عقب مصرع رئيسي ومحادثات مسقط.. إلى أين تتجه "عقيدة" إيران النووية؟
"القنبلة النووية الإيرانية ستكون "نمرا من ورق" والتحرك نحوها سيجعل وجود الحكومة على حافة الهاوية"
في أبريل/ نيسان 2024، صرح القائد الكبير بالحرس الثوري الإيراني، أحمد حق طلب، بأن تهديدات إسرائيل ضد المنشآت النووية الإيرانية تجعل من الممكن "مراجعة عقيدتنا وسياساتنا النووية والتحول عن حساباتنا السابقة"، ما أثار ردود فعل محلية وإقليمية كبيرة.
وعقب مصرع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي منتصف مايو/ أيار 2024، تساءلت صحيفة "إندبندنت"، بنسختها الفارسية عن فرص امتلاك طهران سلاحها النووي، في ظل تهديداتها بتغيير "العقيدة النووية".
ويتناول المقال مسألة البرنامج النووي الإيراني ومدى تأثيره كقوة ردع أو كونه مجرد تهديد غير جدي، كما يقيم فرص استقرار إيران داخليا وإقليميا، في حال امتلاكها قنبلة نووية.
ومن اللافت أن إيران تشهد في الوقت الراهن حكومة انتقالية مؤقتة، عقب مصرع رئيسي في حادث تحطم مروحية، وثمة حالة تنافس داخل أروقة النظام في عملية صنع القرار، وفق الصحيفة.
اضطراب داخلي
في مستهل مقالها، تبين الصحيفة أن حدوث الوفاة المفاجئة لرئيسي، وتغير بعض الفواعل الأقوياء في قمة النخبة الحاكمة، علّقت مسألة استمرار أو تغيير السياسات النووية للحكومة وجهود الحصول على السلاح النووي، حتى تشكيل حكومة جديدة.
حيث هدد مسؤولون بالحرس الثوري بشكل غير مباشر بـ "تغيير العقيدة النووية" لإيران، وذلك قبل فترة وجيزة من حادثة سقوط مروحية رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان، ما أثار التساؤلات حول عزم إيران التحول فعليا إلى قوة نووية في ظل تغيرات جيوسياسية في محيطها، وفق الصحيفة.
وفتحت وفاة رئيسي المفاجئة باب الاضطراب وفقدان الاستقرار داخل دوائر الحكم الإيرانية، فسلسلة اتخاذ القرارات الكبرى تعمل بشكل أبطأ من المعتاد.
ومما يزيد الأمور تعقيدا، الغموض حول كيفية رحيل رئيسي، فذلك لم يزعزع فقط الفروع العليا للسلطة، بل زعزع أيضا جسم المسؤولين الحكوميين، وقد وصلت هذه الحالة من عدم الاستقرار إلى الطبقات العليا من الحكم.
وهذه الظروف لا تمكّن الدولة من الاستمرار في عملها بشكل اعتيادي"، إذ "سيجد ما تبقى من أعضاء الحكومة أنفسهم مضطرين لاتخاذ قرارات حاسمة أو اتباع سلوك سلبي وحذر خلال فترة مرورهم بالأزمة، وكلا الخيارين قد يُفضي إلى عواقب غير متوقعة.
ففي حال وفاة المرشد الإيراني علي خامنئي البالغ من العمر 85 عاما خلال فترة انتقال للسلطة، قد تخرج تمهيدات خلافته عن مسارها نتيجة للشعور بفراغ في السلطة لدى بعض من أعضاء الحكم، مما قد يؤدي إلى أزمة جديدة للنظام.
وأشارت الصحيفة إلى حالة "المنافسة على منصب رئاسة مجلس الشورى الثاني عشر، وكيف أن سعي بعض أعضاء الحكومة المنضوين ظاهريا تحت لواء الأصولية، الحصول على حصة أكبر من السلطة، لا يقل ضراوة عن صراع الأصوليين ككل مع جناح الإصلاح المعروف".
