تحرير البنك المركزي العراقي بيع الدولار.. باب للفساد أم خطوة للاستقرار؟

أثار قرار البنك المركزي العراقي إخضاع أسعار صرف الدولار إلى "قوى العرض والطلب في السوق"، العديد من التساؤلات بخصوص مدى فاعلية مثل هذا القرار فيما يخص استقرار سعر العملة الصعبة أمام الدينار المحلي، الذي يشهد تذبذبا منذ عام كامل.
وفي 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أصدر المركزي العراقي، قرارا يقضي بمنح الحرية للمصارف في بيع وشراء الدولار حسب سعر العرض والطلب في السوق الموازي (السوداء)، باستثناء الدولار الذي تتحصله المصارف من البنك المركزي بسعر الدولة الرسمي البالغ 1320 دينارا للدولار.
ومنذ قرار البنك المركزي في فبراير/شباط 2023، خفض سعر صرف الدولار أمام الدينار العراقي إلى 1320 بدلا من 1480 دينارا، بقي السعر في السوق الموازي يتراوح ما بين 1570 إلى 1600 دينار لكل دولار، ولم تفلح محاولات الحكومة في ردم الهوة بين السعرين.
بدأ سعر صرف الدولار يشهد ارتفاعا، منذ نوفمبر 2022، بعدما أعلن البنك الفيدرالي الأميركي تطبيق نظام "سويفت" المعروف في العراق بـ"المنصة الإلكترونية" على عمليات بيع الدولار من نافذة البنك المركزي، لإيقاف تهريبها وعمليات غسيل الأموال.
"استقرار مرتقب"
على الصعيد الحكومي، أكد مظهر محمد صالح المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، أن قرار البنك المركزي بخصوص تداول الدولار من خارج المنصة وفق العرض والطلب، سيوفر مرونة عالية في العرض تسهم باستقرار السوق.
وقال صالح لوكالة الأنباء العراقية الرسمية "واع" في 23 نوفمبر، إن "تحرير عمليات بيع وشراء النقد الأجنبي التي اتخذها البنك المركزي، ليس بديلا عن سياسة الدفاع عن الاستقرار السعري وخطة الحكومة في التدخل في استقرار المستوى العام للأسعار".
وأوضح أن "الأسر والأشخاص الطبيعيين والمعنويين في العراق يكنزون مبالغ نقدية بالعملة الأجنبية (الدولار) وخارج الجهاز المصرفي تقدر بالمليارات".
ولفت إلى عملية الاكتناز هذه "تخضع لظاهرتين الأولى: صعوبة التصرف في تداولها خارج قوانين العرض والطلب الصانعة لسعر الصرف الطليق حاليا بسبب الضوابط القانونية الرادعة".
والثانية: انكماش عرض نقدي كبير من العملة الأجنبية السائلة وهو متوقف عن الحركة بشكل اكتناز نقدي جامد الحركة وخارج دائرة العرض. وتابع صالح، أن "ذلك يفاقم من تقلبات سعر الصرف".
وبناء على ذلك، يرى أن "تحرير مناخ التعاطي بالعملة الأجنبية وإسباغه الصفة البيضاء سيوفر مرونة عالية في العرض تساهم في الحد من ضوضاء السوق الثانوية للصرف".
وأردف: "ذلك سيوفر عرضا مرن الحركة من النقد الأجنبي يقود الى استقرار السوق تؤازره سياسة حكومية توفر عرضا سلعيا عن طريق السعر الرسمي للصرف عالي الاستقرار وممول بسعر صرف 1320 دينارا لكل دولار".
وفي 8 نوفمبر، قرر البنك المركزي العراقي، السماح للمصارف العراقية باستيراد النقد الأجنبي من أجل توفير المرونة المطلوبة للمصارف العاملة في البلد، على أن تكون استخداماتها لأغراض تلبية طلبات الزبائن من الشركات والمنظمات والهيئات المسجلة أصوليا.
وكذلك يلبي القرار طلبات الأفراد العاملين لصالح شركات أو مؤسسات أجنبية تردهم حوالات من خارج العراق.
وبعد ذلك، جاء اتفاق البنك المركزي العراقي مع الجانب الأميركي، خلال اجتماع جرى بالعاصمة الإماراتية أبوظبي في 10 نوفمبر، على تعزيز رصيد مسبق بالدولار لخمسة مصارف عراقية (لم يكشف عن اسمها)، وذلك عن طريق مصرف جي بي مورغان الأميركي.
أساس المشكلة
وبخصوص مدى فاعلية قرار تحرير عمليات بيع الدولار، قال الخبير الاقتصادي العراقي، صلاح عريبي العبيدي، إن "البنك المركزي حاول خلال مدة ليست بالقصيرة إيجاد حلول لارتفاع سعر الدولار والفرق الشاسع بين السعرين الرسمي والموازي، لكنه لم يستطع".
وأضاف العبيدي لـ"الاستقلال" أن "البنك المركزي يحاول حاليا تطبيق إجراءات أخرى عسى أن تكون قادرة على تقليل الفارق بين سعر الدولار الرسمي، والآخر الموجود في السوق الموازي، لذلك فإن تحرير بيع العملة الصعبة هو اعتراف بهذا السوق".
وأشار إلى أن "السوق الموازي بات أمرا واقعيا في العراق، لذلك اليوم تداول الدولار في الأسواق المحلية أصبح حاله حال أي سلعة، خاضع للعرض والطلب، كما أن الكثير من الشركات والمؤسسات لا يزال يتعامل به، رغم تحذيراتنا الكثيرة من ذلك".
