"مسار لا رجعة فيه".. إلى أي مدى أميركا صادقة بشأن إقامة دولة فلسطينية؟

دأب مسؤولون في الولايات المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط على إرسال رسائل أخيرا تشير إلى احتمال وجود مسار لإنشاء دولة فلسطينية، كجزء من اتفاق سلام أكبر بين إسرائيل والفلسطينيين.
غير أن موقع "ذا ميديا لاين" الأميركي يرى أنه "على الرغم من الحديث عن خطط لإقامة دولة فلسطينية، لا يوجد سوى أمل ضعيف لتحقيق ذلك".
مسار مزعوم
وقال الموقع الأميركي إن النقاشات الدولية تقترح مسارا جديدا للسلام، لكن إسرائيل تصر على المفاوضات المباشرة دون ضغوط خارجية.
وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، من بين الذين عبروا عن رغبة البيت الأبيض في إقامة دولة فلسطينية أخيرا.
وقال بلينكن إنه يعمل على "تمهيد السبيل أمام مسار عملي ومحدد زمنيا ولا رجعة فيه لإقامة دولة فلسطينية تعيش جنبا إلى جنب في سلام مع إسرائيل".
وتحدث الرئيس الأميركي، جو بايدن، أيضا عن العمل "نحو حل الدولتين". كما تحدث كل من الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، عن "أفق" يؤدي إلى حل الدولتين.
وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية أن المحادثات التي تضم الولايات المتحدة والأردن والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وممثلين فلسطينيين تقترح هدنة على ثلاث مراحل.
وتتضمن المرحلة الأولى وقف إطلاق النار لمدة ستة أسابيع، تطلق حركة المقاومة الإسلامية (حماس) خلالها سراح أكثر من 100 محتجز إسرائيلي لديها.
وذكر الموقع الأميركي أن هذا من شأنه أن يمنح الأطراف المختلفة الوقت والمساحة لحشد الدعم وعقد الاجتماعات، وحتى ربما تشهد هذه الفترة تشكيل حكومة فلسطينية مؤقتة.
وردا على مثل هذه التقارير، رفضت الحكومة الإسرائيلية بشدة أية محاولات دولية لفرض الاعتراف بالدولة الفلسطينية على إسرائيل.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن "إسرائيل ترفض بشكل قاطع الإملاءات الدولية بشأن التسوية الدائمة مع الفلسطينيين. التسوية، بقدر ما يجرى التوصل إليها، لن تكون إلا من خلال المفاوضات المباشرة بين الطرفين، دون شروط مسبقة".
وأضاف: "ستواصل إسرائيل معارضتها للاعتراف من طرف واحد بالدولة الفلسطينية".
وتابع: "مثل هذا الاعتراف في أعقاب مذبحة 7 أكتوبر/تشرين الأول من شأنه أن يعطي مكافأة لا بأس فيها للإرهاب والتي لم يسبق لها مثيل ويمنع أي تسوية سلمية في المستقبل".
اقتناص الفرصة
بدوره، قال البروفيسور جوناثان رينهولد، من قسم الدراسات السياسية بجامعة "بار إيلان" الإسرائيلية، لـ"ذا ميديا لاين" إن الولايات المتحدة تريد إحياء عملية السلام المتوقفة.
وأضاف أن "الولايات المتحدة جادة للغاية في ضرورة وجود أفق واقعي لحل الدولتين، لكنها لا تتوقع، ولن تمارس ضغوطا شديدة، من أجل إقامة دولة فلسطينية تتمتع بالسيادة الكاملة على الأرض في المستقبل القريب".
وأرجع رينهولد ذلك إلى أن "الأميركيين لا يريدون لهذه الدولة أن تكون فاشلة".
ويعتقد رينهولد أن "الولايات المتحدة لديها عدة دوافع وراء الجهود الأخيرة".
وأوضح: "أولا، لديهم أهداف إستراتيجية دولية، وهي أنه إذا نجحت إسرائيل في إسقاط نظام حماس في غزة، فستكون هناك فرصة كبيرة لاستبدالها بشيء أكثر إيجابية".
