طلبت "جر نتنياهو للمحاكمة".. لماذا تأخذ إسبانيا موقفا إيجابيا من القضية الفلسطينية؟

منذ ٦ أشهر

12

طباعة

مشاركة

في موقف جريء يصب في صالح القضية الفلسطينية، ارتفعت نبرة إسبانيا الغاضبة من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، بعدما بدأت المقاومة عملية "طوفان الأقصى" في عمق مستوطنات غلاف غزة بتاريخ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

فبعد بدء العملية التي قادتها كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، شرع جيش الاحتلال بتنفيذ مجازر واسعة ضد المدنيين في غزة أدت إلى استشهاد أكثر من 3500 شخص وإصابة ما يزيد على 12 ألفا آخرين.

وبدورها، طالبت وزيرة الحقوق الاجتماعية الإسبانية بالإنابة إيوني بيلارا بتقديم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب "جرائم حرب".

"إبادة جماعية"

واتهمت بيلارا في رسالة مصورة بثت في 16 أكتوبر 2023 "الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالتواطؤ في جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل" في قطاع غزة المحاصر منذ 17 عاما.

وشددت الوزيرة الإسبانية على أن "دولة إسرائيل تنفذ إبادة جماعية ممنهجة في قطاع غزة" منذ 7 أكتوبر 2023.

وتابعت: "يجب أن تشعر إسرائيل بالضغط الدولي لوضع حد للتفجيرات من خلال جميع الإجراءات، مثل حظر الأسلحة أو فرض عقوبات على المسؤولين عن الهجمات".

 وانتقدت بيلارا أيضا تنفيذ إسرائيل "إبادة جماعية مخططة" في قطاع غزة، مما أدى إلى ترك مئات الآلاف من الأشخاص بدون كهرباء وطعام وماء.

كما أكدت تنفيذ إسرائيل ضربات على السكان المدنيين مما يشكل "عقابا جماعيا وينتهك القانون الدولي ويمكن اعتبار ذلك جرائم حرب"، وفق قولها.

وردا على منع التجمعات التضامنية مع الشعب الفلسطيني في عدة دول أوروبية، دعت بيلارا المواطنين إلى ممارسة حقوقهم والتعبئة والتنظيم في الشوارع من أجل "إنهاء الحصار والاحتلال غير القانوني والفصل العنصري" الذي تنفذه إسرائيل.

ويتسق الموقف غير المنحاز لإسبانيا الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي، مع آراء آلاف الأشخاص الذين نظموا في مدريد بتاريخ 15 أكتوبر مسيرة تضامنا مع الفلسطينيين منددين بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وذلك في تجمع هو الأكبر من نوعه في إسبانيا.

وتلبية لدعوات وجهت تحت شعارات "مدريد مع فلسطين" و"ضد الاستعمار الإسرائيلي"، سار المتظاهرون في وسط العاصمة الإسبانية.

كما وضع العديد منهم الكوفية ورددوا شعارات مثل "عاش نضال الشعب الفلسطيني!" وندد البعض بـ"الإبادة الجماعية" و "الإبادة" وهتفوا "إسرائيل قاتلة!".

وقال مراد عودة وهو إسباني من أصل فلسطيني يبلغ 33 عاما خلال تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية في 15 أكتوبر "أنا هنا للمطالبة باحترام القانون الدولي". وتساءل "إلى أي حد يصل حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها؟".

كما نظمت تظاهرات خلال عطلة نهاية الأسبوع في مدن عدة على غرار برشلونة وبامبلونا وتوليدو، معظمها تضامنا مع الفلسطينيين وتنديدا بإسرائيل.

وسبق ذلك، إعراب الحكومة اليسارية الإسبانية في 9 أكتوبر 2023 عن "عدم ارتياحها" و"معارضتها" للقرار الذي أعلنته المفوضية الأوروبية بتعليق مساعداتها للفلسطينيين بعد عملية "طوفان الأقصى".

وقالت وزارة الخارجية الإسبانية إن الوزير "خوسيه مانويل ألباريس" أجرى محادثة هاتفية مع المفوض (الأوروبي أوليفر فارهيلي) للتعبير عن عدم موافقته على هذا القرار".

وأضاف وزير الخارجية أن تعليق المساعدة الأوروبية للشعب الفلسطيني "تسبب باستياء داخل الحكومة الإسبانية".

كما حث رئيس حكومة إسبانيا، بيدرو سانشيز على الاعتراف بدولة فلسطين وحل الدولتين وذلك من أجل إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، و"حتى يتمكنوا من التعايش بسلام وأمن".

