"كوكاكولا" تغير تركيبتها في أميركا.. ماذا تركت في أجساد العرب؟

داود علي | منذ ١٢ ساعة

12

طباعة

مشاركة

في مفارقة لافتة، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 16 يوليو/ تموز 2025، أن شركة كوكاكولا وافقت على استخدام سكر القصب الحقيقي في تركيبة مشروبها داخل الولايات المتحدة. 

وذلك بعد سنوات من الاعتماد على شراب الذرة عالي الفركتوز، وهي مادة متهمة طبيا بالمساهمة في تفشي السمنة وأمراض القلب.

المفارقة الأكبر أن ترامب نفسه كان قد وصف كوكاكولا قبل أكثر من عقد بأنها "قمامة"، ثم عاد ليشيد بها بعد ما وصفه بـ"التحول الصحي".

ورغم أن الشركة لم تؤكد رسميا هذا التغيير، إلا أن تصريحات ترامب أعادت تسليط الضوء على ما يوصف بأنه أكثر منتج استهلاكي أثار جدلا صحيا في العالم. 

عند العرب

ولكن خارج الولايات المتحدة، وتحديدا في العالم العربي، ظل النقاش حول تركيبة كوكاكولا وتأثيرها مؤجلا، إن لم يكن غائبا تماما.

ودخلت كوكاكولا إلى الشرق الأوسط في وقت مبكر، إذ شيد أول مصنع لتعبئتها في مصر عام 1944، ليكون بذلك أول حضور للشركة في المنطقة، تبعته موجات توسع إلى دول الخليج والمشرق والمغرب العربي.

شيئا فشيئا، لم تعد كوكاكولا مجرد مشروب غازي، بل تحولت إلى جزء من الحياة اليومية لملايين العرب، ترافق الوجبات، تقدم في المناسبات، وتروج كرمز للحيوية والانفتاح.

لكن بعد ما يقارب 80 عاما من هذا الحضور الكثيف، أصبح من الضروري أن يطرح السؤال المؤجل، ما الذي خلفه هذا المنتج الأميركي من آثار صحية كارثية في مجتمعاتنا؟

ففي منطقة تسجل فيها معدلات سمنة والسكري بين الأعلى عالميا، وتستهلك فيها المشروبات الغازية بمعدلات مقلقة، خاصة في دول الخليج، لم يعد ممكنا تجاهل الأرقام التي تربط بين هذه العادات الاستهلاكية والأمراض المزمنة والوفيات المبكرة.

وفي حين تبدأ الولايات المتحدة، ومعها دول أوروبية، ودول من أميركا الوسطى والجنوبية في مراجعة محتوى هذه المشروبات وتعديل سياسات الإنتاج والضرائب، لا تزال الأسواق العربية مكشوفة صحيا، دون مساءلة تذكر، ودون تحرك يرقى لحجم التهديد.

فهل يكون تصريح ترامب لحظة مناسبة لإعادة النظر في واحد من أكثر المنتجات استهلاكا وتأثيرا في المنطقة؟

ففي منطقة الشرق الأوسط والخليج تحديدا، تُستهلك مشروبات مثل كوكاكولا بوتيرة مقلقة، في بيئات ترتفع فيها معدلات السمنة والسكري بشكل غير مسبوق.

ففي المنطقة العربية والشرق الأوسط، بلغ إجمالي استهلاك المشروبات المعبأة (الغازية) بما فيها الكوكاكولا حوالي 118 مليار لتر عام 2023، بحسب موقع "موردور انتيليجنس" الأميركي المتخصص في استخبارات السوق. 

أما موقع الإحصائيات العالمي “وورلد أوف ستاتيستيكس” فأصدر إحصائية في 27 ديسمبر/ كانون الأول 2023، أورد فيها أن السعودية تعد ضمن أعلى 15 دولة عالميا في استهلاك المشروبات الغازية. 

ويصل معدل الفرد من 89 إلى 103 ليترات سنويا، ما يعادل حوالي 225 ملليلتر يوميا، كما أنها تحتل المرتبة الرابعة عالميا من حيث السعرات الحرارية المستهلكة من المشروبات الغازية. 