وتابع: "كنا ولا نزال نحث على ضرورة التعامل بالعملة الوطنية فقط في الداخل لتقليل ضغط الطلب على الدولار، وبالتالي يتراجع سعر الصرف في السوق الموازي ويقترب من الرسمي".
وشدد العبيدي على أن "المشكلة الأساسية تكمن في عدم وضع المعالجات الحقيقية لحل الأزمة بشكل جذري، والمتمثلة بتهريب الدولار إلى خارج العراق، إضافة إلى استحواذ بعض البنوك المحلية على هذه العملة الصعبة، والمتاجرة بها، لذلك لن تسهم أي معالجة أخرى في إنهاء الأزمة".
وأكد الخبير ضرورة أن "تكون الحلول الحقيقية في السيطرة على المنافذ الحدودية، وإيقاف تهريب الدولار، ومعرفة عمليات غسيل الأموال وكيف تجري، فالكثير ممن يتلاعب بالعملة الصعبة لديهم ابتكارات جديدة للالتفاف على إجراءات البنك المركزي".
وأبدى العبيدي تأييده لذهاب البنك المركزي إلى موضوع "التعامل بعملات نقدية أخرى في التجارة، ولاسيما مع الصين، إضافة إلى دول أخرى، وذلك من شأنه تقليل ضغط الطلب على الدولار في السوق، وحتى لا نبقى أيضا أسيري هذه العملة فقط".
لكنه تساءل، قائلا: "هل الولايات المتحدة ستسمح للعراق بالتعامل في عملات أخرى، لأنها تحاول الحفاظ على الدولار كعملة عالية، وخصوصا أن رصيد بيع النفط العراقي كله بالدولار وفي البنك الفيدرالي الأميركي؟".
ولفت العبيدي إلى أن "العراق في الوقت الحالي لا توجد رؤية حقيقية لديه بخصوص أزمة الدولار، فبعد كل الجهود المبذولة من البنك المركزي في الترويج لعمل المنصة الإلكترونية وحث التجار على الانخراط فيها، يأتي ويقول سنوقف التعامل بها مطلع عام 2024، وهذا أمر لا أجده صحيحا".
وتساءل الخبير، قائلا: "في حال إلغاء المنصة الإلكترونية، فما هو البديل الذي سيضعه البنك المركزي، أم سنعود إلى الفواتير المزورة كما كان الأمر في السابق، والتي وضعت هذه المنصة حدا له، وهل الآليات البديلة ستكون كفيلة بكشف المزورين والمهربين وعمليات غسيل الأموال؟".
وفي 24 نوفمبر، أعلن محافظ البنك المركزي علي العلاق، أن المنصة الإلكترونية سينتهي العمل بها مطلع العام 2024، وقد وضعنا خطوات جذرية في إطار إعادة تنظيم التجارة وفق أسس صحيحة، وأن عمليات الاستيراد باليوان الصيني واليورو دخلت حيز التنفيذ منذ مدة".
باب للفساد
وعلى الصعيد ذاته، رأى الخبير الاقتصادي العراقي، ناصر الكناني، أن "قرار البنك المركزي، سيؤدي إلى ارتفاع سريع بسعر صرف الدولار أمام الدينار المحلي، وهو باب جديد للفساد".
ولفت الكناني خلال تصريح لصحيفة "العالم الجديد" العراقية في 23 نوفمبر، إلى أن "هذا القرار سيفتح أبواب المضاربة للمصارف".
وبهذا "يضاف إلى القرار السابق المتخبط أيضا، وهو تمويل المصارف بعملات الروبية الهندية والدرهم الإماراتي، وهذه كلها قرارات غير صائبة".
وعلى الوتيرة ذاتها، نقلت وكالة "بغداد اليوم" في 23 نوفمبر، تعليقا عن الخبير الاقتصادي العراقي، نبيل المرسومي، تهكم فيه على قرار تحرير بيع الدولار.
وقال المرسومي: "انتهت عسكرة الدولار، بعدما اعترف البنك المركزي بوجود السوق الموازي!".
بدوره، قال هشام الركابي، المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي، إن "الخطط الإصلاحية للنظام المالي والمصرفي التي تقوم بها الحكومة والبنك المركزي العراقي تهدف إلى بناء ركائز قوية لاستقرار الاقتصاد وتمهد لخلق مناخ ملائم للاستثمار".
وأوضح الركابي خلال تدوينة نشرها على منصة "إكس" (تويتر سابقا) في 24 نوفمبر، أن هذه الخطط الإصلاحية للحكومة والبنك المركزي "ستنهي حقب التجارة غير الشرعية وتهريب الدولار وعمليات المضاربة في السوق، بالمختصر معركة الدولار أوشكت على النهاية".
وفي 13 يوليو/تموز، وصلت مساعدة وزيرة الخزانة الأميركية إلزابيث روزنبرغ، إلى بغداد، وعقدت اجتماعا مع محافظ البنك المركزي علي العلاق، تناول موضوع تمويل التجارة الخارجية للعراق عبر مصارف مشروعة.
وبحسب بيان للبنك، فقد جرت متابعة مخرجات ونتائج اجتماعات سابقة بين الطرفين العراقي والأميركي، فضلا عن إمكانية تقديم الدعم الفني في مجال تمويل التجارة الخارجية المشروعة عبر القنوات المصرفية الرصينة بآلياتٍ تُمكّن تمويلها، بعملات مختلفة منها اليورو، اليوان الصيني، والدرهم الإماراتي، وكذلك تنظيم حركة التجارة مع تركيا.