وأعرب سانشيز خلال تجمع حاشد فى ميريدا بإكستريمادورا، عن أسفه لأن الصراع يسبب "الكثير من المعاناة والقلق وعدم الاستقرار سواء بالمنطقة أو في جميع أنحاء العالم".

وفى السياق ذاته، حث حزب بوديموس الإسباني الاتحاد الأوروبي على ممارسة الضغط على إسرائيل لوقف الهجمات على غزة.

وذكرت مصادر الحزب الاشتراكي العمالي، بأن مجلس النواب وافق في نوفمبر/تشرين الثاني 2014، بدعم من جميع الفئات، على اقتراح يحث الحكومة على الاعتراف بفلسطين كدولة.

وكانت قررت الحكومة الإسبانية زيادة المساعدات التي تمنحها للفلسطينيين 100 مليون يورو أخرى، حيث منحت الدولة الأوروبية 900 مليون يورو خلال العقود الثلاثة الماضية من خلال برامج التعاون المختلفة.

وأصبحت إسبانيا المانح الأوروبي الأول والثالث من حيث القيمة المطلقة لفلسطين حتى عام 2010.

وتتضمن خطة عمل البحر المتوسط ​​الجديدة الإسبانية لأعوام 2020-2024 التي أعدتها حكومة بيدرو سانشيز 100 مليون يورو أخرى كمساعدة لفلسطين.

دعم حل الدولتين

وجاءت دعوة سانشيز بعد ساعات من دعوات جيش الاحتلال المتكررة لسكان قطاع غزة بالتوجه جنوبا تمهيدا لاجتياح عسكري بري.

وهو ما يعني أن الحكومة الإسبانية تخشى تعريض نحو مليون شخص في قطاع غزة لمزيد من التشريد وتعميق سوء الوضع الإنساني.

خاصة أن هناك أحزابا داخل إسبانيا مثل "سومار" تطالب سانشيز بـ "لي ذراع نتنياهو" عبر استغلال الرئاسة الإسبانية للاتحاد الأوروبي لمدة ستة أشهر.

كما يتماشى هذا الضغط الإسباني على إسرائيل مع رغبة أحزاب باعتراف إسبانيا بالدولة الفلسطينية دون انتظار الاتحاد الأوروبي.

ويعرف شركاء الزعيم الاشتراكي سانشيز وهم حزب "سومار" بمناداتهم بأن تكون "فلسطين حرة".

ويبدو أن القضية الفلسطينية ترمي بثقلها على اللعبة الانتخابية في إسبانيا؛ على اعتبار وجود سياسيين إسبان لهم وزنهم يدعمون حقوق الشعب الفلسطيني في التحرر من الاحتلال وقيام دولته مثل زعيمة "سومار" يولاندا دياز.

وقد طالب "سومار" الحزب الاشتراكي العمالي بإدراج اعتراف إسبانيا بالدولة الفلسطينية في اتفاق الحكومة الائتلافية المستقبلية، حسبما قال المتحدث باسم سومار، إرنست أورتاسون، خلال مؤتمر صحفي بتاريخ 16 أكتوبر 2023.

وقد أوضح أورتاسون، أن هذا الاعتراف الأحادي الجانب من بلده، يشكل مطلبا "يصر عليه حزبه منذ البداية" في المفاوضات مع الحزب الاشتراكي.

ويعتقد المتحدث باسم "سومار" أنه "لا ينبغي لنا الانتظار أكثر وأن الوقت قد حان لكي تعترف إسبانيا بالدولة الفلسطينية بطريقة أحادية وغير مشروطة وعاجلة كمساهمة أساسية في حل الصراع والسلام".

ويطالب ائتلاف "سومار" السياسي اليساري الإسباني الذي يطرح "يولاندا دياز" كمرشحة لرئاسة الحكومة عام 2024، بروكسل بتعليق الاتفاقية التجارية مع إسرائيل، "في ضوء الانتهاكات المنهجية للقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان".

وكذلك "مراجعة الأموال التي تتلقاها من الاتحاد الأوروبي، لضمان ألا يجرى استخدامها لسياسات الاستيطان غير القانونية أو السياسات الأمنية التي تنتهك حقوق الإنسان".

وقد قدم حزب "سومار" أخيرا بعض المقترحات مثل دعوة إسرائيل إلى إنهاء قصف قطاع غزة، وإعلان وقف إطلاق النار مع تبادل الأسرى والرهائن أو فتح الممرات الإنسانية، ودعا "للمضي قدما" نحو "الاعتراف الفعال والشامل" بالدولة الفلسطينية.

