مستشفى الشفاء.. لماذا حدد الاحتلال أكبر مجمع طبي بغزة كنقطة انتصار وهمية؟

منذ بداية العدوان الإسرائيلي في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حدد جيش الاحتلال لنفسه نقطة انتصار وهمية تتمثل في الوصول إلى مستشفى الشفاء غرب مدينة غزة.
ومنذ أكثر من 48 ساعة، وصلت دبابات وآليات الاحتلال العسكرية إلى محيط مستشفى الشفاء في محاولة لاقتحامه والسيطرة عليه، في وقت تدور اشتباكات ضارية هناك مع المقاومة الفلسطينية.
وعلى مدار أيام العدوان وكما كل حرب على غزة، تزعم سلطات الاحتلال اختباء قادة حركة المقاومة الإسلامية حماس في أنفاق أسفل المستشفى، وهي رواية دحضتها وزارتا الداخلية والصحة أكثر من مرة.
استهداف المستشفيات
وتميز هذا العدوان عن سابقاته باستهداف المستشفيات والمدارس بشكل مباشر بعد أن لجأ إليها الآلاف من الفلسطينيين الذين شردتهم قوات الاحتلال بفعل القصف.
ثم لاحقتهم قوات الاحتلال نحو المدارس والمستشفيات ومن بينها مستشفى الشفاء لإنجاح مخطط تهجيرهم من مدينة غزة وشمالها نحو الجنوب.
وكان الجيش الإسرائيلي طلب من أكثر من 1.1 مليون فلسطيني، مرارا، الانتقال إلى جنوبي قطاع غزة.
مناشدة للجنة الدولية للصليب الأحمر من داخل مستشفى الرنتيسي بغزة.
الاحتلال يحاصر المستشفى من كل مكان ويطالب النازحين بالخروج دون حماية دولية. #غزة@ICRC_ar @ICRC_GCC @ICRC @ICRC_ilot pic.twitter.com/6W2PY1Rufp— ميسون عزام (@MayssounAzzam) November 10, 2023
وخلال اليومين الأخيرين ومع اقتراب الدبابات من مستشفى الشفاء وقصف عدد من المباني فيه، نزح أكثر من 70 ألف شخص منه متوجهين نحو الجنوب فيما بقي الأطباء والجرحى ومئات الجثث محاصرين حتى كتابة هذا التقرير.
وأعلن المتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية، أشرف القدرة، في 11 نوفمبر/تشرين الثاني، أن مجمع الشفاء الطبي خرج عن الخدمة بسبب "استهداف الجيش الإسرائيلي لكل شيء يتحرك داخله".
وفي تصريحات نقلها المكتب الإعلامي الحكومي بغزة عبر تلغرام، قال القدرة "نحن محاصرون داخل مجمع الشفاء الطبي في هذه الأثناء، وهناك عدد كبير من الطائرات المسيرة في كل الاتجاهات".
كما أشار إلى "توقف قسمي العناية المركزة والأطفال وأجهزة الأكسجين عن العمل"، مضيفا أنهم فقدوا عددا من المرضى "والبقية مهددون بالموت في أي لحظة بسبب كثافة النيران داخل المستشفى".
ولفت القدرة أن "جيش الاحتلال الإسرائيلي يقصف الطابق الخامس في مبنى الجراحة داخل مجمع الشفاء الطبي في هذه الأثناء ولا نستطيع التنقل من مبنى لآخر داخل مجمع الشفاء بسبب كثافة القصف وكثافة النيران.
ولاحقا وفي اليوم التالي، دمرت غارة إسرائيلية قسم أمراض القلب بمجمع الشفاء الطبي مع استمرار قنص كل من يحاول الخروج منه.
وقال مدير المستشفى، محمد أبو سلمية، في 11 نوفمبر، إن "جثث الشهداء متكدسة وسنحاول دفنهم داخل المستشفى"، وفق ما نقل تلفزيون فلسطين (حكومي).
ولتعميق الحصار قصف الاحتلال خزانات المياه وألواح الطاقة الشمسية في المستشفى كما لم يصل غذاء أو دواء إليها منذ أسابيع، ما يعني أن من ينجو من القصف قد يموت جوعا وعطشا.
وقد أدى الطوق العسكري الإسرائيلي إلى ترك مجمع المستشفيات مغلقا إلى حد كبير أمام المساعدات الطبية والإنسانية المحدودة التي تدخل على متن شاحنات عبر معبر رفح على الحدود الجنوبية لغزة مع مصر.
ومع محاصرة مستشفى الشفاء وباقي المستشفيات الأخرى وإخراجها عن الخدمة وعدم تمكن سيارات الإسعاف من الخروج وانقطاع الاتصالات، فإن أي جريح في مدينة غزة يستهدفه القصف، سينزف حتى الموت دون تمكن أحد من الوصول إليه.