وفي دراسة نشرتها المكتبة الوطنية الأميركية لعلوم الطب في 10 أغسطس/ آب 2024، حول استهلاك المشروبات الغازية بين المراهقين في دول مجلس التعاون الخليجي، باستخدام بيانات وطنية ممثلة من المسح العالمي لصحة الطلاب في المدارس. 

كشفت أنه في البحرين، الكويت، عمان، قطر، الإمارات يوجد من 10 إلى 27 بالمئة من المراهقين يتناولون المشروبات الغازية أكثر من ثلاث مرات يوميا، وكانت قطر الأعلى في هذا المعدل.

لكن الأخطر فيما أوردته تلك الدراسة أن 72 بالمئة من الأطفال الذين على مشارف المراهقة في السعودية والكويت يتناولون المشروبات الغازية مرة يوميا على الأقل. 

جيل مريض

ومن هنا فإن هذه الأرقام ليست مجرد مؤشرات استهلاك، بل إشارات إنذار صحي مبكر، فوفق تقرير منظمة الصحة العالمية لعام 2022، تصنف السعودية، الكويت، والبحرين ضمن الدول الأعلى عالميا في معدلات السمنة لدى البالغين، حيث تجاوزت النسب 35 بالمئة. 

كما سجلت السعودية وحدها معدل سمنة لدى الأطفال بنحو 18بالمئة. 

وتشير دراسة نشرت في مجلة "The Lancet Diabetes & Endocrinology" الأميركية في أكتوبر/ تشرين الأول 2021 إلى أن ما يزيد عن 17 بالمئة من السعوديين البالغين مصابون بالسكري من النوع الثاني، أحد أكثر الأمراض ارتباطا باستهلاك السكريات السائلة والمشروبات الغازية.

وتدعم هذه الصورة دراسة واسعة نُشرت في مجلة "Circulation" التابعة لجمعية القلب الأميركية عام 2015، أظهرت أن تناول عبوة واحدة من المشروبات الغازية يوميا يزيد من خطر الإصابة بمرض السكري بنسبة 26 بالمئة. 

كما يضاعف خطر الوفاة المبكرة بأمراض القلب والسكتات الدماغية بنسبة تتراوح بين 20 و30 بالمئة، ما يعني أن علبة "الكوكاكولا" الباردة التي تقدم كرمز للانتعاش، هي في الواقع قنبلة صحية مؤجلة.

وفي تطور لافت، فجرت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية، في 1 فبراير/شباط 2025، قضية جديدة حول سلامة منتجات كوكاكولا، بعد أن أعلنت الشركة عن سحب عدد كبير من عبواتها من الأسواق الأوروبية.

وذلك بسبب مستويات مرتفعة من مادة "الكلورات" الكيميائية، وهي مادة ناتجة عن تحلل المطهرات المعتمدة على الكلور، وتستخدم في تعقيم المياه.

ورغم إعلان كوكاكولا أن المخاطر الصحية "منخفضة للغاية"، إلا أن خبراء صحة حذروا من التقليل من شأن هذا النوع من الحوادث، مشيرين إلى أن الاستهلاك المنتظم للمشروبات الغازية، سواء كانت محلاة بالسكر أو خالية منه، يحمل سلسلة طويلة من الأضرار الصحية.

فوفقا لتحذيرات حديثة، ترتبط المشروبات السكرية بشكل مباشر بارتفاع معدلات السمنة، والسكري، واضطرابات الجهاز الهضمي، وهشاشة العظام، وحتى تلف الكبد والقلب.

أما المشروبات الغازية الخالية من السكر، التي يروج لها بصفتها "أكثر أمانا"، فقد لا تكون أفضل حالا، إذ تظهر الأبحاث أنها تحفز الرغبة الشديدة في تناول السكريات، ما يفاقم مشكلة الوزن. 

وقد تؤدي بعض مكوناتها مثل الأسبارتام والاستيفيا الصناعية إلى الإسهال الشديد وسوء امتصاص العناصر الغذائية، بحسب دراسة لجامعة جونز هوبكنز، صدرت عام 2022.

وتحتوي كوكاكولا، كغيرها من المشروبات الغازية، على حمض الفوسفوريك، الذي يستخدم لرفع الحموضة ومنع نمو البكتيريا. 

