رغم أنهم أقلية.. كيف أحكم اليمين المتطرف سيطرته على إسرائيل؟

يعتقد كثيرون من هؤلاء أن الحرب والعنف اللذين يكتنفان إسرائيل حاليا سيجلبان المسيح والخلاص
قبل يوم واحد من اندلاع أعمال الشغب التي نفذها متظاهرون يمينيون متطرفون مناهضون للهجرة في بريطانيا، اقتحم مئات المتطرفين الإسرائيليين منشأتين عسكريتين جنوب إسرائيل للاحتجاج على توقيف جنود متهمين بالاعتداء جنسيا على أسير فلسطيني.
ما جمع بين الحادثين اللذين وقعا نهاية يوليو/تموز 2024 هو دور وسائل التواصل الاجتماعي في تنظيم وتأجيج عنف تيار اليمين المتطرف، إلى جانب وجود أساس متأصل من عدم الثقة بالحكومة.
لكن من جهة أخرى، فإن بين الحادثتين اختلافا جوهريا، ففي الكيان الإسرائيلي، كان المتظاهرون مدعومين علنا من بعض مسؤولي الحكومة وأعضاء الكنيست؛ بل إن اثنين على الأقل من أعضاء الكنيست ووزير مساعد كانوا من بين مثيري الشغب.
وفي ضوء ذلك، فإن الأحداث في إسرائيل كانت أكثر تشابها مع تلك التي شهدتها واشنطن في 6 يناير/كانون الثاني 2021، عندما اقتُحم الكابيتول.
في هذا السياق، نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية مقالا للكاتب ديفيد روزنبرغ، حاول فيه الإجابة على سؤال: كيف تمكنت أقلية من الإسرائيليين من ممارسة كل هذا القدر من السلطة؟
شعبية محدودة
وقال روزنبرغ إن "اليمين المتطرف الإسرائيلي لا يتمتع بأي دعم شعبي لأجندته؛ ففي انتخابات عام 2022، حصل على 10.8 بالمئة فقط من الأصوات".
وهذه النسبة أقل بكثير -على سبيل المثال لا الحصر- من 37.1 بالمئة حازها "حزب التجمع الوطني" اليميني المتطرف في فرنسا وحلفاؤه، و23.5 بالمئة حصل عليها "حزب الحرية" في هولندا بزعامة المتطرف خيرت فيلدرز.
لكن هذه الأقلية الإسرائيلية تمكنت من استغلال وضع غير عادي تعيشه إسرائيل، وهو مزيج من الضعف السياسي لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، والنجاح الساحق الذي حققته (حركة المقاومة الإسلامية) حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وأوضح أن "إسرائيل يحكمها اليمين، تقريبا منذ نصف قرن مضى، لكن الحكومة التي شكلها نتنياهو في نهاية عام 2022 كانت يمينية بطريقة مختلفة تماما".
وأضاف أن حزبي "الصهيونية الدينية" و"القوة اليهودية" -جنبا إلى جنب مع جزء كبير من "حزب الليكود" من يمين الوسط الذي ينتمي إليه نتنياهو- لا يتبنيان خطا يمينيا متشددا بشأن قضايا الأمن القومي فحسب، بل إنهم أيضا لا يثقون في مؤسسات الدولة ولا الأشخاص العاملين فيها.
وهي ما يطلق عليه أنصار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب: "الدولة العميقة".
وأشار إلى أن "هؤلاء المتطرفين ينظرون إلى كل مسؤول إسرائيلي -من النائب العام وجنرالات الجيش إلى المسؤولين في وزارة المالية- بصفتهم أعداء أيديولوجيين، وربما حتى خونة".
"لذا، لا عجب أنه عندما يجد الجيش -الذي يعد عادة في إسرائيل مؤسسة مقدسة- نفسه في مواجهة مع المستوطنين المتطرفين في الضفة الغربية أو مثيري الشغب، فإن اليمين المتطرف ينحاز إلى صف هؤلاء"

نزعة فوضوية
وبيّن روزنبرغ أن "هذه النظرة للعالم لا تختلف كثيرا عن النزعة الفوضوية، والمعادية للمؤسسات، والمشبعة بالشك الذي يميز "الترامبية".
"لكن في السياق الإسرائيلي، العنصر الديني هو الأكثر أهمية؛ فمن النادر أن تجد أشخاصا في أقصى اليمين الإسرائيلي ليسوا ملتزمين دينيا".
“وبالتالي، فإن برنامج اليمين المتطرف يسعى، ليس فقط إلى تقويض الأساس الليبرالي والديمقراطي لإسرائيل واستبداله بحكومة أكثر استبدادا، بل أيضا إلى تحويل إسرائيل إلى دولة دينية”.
ويعتقد كثيرون من هؤلاء أن الحرب والعنف اللذين يكتنفان إسرائيل حاليا سيجلبان المسيح والخلاص، ويريدون الدفع في هذا الاتجاه.
وقال روزنبرغ: "لقد شهدت الأشهر الأولى لحكومة نتنياهو محاولة من اليمين المتطرف لتقويض الدولة من الداخل، وكان الإصلاح القضائي، الذي سعى إلى إخضاع النظام القضائي للسياسيين، هو محور هذه الحملة".
وأوضح أن "الأمور لم تقف عند هذا الحد، فقد انتزع وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف، إيتمار بن غفير، السيطرة على الشرطة، وحوّلها إلى أداة لحماية اليمين وقمع الاحتجاجات المناهضة للحكومة".
"وبسيطرته على الشؤون المدنية في الضفة الغربية، دفع وزير المالية، بتسلئيل سموتريش، إلى ضم الضفة الغربية حكم الأمر الواقع، والاستيلاء على الأراضي بشكل غير قانوني، وبناء المستوطنات".