ونشرت عشرات المناشدات عن وجود جرحى في عدد من المناطق بمدينة غزة استشهدوا لاحقا لعدم تمكن سيارات الإسعاف من الوصول إليهم.
My heart is broken - I know no one can rescue them.
No one can reach anyone. pic.twitter.com/4MaKCcTodC— Hind Khoudary (@Hind_Gaza) November 12, 2023
مناشدة: عدد من الأشخاص محاصرين في مطعم ويجز مقابل بالميرا، في شارع الوحدة، ويوجد معهم شهداء وإصابات. #غزة
— Meqdad #غزة (@Almeqdad) November 11, 2023
مستشفى الشفاء
يعد مستشفى الشفاء أكبر مجمع طبي في قطاع غزة وكان على الخطوط الأمامية للمعركة الدائرة بين قوات الاحتلال والمقاومة الفلسطينية.
ويقع المستشفى في غرب مدينة غزة وضمن مركزها، في النصف الشمالي من القطاع، وهو مركز العمليات العسكرية الإسرائيلية الحالية.
وهذا المجمع الحكومي التابع لوزارة الصحة تأسس عام 1946 وخضع للاحتلال عام 1967، ثم للسلطة الفلسطينية بعد اتفاقية أوسلو عام 1993.
وتطور مع الوقت فأصبح أكبر مجمع طبي يضم 3 مستشفيات متخصصة ويعمل فيه 25 بالمئة من العاملين في المستشفيات بقطاع غزة كله.
ويضم مجمع الشفاء اليوم 3 مستشفيات متخصصة هي: مستشفى النساء والتوليد مع قسم حضانة للأطفال الخدج، مستشفى الأمراض الباطنية، مستشفى الجراحة.
وهذه المستشفيات بالإضافة إلى قسم الطوارئ ووحدة العناية المركزة والأشعة وبنك الدم والتخطيط وغيرها، خرجت عن الخدمة جميعها حاليا.
ويحتمي الناس في المستشفيات على تقدير أنه يُنظر إليها عادة على أنها أماكن أكثر أمانا ولن تتعرض للاستهداف لأنها تتمتع بالحماية الدولية.
لكن التحريض على المستشفيات بدأ مبكرا منذ انطلاق العدوان انتقاما لمقتل أكثر من 1400 إسرائيل أثناء عملية حماس في مستوطنات غلاف غزة.
وأصدرت مجموعة من الأطباء الإسرائيليين في 5 نوفمبر، بياناً زعمت فيه أن مستشفى الشفاء في قطاع غزة المحاصر هو قاعدة لـ"الجماعات الفلسطينية المسلحة"، وطالبت بقصفه.
ووفقا لتقرير على موقع الأخبار الإسرائيلي "هميداش"، فإن مجموعة تطلق على نفسها اسم "أطباء من أجل حقوق الجنود الإسرائيليين"، وقعوا على بيان يدعو إلى قصف مستشفى الشفاء، المركز الطبي الرئيس في غزة.
ويدعي البيان أن قصف الجيش الإسرائيلي لمستشفى الشفاء أكثر من مرة خلال العدوان كان “حقا مشروعا”. كما سبق أن أيد حوالي 47 حاخاما صهيونيا قصف المنشأة الطبية.
وبموجب قواعد الحرب، تحظر الهجمات على المنشآت المدنية مثل المستشفيات، لكن إسرائيل حاولت فرض شرعية على ذلك بعد زعمها أن المقاومة الفلسطينية تختبئ في هذه المنشآت أو حولها، وبنت مقراتها تحتها، دون أن تقدم أي دليل على ذلك.
وقال الناطق باسم الجيش دانييل هاغاري، متحدثا باللغة الإنجليزية نقلا عن مصادر استخباراتية لم ينشرها، إن حماس “تتولى القيادة والسيطرة في أقسام مختلفة من المستشفى”.
وفي 27 أكتوبر، عرض خريطة توضيحية للمستشفى تشير إلى ما قال إنها عدة منشآت تابعة لحماس تحت الأرض في المجمع، وفق زعمه.
وادعى في المؤتمر الصحفي الذي عقد في تل أبيب: “هذا هو المكان الذي يوجهون فيه الهجمات الصاروخية، ويقودون القوات”.
ومع تواصل هذه المزاعم التي يحرص الجيش على نشرها وبثها باللغة الإنجليزية لتجنب أي انتقادات لاحقا، تواصل قوات الاحتلال شن حرب على المستشفيات على طول القطاع.
وقد أخرجت العديد منها عن الخدمة بسبب القصف المباشر فيما توقفت أخرى عن العمل إما بسبب تضررها من القصف أو نتيجة نفاد الوقود اللازم لمتابعة عملها. وكذلك استهدف الاحتلال عددا من سيارات الإسعاف أثناء توجهها لنقل الجرحى.