وأشار إلى أن "الكيان الجديد الذي سيحل محل حماس يجب أن يكون بنّاء من أجل رفاهية الفلسطينيين، بحيث يركز على إعادة بناء الاقتصاد والمجتمع".
ويرى رينهولد أن "هذا قد يكون أفضل وقت للحصول على فرصة للتقريب بين جميع الأطراف، لأن الأطراف المعنية لا تريد تفويت هذه الفرصة".
وأردف: "أعتقد أنهم معنيون بوجود أفق دبلوماسي لحل الدولتين؛ للحصول على موافقة دول الخليج للمساعدة في تمويله، وعلى الشرعية العربية والإسلامية".
وقال رينهولد: "هناك أمل في أن يقود عرض التطبيع مع السعودية لوجود حكومة إسرائيلية مختلفة؛ لأن الحكومة الحالية لن تتحرك لتعطي مصداقية لهذا الأفق".
وأوضح أنه "كان هناك أمل في أن يساعد عرض تطبيع العلاقات السعودية مع إسرائيل في إقناع الحكومة الإسرائيلية بقبول دولة فلسطينية".
وذكر أن "هذا الأفق يتطلب حكومة إسرائيلية مختلفة، وقيادة فلسطينية تحظى بثقة المجتمع الدولي… وأن تدير السلطة الفلسطينية غزة".
الخيار بيد إسرائيل
لكن في مقابل ذلك، يشكك المحلل السياسي المقيم في رام الله، نهاد أبوغوش، في جدية الولايات المتحدة بشأن هذه القضية.
وقال المحلل الفلسطيني: "لا شيء يثبت أن هناك جدية، فالجدية تكون مقرونة بالأفعال، وليست مجرد كلام شفهي عن حل الدولتين".
وأضاف أن أي تحرك "يجب أن يرتبط أيضا بوقف العدوان الإسرائيلي، ووقف حرب الإبادة، ووقف التهجير، ووقف عنف المستوطنين، ووقف الدعم المطلق لإسرائيل رغم جرائم الإبادة التي ترتكبها".
وألمح إلى أن "هذه ليست المرة الأولى التي تدلي فيها واشنطن بتعليقات إيجابية بشأن القضية الفلسطينية".
وأوضح: "لقد سمعنا هذا من قبل، من جميع الإدارات الأميركية في البيت الأبيض، بدءا من جورج بوش الأب، مرورا بـ [بيل] كلينتون، ثم جورج بوش الابن، ثم [باراك] أوباما، ثم [دونالد] ترامب، والآن بايدن".
وتابع: "لقد تحدثوا جميعا عن الدولة الفلسطينية، لكن لم يحاول أي منهم ترجمة ذلك إلى واقع عملي".
وشدد على أن الخطة لا يمكن أن تنجح إلا "إذا كانت متسقة مع حقوق الشعب الفلسطيني والحد الأدنى من حقوقه الوطنية".
وفي حديثه خلال مؤتمر للزعماء اليهود الأميركيين في القدس، قلل السفير الأميركي جاك ليو، من أهمية الحديث عن أن الولايات المتحدة يمكن أن تعترف بالدولة الفلسطينية من جانب واحد.
وقال ليو: "لم نقل قط إنه يجب أن يكون هناك اعتراف أحادي الجانب بالدولة الفلسطينية".
وبدلا من ذلك، دعا السفير الأميركي إلى "عملية بعيدة المدى تتضمن رؤية لدولة فلسطينية منزوعة السلاح".
وأضاف أن هناك الآن احتمالا حقيقيا أنه من خلال الانخراط في التطبيع والمفاوضات مع السعودية، إلى جانب الإصلاحات في السلطة الفلسطينية، "يمكن أن تكون هناك دولة فلسطينية منزوعة السلاح".
لكنه أكد أنه "سيتعين على إسرائيل أن تتخذ هذا الاختيار".