وتحاول إسبانيا دفع الجهود الدولية لتعزيز حل تفاوضي يضمن سلاما عادلا ودائما ومستقرا كما تقول في فلسطين.

ترسيخ الحق الفلسطيني

وقد قرأ المحلل السياسي الفلسطيني حسام الدجني، "اتخاذ إسبانيا لهذا الموقف من فلسطين على أنه دليل على اطلاعها بشكل جيد على حقائق الأمور مما يجري في فلسطين وبالتالي هي لا تريد أن تضلل الرأي العام لديها".

وأضاف الدجني في حديث لـ "الاستقلال": أن موقف إسبانيا نابع من منظومة القيم والأخلاق التي تحكمها والتي هي بالأصل يجب أن تضبط جميع الدول، ولكن هناك دولا تنحاز".

واستدرك قائلا: "وبالتالي فإن إسبانيا لم تنحز على ما يبدو وهذا يعني أنها تريد أن ترسخ الحق للشعب الفلسطيني وهذا موقف إيجابي ومهم من القضية الفلسطينية".

بحسب صحيفة "ليبرى ميركادو" الإسبانية فإن التعاون الإسباني مع فلسطين بدأ فى عام 1994، مع التوقيع مذكرة التفاهم المتعلقة بالتعاون الإسباني الفلسطيني والتي رافقها دعم مالي مستمر من الإدارات العامة.

وهكذا، بين عامي 1994 و2018، تجاوز التمويل الإسباني 777 مليون يورو، لا سيما الفترة ما بين 2008 و2010، في عهد الحكومة السابقة برئاسة رودريغيز ثاباتيرو.

وأدى اندلاع الأزمة الاقتصادية التي عانت منها إسبانيا في تلك السنوات إلى انخفاض كبير في المساعدات، إلى حد أنها مثلت عام 2013 سدس الحجم المسجل في 2010. ومع ذلك، فإن منح الأموال العامة آخذ في النمو منذ ذلك الحين.

وكانت إسبانيا أبدت اهتماما كبيرا بالشرق الأوسط في وقت مبكر من 2001 وبدأ كبار المسؤولين عن سياستها الخارجية يتحدثون عن إمكانية إقامة مؤتمر دولي كبير في مدريد لإحياء عملية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل تجرى إقامته بمناسبة الذكرى العاشرة لمؤتمر مدريد للسلام الذي أقيم عام 1991 في العاصمة الإسبانية.

وكان هذا المؤتمر المذكور نقطة الانطلاق لعملية السلام التي توجت لاحقا باتفاقية أوسلو، التي أصبحت طي النسيان وتنصلت إسرائيل من أغلب بنودها.

ومع ذلك، فإن إسبانيا تعد أكبر دولة مساهمة في تمويل عملية السلام العربية الإسرائيلية بدعمها المادي الكبير للجانب الفلسطيني.

فمنذ إنشاء السلطة الفلسطينية في 1994، مولت إسبانيا مشاريع في الأراضي المحتلة بقيمة إجمالية تجاوزت 177 مليون دولار.

وكان على رأسها بناء مطار غزة الدولي الذي مولته إسبانيا بالكامل، لكن إسرائيل دمرته عام 2002.

وخلال لقاء وزير الخارجية الإسباني الفونسو داستيس السابق، مع نظيره الفلسطيني رياض المالكي، في 21 أكتوبر 2017، قال الأول: "إن بلاده قد تعترف بدولة فلسطين في إطار شامل تتوافق عليه مع الاتحاد الأوروبي"، دون تحديد موعد زمني محدد.

وسبق هذا الإعلان من مدريد، تصويت البرلمان الإسباني في 18 أكتوبر 2014 على قرار غير ملزم قانونيا للاعتراف بدولة فلسطين على حدود يونيو/حزيران 1967. وحينها حظيت المبادرة التي تقدم بها حزب العمال الاشتراكي المعارض بإجماع كل الكتل البرلمانية.

وآنذاك قال وزير الخارجية الإسباني، خوسي مانويل غرثيا مرغايو، إن حكومته تصبو إلى أن يكون هذا الاعتراف فرصة للخروج من مأزق عملية التسوية في المنطقة، ويساهم بالوصول إلى تسوية على قاعدة دولتين لشعبين.

وأوضح أن إسبانيا تريد الاعتراف بدولة فلسطين، لكنها لا ترغب بأن يكون ذلك عبارة عن مبادرة رمزية، بل تريد أن تحقق الفائدة لمسيرة الحل الدائم.