عن قذائف الهاون.
وكذلك تنتج نظام الدعم الإلكتروني للرادار (REDET-II)، إضافة إلى مجموعة واسعة من مجموعات التوجيه وقاذفات القنابل والمسدسات الفردية والبنادق، والمناظير الحرارية والقنابل الحارقة.
بالإضافة إلى أنظمة رادارات للكشف عن الطائرات بدون طيار، والكاميرات الحرارية وزوارق الدوريات السريعة، فضلا عن صواريخ الدفاع الجوي، وصواريخ الاختراق الذكية (أرض - جو)، وغيرها الكثير من السلع الدفاعية المتقدمة.
كما حققت الطائرات المسيرة التركية نجاحات كبيرة دفعتها في أن تصبح واحدة من الدول الـ6 الأولى في إنتاج الطائرات المسيرة، بحسب دراسة لمركز أبحاث الطائرات المسيرة الأميركي.
بدوره، يقول حمزة تكين: إن "تركيا اليوم باتت قادرة على جذب الدول الكبرى كبعض الدول في حلف الناتو لشراء أسلحتها المتطورة، كالمسيرات وبعض أنواع الدبابات وغيرها".
أقامت تركيا 17 أغسطس/ آب 2021، معرض إسطنبول الدولي للصناعات الدفاعية "آيدف IDEF" الذي يبرز أحدث الأسلحة التركية.
دور اقتصادي
لا يتوقف دور الصناعات الدفاعية عند المكاسب السياسية والعسكرية، بل يدعم بشكل لافت الاقتصاد التركي، إذ بلغت صادرات الصناعة الدفاعية والجوية التركية نحو 2 مليار و279 مليون دولار عام 2020، رغم تفشي جائحة "كورونا".
هنا يوضح تكين، أن "القطاع الدفاعي يساهم في تحقيق مردود مالي على المؤسسات والشركات والخزينة التركية، ما يعزز اقتصاد البلاد ومعدلات نموه، بالإضافة إلى خلق حالة من الاتزان في الميزان التجاري التركي".
وتشكل صادرات قطاع الصناعات الدفاعية والجوية نحو 1.3 بالمئة من إجمالي الصادرات التركية.
من جهته يقول الخبير الاقتصادي، جلال بكار: إن "الصناعات الدفاعية التركية تعد صناعات إستراتيجية تسهم في خلق قيمة مضافة للاقتصاد التركي".
ويضيف لـ"الاستقلال" أنها "تساهم في تشغيل العمالة واكتساب الخبرات، وتدعيم مكانة الدولة التركية كقوة اقتصادية كبيرة، وتوطين تكنولوجيا تلك الصناعات على الأراضي التركية".
بكار، أشار إلى أن "التوسع في الإنفاق على تطوير الأسلحة وتطوير مراكز الأبحاث بالإضافة إلى دعم البحث العلمي في الجامعات، يسهم كذلك في تطوير عدد كبير من المنتجات والتقنيات التي سرعان ما تنتقل تطبيقاتها إلى الاستخدامات المدنية".
وتهدف أنقرة إلى رفع سقف صادراتها الدفاعية والفضائية إلى 25 مليار دولار سنويا بحلول عام 2023، مدعومة بجهود حثيثة تبذلها الشركات التركية لتطوير أنظمة دفاعية وأسلحة موجهة دقيقة.
المصادر
- Transformation of the Turkish Defense Industry: The Story and Rationale of the Great Rise
- تركيا.. الصناعات الدفاعية المحلية تصل 70% وزخم كبير في 2021
- كيف تغيرت تركيا خلال 5 سنوات | تطور الصناعات العسكرية التركية بين عامي 2015 – 2020
- تركيا ضمن أكبر ست دول إنتاجا للطائرات المسيرة بالعالم
- أكار: الصناعات الدفاعية التركية تنافس عمالقة العالم
- مسؤول: الصناعات الدفاعية التركية عززت قوتها التنافسية عالميًا