وأضافت: "من داخل هذا الجناح الأصولي نفسه، ظهرت قبل الحادث المؤدي إلى مقتل رئيسي، همسات حول احتمال تغيير عقيدة إيران النووية".
عقيدة أم سياسة؟
وتوضح الصحيفة الفرق بين "العقيدة" و"السياسة"؛ فالمصطلح الأول يشير إلى نظرية شاملة وأعمق من "السياسة"، فهي تُطرح كرؤية للعالم جماعية أو فردية بشكل أحادي، وتستخدم كدليل أو كتاب قواعد لتطبيق قدرات الدولة العسكرية أو السياسية.
وعند صياغة مثل هذه الوثيقة، تؤخذ العوامل الثابتة في معادلات الأمن القومي في الحسبان، وتصبح أهميتها أكبر من مصالح الحكومة الحالية أو المنافع الحزبية والفئوية.
وادعت أن "العقيدة النووية لجمهورية إيران الإسلامية -والتي لم تنشر أبدا في أية وثيقة رسمية تثبت أو تنفي وجودها- (سياسة) نووية يطرحها فقط جزء من الجناح المتشدد والنخبة العسكرية في الحكومة الحالية".
وتابعت: "ويهدف من ورائها إلى الوصول إلى القدرة على بناء قنبلة ذرية في ظل ظروف محددة، وتخطي (عتبة القوة النووية) والانضمام إلى نادي الدول الحائزة على الأسلحة النووية".
وعن السياق التاريخي لنشأة ما يسمى بـ "العقيدة النووية"، ادعت الصحيفة أن "العقيدة النووية الحقيقية لإيران صيغت في عهد النظام الملكي".
وكانت تؤكد على "إبقاء الشرق الأوسط خاليا من الأسلحة النووية وضرورة نزع السلاح النووي في المنطقة، وليس التسلح بالقنبلة النووية تحت أي ظرف من الظروف، حتى في حال تغير ميزان القوى في المنطقة".
وتنقل الصحيفة تصريحات كمال خرازي، رئيس المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية، مستشار علي خامنئي، الذي أثار أخيرا أيضا موضوع إمكانية "تغيير العقيدة النووية" لإيران.
فقد أكد على قدرة إيران الفنية على صنع القنبلة، مع التأكيد على عاملين: تحريم صنع القنبلة النووية، وحالة الإثارة والتحفيز في سباق التسلح النووي في المنطقة.
كما جعل موضوع الامتناع عن صنع القنبلة النووية في إطار أعلى من تغيير السياسات الإقليمية أو التوجهات الفئوية داخل النظام.
وحتى هذه المرحلة، على الأقل على الورق، كانت السياسات النووية لنظام الملالي تتوافق مع العقيدة النووية لإيران في عهد النظام الملكي؛ بحيث إن خرازي في تصريحاته استشهد بالبيان المشترك بين إيران ومصر في منتصف السبعينيات أيضا.
وتنتقل الصحيفة إلى عام 1974، حين قام الملك الإيراني محمد رضا شاه بهلوي، مع أنور السادات، الرئيس المصري آنذاك، بتقديم الخطة المعروفة باسم “شرق أوسط خالٍ من الأسلحة النووية” إلى المجتمع الدولي.
حيث ثمت الموافقة على بنودها في نفس العام في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومنذ ذلك الحين ألهمت الخطة عمل إصلاحات في بنود معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية.
وجاء مؤتمر عام 1995 ليؤكد على إقامة شرق أوسط خال من الأسلحة النووية، وأسلحة الدمار الشامل الأخرى وتدمير معدات نقل هذه الأسلحة.
لا وجود لتهديد نووي
وتفسر الصحيفة أسباب الاتجاه نحو تغيير الإستراتيجية النووية الإيرانية، وتعزو السبب إلى "تغيير الوضع الذي حدث بشكل خاص بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023".
فذلك التحول "لم ينتج عن التغيرات الجيوسياسية المتعلقة بأمن إيران، أو تشكيل ضرورة جديدة لإنشاء توازن نووي ضد تهديد نووي من بلد ثالث"، وفق ادعاء الصحيفة.