نشر الأجندة
وأفاد الكاتب بأنه مع تزايد ثقة زعماء اليمين المتطرف في قبضتهم على السلطة، أصبح أتباعهم يشعرون بحرية أكبر في نقل أجندتهم إلى الشارع.
فـ"بن غفير" يحرص على أن تتجنب الشرطة مواجهة أعمال العنف التي يرتكبها اليمين المتطرف أو التحقيق فيها.
كما خفف القواعد المتعلقة بمنح تراخيص السلاح، مما أتاح إصدار أكثر من 100 ألف رخصة منذ 7 أكتوبر، غالبا دون تدقيق كافٍ أو بدون تدقيق مطلقا.
وفي ظل الحكومة الحالية، اكتسب المستوطنون المتطرفون شعورا جديدا بالقوة والحصانة، مدركين أن العديد من القادة يدعمونهم، بينما يلتزم الآخرون الصمت، والنتيجة كانت ارتفاعا حادا في أعمال عنف اليمين المتطرف.
وتشير تقديرات "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية" إلى أن المستوطنين كانوا مسؤولين خلال الأشهر الـ 10 الأولى من الحرب عن نحو 1250 هجوما ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، أسفر نحو 120 منها عن القتل أو الإصابة.
وعلى سبيل المثال، فإن أحدث موجة من أعمال الشغب الجماعية وقعت في 15 أغسطس/آب، عندما اقتحم نحو 100 مستوطن ملثم قرية "جيت" الفلسطينية، فأطلقوا النار وأحرقوا المركبات والمنازل وألقوا الحجارة، واستشهد فلسطيني على إثر هذه الهجمات.
وكشف تحقيق أجراه الجيش الإسرائيلي أن القوات التي وصلت إلى مكان الحادث فشلت في البداية في وقف مثيري الشغب، الذين بدا أن من بينهم جنود احتياط خارج الخدمة، يرتدون الزي العسكري ويحملون أسلحة تابعة للجيش.
وأكد الكاتب أن اليمين المتطرف "يملك اليوم القدرة على تشكيل الحكومة أو إسقاطها، وقد فرض سيطرته على الشرطة وميزانية الدولة والسياسات في الضفة الغربية".
في المقابل، وبهدف البقاء في السلطة بأي ثمن، يغض نتنياهو الطرف عن استفزازاتهم وتعدياتهم المتكررة على سلطاته.
ومنذ 7 أكتوبر، ركز اليمين المتطرف أنظاره أيضا على الجيش الإسرائيلي بصفته "حصنا منيعا للقيم العلمانية".
لكن في ظل الصدمة التي أصابت الجيش بسبب إخفاقاته أثناء هجوم 7 أكتوبر، وانشغاله بخوض الحرب، فقد كان بطيئا في التعامل مع العنف المتزايد في الضفة الغربية وتغلغل القيم اليمينية المتطرفة في صفوفه، خاصة بين جنود الاحتياط.
ويعتقد الكاتب أنه من المستبعد أن تُحدث المعارضة تأثيرا كبيرا على حكومة ترى في المؤسسة الدفاعية وحلفاء إسرائيل أعداء لها.
وبكل الأحوال، تظل يد الجيش الإسرائيلي مكبلة؛ إذ يخضع للساسة المدنيين الذين هم أصل المشكلة، وفي داخل إسرائيل، لا يملك الجيش أي سلطة للتدخل، بينما الشرطة أصبحت -فيما يبدو- تحت سيطرة بن غفير بشكل كامل.
وتساءل الكاتب في الخيام إذا ما كان بإمكان اليمين الإسرائيلي المتطرف توسيع دائرة الفوضى عبر تجنيد مئات أو آلاف الأشخاص.
وأجاب: "حتى الآن، لم يتمكن اليمين المتطرف من بناء تنظيم جماهيري قادر على شن حملة مستدامة من الفوضى، ولكن في ظل قبضته الحديدية على السلطة، فقد لا يحتاج إلى مثل هذا التنظيم أصلا".