ماذا بعد؟
ليتمكن من "التعامل مع حماس"، كرر جيش الاحتلال خلال أيام العدوان حديثه عن ضرورة إخلاء المستشفيات وأهم "الشفاء" التي قال إنها تعد بمثابة "مواقع محصنة للحركة".
وقالت صحيفة ذا ماركر العبرية: "لا تزال الحرب في غزة بعيدة كل البعد عن الانتهاء، ولكن لها بالفعل رمز رئيس واحد: مستشفى الشفاء في غرب مدينة غزة".
وادعت في 10 نوفمبر أن "فخ الشفاء هو التحدي الأكبر الذي يواجه إسرائيل في الحرب"، مبينة أن "الجمع المروع بين كونه أكبر وأهم مستشفى في قطاع غزة واستخدامه من قبل حماس يلخص التحدي الذي لا يمكن تصوره"، وفق وصفه.
وبدورها، قالت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية إن "المراحل الأكثر تعقيدا من الحرب ربما لا تزال تنتظرنا، حيث تواجه القوات الاسرائيلية مع اقترابها من وسط مدينة غزة، مقاتلي حماس المتحصنين بأعداد كبيرة الذين يهاجمون ثم ينسحبون أو يختفون تحت الأرض، مما يبطئ التقدم الإسرائيلي، حسبما نقلت عن جنود ومسؤولون حاليون وسابقون.
ونقلت في 10 نوفمبر عن نقيب إسرائيلي قاد وحدة دبابات احتياطية إلى شمال غزة في الأيام الأولى للتوغل وقاتل في قلب المدينة: "كلما توغلنا أكثر، أصبحت المعركة أصعب".
وتابعت الصحيفة: "قد يكون أحد أهداف إسرائيل المتمثل في مستشفى الشفاء في المحيط الغربي لمدينة غزة، هو الأكثر صعوبة بالنسبة لها أيضا حيث اقتربت القوات الإسرائيلية من المجمع الذي تقول إسرائيل إن ناشطي حماس يشكلون فيه مركزا للقيادة".
وتعتقد قوات الاحتلال أن بعض الأسرى الذين أسرتهم حماس ويبلغ عددهم ما بين 200 - 250 قد يكونون محتجزين داخل مستشفى الشفاء، وفق ما قال مسؤول إسرائيلي كبير لصحيفة وول ستريت.
لكن بعض الأصوات الإسرائيلية ترجح إمكانية عدم وجود أي شيء في مستشفى الشفاء وأنه بعد اقتحامه وتفتيشه، ستصاب تل أبيب بخيبة أمل كبيرة.
ومن هؤلاء، يوسي ألفير ضابط المخابرات السابق في جيش الاحتلال، والذي قال لمجلة نيوزويك في 11 نوفمبر: "إنه لغز كبير"، فيما يتعلق بكيفية استهداف حماس في مستشفى الشفاء وماذا سيحدث بعد ذلك.
وأوضح ألفير وهو مسؤول سابق في وكالة المخابرات الإسرائيلية، الموساد أنه في حين أن العمليات العسكرية الإسرائيلية حول مستشفى الشفاء أصبحت محور الهجوم، فإنه يشعر بالقلق من احتمال وجود مبالغة حول الدور الذي يلعبه المستشفى كمركز لحماس.
وتابع: "لقد كان هناك هذا التراكم الهائل بشأن مستشفى الشفاء، وإذا لم يكن هناك شيء (مركز لعمليات حماس) فماذا سيحدث بعد ذلك؟".
وتبحث قوات الاحتلال عن زعيم حماس في غزة يحيى السنوار، 61 عاما، الذي تقول إنه العقل المدبر وراء هجمات 7 أكتوبر، بجانب محمد الضيف، القائد العام لكتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري للحركة.
وعلق ألفير بالقول: "ليس هناك أي يقين على الإطلاق بوجود السنوار والضيف هناك، إنهم يعرفون أننا قادمون. إنهم يعلمون أننا لن نتقدم إلى الجنوب (غزة)، لذا ربما يكونون قد غادروا أو ربما يخططون للقتال حتى النهاية، وفي هذه الحالة ستكون الذروة بالفعل".
وأضاف: "ليس من الواضح على الإطلاق كم من الوقت سيستغرق هذا الأمر (العمليات في محيط المستشفى)، وكيف تصل إلى الأنفاق الموجودة بالأسفل، إنه لغز كبير".
ورأى أنه "عند تنتهي عمليات إسرائيل حول مستشفى الشفاء فإنه لا تزال هناك حماس في الجنوب، والتي قد تشمل قيادتها".
"وبدلا من ذلك، بمجرد أن يصبح مستشفى الشفاء وراءنا (ننتهي منه دون أن نجد شيئا)، فإن الضغوط الأميركية والدولية ستصبح شديدة للغاية لدرجة أننا سنبحث عن طريقة دبلوماسية لإنهاء الأمر (الحرب)"، وفق قوله.