وزعمت الصحيفة أن "إيران على عكس باكستان في مواجهة الهند، وكوريا الشمالية في مواجهة كوريا الجنوبية لا يمثل أي بلد آخر تهديدا نوويا لها، وقدرة إسرائيل النووية موجهة للدفاع عن وجودها وبقائها وليس لتهديد سلامة إيران".
وأضافت أنه "لا يوجد إجماع إيراني على فكرة امتلاك السلاح النووي الإيراني"، مشيرة إلى أن "إستراتيجية التهديد بامتلاك النووي تنتمي إلى جزء من الفصيل المتشدد داخل النظام الحاكم في إيران، والذي يحظى بدعم الحرس الثوري".
وتابعت: "هم يرون أن التسلح بالقنبلة النووية سيعطي للنظام القدرة على الردع ضد الأعداء، دون الاكتراث بأن القنبلة النووية قد تستخدم كغطاء لتحقيق بعض الأهداف أيضا، ويمكن أن تكون محفزا للمواجهة بشكل أكبر، وهي أمور تثير القلق ليس فقط للحكومة الإيرانية، ولكن خارج إيران أيضا".
ولفتت إلى أن "امتلاك إيران للقنبلة النووية، قد يدفع إلى زيادة قوة النظام، وقد يحدث العكس ويبدأ في الانهيار".
وبعبارة أخرى، هل ستوفر القنبلة النووية الردع، أم أن النظام بسبب خطأ في تقدير النتائج الحقيقية لمثل هذا الإجراء، سيتحمل عقوبات اقتصادية جديدة، ويعاني من زيادة العزلة السياسية، وحتى الدخول في مواجهة عسكرية خارجية، مما يجعله أكثر هشاشة من ذي قبل؟
مفاوضات قائمة
وفي ظل قلق غربي متنامٍ من تطوير إيران برنامجها النووي العسكري، أشار تقرير لمجلة أكسيوس، عن تفاوض حدث أخيرا بين طهران وواشنطن، ومثّل أميركا اثنان من كبار مسؤولي الحكومة، هما بريت مكغورك، مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط، وأبرام بيلي، نائب الممثل الخاص لأميركا في شؤون إيران.
وكان ذلك منتصف مايو/ أيار 2024 في عُمان مع ممثلي إيران، وكان الطرف الإيراني في المفاوضات علي باقري كني الذي يشغل الآن منصب القائم بأعمال وزير الخارجية.
وفي هذا الصدد، أكد ودانت باتل، نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، دون نفي أو تأكيد لمفاوضات مسقط، أن إدارة بايدن "لديها مسارات للتواصل مع إيران عندما يكون ذلك مفيدا".
وادعى أيضا أن إيران لا تقوم بـ "الأنشطة الرئيسة اللازمة لإنتاج سلاح نووي".
ودخل الاتحاد الأوروبي على الخط، عبر تصريح المتحدث باسمه بيتر ستانو لراديو أوروبا الحرة، والذي قال فيه: "نحن نطلب من إيران أن تعكس مسارها النووي وتتخذ خطوات محددة وفورية للتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية".
واستطردت الصحيفة قائلة: "تزعم طهران حتى الآن أن برنامجها النووي له طابع غير عسكري، ولكن كمال خرازي، قبل أسابيع قليلة من حادث تحطم طائرة رئيسي حذر من أنه إذا (تعرض وجود النظام الإيراني للخطر، فقد يعيد النظر في عقيدته النووية)".
وعما إذا كانت إيران ستغير السياسية النووية الحالية، أم ستستمر على النهج القائم، رأت الصحيفة أن الإجابة تكمن في سؤال واحد، يتعلق بتعامل المجتمع الدولي معها في حال امتلاكها السلاح النووي.
فالسؤال المطروح هو: هل تجاوز الخط الأحمر النهائي والتحول إلى قوة عسكرية سيحقق خاصية الردع ويثبت موقع إيران في المنطقة، أم أن القنبلة النووية الإيرانية ستكون "نمرا من ورق" والتحرك نحوها سيجعل وجود الحكومة على حافة الهاوية؟