لكن هذا الحمض، وفقا لدراسة نشرت في مجلة "Nutrients" الأسترالية، قد يؤدي إلى استنزاف الكالسيوم من العظام عند الإفراط في تناوله، ما يرفع خطر هشاشة العظام وضعف الهيكل العظمي. 

ووجدت الدراسة أن من يستهلكون المشروبات الغازية يوميا يواجهون ضعف خطر الإصابة بالكسور مقارنة بمن لا يتناولونها.

مخاطر عالية

أما على مستوى القلب، فكشفت دراسة لجمعية القلب الأميركية خلال عام 2023، أن الاستهلاك المنتظم للصودا يؤدي إلى انخفاض الكوليسترول الجيد (HDL) بنسبة 98 بالمئة. 

ويؤدي أيضا إلى زيادة الدهون الثلاثية بنسبة 53 بالمئة، وهو تغير خطير يضاعف احتمالية الإصابة بأمراض القلب التاجية.

وبالنسبة للكبد، جاءت التحذيرات أكثر صدمة، حيث أظهرت أن النساء اللواتي يتناولن مشروبا غازيا محلى يوميا، يواجهن خطرا أعلى بنسبة 85 بالمئة للإصابة بسرطان الكبد، و68 بالمئة للوفاة بأمراض الكبد، مقارنة بمن يتناولنه نادرا.

وحتى الأسنان لم تسلم من أضرار الكولا، إذ أكد الخبراء نقلا عن "ديلي ميل" أن الحموضة العالية في هذه المشروبات تسبب تآكل مينا الأسنان وارتفاع معدلات التسوس، سواء في المنتجات السكرية أو "الدايت".

والأخطر أن منظمة الصحة العالمية صنفت الأسبارتام، وهو المحلى الصناعي الأكثر استخداما في المشروبات الغازية الخالية من السكر، كمادة “محتملة التسبب في السرطان”، ما يضيف علامة استفهام كبيرة حول سلامة هذه البدائل التي تغزو الأسواق العربية بلا رقابة تذكر.

وفي الوقت الذي تخوض فيه العديد من الدول معركة جدية ضد المشروبات الغازية عبر أدوات تشريعية وضريبية صارمة، لا تزال الدول العربية، والخليجية تحديدا، متأخرة بشكل واضح عن هذا الاتجاه العالمي، رغم تصاعد المؤشرات الوبائية المرتبطة بهذه المشروبات.

ففي الولايات المتحدة، بدأت ضرائب السكر تكتسب زخما مع تطبيقها في مدن مثل بيركلي، أوكلاند، سان فرانسيسكو، فيلادلفيا، وسياتل.

أما في المملكة المتحدة، فقد تم فرض ضريبة مشروبات غازية في أبريل/ نيسان 2018 وفق نظام من مستويين، ضريبة بقيمة 18 بنسا لكل لتر للمشروبات التي تحتوي على 5 غرامات من السكر لكل 100 مل، وترتفع إلى 24 بنسا إذا تجاوزت كمية السكر 8 غرامات.

واتبعت أيرلندا النموذج نفسه في مايو/ أيار 2018، بينما كانت فرنسا سباقة في فرض ضريبة منذ سنوات، ورفعتها في يوليو 2018 إلى مستويات متدرجة تصل إلى 20 يورو لكل 100 لتر للمشروبات التي تحتوي على أكثر من 11 غراما من السكر.

وفي تشيلي والمكسيك، اللتين فرضتا ضرائب مشابهة عام 2014، سجلت التقارير الصحية نتائج مشجعة، إذ وجدت دراسة صادرة عن المعهد الوطني المكسيكي للصحة العامة عام 2017 أن استهلاك المشروبات الغازية انخفض بنسبة 5.5 بالمئة في السنة الأولى و9.7 بالمئة في السنة الثانية بعد فرض الضريبة.

ورغم هذه النجاحات الدولية، لم تسلك الدول العربية، رغم ارتفاع معدلات السمنة والسكري فيها  نفس المسار. 

وأطلقت حملات شعبية على مواقع التواصل الاجتماعي مثل هاشتاغ "المشروبات الغازية أهلكتنا" في مايو 2020، لتحذر من هذه المشروبات وتطالب بتحرك حكومي.

لكن مع ذلك بقيت الأنظمة الصحية صامتة أو مترددة، دون أي مسار إصلاحي واضح يشابه التجارب الدولية الأخرى.